نوري العلي
الحوار المتمدن-العدد: 977 - 2004 / 10 / 5 - 05:27
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
قبل سقوط نظام صدام كان أحد اهم المؤتمرات التي اكتسب اهمية خاصة بالشأن العراقي ومستقبل الديمقراطية , مؤتمراً دعت اليه حركة الوفاق الوطني العراقية التي
يرأسها الدكتور أياد علاوي رئيس وزراء الحكومة العراقية المؤقته الحالية. وعقد في العام 1999 حضره عدد من الباحثين بالشأن العراقي والشأن الديمقراطي والحرية وقد كان عقد المؤتمر تحت شعار العراق حتى عام 2020 . كان ابرز النخب التي شاركت فيه الدكتور منذر الفضل و الدكتور عبد الحسين وداي العطية والدكتور سنان الشبيبي والدكتور عدنان الباجه جي والدكتور صلاح الشيخلي والسيدة رند رحيم والدكتور موفق الربيعي و المرحوم الدكتور علي باباخان و الدكتور محمد بحر العلوم وفرانك ريشارد دوني والسفير ديفيد ماك وآخرون من المهتمين بالشأن العراقي ومستقبله . وتدارس الجميع مستقبل العراق بعد سقوط نظام صدام ودراسة انجع السبل واسلمها للوصول الى اقامة نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي .. ان الوضع الذي تمتعت به كردستان العراق في حينه ساعد الى حد كبير الى قناعة الحضور بقيام عراق فيدرالي واعتبار تجربة كردستان نموذجا يصلح تطبيقه على بقية اجزاء العراق.
المشكلة في تعميم التجربة الكردية هوالخاصية التي يتمتع بها وسط وجنوب العراق , وللوصول الى النموذج الامثل لنوع الفيدرالية التي تلائم واقع هاتين المنطقتين يتطلب الامر دراسة طبيعتهما وتركيبها الديموغرافي.
وسط وجنوب العراق يشمل محافظات ديالى , صلاح الدين , الانبار , بغداد , الكوت , العمارة ,الحلة, كربلاء, النجف ,السماوة , القادسية, الناصرية والبصرة .. تعتبر محافظتي كركوك والموصل ضمن المنطقة الشمالية حسب التقسيم الجغرافي الافتراضي للفيدراليه... الغالبية العظمى من سكان الوسط والجنوب من العرب المسلمين يشترك معهم مسيحيون وصابئة وارمن وغالبية الاكراد الفيلية حيث تتواجد هذه الغالبية تاريخيا ضمن المناطق العربية العراقية .. طائفيا يتكون الغالبية العظمى للعرب والاكراد الفيلية من المسلمين الشيعة يليهم السنه .
رغم اقرار الدستور المؤقت بفدرالية كردستان واعتبارها فيدرالية جغرافية إلا ان هذه الفدرالية أبقت الحال كما كان قبل سقوط النظام أي انها لم تشمل كركوك والموصل باعتبارهما ضمن المنطقة الشمالية وبالتالي يفترض ان تكونا ضمن الجزء الفيدرالي لشمال العراق بإعتبار ان الفيدرالية جغرافية.. ان محافظات كردستان متجانسة قوميا إلا ان الوضع يختلف في كركوك كونها تمتاز بتعددها القومي فهي تضم الاكراد والتركمان والعرب مع مشاكل موروثة من النظام السابق تأتت من توطينه عرب الجنوب الشيعة فيها بهدف تغيير التركيبة الديموغرافيه لها بما يؤدي الى اكثرية عربية على حساب الاكراد والتركمان وبالتالي اسباغها الصفة العربية , أما الموصل فتسكنها غالبية عربية مع قرى كردية تحيط بمركز المدينة .. ان وضع هاتين المحافظتين ضمن المنطقة الشمالية يجعل ليس سهلاً اقرار فيدرالية جغرافية شمال العراق لتخوف العرب والتركمان تحولهم الى اقلية مقارنة مع الاكراد .. الامر ضل معلقا دون اتخاذ قرار نهائي وبانتظار حسم مسألة عودة الاكراد المهجرين من كركوك وحسم مسألة العرب الوافدين من الجنوب وحتى ذلك الحين سنرى ما ستؤول اليه الحال.. يشكل الشيعة الغالبية المطلقة في محافظات البصرة والعمارة والناصرية والكوت والحلة وكربلاء والنجف والسماوة والقادسية فيما يكون الوضع في بغداد يميل الى اكثرية شيعية , في ديالى اغلبية قليلة للسنة فيما تكون محافظات صلاح الدين والانبار ذات اغلبية مطلقة للسنة العرب وبهذا نستطيع تصور التشكيل الطائفي والقومي للفيدرالية الجغرافية افتراضيا. الجنوب شيعي عربي , الوسط مختلط شيعي وسني عربي , على هذا الافتراض الفيدرالي ستتركز الثروة النفطي في فدراليتي الشمال والجنوب حيث حقول نفط كركوك تكون ضمن التقسيم الجغرافي لفدرالية الشمال وحقول نفط البصرة وميسان والناصرية ستكون ضمن التقسيم الجغرافي لفيدرالية الجنوب مع الملاحظة ان الاحتياطي النفطي للعراق يقع غالبيته في حقول الجنوب.
الملاحظ لا في الوسط ولا في الجنوب اثير موضوع الفيدرالية من قبل المنظمات والاحزاب السياسية والقيادات الدينية ولا حتى من الشارع .. وبقي الحال كذلك الى تاريخ 10/8/2004 اثناء معارك النجف حيث صرح فجأة سلام المالكي نائب محافظ البصرة ممثل مقتدى الصدر في البصرة عن انفصال محافظات الجنوب وهي البصرة والعمارة والناصرية عن العراق حيث قال تحديدا ( ندعو الى انسحاب القوات الامريكية من النجف والاعتذار الرسمى من قبل اياد علاوى وحكومته للصدر والتيار الصدرى وتعويض الشهداء والمتضررين من جيش المهدى.. واذا لم تتم الإستجابة لهذه المطالب فاننا نهدد بانفصال البصرة والعمارة والناصرية واقامة اقليم الجنوب ) وقراءة متأنية لهذا التصريح تدل بوضوح ان هناك نوايا عند تيار الصدر بالسعي للانفصال .. وان ما كشفته المخابرات البريطانية ام اي 6 من علاقات مخابراتية بين جماعة الصدر وبين المخابرات الايرانية وكشف خلايا مخابراتية ايرانية تقوم باعمال تخريبية للبنى التحتية واعمال التفجير والاغتيال بالتعاون والتنسيق مع تيار الصدر وجيش المهدي يعطي مؤشرا خطرا بنوايا هذا التيار ضم الجنوب العراقي إلى ايران وبما يتوافق مع الاطماع الايرانية التاريخية في العراق , كما كشفت الشرق الأوسط مؤخراً ان احد المسؤولين السابقين في الحكم بعد سقوط نظام صدام سرب معلومات سرية إلى ايران وقد جاء بالخبر الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 23/9/2004 (كشف مصدر أمني عراقي رفيع المستوى، ان دولة عربية سلمت الحكومة العراقية تسجيلا صوتيا على شريط كاسيت يتضمن محادثة بين مسؤول أمني عراقي سابق ودولة مجاورة للعراق. وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الاوسط» أمس ان «مخابرات دولة عربية سلمتنا تسجيلا صوتيا كان قد تم من أراضيها بين مسؤول أمني عراقي سابق وجهة استخباراتية ايرانية يتضمن اخبار الجهة الايرانية بمعلومات أمنية دقيقة عن قوات الشرطة والحرس الوطني العراقي والقوات متعددة الجنسيات». ولمح المصدر ان سبب ابعاد هذا المسؤول قد يكون بسبب هذا الشريط، اضافة الى اجراءات قد تتخذ ضده لدى عودة رئيس الحكومة العراقية أياد علاوي والوفد المرافق له من جولته الغربية الحالية. من ناحية ثانية قال المصدر ذاته انهم اطلعوا عن كثب على مباحثات جرت بين جهة اسلامية شيعية متنفذة ومشاركة في الحكم مع مقتدى الصدر لشراء ميليشيات «جيش المهدي» مع اسلحته وتحمل نفقاته على ان ينضم الى ميلشياتها الشيعية، مشيرا الى ان ايران هي من تتحمل دفع تكاليف الصفقة. واضاف ان الصفقة ما تزال قيد النقاش وان التفاصيل السرية محفوظة لدى الحكومة العراقية. وكشف المصدر عن معلومات حصلوا عليها من القوات الاميركية مباشرة تفيد بان مقتدى الصدر كان على ارتباط مع القوات الخاصة الاميركية التي كانت تعسكر في منطقة «النخيب» الواقعة في صحراء النجف قبل سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين وانهم كانوا قد زودوا الصدر بعشرة اجهزة هاتف تعمل بواسطة الاقمار الصناعية ومبلغ من المال، وان مخابرات النظام السابق اكتشفت ثلاثة من انصار الصدر وبحوزتهم اجهزة الاتصالات الثلاثة وتم اعدامهم ) .
الملاحظ في الفترة الأخيرة نشاط واضح لاتباع الصدر للترويج للفيدرالية في الجنوب العراقي الذي يضم محافظات البصرة والناصرية والعمارة حيث تسكنها غالبية مطلقة من الشيعة العرب والملاحظ ايضا و خاصة في البصرة ان صور رفعت ولأكثر من مرة للخميني وخامنئي في التظاهرات مع هتافات تمجد بالجمهورية الاسلامية الايرانية من قبل تنظيمات شيعية.. ازاء هذه الظروف والاجواء لابد وان تكون نواياهم في الفدرالية التي يروجون لها غير سليمة على الاطلاق ولابد ايضا ان هناك اصابع ايرانية تقف خلف ذلك .. ان قيام مثل هذه الفيدرالية لجنوب العراق ستهيمن عليها الاحزاب الدينية وبالتحديد الموالية لإيران بسبب ما ستلقاه من دعم مادي وأسناد وترويج اعلامي وحتى ارهابي ان تطلب الامر للقيام باعمال تصفيات للمعارضين للتدخل الايراني. ان لجماعة الصدر سوابق في تعاونها مع المخابرات الايرانية بما سيضمن هيمنتها على مقاليد الحكم في الفيدرالية المزمع قيامها والتي يروجون لها .. لقد ساعد التحسن الاقتصادي وارتفاع المستوى المعيشي خلال الفترة بعد اسقاط نظام صدام وزيادة مدخولات الناس نتيجة زيادة الرواتب وفتح التجارة وقيام مشاريع اعادة الاعمار في الجنوب وما يتمتع به من استقرار في ايجاد ارضا خصبة للدعاية الصدرية لفصل الجنوب فيدراليا بإدعاء حمايته من الارهابيين كما هو حال كردستان الامنة , وبحجة التهميش المتعمد للشيعة والحجتان هما حق يراد بهما باطل رغم ان اعمال الارهاب التي يدعونها حصلت في محافظات الجنوب كان معظمها قام بها جيش المهدي واتباع مقتدى الصدر. ان الجنوب العراقي يمتاز بتنوع ثرواته وتنوع مصادرها فهي تشمل الثروات الطبيعية كالنفط والقصب والجولان للصناعات الورقية ومصادر صيك الاسماك في الاهوار كما ان الموانئ العراقية جميعها تقع جنوب العراق وهناك ايضا افضل الاراضي الزراعية واكثف منطقة في العالم لزراعة النخيل وانتاج التمور كما يمكن ان يكون الجنوب مستقبلا مصدرا لانتاج الطاقة الكهربائية من مصدر حركة الرياح ناهيك عن فرصة الاستفادة من مياه شط العرب وتحويل جزء منها إلى الكويت والسعودية ودول الخليج . لكن مقابل هذه الثروات الطائلة والتي يمكن القول عنها انها خرافية نجد ان اهل الجنوب ولاسباب طائفية مقيته من حكومات العراق وعلى امتداد تاريخه الحديث و منذ التاسيس تعمدت اهمال الجنوب شعبا وارضا وبيئة بحيث شكلت الامية والامراض والفقر اعلى نسبها بين هؤلاء النائمين مع همومهم وجهلهم وجوعهم على اكبر كنوز العالم . وقوع الظلم ليس كافيا ولكن الاحساس به هو الاساس والدافع للتحرك لمقاومته.. فليس من الصعب استغلال هذا الشعور بالغبن والتهميش الذي قامت به حكومات العراق قبل التاسع من نيسان وكذلك من قبل الحكومة المؤقته القائمة حاليا للتحريض للانفصال عن العراق . المشكلة التي ظهر بها الشارع الشيعي وبسبب تاثير الاحزاب الشيعية الدينية صورة مرعبة من احتمال تنامي مد شيعي اسلامي متشدد يصبح امتدادا لايران . لقد غيبت هذه الاحزاب العلمانيين من الشيعة من الشارع تماما ورفعت شعارات واضحة ضد الدكتور الجلبي باعتباره احد ابرز هؤلاء العلمانيين عند رفعها شعار لا لامريكا لا للجلبي وحين تبنت ومازالت موقفا سلبيا ضد العراقيين المنفيين في الخارج الذي يشكل الشيعة العلمانيون غالبية مطلقة بينهم حيث هربوا من ظلم نظام صدام وقد استطاع عدد كبير منهم الحصول على شهادات علمية عالية واحتلوا مراكز وظيفية وعلمية متقدمه في اللبدان التي استضافتهم إلى درجة ان البعض منهم يعتبر مرجع علمي عالمي بينما شعارات رفعتها وترفعها بعض الفصائل الاسلامية ترفض علنا وجهارا عودة هؤلاء , وابرز هذه الفصائل هم الصدريون الذين مازالوا يناصبون العداء الواضح لعراقيي الخارج ويتهكمون بشكل غير لائق عليهم في كل المحافل الاعلامية ووسائل النشر اضافة إلى التشكيك في وطنيتهم. الصورة بعد تغييب العلمانيين من الشيعة ظهرت وكأن الشيعة هم اولئك الموالين لايران بسبب سلوك الاحزاب الدينية الشيعية وبعض الشخصيات الشيعية بمواقفها المائعة من ايران وغض نظرها عن ما قامت به من اعمال تخريب وارهاب داخل العراق فقد وصل الامر مع احد هذه الشخصيات من اعضاء حكومة علاوي وبمنصب متقدم جدا ان يصرح إلى وسائل الاعلام بتشكك عن الوثائق والادلة التي ادعت الحكومة التي هو عضوا فيها انها تمتلكها والتي تؤكد تورط ايران في زعزعة امن العراق. فقد كان تشككه لأغراض اعلامية واضحة ومناغاة لايران إذ كان بامكانه ان يأمر الوزير الذي اشار إلى تلك الوثائق ان يطلعه عليها قبل تشككه بها في تصريحه إلى الصحافة. لقد ارتعب العرب قبل غيرهم من هذه الصورة وان التردد في اقامة تمثيل دبلوماسي كامل وتبادل السفراء مع العراق و قيام الجامعة العربية والدول العربية بفتح ابوابها لاطراف عراقية ترعى وتدعم وتمول المنظات الارهابية فيما كانت هذه الابواب مغلقة ومحرمة امام وجه معارضي صدام وكذلك التحفظات التي تبديها دولتي الكويت السعودية إزاء اسقاط ديون صدام التي اورثها إلى الشعب العراقي , ماهي إلا لغرض اعتمادها للضغط على العراق لفرض املاءات اعتقد انها تصب في اتجاه تهميش الاغلبية الشيعية وتحجيم الدور الكردي وبقية الاطياف العراقية في السياسة العراقية و عرقلة اقامة الفيدرالية والسعي لعودة الحكم الاحادي للتسلط على الشعب العراقي لتعود ثانية دورة الدم والقتل. ان ما يطرح الان من قبل الدول العربية خطير جدا في ضغطها لمشاركة مايسمونهم باطراف المقاومة التي تقود عمليات التفجير وقتل الابرياء من المدنيين العراقيين واتباعها ابشع الاساليب في قطع الرؤوس , تطالب بمشاركتهم في حوار وطني. فهل هؤلاء المجرمين لهم مكان في عراق ديمقراطي وهم ينشطون في قتلهم وجرائمهم كلما اقتربنا يوما اقل من اول تجربة ديمقراطية وهي الانتخابات الموعودة. ايعقل هذا ؟ رغم انه يعقل وينسجم مع اخواننا من الدول العربية فهم سكتوا عقود صدام على جرائمه وباركوه عليها.
الذي يجب ان يفهمه العالم ان الاحزاب الدينية الشيعية لاتمثل إلا نفسها واعضائها وهي لا تمثل الغالبية للشيعة مما يتوجب ابراز دور الشيعة العلمانيين على حساب المساحة التي هيمنت عليها تلك الاحزاب الدينية واعتقد ان الصورة ستكون اوضح حين يكون الشيعة العلمانيون هم اللاعبون الاساسيون في الساحة السياسية الشيعية لما معروف عنهم من الموضوعية والخبرة الادارية والسياسية وما يتسم به سلوكهم من التسامح مع الاخرين وكون غالبيتهم من الليبراليين والديمقراطيين يضاف إلى هؤلاء ضرورة اشراك واعطاء دور اكبر لرجال الدين الشيعة الاصلاحيين المتنورين والمعروفين بمواقفهم المعتدلة والايمان بالديمقراطية.
وبغية اخذ زمام المبادرة لاقامة فيدرالية الجنوب كمرحلة ثانية بعد كردستان من التوزيع الجغرافي الفيدرالي ليساهم في وحدة وتماسك العراق وبالتالي اعادة اعمار العراق , ولكون الدستور المؤقت اقر عراقا فيدراليا , ولتفويت الفرصة للمتصيدين في الماء العكر, يستوجب الامر من حكومة الدكتور علاوي التنسيق مع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العراقية الوطنية معروفة الولاء للعراق الموحد للاتفاق معها والتخطيط لاقامة فيدرالية الجنوب بعيدا عن اي هيمنة دينية او طائفية او ايديولوجية او تبعية ظاهرة او مبطنة إلى اي دولة من الجوار او غير الجوار.
#نوري_العلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟