العرش أعزّ من الشعب

زكرياء الفاضل

الحوار المتمدن-العدد: 3265 - 2011 / 2 / 2 - 21:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

العرش أعزّ من الشعب
خطاب مبارك بالأمس وأحداث اليوم الدامية توضح جليا مدى كراهية النظام للشعب المصري، حيث أنه كان يعلم ردود فعل الجماهير على رفضه للتنحي عن السلطة ورغم ذلك قذف بخطابه في وجه ملايين المصريين غير مباليا بالنتائج. فالرئيس المصري ينطلق من كونه لم يبقى له ما يخسره ولذلك قرر لبس حزام الموت وتفجير الشارع المصري وإشعال نار الفتنة بين أهاليه مما قد يحول مصر إلى لبنان أيام الحرب الأهلية. جواب مبارك على مطالب الشعب يفهم على النحو التالي: أيها الشعب المصري إني أعزّ كرسي الحكم أكثر منك بل إني مستعد، كصديقي الراحل الحسن الثاني، للتضحية بالثلثين منك والإبقاء على الثلث المطيع فقط.
إذا أشعل مبارك نار الفتنة في مصر، وحكم الفتنة في الشريعة معروف لدى الفقهاء، لكننا نرى هؤلاء الفقهاء، وعلى رأسهم شيخ الأزهر، قابعين في قصورهم غاضين ضمائرهم، الميتة أصلا، عما قام به صاحب نعمتهم ومولاهم الأكبر الذي يسبحون بحمده ويرجون رضاه لأنّ غضبه عليهم يعني عدم صرفه لهم أجورهم أو بالعامية المصرية "المهيّه". إنّ علماء الأزهر كالمجلس العلمي بالمغرب لا يطلعون بالفتاوي إلا بطلب من النظام لذلك لن نسمع فتواهم في صانع الفتنة المصرية إذ الأزهر مجرد إدارة حكومية تسهر على تنفيذ قرارات الريّس. فليكن إذا الريّس مبارك في عونكم أو أنتم في عونه، أما الشعب المصري فله عزيمته وإرادته وتضحياته الجسام وإصراره، بإقدام، على تغيير مصيره مهما كان الثمن.
في ظل هذه الأوضاع نرى الجيش يقف مكتوف الأيدي بدعوى الحياد الذي لا تفسير له في مثل هذا الظرف العصيب إلا على نحو: من ليس معنا فهو ضدنا. فالجيش يعلم أن من يسمون أنفسهم أنصار مبارك ليسوا سوى أفراد المؤسسة المخبراتية والأمنية وأعضاء الحزب الحاكم مما يعني أن الفتنة لم تندلع عفويا بل دبّر وخطّط لها بدراسة فائقة العناية قبل خطاب أمس الذي كان بمثابة كلمة السر لانطلاقتها.
إنّ الجيش يؤدي القسم للوطن لا للرئيس والوطن ليس مفهوما تجريديا ولا مصطلحا يطلق على أرض خالية لا حياة بها. إنّ الوطن هو أهل الأرض وأصحابها أي شعبها، أما التراب فهو تلك البقعة التي يعيش عليها ذاك الشعب فالدفاع عن التراب هو، بالأساس، دفاع عن أهل التراب. والقسم عندما يؤدى للوطن إنما في حقيقة الأمر هو عهد يقطعه جزء من هذا الشعب على نفسه بالدفاع عن باقي إخوانه في حالة تهديد الخطر لهم. كما أنّ كل عدة الجيش من لباس وسلاح وعتاد وذخيرة من جيب هذا الشعب أي على حد المثل المصري "لحمة عظمة" الجيش من عرق جبين الشعب المصري. لذلك تخاذل الجيش في القيام بواجبه نحو شعبه هو إخلال بالعهد الذي قطعه على نفسه أمام الوطن ومخالفة وعده لشعب هذا الوطن. أين هو شرف الضابط المصري المعروف بوطنيته؟ أمعقول أن يكون الضباط الأحرار انقرضوا في مصر؟ أم أنّ الجيش انطلى عليه خداع مبارك وصدّق أنه فعلا ينوي تسليم السلطة بعد نهاية مدته بشهر شتنبر؟
إنّ كل ما يستهدفه مبارك حاليا هو تهدئة الأوضاع وبعد ذلك سيطلق حملة اعتقالات واسعة تشمل "اليابس والأخضر"، كما يقول المثل الشعبي، ستتبعها محاكمات جائرة توزع فيها تهم ملفقة للمعارضة من الإخلال بالنظام العام وأمن الدولة والنهب وتخريب الممتلكات العامة والخاصة..إلخ، ثم يهيئ الظروف اللازمة لتوريث الحكم لابنه.
إنّ تعيين رئيس المخابرات رئيسا للوزراء ومدير السجون على رأس وزارة الشئون الداخلية لأكبر دليل على أنه يهيئ نفسه لحرب ضد شعبه من أجل الحفاظ على كرسي الحكم. إنّ عناده وتمسكه بالسلطة يعني شيئا واحدا هو أنّ العرش عنده أعزّ من الشعب، وهذا حال كل الحكام العرب أي أنّنا، كشعوب، كلنا في كفة وحكامنا في كفة ثانية بمعنى أننا وحكامنا في خندقين متناقدين وحان الأوان لنقرر مصيرنا بأنفسنا دون توصيات خارجية. لهذا أقول لكل شعوب العالم العربي: مصيركم، اليوم، بأيديكم، فإلى الأمام عمالا وفلاحين وطلبة وكادحين.. إلى الأمام ولتلهمكم الحرية.. إلى الأمام ولتنصركم قضيتكم العادلة.. إلى الأمام لترهبوا الرجعية.. إلى الأمام لتكسروا أنياب الامبريالية..

#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات