رويدة سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3262 - 2011 / 1 / 30 - 06:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إلى أين تقودنا النظم العميلة وكيف تجرؤ على الضحك على ذقون الشعوب الحرة وتستمر باللعب في ميدان صارت كل اللعبة فيه مكشوفة ؟
مبارك كما كل زعماء الثورات المضادة في بلدانا العربية السليبة لم تخترهم الشعوب بل فُرضوا عليها وتماهوا في اللعبة إلى الحد الذي جعلهم يعتقدون أنهم ممثلي الله على الأرض. يحكمون فيطاعون بدون جدال. ينهبون البلاد وينتهكون العباد بكل حرية ودون مسائلة فالبلاد بالنهاية ""عزبة أبوهم". دون أي واعز وطني أو احترام أخلاقي لشعوبهم، باعوا البلاد لمن يدفع أكثر سواء كان المشتري أمريكا التي صنعتهم بالأساس لخدمة مصالحها بالمنطقة أو إسرائيل أو أي عاهر قادر على دفع الثمن. ووقفوا يراقبون تنامي أرصدتهم ومصالحهم دون ادني اكتراث لشعب يموت فقرا وجهلا ومرضا.
أحاط مبارك نفسه كما فعل بن علي وكل الحكام العرب بجهاز مخابرات قوي وحرس رئاسي يدافع عن كراسيهم ويقوم بكل العمليات القذرة التي تضمن لهم إسكات كل مثقف مخالف إلى الأبد قتلا أو برميه في معتقلات لا تشرق فيها الشمس كما شكلوا على حد تعبير سلام عبود جيش وشاة يقوم ب"إشاعة الخوف، وزراعة الشك بين أفراد المجتمع، وتدريب وتأهيل المواطنين على سبل فقدان الثقة بأنفسهم وبالمجتمع"
ومن أهم الأسس التي بنى عليها سلطته أن أحاط نفسه بهالات من القدسية التي لا يمسها الشك بالتودد لرجالات دين يبيعون الولاء مقابل مكاسبهم الخاصة. والأزهر ربيب كل النظم القمعية الفاسدة التي تداولت على مصر وعلى مر تاريخه أنشأته السياسة منذ البدء ليخدم أجنداتها السياسية ويمنحها سلطة على القلوب وبالتالي على الرقاب ومبارك لم يشذ عن القاعدة في استغلاله للدين لتثبيت مكانه وتمرير حقه في النيابة عن الله في الحكم. فمنح رجال الدين كل الحرية في الإثراء الغير مشروع بطرق اقل ما يقال عنها أنها خسيسة في سبيل أن يُرفع اسمه وذكر صالح أعماله الوهمية على المنابر. يدعوا له الأئمة المبجلون والموقرون بعد كل صلاة بدوام المنصب وثبات الحكم ولهم في دين الدولة السند الذي لا يقبل الدحض: طاعة ولي الأمر فريضة لا جدال فيها. لكن إلى متى سيبقى حكامنا العرب يستغلون هذا الكم من التعصب والجهل في تثبيت حكمهم ثم البلدان العربية هل هي ملك خالص لفئة معينة ولدين واحد أم هي ملك لكل مواطنيها مهما كانت انتماءاتهم الفكرية والدينية والعرقية؟
ككل السلط القمعية في البلاد العربية رأينا كيف قام بمنع المعلومة سواء على أجهزة التلفاز أو بمنع الانترنيت وتعطيل خدمة الهاتف على الشعب في الداخل أو المراقبين في الخارج ليسهل عليه إحباط ثورة من اجل الحرية والكرامة واسترداد الإنسان لحقه في الحياة بعيدا عن هوان كان مبارك ونظامه الفاسد السبب المباشر في تعميقه بتجهيل الشعب وإغراقه في مشاكل لا حصر لها كالطائفية وإقصاء الأقليات وحرمانهم من حقوقهم المشروعة ونشر العهر في كل مكان
أليس هو من يدفع الأقباط لمهادنة النظام في شكل عصري لدفع الجزية وهم صاغرون؟؟
في حين أنه كنظام "وطني" لم يقم يوما بأي إجراء رادع لرد الاعتداءات التي يتعرض لها الأقباط من طرف الإسلاميين المتطرفين فلم يحاسب أبدا المنظرين من المعميين الداعين للتضحية بالنفس في سبيل إعلاء كلمة لا ألاه إلا الله محمد رسول الله. نظام ينشر الفرقة بين أفراد شعب واحد يعود تاريخه إلى أكثر من 7 ألاف سنة في سياسة همجية للتفرقة من أجل السيادة ليس جديرا بالبقاء في سدة الحكم بل يجب أن يرمى في مزبلة التاريخ هو وكل أعوانه.
النظام المصري لم يسعى إلى جعل التعليم مواكبا للعصر ولم يهتم لمجانية التعليم مهملا حق أكثر من 40/100 من مواطنيه محدودي الدخل في التعلم بل شجع دوما الخصخصة مما جعل مستوى التعليم يتدنى بشكل رهيب. ميزانية التعليم والبحث العلمي في مصر منخفضة حسب تصريح حسن العيسوي الأمين العام لحركة معلمون بلا نقابة الذي يؤكد أن مجلس الوزراء له تحت بند مصروفات أخري ما يقدر بنحو 38 مليار جنيه والذي وصف القرارات الوزارية بأنها عشوائية وتخبطة ترقي إلي ” الخيانة العظمي ” مثل القرار الوزاري رقم 241 لسنة 2008 والذي وقع عليه دكتور يسري الجمل الذي يفيد بتطبيق نظام التقويم الشامل وإضافة اللغة الفرنسية علي سبيل التجربة في 6 محافظات ( الإسكندرية – الغربية- الجيزة-الإسماعيلية- قنا- بورسعيد – الأقصر ) بالإضافة إلي القرار رقم 55 لسنة 2007 الذي يعين للوزير حق تعيين 10 % أجانب من المدرسين.
نجحت سياسة مبارك في مدة زمنية قياسية في ما سعت إليه الدولة العثمانية التي حاولت طيلة 400 سنة تجهيل شعوب مستعمراتها فقام بحنكة السياسي الفذ بتجهيل نسبة كبيرة تتجاوز // نسبة الأمية طبقاً لآخر الإحصائيات التي أشرف عليها مكتب اليونسكو سنة 2006 هي 28.6% وغالبيتها بين الفئة العمرية 15 و45 عاماً // من شعب بهر الدنيا بحضارته. تحول التعليم إلى سلعة تباع في السوق السوداء يتحكم بها سماسرة بلا ضمير في حين تحول المربي الشريف إلى إنسان معدم مجبر على القيام بأي أعمال إضافة لتوفير الحد الأدنى من حاجياته في غياب لأي فعاليات نقابية على ارض الواقع. هل يمكن بأي منطق إنساني القول أن مثل هذا النظام جدير بالبقاء في الحكم
لا يخجل مبارك من كل تجاوزاته والحيف الذي ألحقه بشعبه. يتمسك بكرسي لفظه إلى الأبد. بكل وقاحة حكامنا العرب يتمسك في لعبة أخيرة بحلم الحفاظ على عرش يعلم العالم أن من وضعه فيه هو القوى الامبريالية في سعيها لإحباط ثورات مصريين أحرارا. عانت مصر من الاستعمار ككل الدول العربية ولما قال الشعب كلمته ووقف وقفة بطل في وجه الاستعمار الانجليزي ساندت البرجوازية الناشئة القوى الاستعمارية في القيام بثورة مضادة أحبطت كل أمل في الكرامة والحرية والديمقراطية. فكان في كل قطر كرازاي وقع اختياره على مقاييس المصالح الدولية والإقليمية لأطراف آخر همها مصالح الشعوب.
بعد تونس وثورتها الناجحة التي أطاحت بالدكتاتور توالت الانتفاضات الشرعية المنددة بالظلم والقهر في العديد من البلدان العربية وكان لمصر أن تحمل المشعل وتسعى لتغيير النظام الجاثم على صدرها منذ عقود. لكن نرى كيف يحاول النظام الحاكم في سعيه المبتذل للحفاظ على مكاسبه التلاعب بالسياسة وحق الشعب في تقرير المصير وبدل أن ينسحب بأقل خسائر ممكنة في صفوف المواطنين والبنية التحية للبلاد أمام رفض الشارع له يحاول مبارك أن يَثبُت بتغييرات وزارية لا معنى لها ولن تتحقق المطالب الشرعية بل فقط تجعل من البلاد ثكنة كما كانت دوما يتحكم بها العسكريون. باختيار وزراء من المؤسسة العسكرية التي حكمت مصر منذ تحولت إلى جمهورية يحاول صناعة جدار صد تسقط عليه أحلام المصريين في الإطاحة بحكمه. كما انه بهذا الإجراء يتنازل عن مشروعه توريث سلطته لنجله لكن بذات الوقت يضمن بقاءه في السلطة إلى أن تستقر الأمور ثم يستقيل أو يتنحى عن الحكم فلا يتعرض إلى ذل الطرد من البلاد أو الهرب كما فعل بن علي.
انه يتوارى وراء بيادق هو من يحركها. بيادق تتمتع بالصرامة العسكرية وقادرة على فرض سلطتها على الشعب بالقوة في مقابل الانتفاضة التي لا يتزعمها أي حزب والتي هي صوت لطبقة وسطى ضعيفة ومعدمين أنهكهم الفقر.
نعلم جميعا أن بن علي قام بشر عبر مدير أمنه الرئاسي على السرياطي عناصر مخربة في أرجاء البلاد لإذكاء العنف وتهديد الأمن الوطني وللعبث بالبنية التحتية للبلاد وترويع المواطنين مما يُفقدهم الأمان ويجعلهم يضطرون للمطالبة بالتضحية بمطالبهم بحثا عن الاستقرار فهل سنعرف يوما ما من المسئول عن كل ما يحدث بمصر من تحركات مشبوهة لمليشيات تعمل على إثارة الهرج والقتل والسلب وتتآمر على أمن المواطنين وتعتدي عليهم في عقر دارهم في غياب ملفت للجيش وقوات الأمن والشرطة؟؟
هل قدر الشعوب العربية أن تستهلكها حكوماتها والنظم الاستبدادية المتحكمة بها أثناء الحكم وحتى أثناء السقوط فلا تتوانى في إذلالها باستعمال شتى الوسائل التخريبية والإجرامية كل مافيا فاقدة لكل إنسانية وضمير حي واحترام للأخلاق العامة؟؟؟
قال مبارك "إن طريق الإصلاح الذي اخترناه لا رجوع عنه أو ارتداد الى الوراء. سنمضي عليه بخطوات جديدة تؤكد احترامنا لاستقلال القضاء وأحكامه. خطوات جديدة نحو المزيد من الديمقراطية والمزيد من الحرية للمواطنين. خطوات جديدة لمحاصرة البطالة ورفع مستوى المعيشة وتطوير الخدمات وخطوات جديدة للوقوف إلى جانب الفقراء ومحدودي الدخل."
أين كانت كل الإصلاحات التي يعد بها اليوم؟
أم أنهم غرروا به و"غلطوه" كما قال بن علي قبيل فراره من تونس؟؟
ألم يكن يدرك الهاوية التي قاد إليها البلاد في سعيه المحموم لتثبيت أقدامه في السلطة وتوريث الحكم لنجله؟
هل يعتقد الزعماء العرب أن الشعوب بالبساطة التي تجعلهم يصدقون بعد طول هوان وعودا كاذبة بإصلاح طال انتظاره؟؟
#رويدة_سالم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟