فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 23:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا أحب أن أكتب وأنا واقع تحت ضغط انفعالى يمنعنى من تقديم الحقيقة كاملة, وهذا ما أخرنى فى الكتابة عن مجزرة كنيسة القديسين. علمت بوقوعها وأنا فى رحاب الكنيسة وكانت الأخبار غير مؤكدة من ناحية عدد القتلى والجرحى, وما وصلنى وقتها أن عدد القتلى تجاوز المائة والجرحى بالمائات, وحين عدت للمنزل وتابعت ما جرى بمتابعة العديد من المواقع التى أذاعت الخبر كانت تقدم أرقاما أقل من الحقيقة أيضا وهناك خلط فى طريقة التنفيذ ما بين انفجار سيارة مفخخة وعمل انتحارى, لذلك آثرت ألا أكتب حتى أكون على بينة من أمرى. الآن تجلت الكارثة واضحة الأبعاد وراح ضحية المجزرة 23 شهيدا و79 جريحا. واستبعدت التحريات أن يكون العمل الإجرامى قد تم بسيارة مفخخة ورجحت فرضية التفجير الانتحارى أو تفجير حقيبة متفجرة بالتحكم عن بعد. وأعلن الأمن أخيرا أن وراء هذا العمل الإجرامى تنظيم الجيش الإسلامى الفلسطينى بقطاع غزة, خطط لها شاب سلفى مصرى يدعى أحمد لطفي إبراهيم محمد, من مواليد محافظة الإسكندرية, ويبلغ من العمر26 سنة, وحاصل علي ليسانس آداب قسم مكتبات. بعد الواقعة قامت تظاهرات مشتركة من أقباط مصر الواعين مسلميها ومسيحيها منددين وطالبين من الحكومة السرعة فى حل القضايا المعلقة حتى يعود لمصر صورتها المشرقة إبان ثورة 19 بقيادة زعيم الأمة سعد زغلول حيث كان الشعار مصر لكل المصريين رافعين راية تحمل الهلال يعانق الصليب. تبارى كتاب مصر وفنانيها فى شجب وتجريم ما حدث واعتباره جريمة تدمى قلوب كل المصريين, حتى السلفيين ودعاة الفتنة أمثال عمارة والعوا قد شجبا ما حدث وإن كنت أظن أنه مجرد ركوب للموجة وما فى القلب فى القلب وهذا ما سأبينه لاحقا. وفى ليلة عيد الميلاد كانت تجمعات كل محطات التلفزة أمام الكاتدرائية بالعباسية عمل فريد من نوعه يدل على يقظة نتمنى أن تدوم وألا تكون فورة تنتهى مع مرور الوقت كعادتنا نحن المصريون.
استبشرنا خيرا وقلنا رب ضارة نافعة وأن أول الغيث قطرة وأن الوعى الشعبى آت لا ريب, ولكن لم يمر أكثر من عشر أيام حتى خاب ظننا وعادت ريما لعادتها القديمة وطل الحقد الطائفى مرة أخرى برأسه دون خجل, وكان هذه المرة أيضا بيد رجل من رجالات الشرطة الذى بدلا من الدفاع عن أمن المواطنين قام بترويعهم. ففي يوم الثلاثاء 11 يباير وفي حوالي الساعة الخامسة بعد الضهر حين توقف القطار رقم 979 المتجه من أسيوط إلى القاهرة بمحطة سمالوط ( محافظة المنيا ) صعد إلى العربة رقم 9 مندوب شرطة يدعي عامر عاشور عبدالظاهر حسن في الثلاثينيات من عمره, وراح يتجول داخل العربة متفرسا فى وجوه الركاب ثم عاد إلى المقدمة وأخرج طبنجته الميرى وأطلق عياراتها السبعة فى أجساد ضحاياه من المسيحيين وهو يصرخ لا إلاه إلا الله والله أكبر فقتل شهيدا وأصاب خمسة ضحايا, وتمكن والد أحدى المصابات وراكب آخر من الإمساك بالمجرم الذى تملص منهما تاركا سترته وفر هاربا. ووُجد داخل سترته أوراقه الثبوتية التى مكنت من القبض عليه. حاول الأمن والمحافظ معا بمجرد القبض عليه أن يبعدوا شبهة طائفية الجريمة بأن أعلنوا أن المتهم مضطرب عقليا ويعالج من اضطراب نفسى منذ عامين وأنه أطلق النار عشوائيا بلا تمييز بين مسيحى أو مسلم. وبالطبع هذه حجة غير مقنعة وباتت لا تنطلى على أحد ويبدو أن كل المسلمين الذين يستبيحون دم المسيحيين كلهم قد أصابهم العته والجنون فجأة وبدون مقدمات. هذا المجرم قد تسبب منذ عامين فى قتل زميل له فى الغردقة حين أصابه بطلق نارى قيل أنه غير متعمد وأنه كان يقوم بتنظيف سلاحه وكى يخرج من عملته إدعى الاضطراب النفسى الذى عولج منه وخرج من القضية سالما وبعد فترة عاد لعمله سليما معافى وتسلم سلاحه الميرى ونقل إلى محافظة المنيا. أما الادعاء بأنه أطلق النار عشوائيا فهو كذب واضح لأنه حدد أهدافه بدقة حيث وجه طلقاته الصائبة دون طلقة واحدة طائشة على سيدات غير محجبات وبعضهن برقابهن صلبان واضحة ومعهن رجال أيقن من تحادثهم أنهم أيضا مسيحيون. ويبدو أن المحرض على هذه الجريمة قد استغّل ماضى هذا المجرم وفترة علاجه من الاضطراب النفسى وطمأنه أن يقوم بالجريمة ولن يصيبه أذى لكونه مريضا نفسيا.
وبعدها بأيام قلال في واقعة غريبة, حمل شاب ثلاثيني سيفاً محاولاً الاعتداء علي مسيحيين أثناء دخولهم كنيسة السيدة العذراء بعزبة النخل، السبت 15 يناير، وهو يصرخ "سوف أقطع رقابكم تنفيذاً لوصية رسول الله"، مما أثار ذعر الناس، وأدي إلي إغلاق باب الكنيسة وعودة المسيحيين إلي بيوتهم. فرض الأمن كردون حراسة سريع حول الكنيسة وتمكن من القبض علي الشاب قبل أن يحدث إصابات بامرأة مسيحية كان علي وشك أن ينال منها وهي تصرخ بشدة وتم اقتياده إلي قسم شرطة المطرية. فى هذه المرة لم تعلن القصة المعهودة كالحالة النفسية أو الجنون وكانت الحجة جديدة لحد ما فقد بينت التحقيقات الأولية أن الشاب في حالة سكر تام ولا يدري ما يفعله نتيجة تناوله أقراص هلوسة، وأوضح المتهم في اقواله أن الرسول هو الذي ارسله للانتقام من المسيحيين والتخلص منهم، وحول إلي المستشفي لتوقيع الكشف الطبي علية لمعرفة مدي سلامة قواه العقلية كما تحفظت المباحث علي السيف المضبوط معه واستدعت أسرته للتحقيق معهم وعمل التحريات اللازمة لمعرفة ميوله الدينية وأذا كان له علاقة بأحداث الإسكندرية الاخيرة من عدمه. ثم تلاها وضع قنابل فى سيارة كانت مركونة فى الكاتدرائية القديمة بالأزبكية لقتل مئات من المسيحيين ولرعاية الله تنفجر السيارة بدير السريان بالجراج الخالى بدلا من انفجارها باجتماع أبونا مكارى بحضور خمسة آلاف شخص.
على هامش جريمة القديسين أقامت جريدة الأهرام القاهرية فى 20 يناير ندوة بعنوان "حادث رأس السنة وكيف نقطع رأس الأفعى", حضر الندوة 14 مهتم ما بين كاتب وناشط ومفكر وعسكرى كلهم مسلمون بينهم مسيحية واحدة هى دينا جورجى خياط, ودار الحوار بشكل طبيعى باستنكار ما حدث والاتفاق على أنه جريمة بتخطيط خارجي 100% نفذت بيد مصرية الغرض منها هز الوحدة الوطنية مرجحين تورط القاعدة أوإسرائيل مستشهدين بما قاله عاموس يادين رئيس الموساد السابق عن خطط زرع وإثارة الفتن فى مصر, أيضا بسبب القبض على الجاسوس المصرى. ولكن لفت نظرى تعليق الإسلامى محمد عمارة الذى بث السم فى العسل ولخص اتهاماته فى إسرائيل للأسباب السابق ذكرها والفاتيكان بسبب مجمع أساقفة الشرق الأوسط, ولم يستبعد متطرفين مسلمين أو مسيحيين, ولمح لاتهام البابا شنودة بقوله لماذا ظهر التطرف بعد 1970, وردت عليه دينا خياط لأنه لم يكن هناك استهداف للمسيحيين قبل 1970.
ثم أتحفنا فضيلة شيخ الأزهر باقتراحه العبقرى بإنشاء بيت العيلة الذى بالطبع سيتكون من غلاة المتأسلمين ويهوذات المسيحيين أمثال قبيح أتعس وبرميل بلاوى وفانى ذليل وغيرهم من الإمعات. وكلنا نعلم الحياة فى بيوتنا المصرية الذى يتكون من الكبار هم الأب والأم والأجداد والأخوال والأعمام إن وجدوا وهم الكبار الذين يهيمنون على البيت أما الصغار فليس لهم شأن ما وإذا أبدى أحدهم رأيا حتى لو كان صائبا يتم زجره قائلين أسكت يا واد فى حضرة الكبار واتأدب. بالطبع سيكون بيت العائلة المقترح كذلك كباره من المسلمين وصغاره من اليهوذات الذين عليهم أن يسكتوا فى معية الكبار ويتأدبون. وبيت العائلة هو تكرار لقعدات المساطب والحل العرفى الذى يضيع حقوق الضعيف ويقوى القوى ويفعّل الحكم الدينى ويقضى تماما على فكرة الدولة المدنية, ونحن نرفضه تماما لأنه سيكون بيت المهانة والذل يا شيخنا.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟