|
سارعي بالانتحار قبل أن يقتلك
وليد مبيض
الحوار المتمدن-العدد: 976 - 2004 / 10 / 4 - 07:31
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
(وداد) وداد امرأة في العقد الخامس من عمرها، تهوى الكتابة للمسرح، بدأت محاولاتها الأولى منذ شبابها، لكنها أصيبت بمرض قاس وطويل كاد أن يبعدها عن الحياة نفسها، وهاهي تعود مع مجموعة من الصديقات للعمل المسرحي، كانت مهمتها الإعداد والمساعدة في كتابة النصوص، وفي هذا اليوم الذي سيفتتح أول عرض مسرحي للفرقة، وقفت أمام المرآة، والخوف يملأ قلبها: ـ هل ما أزال صالحة لهذا العمل، وهل سننجح، وكيف سيكون الحضور...؟ أسئلة كثيرة داهمتها بها المرآة، لكنها لم تثبط من عزيمتها، واتجهت إلى المسرح، ووقفت مع بعض صديقاتها، لاستقبال الضيوف. (الانصعاق) وبينما هي منهمكة في الحديث والمجاملات... صعقها...! أحست به كنور بدر غمر روحها في هذه الصحراء من البشر، خافت في البداية من مجرد التفكير به أو التعرف عليه، فبينهما مساحات هائلة مملوءة بحواجز لا تنتهي، لكن الحب لا يأتي بقرار، هو كومضة برق، تتملكنا، تصعقنا، وهكذا وبغفلة عنها، وعن عائلتها، وأصدقائها، وكل ما عرفته في دنياها، أحبته. شاب في الثلاثينات، أبيض، ناعم، يبدو على محياه ملامح أرستقراطية، أنيق الملبس. لم تستوعب كيف تعرفت عليه؟ كل ما عرفته في البداية، أنه شاب هاو للمسرح، وخاصة النسائي، وقد تطوع للمشاركة في أعمال الفرقة. حين جلست لحضور العرض، تصادف جلوسه إلى جانبها، وأخذت تتبادل معه الآراء، كلما سنحت لهما الفرصة، اتفقت معه على تأييد بعض المشاهد، وشتما سوية حين اكتشفا بعض الأخطاء، لم يشعرا أنهما تعاملا منذ لحظة تعارفهما بتلقائية عاشقين! (غيث) أثناء الاستراحة تعارفا بعمق، عرفت أنه شاب من عائلة غنية ذات أصول أرستقراطية، وحيد عائلته، يكن حباً وإعجاباً غير محدودين لوالدته التي توفيت منذ سنوات عديدة، ولا تزال غيوم الحزن لفقدها تحوم في عينيه. أخبرها أن تربية أهله له، وتركيزهم على تعليمه وتربيته، جعله يعيش بعيداً عن الناس، فقد كان لا يعرف الغرباء إلا من خلال زجاج البيت أو السيارة، ربما كان ذلك سبب تورطه في زواج مبكر وفاشل، كانت الإيجابية الوحيدة فيه هي تلك الطفلة التي يرعاها، والتي كرس لها حياته. (البداية) عرفت كل ذلك عنه، من اللقاء الأول، وعرف عنها كل خفايا حياتها الماضية، واعتبرت ذلك دليلاً على قصة حب جديدة يمكنها أن تعيد لها حيوية الشباب، وأخذت تحلم، بل ربما تتوهم، علاقة رومنسية، ونسيت في خضم ذلك، ما يبعده عنها: الشباب، الطبقة الأرقى، التجارب العاطفية الفاشلة، منافساتها ومنهن الكثيرات الأجدر به، تكريس حياته لطفلته، عزلته السابقة... أمور كثيرة تفرق بينهما، ولا جامع بينهما، سوى حبها المنزه عن أية غاية، كما تسميه هي "حب فقط"، أحست أنها لم تحب سابقاً، فما يحصل معها اليوم، لا يحصل مع المرأة إلا مرة واحدة في العمر، الآن تعرفت على حقائق حياتها بصورة جلية، فقد قضت كل عمرها تحترم الواجبات، والآن قررت ألا تضيع فرصة الحب هذه، لا على مذبح العائلة، ولا على أي مذبح مقدس آخر، ربما كان ذلك تهوراً منها، لكنها لم تخطط لذلك، فقد جاءها الحب عفوياً. (الماضي) منذ طفولتها وهي تحب المسرح، لكنها وفي سن مبكرة تزوجت، كان الرجل جميلاً، قوياً، وكانت تتملكها الرغبة الجنسية، فلم تنتبه، إلا وهي متزوجة من رجل أكثر ما يكره في الحياة، كل فنون المسرح، لذلك تفارقا بعد إنجابها طفلاً، حاولت أن ترضعه حبها للمسرح، وخلقت منه رجلاً مرافقاً لحياتها. بعد عدة سنوات حين استطاعت تجاوز آلام التجربة الأولى، جاءها شاب ادعى حباً عميقاً للمسرح، ومرة أخرى تزوجت دون انتباه، فقد كان الرجل انتهازياً يسعى للمجد والشهرة دون أي حب للمسح وفنونه، كان يريد أن يستغلها هي والمسرح ليرتقي في المجتمع، وحين فاقت من غيبوبتها، تركت مؤسسة الزواج مرة أخرى، ولم تعد تفكر حتى بأي نوع من العلاقات مع الجنس الآخر إلى أن صدمها"غيث". (حب من نوع مختلف) لم تدر في تلك اللحظة سوى أنها سقطت من علو شاهق، ولا تعرف هل سيتلقاها أم سيتركها لتتحطم ذاتياً؟ اكتشفت فيه موهبة النقد الفني، ولم تشعر بتلك التلقائية التي تكلما بها، إلا بعد أن نظرت إلى اللقاء الأول من بعيد، تلاقيا مرات ومرات، وشجعته على ممارسة موهبته، ووقفت إلى جانبه، وكان دافعها حباً ملأ كيانها، حب لم تستطع التحدث عن مبرراته، فليس له مبررات، هو حب ليس له علاقة بالجنس، أو الجمال، أو المال، أو الجاه، ولا بأي شيء آخر يمكن أن يخطر بالبال. علاقتها معه صعبة، فكأنها تمشي في حقل ألغام، فلا تستطيع التعبير له عن مشاعرها، خوفاً عليه من علاقة متعبة معها، ومن أن تلتهمه الظروف الخانقة التي تحيط بكليهما، فهي لا تريد سوى أن يبقى معها، لكن بطريقة لا تعذبه أو تؤذيه، ورغم أنها لم تعرف معنى الحب منذ زمن بعيد، إلا أنها تشعر الآن أن هذا الشاب يسكن كل خلاياها، فهي تراه أمام ناظريها، حتى حين يغيب عنها، بل أصبح يسكن أحلامها، في النوم واليقظة. رافقته في كل خطواته، وحين كان يشعر بالضعف أمام المصاعب، مدت له يد العون، حين ورثت فجأة عن أجدادها وقفاً يعد بالملايين، وضعته تحت تصرفه، وفعلاً فقد أنشأ شركة ضخمة، عين فيها معارفه بمرتبات مجزية، وأخذ يحول القسم الأعظم من الأرباح لحسابه الخاص، ثم يعيده للاستثمار لمنفعته الشخصية، وحملها مسؤولية إقحامه في هذا الميدان، بل أخذ يمن عليها بأن عبقريته وإبداعه هما اللذان منحا رأسمالها حياة لم يحلم بها أحد من قبل. حذرها البعض من تصرفاته، وادعوا أن به مس من الجنون، لم تصدقهم، واعتبرت أنهم يحاولون النيل منه، بسبب الغيرة من هذا الشاب الغر الذي دخل فجأة كمنافس محتمل، له من عناصر القوة، الشيء الكثير، وأحياناً كان يظهر بمظهر الخارق، وهو ما أقلق محبيها، وخاصة حين يحدثهم عن أحلامه الذهبية التي يرى نفسه فيها أميراً حاملاً سلال الذهب، ناثراً ما فيها على رؤوس الناس، حينها وقفت بصلابة معه ومع أحلامه، وكان إذا استلزم الأمر تقف أمامه في وجه العواصف، لتلقي الصدمات عنه. حتى بعض المقربين منه عملوا بطريقة التحطيم، حتى أن أحد إخوانه " " الذي يحمل مؤهلات عالية في علوم ما قبل المسرح، وقف في وجهه، مندفعاً بأنانيته، وغروره، اللذين يسمحان له بالتسلق حتى ولو على جثث الآخرين، وخاصة إن كانوا من الطبقة الثالثة، كما يسمي المثقفين الفقراء صارخا:ً ـ أنت تخوض غمار معركة خاسرة، لأنك لا تحمل إمكانيات تؤهلك للقيام بذلك، فأنا رغم امتلاكي مؤهلات عالية، فإنني أمتنع عن العمل في هذا المجال، لما يستلزمه من جهد دون مردود مناسب له، ولا تنظر إلى هؤلاء الحثالة الذين يشجعونك، فمن المفيد للإنسانية، تدميرهم لتصبح الحياة نقية. شعرت حينها بتعبه البادي على وجهه وكل كيانه، تمنت أن تضمه لصدرها... تخفف عنه، تواسيه، تعانقه... تقبله... تمسح دموعه، لكنها لم تجرؤ على طلب ذلك، لأنه لم يسمح لها بأن تتجاوز العلاقة بينهما حدود الكلمات، والكلمات فقط. (احتمالات) بعد بضعة أشهر شعرت بأنه يتهرب من لقائها، ولاحظت فتوراً منه، لم تعرف السبب، فوضعت عدة احتمالات: ـ أن يكون هناك امرأة أخرى. ـ أو أنه قد انتبه لفارق السن والغنى. ـ أو أنه لم يحبها منذ البداية. وأن طريقته في معاملتها يمكن ردها إلى اللباقة والمجاملة..! ـ أو أنه شاب معقد نفسياً. وبما أنها لم تعد تستطيع رؤيته كالسابق، فقد كتبت له: (الرسالة) أيها المحسن الكبير: لقد مللت طرق بابك، دون استجابة، لذلك قررت الكتابة، آملة أن تكون رسالتي هذه محاولة ناجحة لرأب الصدع في حياتي، طبعاً بعونك وودك، أذكر أنك في لقاءاتنا الأولى، أشعرتني بالندية، وأنه لا يمكن لأية فوارق أن تقف حائلاً بيننا، وددتني... عاهدتني... وعدتني أن تجد لي مكاناً بقربك على الدوام، لم يخطر ببالي، أنني سأتحول إلى متسولة على بابك..! كيف حصل ذلك؟ ما الذي تغير فجأة؟ أيها المحسن الكبير: لعلي قد أوضحت لك بشكل أكيد، أنني عشت عمري كله، مكتفية بلقمة عيش تسد الرمق، ليس إلا، لم أسع إلى الإمتاع، رغم أنني تطلعت إليه... أنت وحدك، من أحييت في نزعة التطلع إلى مشاركتك متع الحياة، وفجأة انقلبت الدنيا، وبت أخشى العودة إلى ما اعتدت عليه..! هل تريدني أن أعود إلى أحوالي السابقة، التي عشت فيها الجبرية سنيناً طوالاً، ثم ألا يحق لامرأة عادية أن تمتلك يوماً واحداً في حياتها متعة الاختيار؟ لقد ظننت أن الوقت قد حان لممارسة حقي الطبيعي في الاختيار، حين فتحت لي أبوابك..! أيها المحسن الكبير: لماذا دفعتني لارتداء ملابس التسول، مع أنك جعلتني أطمع في أن أكون أكثر من امرأة عادية؟ فأنت وحدك من عرفته على ملامحي بدقة، وتوسلت إليك أن تمنحني قطعة صغيرة من كعكة الحب، التي ظننت أنك قادر على صنعها خصيصاً لي، وها أنا أتسولها منك، ولا أحصد سوى الهشيم..! أيها المحسن الكبير: أتوسل إليك للمرة الأخيرة، أن تجيبني على رسالتي، فهذه المرة الأخيرة التي أتسول فيها على بابك، وبعدها سيظل قلبي محتفظاً ببصيص أمل، أرجو ألا يدفن معي، لأنه لن يبق شيء يمكن البكاء عليه في هذه الحياة بعدك. المخلصة وداد (الهجران) كان حبها يعمي عينيها عن تحفظاته، تهربه، عقده، إلى أن جاءها في يوم برفقة صبية شقراء جميلة بعيون زرقاء وقوام فارع، قال لها أعرفك على شريكة حياتي، فاجأها، فتلعثمت، ولم تعرف كيف تتصرف؟ حين خرجت إلى الشارع أخذت تحدث نفسها بصوت عال، كالمجانين تماماً، وفي الأيام التالية زاد من ابتعاده عنها، حتى لم يبق لها منه سوى صوت صدى يداعبها كل صباح، وأخيراً خرج من حياتها، تماماً، وعرفت أنه لن يعود...! بكت كثيراً، شعرت باليأس يملأ كيانها، وعزت نفسها بالاحتمالات التي وردت على خاطرها سابقاً، لكنها كانت تتغاضى عنها حين كان يقربها منه، وشعرت بثقل ذلك حين غاب عن حياتها، لكنها ظلت تلوم نفسها، أفبعد هذا العمر، وهذه التجارب في الحياة، تقع فريسة سهلة؟ أحست بأعماقها بأن هذا الحب يجب أن يكون الفشل الأخير في حياتها...! فقررت الانتحار! (الخلود) توجهت إلى جبل لترمي بنفسها، منهية آخر قصة حب حقيقي في هذا العالم، حين وصلت إلى القمة، وقفت تتأمل المدينة وحدائقها، وتخيلت كم من السعادة يمكن أن تتوفر للمحبين، ترددت، عاد إليها حب الحياة، والخوف من الموت، ودون انتباه منها، توقفت سيارة إلى جانبها، ونزل منها الحبيب الغائب، اتجه نحوها، ودفعها إلى الخلود، الذي طالما تمنته. حين سئل عن الأمر، نفى أن يكون قد تعمد ذلك، وادعى أن الحادث كان قضاء، وأنه يحتفظ لها بود عميق..!
#وليد_مبيض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جميلة غسان
-
قصة قصيرة
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|