أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من يتضرر من الثورة التونسية؟















المزيد.....

من يتضرر من الثورة التونسية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3262 - 2011 / 1 / 30 - 05:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بينما يتعذر تقدير الجهات التي ستستقر الأوضاع التونسية بصورة تناسبها أكثر من غيرها، فإنه يمكن بدرجة أكبر من الموثوقية تقدير أربع جهات متضررة مبدئيا من الثورة.
أولاها نظم الحكم العربية دون فارق بين الممانعة منها والمعتدلة. في هذا الشأن الحكم الأبدي هو دين الجميع ودولتهم. لقد زجت الثورة التونسية جمهورا مليونيا في المجال السياسي، تعودت النظم المعنية ونخبها الحاكمة على احتقاره واغتيابه بالسوء مع شركائها الغربيين. وأعادت مبدأ التغيير السياسي إلى جدول عمل وتفكير المجتمعات العربية ونخبها، بعد أن كان المثال العراقي قد أحبط هذا التطلع، ورفع إلى الصدارة مطالب الأمن والاستقرار. وإذا جمعت احتجاجات الجمهور التونسي بين مطالب العمل والمعيشة من جهة، والحرية والكرامة من جهة ثانية، واستهدفت اجتماع السلطة الأمنية الفظة والثروات الفاحشة في أيدي طغمة نظام بن علي، فإنها تمثل درسا في التربية السياسية لقطاعات من مجتمعاتنا أوسع من تلك التي تخاطبها المعارضات التقليدية. كذلك نالت الأخبار الواسعة عن زوجة الرئيس وصهره وعصبة "الطرابلسية"، وثرائهم الفاحش وجشعهم، من هيبة نخب الحكم العربية. فلكل منها "طرابلسيوها" من أبناء وأصهار وأبناء عم وذوي قريى، وليس أي منها في موقع يؤهله لرمي طرابلسيي تونس بحجر. وفوق ذلك كله كان ممتنعا بالمطلق الحيلولة دون التداعيات الآثمة التي يثيرها سقوط الطاغية في نفوس رعايا نظرائه.
في المقام الثاني تضررت القوى الغربية النافذة، فرنسا بخاصة والولايات المتحدة، فضلا عن إسرائيل. كانت لهذه القوى الثلاث علاقات طيبة مع نظام بن علي، ولقد وجدت فيه متراسا قويا في مواجهة "الأصولية الإسلامية" ونموذجا للحكم السلطوي الحداثوي المظهر ترتاح إليه. وما أصاب السياسات الغربية في العقدين الأخيرين من تلوث شديد بعقيدة صراع الحضارات، ثم بمواجهة "الأصولية الإسلامية" دون اعتناء يذكر عموما بتمييزه عن الإسلام والمجتمعات الإسلامية بعامة، كل ذلك جعل الحكومات الغربية تفضل نظما "حداثوية" مهما تكن دموية وفاسدة. الديمقراطية مكسب كبير للمجتمعات، ولا يتمناها المرء إلا لمن يحبهم. نحن نتمنى، مثلا، لو أن الحكم في إسرائيل دكتاتوري دموي فاسد، يمارس أشكالا فظة من التمييز بين اليهود، ويذل محكوميه وينكل بمعارضيه، ويكرس الحاكمون فيه أفضل جهودهم كي يخلدوا في الحكم، ثم يقيموا سلالات حاكمة مالكة. ومثل ذلك يتمناه لنا الإسرائيليون ومراكز القرار السياسي والمعرفي المسيطرة في الغرب. ويبذلون من أجله جهودا سياسية وأمنية، وثقافية. وطبائع العلاقة بين القوى الغربية ونظمنا تبيح الاشتباه في أن استمرار من كان رئيس وزراء بن علي رئيسا للوزراء في مرحلة ما بعده، وما قد يعنيه ذلك من إجهاض للثورة، يستند إلى دعم أطراف قوية من وراء الستار. في الميزان مصالح اقتصادية وإستراتيجية، فضلا عن إرادة تطويق العدوى المحتملة إلى بلدان عربية أخرى. ومن علائم الشؤم أن جفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، كان في تونس بين 24 و26 الجاري بغرض "صوغ حصيلة الانتفاضة التونسية"، حسب تعليق لوكالة فرانس برس. ومن تونس طار إلى باريس.
قد يتحفظ المرء عن اعتبار الإسلاميين طرفا ثالثا متضررا من الثورة التونسية، غير أن الاتصال المستغرب لراشد الغنوشي بسيف الإسلام القذافي، وثنائه على حاكم ليبيا الذي انفرد بمجاهرة الثورة التونسية بالعداء، يبعث على التساؤل عما إذا لم يكن لازما رفع هذا التحفظ. على أية حال، كسرت الثورة التونسية منوالا عمره فوق ثلاثة عقود من هيمنة الشكل الديني على الصراعات الاجتماعية والسياسية في بلداننا. ولم يبرز بين شعاراتها الرئيسية شعار إسلامي واحد، ولم يكن الإسلاميون مبادرين لها أو في موقع قيادي فيها، ولم يُرصد أي هجوم على العلمانية أو على مدونة الأحوال الشخصية التونسية، الأكثر تقدمية في العالم العربي. وشاركت النساء مشاركة طيبة في الثورة، سافرات ومحجبات، مختلطات في كل حال مع الرجال. والحدث الذي أطلق الثورة، حرق محمد بوعزيزي نفسه، ليس مما يتقبله الإسلاميون عموما، وبعض الفقهاء الحكوميين سارعوا إلى تحريمه. لكن الأهم هنا أيضا هو نوعية المثال: مدني، شعبي، وطني تونسي، شعاراته تتحرك في عالم دنيوي، ومطالبه حياتية وإنسانية ووطنية. كل هذا يقطع مع التمثيلات الإسلامية لـ"الأمة"، ويضع النموذج الإسلامي للاعتراض السياسي في موقع المتضرر. يقطع أيضا مع استنفاد تمثيل مجتمعاتنا بدكتاتوريات حاكمة وبالإسلاميين، فقد ظهرت تونس مجتمعا بشريا عاديا متنوعا، أكثريته ليست هنا ولا هناك. معلوم أنه يشترك في اعتناق هذا التمثيل الثنائي الإسلاميون أنفسهم، وأطقم الحكم في بلداننا، والقوى الغربية، وشريك إيديولوجي مقرب من الطرفين الأخيرين.
يتعلق الأمر هنا بتيار ثقافي سياسي غير هامشي، هو الشريك الرابع في ائتلاف المتضررين. نسميه التيار الغربوي لكونه يرى العلاقة بين الغرب والحداثة علاقة ماهوية، فلا حداثة ممكنة لدينا دون تغرب سياسي وثقافي وسيكولوجي. والسمة الجوهرية الثانية لهذا التيار الذي يصف نفسه بالعلمانية أنه يرى العالم من منظور مواجهة "الأصولية الإسلامية"، فيكتسب كل شيء آخر قيمة نسبية في أحسن الأحوال، ومعدومة في أسوئها، بما في ذلك نمط ممارسة السلطة، وصيغ تعبئة وتوجيه الموارد الوطنية، وتوزيع الدخل الوطني، والعلاقة بين السلطة والثروة، ونوعية العلاقات بالقوى الدولية المهيمنة، بما فيها إسرائيل. معتدلو هذا التيار تجاهلوا عموما الثورة التونسية. أما المتطرفون فقد تشككوا فيها، وسارعوا إلى إبراز مظاهر العنف والاعتداء على أملاك خاصة بعيد فرار بن علي، رغم أنه كان واضحا منذ البداية أن من بادروا إلى ذلك هم من بلطجية النظام؛ وهم بعدُ لا يكفون عن التبشير بأن البديل الوحيد عن النظام هو الإسلاميون.
طوال عقود أقام هذا التيار في عالم ذهني يكون في أتم استقراره ويقينه بالصواب الذاتي حين تكون مجتمعاتنا في أسوأ أحوالها. حتى تحول تطلب سوء الحال إلى رسالة ونضال، وحتى تطورت الغربوية إلى دوغما خاصة فقيرة في محتواها الفكري والأخلاقي، ضعيفة الروابط مع الواقع المتغير، وقوية الروابط مع مؤسسات وأجهزة ميسورة. فإذا حدث ما يخلخل ثوابت هذا العالم الذهني، وما يشير إلى أن مجتمعاتنا مثل غيرها تماما، ليست أفضل، لكن ليست أسوأ، استشرس القوم لإثبات ما كانوا يعرفونه دوما: نقصنا الجوهري وقلة عقلنا الدائمة.
ما يجمع الأطراف الأربعة هو نزعتها المحافظة المتطرفة، واحتقارها للجمهور العام ومبادراته المستقلة، وصدورها جميعا عن خطاطات مكتملة في شأن التاريخ والحقيقة والخير، متمركزة جدا حول الذات. القوم كاملون. وكل شيء غيرهم ناقص إذن.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغتسلا بالنار، المغمورُ بطلا
- في تونس ثورة... مفتوحة الآفاق
- من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
- مناقشة لكتاب -السلفي اليتيم- لحازم الأمين
- الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-
- خاووس
- يتغير السودان، المهم ألا يتغير النظام
- المرض بالإسلام...
- عرض نقدي لكتاب جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية، حرب الم ...
- ويكيليكس والدول
- الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!
- في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
- هذا الفصام الكردي المستمر...
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
- من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
- إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
- حوار هادئ في قضايا راهنة
- الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية
- هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟
- من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من يتضرر من الثورة التونسية؟