كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 977 - 2004 / 10 / 5 - 07:52
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
نشر الدكتور ميثم الجنابي تعقيباً أرفقه بملخصٍ لمقاله المنشور في مجلة "الديمقراطية" التابعة لمؤسسة الأهرام المصرية في عددها 15 لسنة 2004 في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 30/09/2004. وكان الأفضل وتوخياً للدقة أن يعيد نشر المقال كاملاً ليطلع قراء موقع الحوار المتمدن على تفاصيل الموضوعات التي أشرت إليها في حواري مع أفكاره, إذ أن المكثف ابتلع جل القضايا التي كانت السبب وراء حواري معه. ولهذا سأتناول الملاحظات الجديدة التي طرحها بالمناقشة والنقد.
- يعتقد الدكتور ميثم الجنابي بأن هناك سوء فهم من جانبي بشأن ما كتبه. أؤكد له بأن الأفكار التي نشرها مفهومة جداً ولا تحتاج إلى تفسير فلسفي معمق أو شرح لها, بل كانت أفكاره واضحة جداً, في حين تجاوزها الملخص المرفق ولا يعبر حقاً عن تلك التفاصيل المهمة التي تكشف عن جوهر الموقف الفكري والسياسي للكاتب. كما أنه لم يتطرق إلى كل الملاحظات الأساسية التي وجهتها إليه أو الأسئلة التي طرحتها عليه متحاشياً الخوض فيها ومؤكداً عدم انطلاقه من مواقع سياسية بل استند إلى بحث علمي حول الهوية الوطنية والقومية في العراق.
الأفكار والنظريات ليست سوى مقولات لواقع قائم يتم تجريده ثم يعاد تجسيد هذا الواقع وتدقيقه وصياغته وتقديمه كمقولات فلسفية أو فكرية وسياسية أو بقوانين اقتصادية موضوعية وفق طبيعة القضايا المطروحة للبحث والتحليل. وفي عملية البحث يمكن أن يخطئ الإنسان أو يصيب وفق المنهج الذي يستخدمه في التحليل ووفق مستوى وعيه وإلمامه بالواقع القائم وتعقيدات القضايا المطروحة للبحث, إضافة إلى خلفيته الفكرية والسياسية التي تجد تعبيرها في كتاباته بهذا القدر أو ذاك. وعلى مدى سنوات طويلة كانت الحركة الشيوعية تعتمد المنهج الماركسي-اللينيني في التحليل, ولكنها أخطأت في استخلاص الكثير من الاستنتاجات بسبب مواقف ذاتية من جانب الحركة وفقدت ملامستها الواقع القائم على الصعيد العالمي, أي أنها ابتعدت عن الوقائع والمواقف الموضوعية التي كان المفروض الانتباه إليها والتعامل الواعي معها, مع إنها قد أصابت في مواقع أخرى. والمسائل الفكرية التي طرحها الدكتور ميثم الجنابي ذات أساس مادي قائم على ارض الواقع في العراق وذات خلفية سياسية واجتماعية لا يمكن الهروب منها بحجة البحث العلمي, إذ أنها خاضعة لمعايير البحث العلمي أيضاً. فمهمة البحث العلمي المساعدة في الوصول إلى نتائج أو استنتاجات أو دروس أو مسارات معينة غير مصنوعة سلفاً, بل يحققها الجهد المبذول في البحث العلمي. ولا يختلف موضوع البحث في الهوية الوطنية والقومية في العراق عن معايير البحث العلمي وعلاقتها بالفكر والسياسة والمجتمع. وبالتالي فأن ما توصل إليه الباحث في "بحثه العلمي", (وأتساءل إن كان ما قدمه لنا جزءاً من بحثٍ علميٍ حقاً, إذ أن من حق القراء الحكم على المادة إن كانت بحثاً علمياًُ أو موقفاً سياسياً محدداً سبق الالتزام به من جانب الكاتب حتى قبل الغوص في البحث العلمي), لم تكن سوى مواقف سياسية أراد تغطيتها بعبارات فلسفية وقالب نظري, وأصبح كمن يضع العربة قبل الحصان ويدير ظهره لحقائق الوضع القائم في العراق ودروس العقود الثمانية المنصرمة وشرعة حقوق الإنسان والحقوق القومية في القوانين الدولية, لقد وضع استنتاجاته سلفاً ثم حاول صياغتها نظرياً أو فكرياً وسياسياً, تماماً كما فعلت المدرسة السوفييتية التي يبدو أنه قد تعلم منها الكثير في هذا الصدد, وكان الفشل حليفه, كما أرى. وهو ما حاولت البرهنة عليه في حواري الفكري معه, ولكنه لم يعتمد المناقشة الموضوعية والهادئة, بل راح يتفلسف بتوتر ملحوظ في تعقيبه مما أوقعه في المزيد من الأخطاء الفكرية والسياسية التي ما كنت أتمناها لفيلسوف عراقي.
_ يميز الدكتور الجنابي بين الكلمة بوصفها منطقاً أو هوى سياسياً, ويرى أن الثاني يقود إلى الهوس السياسي. ومع صحة هذا القول, فقد سقط فيه الدكتور الجنابي قبل غيره. الكلمة والجملة لها منطقها وبنيتها الداخلية ومضامينها الفلسفية والسياسية والاجتماعية في آن واحد, وهي مرتبطة بطبيعة تلك الكلمة والمجال الذي تستخدم فيه والرؤية التي تريد التعبير عنها للقراء, إذ ليس فينا من يكتب لأغراض الكتابة, بل ليعبر عما في دواخله وما يدور في رأسه من أفكار, ثم يريد الوصول إلى القراء محاولاً التفاعل معهم وربما التأثير المتبادل وإياهم. والمقال الذي كتبه الدكتور ميثم الجنابي مقالاً فكرياً وسياسياً في آن, وكان يهدف من ورائه الوصول إلى رؤية محددة لعدد من القضايا وليست القضية الكردية أو الموقف من كركوك فقط, وهي قضايا سياسية ملحة ويومية, لم تكتب لأغراض عبثية بل هي هادفة تماماً. ولهذا كان لا بد من خوض الحوار معه وتوجيه النقد العلمي للمقال الذي كتبه وتسنى لي الاطلاع عليه. ولكني لم أعمم رأيي حول مقالاته الأخرى التي لم أطلع عليها, في حين حاول من جانبه ذلك. ووقع في مطب التعميم الذي لا معنى له في النقاش والنقد العلمي المسئول.
- يميز الدكتور الجنابي بين الحوار والنقد العلمي. وليته أدرك بأن الحوار هو التعبير الحضاري عن النقد العلمي البناء والطريق إليه عندما يدور بين باحثين علميين أو أكثر, بحيث يحترم كل منهما رأي الآخر رغم اختلافه معه بهذا الرأي أو ذاك وممارسة النقد لهذه الفكرة أو تلك. يبدو أنه نسى المقولة الو القاعدة التي يدرسها كل جامعي ابتداءاً, وهي الناجمة عن خبرة العلماء الطويلة في مجال الفلسفة وعموم الفكر, حيث تقول: موضوعة تقابلها موضوعة أخرى للمقارنة أو للمخالفة, ثم يمكن عبر الحوار العلمي والنقد الموضوعي أن يتم التوصل إلى موضوعة جديدة تجمع بينهما مثلاً thesis - antithesis- synthesis:. إن حوار الأفكار أفض بكثير من صراع الأفكار, وفي الحلالات التي لا مناص منها فلا بأس من صراع الأفكار على أن يبقى حضارياً, رغم أن ثقافة الحوار المتمدن ما زلنا نفتقدها, والحوار بمعناه العلمي يتضمن النقد العلمي والموضوعي, كما يمكن أن يكون فارغاً وبائساً أيضاً, ويعتمد الأمر على مستوى الباحثين والمتحاورين. والنقد العلمي ليس هدفاً بحد ذاته, بل أداة للوصول إلى نتيجة أفضل.
- يتساءل الدكتور الجنابي بقوله : "كما أنني لا أعرف متى صار النشر في دولة عربية أمراً معيباً ومتعارضاً مع قيم الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق القوميات". لو كان الجنابي قد تصفح العدد 15/2004 مجلة "الديمقراطية" جيداً لوجد فيه بحثاً لي منشوراً بعد مقالته مباشرة في الملف العراقي الذي شارك فيه الدكتور فاضل العزاوي والناقد الأستاذ ياسين النصير والدكتور عبد الحسين شعبان والدكتور رشيد الخيون ..الخ, كما أني أنشر الكثير من البحوث والمقالات في العديد من المجلات العربية خارج العراق منذ عشرات السنين, ولم أجد في ذلك عيباً, بل ضرورة. ويبدو لي أنه أراد أن يخرج من مأزق ويلوي رقبة النقد الذي وجهته له بتوجيه الملاحظة وجهة خاطئة, وكأني غير قادر على التعقيب على تشويه موقفي بتفسير خاطئ. انصبت ملاحظتي في هذا الصدد على قضية أخرى تماماً. فقد أشرت إلى أن مقال الدكتور الجنابي يقع ضمن ثلاثة احتمالات: إما أن الكاتب يعرف ويحرف, أو أنه تخلى عن قضايا كان يلتزم بها سابقاً, وهذا من حقه الطبيعي, أو أنه يريد أن يجامل الفكر القومي العربي المتهافت والرخيص حول المسألة الكردية وإزاء الفكر القومي العربي اليميني عموما. حول هذه النقطة توجهت ملاحظتي وليس الموقع أو المجلة أو البلد الذي نشر فيه الكاتب مقاله.
- لست معنياً بوجهة الدكتور الفكرية والسياسية, رغم أنه يعرف بأن تخلي الإنسان عن تاريخه الفكري والسياسي قضية شخصية وحق من حقوق الإنسان وليست مدار اهتمامي, فأنا أتحاور معه حول الأفكار والآراء التي يطرحها وليس حول شخصه بالذات. كما أني لست مهتماً في ما إذا كان الرجل ماركسياً أو لم يكن مادياً ديالكتيكياً ومادياً تاريخياً في حياته, ولكن ما أعرفه عنه جيداً وليس اجتهاداً أو تخميناً سمح لي بالإشارة إلى ذلك. إن المنهج العلمي في البحث والتحليل والكتابة لا يقتصر على الماركسية ولا على المنهج المادي, ولكنهما يشكلان قاعدة أساسية للتراكم المعرفي وفي تطور المناهج العلمية والتحليل العلمي للمجتمع البشري, ويحق لكل باحث أن يستفيد من المنهج الماركسي دون الإشارة إلى ماركس وإنجلز أو هيغل أو غيرهم من أصحاب المناهج في العالم. وهذه الملاحظة ليست مثلمة تسيء للكاتب, بل كانت مدحاً لكتاباته الأخرى التي اطلعت عليها باعتبارها تعبر عن مستوى طيب في التحليل.
- حاول الدكتور ميثم الجنابي الهروب من الموقف السياسي الذي اتخذه في بحثه باتهامي بأني أمارس مهنة السياسة وأحاول ابتزازه. أنا لا أتخذ من السياسة مهنة, رغم كوني من النشطاء في الحقل السياسي وفي مجال حقوق الإنسان والبحث العلمي. وليس سراً أني كنت عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي, وعضوا في اللجنة المركزية على مدى عشرين عاماً. ولست واثقاً من أنه قابل للابتزاز إذ لا مجال هنا للابتزاز. كما لم يدر في خلدي ذلك, ولكنه شعر بذلك, وهذا الشعور يعني بدوه من الناحية النفسية ضعفاً وعدم ثقة بالنفس من جهة, وأنه أدرك الخطأ الفادح الذي ارتكبه في تبرئة ساحة النظم العربية على امتداد التاريخ من السياسات الشوفينية والعنصرية والتعريب القسري من جهة أخرى. كما كان بودي أن يقرأ مقالته ثانية ليرى في نفسه ذلك السياسي الذي تبنى حقاً, شاء ذلك أم أبى, موقفاً شوفينياً ومتعصباً من الشعب الكردي, وأنه تساهل مع النظام البعثي الشوفيني إلى أقصى الحدود. ولن يستر الشق الكبير هذه الرقعة الصغيرة حيث كتب يقول "... بأنني من الداعين أصلاً إلى ضرورة انفصالهم عن العراق من أجل أن يتكاملوا في أمة خاصة بهم تنمو كما ينمو الجميع", (ص 2 من التعقيب).
علينا نحن العرب أن نتحدث بصراحة وجرأة عن وجود شعب كردي في العراق له هويته القومية ويعيش بجوار الشعب العربي مع وجود قوميات أخرى, وأن هذا الشعب يشكل جزءاً من أمة كردية تعيش في جميع أجزاء كردستان المقسمة, ولهم الحق في تشكيل دولتهم الوطنية المستقلة. وعلينا نحن العرب ثانياً أن نعترف للشعب الكردي في العراق بحقه في تقرير مصيره, بما في ذلك حق الانفصال وتشكيل دولته المستقلة. وعلينا ثالثاً أن نعترف بأن من حقه, ما دمنا قد اعترفنا له بهذا الحق, أن يقرر بكل حرية البقاء في إطار الجمهورية العراقية على أساس الفيدرالية. هذا هو الموقف المبدئي الذي أراه مناسباً, بغض النظر عن الوجهة الفكرية التي يلتزم بها الإنسان, ولكني لا أسعى إلى فرضها على الآخرين. ولكن من حقي العمل من أجلها لا على أساس مهنة, فمهنة البقالين ليست صنعتي, بل على أساس رؤية مبدئية للقضايا التي تواجه العراق. القول بأن على الكرد أن ينفصلوا وفي ظروف غير مواتية, كمن يريد أن يثير عليهم الأتراك والفرس والعرب وكل القوميين المتعصبين ويدفع إلى نشوب صراع غير مبرر في المنطقة وربما إلى حروب تؤثر سلباً على الوضع في العراق كله وعلى الشعب الكردي ذاته. إن القول بالانفصال, هذه القنبلة التي اعتقد بأنه أفحمني بها, كما قال عنها صديقه كاردو كامو, وبالطريقة التي طرحها, هي التي تعتبر مزايدة مضرة في وقت يصعب تحقيقها, وبالتالي يراد زج الكرد في معارك تقود إلى خسائر لا مبرر لها في الوقت الحاضر, وتساهم في تأجيج القوى الشوفينية في المنطقة كلها ضد الشعب الكردي في كردستان العراق. لقد تعلم الكرد كثيراً خلال العقود المنصرمة, وتعلموا أساساً السبل المناسبة في تحقيق الأهداف المشروعة والعادلة. ولكني أدرك أيضاً بأن هناك جملة من الأطروحات الخاطئة التي لا معنى لها كمن يتحدث عن استعداد لخوض الحروب في سبيل كركوك, في حين تتوفر كل الإمكانيات لمعالجة القضية سلمياً وديمقراطياً ولصالح الجميع.
- القول بأن على المضطهدين أنفسهم أن يناضلوا لرفع الحيف عنهم, هي القاعدة العامة الصحيحة. ولكن لِِمَ تعتبر المشاركة في دعم نضال الشعب الكردي أو غيره من الشعوب لرفع الحيف والاضطهاد عن المضطهدين ("الدفاع عن المضطهدين" مجرد حالة عابرة في تاريخ الرياء السياسي). هل أن العرب من النساء والرجال الذين شدوا الرحال إلى كردستان العراق من مختلف الشتات الذي تبعثروا فيه للنضال مع الكرد في سبيل الديمقراطية للعراق وضد النظام الدموي ومن أجل الحقوق القومية للكرد والقوميات الأخرى كان مجرد رياءاً سياسياً منهم, ومنهم من قتل ومنهم من جرح ومنهم من اعتقل وقتل أيضاً. هل الدكتور جيفارا, الذي لم يكن فقيراً ولا محتاجاً, ولكنه ساهم في النضال في سبيل تحرير كوبا ثم غادرها إلى مواقع أخرى ليموت على أرض أخرى, كان مرائياً سياسياً؟ هل التضامن من قبل شعوب كثيرة على جانب نضال شعوب أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية هو مجرد رياء سياسي أو أنه مهنة حقيرة, في وقت يمكن أن يتعرض هؤلاء لمصاعب لا أول لها ولا آخر. وآخر مثال على ذلك قدم من قبل الفتاتين الإيطاليتين الذي دفع بهما النبل إلى التطوع والعمل في العراق وكان عرضة للاختطاف من قبل الإرهابيين الذين يعيثون في العراق فساداً وقتلاً. هل هذا رياء سياسي أيضاً. لِمَ يحاول الإنسان عندما يرتكب خطأً أن يمارس أساليب بائسة في الدفاع عن موقفه الخاطئ بما يزيد من غوصه بالخطأ ويزيد الأمر تعقيداً على نفسه بدلاً من أن يعترف بالخطأ الذي ارتكبه, أو أن يقول هذا هو موقفي وكفى. كم كان وما يزال بودي أن يحتكم الدكتور الجنابي إلى العقل والتفكير الهادئ بدلاً من التعقيبات المتوترة. لم أرغب, وما أزال كذلك, إثارة الدكتور ميثم الجنابي, بل كان همي جلب انتباهه إلى أن المسائل التي خاض فيها بحاجة إلى مزيد من الروية والبحث المعمق ليجنب شعبنا العراقي المزيد من الكوارث.
- من المفيد جداً أن يرسل الدكتور الجنابي مقاله بالكامل إلى الحوار المتمدن لنشره هناك ليطلعوا القراء على تفاصيل الأفكار التي نشرها, إذ أن التلخيص لا يفي بالغرض نهائياً, إذ ابتعد بتلخيصه عن تلك الأفكار التي ناقشته بشأنها وانتقدته عليها, لهذا فهو لم يناقشني على ما طرحته بل تجنب ذلك تماماً واقتصر على العموميات والجمل غير الملموسة والفارغة من أي مضمون. لا أريد هنا تكرار ما قلته بشأن القضايا التي وجدت ضرورة مناقشته وتوجيه النقد له. للقارئة والقارئ إمكانية العودة إلى الحلقات الثلاث التي نشرتها للحوار الحضاري مع الدكتور ميثم الجنابي في أكثر من موقع على الإنترنيت ومنها موقع الحوار المتمدن وفي الصحافة العراقية.
- يشير الدكتور ميثم الجنابي إلى أني انطلقت من موقف حزبي حين يقول "إن مضمون ما كتبته يخرج عن إطار الرؤية السياسية الحزبية التي انطلق منها الدكتور كاظم حبيب وطبعت مقالاته". (ص 1 من التعقيب). في هذا النص ثلاث أفكار, وهي: أنه لم ينطلق من موقف سياسي, وقد ناقشته في بداية هذا التعقيب, وأني أنطلق من موقف حزبي, وأن هذا هو الطابع المميز لكتاباتي. أنا واثق تماماً بأنه انطلق من موقف فكري وخلفية سياسية واضحة وهادفة, وعلى القراء أن يحكموا على ذلك بأنفسهم عندما يتسنى لهم الاطلاع على المقال بنصه الكامل. وصاحب الموقف الفكري والسياسي لا يفترض أن يكون حزبياً بالضرورة, إذ أن كثرة من الكتاب من اليمين والوسط واليسار ليسوا بالضرورة ينتمون إلى أحزاب سياسية. وهي مسألة ثانوية جداً, إذ أن المهم هو الموقف الفكري والسياسي. ويبدو أن الرجل يعيش في عزلته في موسكو, وإلا لكان عليه أن يعرف شيئاً عن نشاطي خلال العقدين الأخيرين في المجال السياسي على الأقل, وإلا فليس من حقه أن يقول بأني أنطلق من موقف حزبي. أنا أنطلق من موقف فكري وسياسي تماماً كما انطلق هو, ولكن من موقعين, كما يبدو مختلفين ومتباعدين. وليس في ذلك أي عيب. والعيب في أن لا يتحمل الإنسان تبعات ما يكتب فكرياً وسياسياً ويحاول بأساليب ملتوية التنصل منها أو الالتفاف عليها.
منذ سقوط النظام حتى الآن نشرت أكثر من 200 دراسة ومقالاً في الصحافة العراقية والعربية والألمانية وفي مواقع على الإنترنيت. وهي تعبر عن مواقفي الفكرية والسياسية إزاء تلك الأحداث ومستعد للدفاع عنها والحوار حولها, والاعتراف بالخطأ إن كان فيها ما هو خاطئ, فلست من مالكي الحقيقة كلها ولا من المعصومين عن الزلل. وقد أشرت في أكثر من مرة بأني أنطلق من مواقع الفكر الماركسي غير المنغلق على نفسه أو إزاء الأفكار الأخرى وغير المغلق أيضاً, وهو أوسع بكثير من المفهوم الحزبي الضيق الذي يعنيه الدكتور الجنابي. ومع ذلك فأنا أحترم الرأي الحزبي أياً كان, ولا أرى في ذلك أية مثلمة أو عيباً, فهذا من حق الإنسان وعلينا تشخيص الخطأ عندما يرتكبه الإنسان, سواء أكان حزبياً أم مستقلاً عن الأحزاب وليس عن الفكر والسياسة.
برلين في 2/10/2004
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟