|
ماذا يحدث في تونس؟
فيصل محيمدي
الحوار المتمدن-العدد: 3267 - 2011 / 2 / 4 - 22:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
"في قهقهة التاريخ المتقدم عبر الإمكانات المتضاربة يحتضر عالم بأكمله و يتهيأ للولادة آخر".إلا أن العالم القديم إقتصادا و سياسة و ثقافة قد يلتف على الجديد ليميته و ينقض على شعاراته معلنا حضوره في ثوب جديد لامع يغري و يغوي الناظرين و لكن بمضمون قديم. هكذا إذن تتخفى السلطة لتعيد آنتشارها و رسم تكتيكاتها و آستراتيجيتها معلنة حضورها في كل مكان مستدرجة الجمهور إلى ما قبل السياسة لتعيد تشكيله على شاكلتها الدموية و سيطرتها عليه و تأبيد حضورها بنية و مسارا و وظيفة. هذه اللعبة السلطوية تفرض على الفكر المناضل أن يتحلى باليقظة "و يستبق التجربة بعين النظرية...هكذا يكتسب كل نشاط ثوري طابعا نضاليا و يتوق كل نشاط ثوري إلى أن يتعقلن في النظرية فتتأكد بآلتحام النشاطين في الملموس التاريخي ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثوريا و ضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية." هذه المقاربة النظرية الأولية ستكون سندنا في معرفة ما يحدث في تونس. لقد آنطلقت شرارة الإنتفاضة من هوامش تونس من سيدي بوزيد أين حرق محمد بوعزيزي جسده.هذا الحدث مثل آسترجاعا لجسد آمتلكته السلطة لعقود و طوعته ليكون جسدا منسيا و مهمشا لا مفكرا فيه و مسكوتا عنه في غمرة الإحتفال بالجسد النموذج جسد الموضة و الإشهار. كما أن هذا الإحتراق مثل حدثا سياسيا فضح آلة سلطوية تبجحت على مدى عقود بشعارات الديمقراطية و التنمية و حياد الإدارة... توسع حدث الإحتراق في الجغرافيا ليشمل عديد المحافظات الأخرى فتكونت حركة آحتجاجية ذات مطالب إجتماعية و آقتصادية ضد واقع الفساد و الرشوة و آلة إنتاج التفقير و التهميش سرعان ما آرتقت في سقف مطالبها لتهاجم رأس النظام السياسي خصوصا مع آنضمام شرائح إجتماعية أخرى إلى جانب المعطلين عن العمل كالفلاحين الفقراء و الشرائح العمالية و هو ما شكل الأساس المادي لتكون كتلة تاريخية إكتمل تشكلها بانضمام النقابيين و المعارضة السياسية الراديكالية و المثقفين الثوريين للحركة الطلابية و الناشطين على الفايسبوك اللذين أسهموا جميعا في تأطير المحتجين.هذا التحالف الموسع بين الشرائح الإجتماعية المذكورة أي بين جماهير الأرياف و عمال المدن و المثقفين أجبر النظام على تجييش أجهزته القهرية المادية و أجهزته الإيديولوجية للتحكم في حركة الشارع و محاصرة المنتفضين,إلا أن هذا الحصار كان حصارا يحاصر السلطة و كان جوع أحرار تونس جوعا لا يجوع,لا يثنيهم إرهاب النظام و سياسة الموت الإجباري و جدران الإستبداد و خيارات الخارج الإمبريالي الداعم لعصابات الحكم البوليسي.فالشعب المنتفض مارس آستقلاليته الجذرية عن الصيغ البالية و المدمرة و القاتلة التي آبتدعها النظام بدءا بديمقراطية المال و العصابات و المتاجرة بالأرواح و الأجساد و ناضل و لازال يناضل(أي الشعب) من أجل ديمقراطية ما بعد كولونيالية,ديمقراطية مطلقة تبدعها جماهير متنوعة تظافرت و تشاركت في مقاومة طاغوت رأس المال و آستراتيجيات قبر الحياة و تدميرها طلبا للعيش المشترك المتجاوز لكل نزعة تمركز أو أفضلية.أجبر المنتفضون الديكتاتور على الفرار تاركا قوات الأمن الرئاسي و ميليشيات حزبه لتواصل ترويع المنتفضين و محاولة حرق تونس لا كما فعل نيرون حبا في روما و لكن كرها لأرض الثوار. تسارعت الأحداث فأعاد جهاز النظام القديم تشكله في ثوب جديد مظهرا تبنيه لمطالب الشعب الذي لم تنطل عليه المسرحية بآنضمام أحزاب كانت في المعارضة و توسيع الديكور الديمقراطي (الحزب الديمقراطي التقدمي,حركة التجديد) و الإعلان عن العفو التشريعي العام و بدء التحضير لآنتخابات رئاسية و تشريعية في الأشهر القادمة .لقد أثبتت الجماهير أنها ليست عمياء و لا شوهاء و لا حمقاء.إنها ترى و تسمع و تعي فقد أسهمت في إعادة تشكل الخارطة السياسية في تونس فلم يكفها سقوط صنم الرئاسة و عائلته بل تقدمت لتطالب بتفكيك بنية الديكتاتورية مؤسسات و مصالح و دستور مما أفرز تشكلا سياسيا جديدا:بقايا الديكتاتورية هرولت لأحزاب كانت في المعارضة للتتحالف معها و جماهير شعب لم تضع نقطة للدلالة على نهاية آنتفاضتها فالمهمات الثورية لم تتحقق و هو ما يعني آستمرار ثورتها للإجهاز على النظام ساعدها في ذلك إستقطاب لاعب حقيقي و هو الإتحاد العام التونسي للشغل و تكون جبهة و طنية تضم تيارات قومية يسارية و تيارات ماركسية تطالب بالقطع نهائيا مع الواقع القديم و إرساء دستور جديد و قوانين جديدة بأفق ديمقراطي شعبي ضمن إطار و طني يسعى للتحرر من الغطرسة الإمبريالية و دمج تونس ضمن محيطها العربي المعادي للرجعية و التخلف.لم يقف الصراع الدامي و المفرح في آن عند هذه النقطة فقد آضطرت ما سمي "بحكومة الوحدة الوطنية" إلى إعادة التشكل تحت ضغط الشارع بأسماء جديدة مرتبطة بخيارات بنية قديمة كشفت عن وجهها القديم الجديد حين أرهبت المعتصمين بساحة الحكومة الآتين في قوافل الحرية من داخل البلاد معتدية عليهم بالعنف مطاردة إياهم في الشوارع محاولة خنق ثورتهم و الإلتفاف عليها مطلقة ميليشيات حزب الدكتور الفار أمام مرأى و مسمع هذه الحكومة التي تحمل بصمات جلية لوكيل وزيرة الخارجية الأمريكية الذي زار تونس مؤخرا. إن ديمومة حركة الشارع الرافضة لهذه الحكومة هي وحدها الضمانة لتحقيق مطالب الشعب. فأي إصلاح جذري في مستوى الخيارات الإقتصادية و الإجتماعية لا بد أن يمرعبر إصلاح سياسي جذري و بالتالي فتأمين العمل للعاطلين و العناية بالجهات المحرومة و الرفع في أجور الكادحين و دعم الدولة للفلاحين الفقراء...يمر حتما بإسقاط حكومة محمد الغنوشي الذي أشرف شخصيا على سياسة الخوصصة و التفريط في القطاع العام لعائلة الرئيس المخلوع و أقاربه.و بناء على ذلك فالشرائح الإجتماعية المفقرة هي الوحيدة المؤهلة لنجاح الديمقراطية لا المجالس الصورية المنصبة من برلمان و مجلس مستشارين و مجالس بلدية...المعبرة عن مصالح بقايا الديكتاتورية المرتبطة عضويا بمصالح القوى العالمية مما يجعل الصراع ضد هذه الحكومة هو صراع أيضا من إستقلالية القرار السياسي و الإقتصادي فالقوى العالمية تود أن تحصر آنتفاضة الشعب في مستوى سقف للحريات غير مضمون أصلا مع آستمرار الهيمنة الإمبريالية لذلك لا بد للنقيض أن يعاكس آتجاهها جذريا أي في آتجاه فك الإرتباط بالإمبريالية على حد مفهوم "سمير أمين" و بناء إقتصاد وطني عجزت البورجوازية الطفيلية على بنائه و لا على تحقيق الديمقراطية لآستنادها على بنية إقتصادية هشة للإمبريالية مصلحة في تأبيدها و آستبداد سياسي كابح لجماح المفقرين و سياسة قطرية معادية للتحرر العربي.إن ملامح السياسة النقيض لا بد أن تسعى نحو: _فك الإرتباط مع النظام الرأسمالي العالمي لا بمعنى قطع العلاقات المادية التجارية و التكنولوجية و التقوقع في آفاق قطرية بل بمعنى إخضاع العلاقات الخارجية لمنطق تنمية داخلية مفتوحة على آفاق التحرر العربي. _إختيار مضمون شعبي لهذه التنمية تحت رقابة مؤسسات منتخبة ديمقراطيا. إن هذه المهمات لا بد أن تمر حتما عبر صياغة دستور ديمقراطي جديد و وضع منظومة قانونية جديدة لتأطير الحياة العامة تضمن الحقوق السياسية و الإقتصادية و الثقافية للشعب. لقد آنتفض الشعب و لا بد أن يستمر نضاله حتى لا تستحيل ثورته ثورة مغدورة. فيصل محيمدي_تونس الوارد بين قوسين لمهدي عامل_ نقد الفكر اليومي .
#فيصل_محيمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا يحدث في تونس؟
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|