هادي العلي
الحوار المتمدن-العدد: 3261 - 2011 / 1 / 29 - 15:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك شعار هو من اكبر الشعارات التي يرفعها حزب البعث بمثابة قاعدة اساسيه يبنى عليها استراتيجيته وهو شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالده , لقد رفع هذا الشعار في اوج الصعود والحماس القومي ولقى قبولا رائجا بين الشباب العربي وتجاوبا كبيرا ولكن بعد التجربه الطويلة بات هذا الشعار من اكثر الشعارات لافتا للنظر في المراجعه لما فيه من دوافع عمليه الى التعصب والاستعلاء,فماذا يعني امة ذات رسالة خالده ؟ان التأمل الهادئ في الموضوع يدعونا الى وعي حقيقه هذا الشعار ودلالاته ,فهو يضع للامة العربيه ميزة ورفعة على بقية الامم فهي ذات رساله وكأن ذلك قدر مقدر للامة العربيه على امم العالم بمفهوم هذا الشعار وان تلك الرساله خالدة أي الى ابد الدهر ,اما ما هي هذه الرساله, فعلى الارجح كان المقصود لدى المؤسين هي رسالة الاسلام وليست رسالة وضعية مبتكره , كما انها ليست رسالة الانسان كمخلوق مميز عن باقي الكائنات الحيه والا لاشترك كل انسان بها وكل امم العالم , ولما اصبحت مقتصره على العرب منطقيا .. فهناك فعلا رسالة للانسان في هذا الوجود ا بمعنى انه يتميز بقدرته الادراكيه وخصائصه الجسمانيه في انتصاب القامة وتحرر الذراعين مما اهله على العمل والانجاز والتجديد والتطور والتقدم وبذلك اصبح ذات افضلية وتمايز عن الحيوان وله مآثر دائمه ..
ان رسالة الانسان رسالة خالدة ما دام في ركب التتجدد بتجدد الحياة وتطورها اذ تشترك البشريه جميعا في تحقيق تلك الرسالة عبر التواصل بين الامم في المكان والزمان, فليست هناك امة تقتصر عليها تلك الرساله الخالده لان الرساله الخالده هي رسالة كل الانسان لتحقيق انسانيته وفق هذا المفهوم, فلماذا هذه الميزة للامة العربيه من بين امم العالم ان لم تكن دعوة دينيه , وماذا يعني الخلود للرساله هل يعني ان العرب وحدهم يمتلكون تلك الخصائص الانسانيه ام انهم امتلكوا رساله سماويه في الثبات و السكون الى ما لا نهاية او على مدى الحياة , فهل الخلود في الثبات والسكون ام ان الخلود هو في التغيير والحركه , وهل رسالة الاسلام التي جاء بها محمد العربي (ص) هي رسالة خالده , وان كان الامر كذلك لماذا لا يتمسك الحزب بدين الاسلام ولماذا وضع الشعارات القوميه والاجتماعيه المعروفه وحدة وحريه واشتراكيه ,شعارات ليس لها معنى في الرساله الاسلاميه فلكل ظرفه مفرداته ومفاهيمه وشعاراته ,وان لم يكن هذا هو المقصود فهل ان حمل العرب لرسالة الاسلام بعد نزوله عليهم بلسانهم هي التي جعلت لهم هذه الميزه في حينه.. وهل هي كذلك على مدى الدهر لكي يتعكز عليها الحزب في اعطاء الامه هذه الخاصيه في عصرنا الراهن .. اليس كون الرساله خالده يعتمد على ماذا تقدم هذه الامه الان ؟ وكيف لامة في عالم متغير تريد ان تنهض وتتطور دون اجتهاد عقل وتجديد ودون فكر مبدع و متطور خصوصا في عصر الحداثه وما بعد الحداثه ,الم يحن الوقت للكف عن هذه السفسطات , ان الفيصل في التمييز بين رسالات الامم هو ايهما اكثر انجازا و تقدما,اما رسالات السماء قد بلغها الانبياء انفسهم الى البشر وهي تكليف الاهي للرسل وخاتمها رسالة الاسلام وفق اليانة الاسلاميه حينها نهضت الامه واخذت دورها الانساني في وقتها فتلك مسالة اخرى ,وذلك لا يعني استمرار حمل الامه هذا الدور بشكل يميزها عن بقية الامم الا في ذلك الزمان والمكان , أي ان حملها في زمان ومكان محدد لا تعني ا ن الامه ذات رساله خالدة فهي اصلا رسالة نبي بعثها له ربه الذي اصطفاه لهذا الغرض الى كل الامم ومنهم هؤلاء الذين حملوها وحتى بعد نشوء الدولة وتطورها فقد كانت تلك الدولة ذات سمة دينيه نشات في احضانها وتطور تكوينها العربي برافع الدين ونصوصه العربيه وقد اتخذت تلك الدوله اطر و كيانات وهياكل متعدده ومختلفة التمدد كالدولة الامويه والعباسيه والفاطميه ...الخ, وهذا دليل تاريخي على حقيقة ان امة واحدة لا يعني بالضرورة دولة عربية واحدة سواء في الماضي او الحاضر او المستقبل.. ثم وفق المنطق الديني اليس لكل امة رسول لهذا تعددت الاديان والرسالات الدينيه التي الى شتى الامم لتاخذ كل دورها الانساني في الزمان والمكان, لذلك كله لا يصح ان نقول عن امة بالتخصيص انها ذات رساله خالده ,وان كانت لكل امة رساله خالده فهي رسالة كل الامم أي رسالة انسانيه تلتقي بها مع الامم الاخرى في المهمة الانسانيه الملقات على عاتق الانسان,ان شعار امة عربيه واحده ذات رساله خالده يوحي الى التمايز والتفضيل العرقي كما يوحي الى ميزه دينيه خاصة للعرب في الوقت الذي لا فضل لعربي عن اعجمي الا بالتقوى وهذا ما يذكره القرآن الكريم,وفضلا عن ذلك , والاهم هو ان الشعار مدعات الى الغرور في نفس صاحبه ويجعله اكثر عرضة للانحراف عن المعقول وحافز له ومحرض على التعامل السيئ مع القوميات الاخرى المتعايشه ,لقد كان هذا الشعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة خلف كثير من الاخطاء السياسيه التي مارسها الحزب في فترة استلامه للسلطه لذلك ينبغي اعادة النظر في صياغة الشعار ليكون امة عربيه واحده ...رسالة انسانية خالدة,ان الاخطاء المختلفه التي ارتكبتها سلطة حزب البعث وقيادته في مجال السياسه قد جعل الكثير من مواطنين البلاد العربيه يربطون بين تلك التجربة السياسيه وبين الشعارات التي تحملها فلا مراجعه حقيقيه للتجربة بالقفز على الشعارات .
ان الكوارث التي المّت بالشعوب العربيه اليوم هي اكثر ضررا في عمق الوعي الشعبي بين الاثنيات الدينيه والطائفيه والقوميه و انعكاس ذلك على موقفهم من العروبة.. والتعامل مع العروبة كعقيدة وليس كواقع ناشئ من صيرورة تاريخيه ,لقد سبب ذلك تدريجيا ايجاد تعارض مفتعل بين القوميه والانتماءات الدينيه والطائفيه للجماهير وبالتالي دفع الجماهير للوقوع فيما ندعوه بانفصام الشخصيه,وهي ظاهرة اجتماعيه خطيرة استثمرتها بذكاء قوى خارجيه معروفه اجتاحت العالم العربي.ان معالجة هذه المسالة التي نطرحها للحوار اصبحت في مقدمة المسائل التي ينبغي معالجتها ,فلكي لا تستغل الحال ولا تختلط المفاهيم ولكي لا تنمو النزعات الشوفينيه للقوميات الاخرى, ينبغي ان لا نهمل الفرصه المناسبه لكي نواجه الحقيقه بشجاعة المراجعه وسحب البساط من تحت اقدام كثر من يتحامل على العرب بصيغ لا صلة لها بالنقد البناء ولا تدل على اي موقف حريص باي شكل ,وان ترك الموضوع لهذه الظاهرة الخطيره ذات الصلة بالهجمه الاستعماريه الشرسه خصوصا بعد احتلال العراق سوف يضر بشكل بالغ في مسيرة كفاح هذه الامه وقد يؤدي الى انتشار وبائي وكارثي ما نطلق عليه انفصام الشخصيه.. ان الشعار يقفز على الوطن و يبتلع قيمة المواطنه وبالتالي الوطنيه فالمطلوب العودة الى الاصول الفكريه التعبيويه وتنوير الجماهير وغلق كل ما يخلق التشويش في ذهنها ,لنؤكد بان شرط الانتماء القومي هو الانتماء الوطني فكل من انتمى للوطن سواء من العرب او من اقليات قومية متعايشه معهم يتمتع بحقوقه الوطنيه الكامله كانسان حر في معتقده وفي لغته وثقافته والانتماء الى المنظمات والمؤسسات التربويه والتعليميه والثقافيه والجمعيات والاحزاب التي تعبر عن قناعاته وان ذلك لا يتعارض مع كونه يشارك في عيشه ومعيشته تضامن مع كيانات وطنية اخرى ذات تركيبه وخصائص ومصير تجمع كيانه الوطني معها وان ذلك هو مصدر قوة وتقدم له وليس هناك ميزة لسيماء معين في مواطن على غيره ,كما لا فضل لامة على غيرها الا بالعمل والانجاز لذلك ,انطلاقا من هذا المنطق لابد من اعادة النظر بكل شعار يشير الى ميزة او افضليه , ان شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالده فضلا عن انه يوحي بالتمايز والافضليه لامة العرب فهو لا يتفق مع الواقع الحالي و العقليه الحاليه للجماهير, فهو يشير الى ان ألعرب اعلى مقاما.... ، بينما لا نجد ذلك ما يبرره عندما نرى الواقع من حولنا مختلفا .. ان التمايز اللفظي هذا هو احد اسباب ما نحن فيه من تمزق نسيجي وهو سبب لا يساعد في الخروج من واقعنا المتخلف اذ ننظر الى انفسنا بوهم ,فرغم انّا امة من اغنى الامم ثروة في عالم
, ان القوميه واقع ووجود تعكسه حاجة الشعوب والدول في تاكيد بقائها وهي كوجود تفعل كسياج حماية لامن تلك الشعوب الاقليمي الذي بدونه يصبح هذا الامن عرضة للاختراق وتصبح كياناتها عرضة للاجتياح كما هو حاصل الان في واقع شعوب العرب في فلسطين والعراق والسودان واليمن والمغرب...الخ فبفعل الاعلام المسيطر لارادات دوليه خطيره وايضا نتيجة تلك الانحرافات الداخليه للحكام وبابتعاد بعض الحكام العرب عن تلك الرابطه او الاستغناء عنها ساد في العالم العربي هذا النزوع الخطير فان لم يتم اللحاق سيفوت على الامة الزمن ويتجاوزها كما تجاوز غيرها,ان معالجة اشكالات المساله القوميه عموما واعادة النظر بشعاراتها القديمه سيساعد في وقف تزعزع الامن القومي والا ستصبح الامة العربيه في مهب الريح. فالى من اراد المراجعه حقا نقول لماذا تغمضوا اعينكم عن امر بات واضحا ...لماذا الصمت؟..
ان فشل وتخلف العرب سببه طبعا لا يتعلق بمنشأهم و بخلقتهم وباخلاقهم اي بوجودهم فهناك اسباب داخليه معروفه تتعلق بالحكام و تسلطهم واسباب خارجيه تتعلق بقوى استعماريه مهيمنه وطامعه بنهب ثروات بلدانهم, فهي كلها اسباب تمنع نهضتهم وتكرس فشلهم وتهدد وجودهم... ولكن على الطليعه ان تذلل بوعيها واسبقيتها في الكشف عن المرض وعن الخلل لتصحيح المسار ... ان تراجع الوعي القومي يعود الى خطه مبرمجه؟ ..مؤآمره .وليس سيرورة الى اللاقوميه او العدميه القوميه, فلا وجود واقعي لهذه العدميه بين البشر اذ لا يوجد انسان بدون قوميه .
#هادي_العلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟