|
البياداجوجيا وحلم تفكيك الدولة الامنية
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 21:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدكتور عبد الرحمن بدوى في كتابه ”سيره حياتي ” استخدم مصطلح البيدا جوجيا بمعني نظم التعليم خلال حديثه عن (( أفظع كارثة أصابت البلاد لانها دمرت خير ما فيها أعني عقول ابنائها )) بعد ان تولي صاغ محدود التعليم وزارة المعارف وأدى بسياسته الخرقاء الي تخريب التكوين اللغوى والفكرى للتلميذ المصرى وانحطاط التعليم . والبيادا - كما نعلم - هي الحذاء الغليظ للعسكر، كما أن الجوجيا بالانجليزيه تعني الابتزاز للحصول علي اموال باستخدام القوة وبالتحديد خلع العين بالاصبع، وبالتالي فالبيادا جوجيا- كما ابتكرت المصطلح - تعني العصبة العسكرية التي استولت علي الحكم وزاولت ابتزازا للمجتمع محتمية بمواقعها الوظيفية التي تتيح لها استخدام المعتقلات والسجون لارهاب البشر ومحاربتهم في وظائفهم واخضاعهم لنزواتها لتحقيق مكاسب واغراض شخصيه وهو ما قام به ((ثمانون ضابطا موزعين علي مختلف الاسلحة من بين أكثر من عشره الاف ضابط ينتمون الي جيش جلالة الملك )) كما ذكر الدكتور بدوى . الضباط المنقلبون حرصوا منذ اليوم الاول علي انشاء نظاما يوفر لهم الحماية من انقلابات مضادة، ويسمح لهم بتحقيق مخططاتهم .، لهذا بدأوا بتأمين الالاف العشرة من الضباط القادة والزملاء بواسطه منحهم امتيازات خاصة ووظائف بعيدا عن القوات المسلحة .. وهكذا وجدنا الضابط الوزير ، والضابط مدير المديريه (المحافظ) ،والسفير ،ومدير المصلحة الحكومية ..ووجدنا الضابط الصحفي والاديب والشاعر والممثل وأعتلوا قمم جميع مرافق الدول، الصحافة ،الاعلام، الاذاعة ،الثقافة ،التعليم ، وحتي حديقة الحيوان و كل مكان بالدولة بما في ذلك المؤسسات التخصصية كالصحة والقضاء والسياحة والآثار أو الهندسية مثل الطرق والتليفونات والسكك الحديدية وحتي النقابات و النوادى والاجهزه الرقابيه لم تخلو منهم، ضباط جيش الملك فاروق انتشروا بعد رحيله في كل ركن من أركان الدولة ، يعيثون فيه تخريبا بفكرهم الضيق وعنجهيتهم التي بدون اساس واوامرهم التي سيطروا بها علي كل انشطة الحياة بالدولة ماداموا بعيدين عن جيش عبد الحكيم عامر الذى تحول تدريجيا ليصبح درع المنقلبين وسيفهم ووسيلة سيطرتهم علي انفاس الامة واداة بطش مستعدة دائما للاطاحة باعداء الشعب ، الجيش الجديد قاد عربات الاتوبيسات عندما اضرب السائقون وطارد الاقطاع عندما تضرر الملاك وأنشأ وأدار المحاكم العسكرية والمعتقلات والسجون وراقب التسعيرة والايجارات واوامر التكليف ورجال الامن ،الجيش العامرى عمل في كل الانشطة عدا مهام وظيفته اى الاستعداد للدفاع عن الوطن فهزم في ثلاثه حروب متتالية (بورسعيد-67-اليمن ) ، لينكسربعد وفاه قائده منتحرا ويزاول لاول مره مهامه من تدريب واعداد للمعركه واشتبكات طويلة في حرب الاستنزاف و73 تاركا مهام ادارة الدولة لعناصر امنية استحدثتها البياداجوجيا بعد هزيمه 67، ضباط الجيش لم نعد نسمع عنهم الا عندما اغتال احدهم رئيس الجمهورية لتشهد القوات المسلحة بعدها فترة كمون، استمرت لثلاثين سنة تفرغت فيها تحت مظلة السلم لانشاء النوادى والمنتجعات والمستشفيات وفرق الكرة، وفي بعض الاحيان خدمات محلية كانشاء الكبارى و الطرق و المعابر أو التدخل في حالات الكوارث، القوات المسلحة قامت ايضا بانشاء محطات وقود وتعبئة المياه المعدنية واقامة المجمعات الاستهلاكية، والمزارع وما شابه من انشطة خدمية. اغتيال الرئيس السادات بواسطة رجاله ، كان اللحظة الفاصلة بين عهدين ، فلقد اعتمد خليفته على الأجهزة الأمنية ( بعيدا عن الجيش ) لإدارة الدولة ، فأعاد الرقابة الادارية التى ألغاها السادات ، وزاد من نفوذها ، وتوسع فى حجم قوات الأمن المركزى لتصل الى نصف مليون جندى ، مزود بأحدث أجهزة القمع التى تقدمها امريكا له ضمن الاعانات العسكرية، وأضاف لقوات المباحث عناصر جديدة ، مثل مباحث الكهرباء والسكة الحديد والمترو والتليفونات ، وسيطرت قوات الحرس على الجامعات ، كذلك سلم ملفات قضايا حساسة مثل مشاكل الأقباط وسكان سيناء والهجرة عبر الأنفاق لغزة ، وتهريب العمالة للخارج لعناصر أمنية.. عندما حاولوا اغتياله فى أديس أبابا ، احتلت أجهزة الأمن القصر الجمهورى وتحكمت فى تحركات الرئيس وأسرته ، بدعوى الحفاظ على أمنهم ، لقد توسع النظام فى استحداث مؤسسات أمنية لم تشهدها البلاد من قبل ، بحيث أصبح ترقية أى موظف مرتبطة برضا أجهزة الأمن والرقابة، كذلك الحصول على درجات الدكتوراه والدراسات العليا وتعيين أأمة المساجد ورعاة الكنائس ، وتامين الشوارع الرئيسية والمبانى الحكومية وملاعب الكرة، والتحكم فى مواعيد المباريات والجمهور الذى يشاهدها ، ومنافذ الدخول والخروج من البلاد ، وتكونت فرق للبلطجة تستخدمها قوات الأمن بملابس مدنية ، أثناء الانتخابات والتجمعات والمظاهرات والاحتجاجات ، وهكذا أصبح كل نائب فى البرلمان يدين بكرسيه لأجهزة الأمن ، وكل رئيس مجلس إدارة أو مدير ينشد رضا الأجهزة الرقابية، وكل أستاذ فى الجامعة يدين لمن رشحه وأيده وأجازه ، بداية من الحرس الجامعى حتى مباحث أمن الدولة ، وكل طالب دراسات عليا ، موسيقى ، مغنى ، صاحب كشك سجائر ، أو مطعم ، او تاكسى ، أو حتى شقة مؤجرة مفروشة ، وتحول الأمناء على أمن الدولة ، الى شركاء فى كل أنشطة الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، فهم الذين يجيزون ، وهم الذين يمنعون الأفلام والمسرحيات والكتب والمجلات والجرائد ، يتحكم فيها رقباء بيدهم مصادرتها وبيدهم السماح بها ، والمخبر هو الذى يسمح لبائع الفول أن يزاول وظيفته أو يمنعه ، حسب كرم الآخر في تزويده بالسندوتشات ، والضابط هو الذى يسمح بادراج الأسماء فى قائمة من سيقابل الرئيس أو الوزير ، وهو الذى سيرفع الاسم من القائمة ، الأمن فى مصر يدير الدولة والمواطنين ، يسمح ويمنع ، يختار القضاة والمحكمين والمحامين والمتهمين والأبرياء ، دولة يحكمها الأمن بواسطة قوانين طوارئ ويتحكم فى لقمة العيش ، والسجون والمعتقلات لمن عصا والتعذيب لم تطاول وسأل ، فأصاب المجتمع بالكساح الأمنى ، بمعنى ان يتولى القيادة من ترضى عنه الجهات الامنية بغض النظر عن مدى كفاءته ويتدهور المجتمع.
عندما بدأ السادات نشاطه السياسى بعد إنقلاب 15 مايو على الناصرية ، كان توجهه الأساسى الى الطبقة المتوسطة ، تلك التى يستطيع تنظيمها بسهولة فى جهاز بيروقراطى وآخر بوليسى ، يسيطر بواسطتهما على باقى طبقات الشعب ، وهى فى نفس الوقت أكثر طبقات المجتمع جبنا وترددا فى رأيه ، وبالتالى فمن السهل السيطرة عليها بواسطة من يتقن أسلوب إرهابها ، وهى أيضا أكثر الطبقات تأثرا بالأزمة الاقتصادية التى تسببت فيها الحروب الناصرية ، وبالتالى أصبحت خطته فى الحكم ، ترتبط أساسا بتنظيم تلك الطبقة وفى نفس الوقت إرهابها ، وعلى هذا الأساس ، تم بناء جهاز بوليسى قوى وظيفته إرهاب جميع عناصر الأمة ، أو بتعبيراته عن الديموقراطية " أصبح لها مخالب وأنياب " ، وهكذا فان ما بدأه السادات تحول الى نظام دولة فى عهد سلفه ، ففرضت قوانين الطوارئ وامتدت مخالب وأنياب أجهزته الى كل واردة وشاردة من تصرفات أفراد الأمة ، متحكما فى الأحزاب والمدارس والجامعات والنقابات و أجهزة الاعلام والفضائيات والجوامع والكنائس والوظائف القيادية والعلمية والفنية وفى كل شئ ، فكيف يمكن الفكاك من هذا الاخطبوط ذو المليون رجل ، القابع على جسد المجتمع يمتصه لحساب مجموعة رجال الأعمال الجدد . أجهزة الدولة المصرية تدور اليوم حول تأمين سيادة الرئيس وتحقيق رغباته، فالناظر الى الطرق التى يمر بها الرئيس سيجد أنها خالية من البشر والعربات والمعدات ، عدا أفراد من الأمن المركزى والبوليس والأجهزة السرية ، يقودهم عشرات الضباط ، يقفون بالساعات ( من بينهم لواءات ) انتظارا للحظة مرور قلعة فولاذية سوداء مكونة من ست عربات مصفحة تسير بسرعة موحدة ولا تعرف فى أيها يجلس سيادته، أمام العربات توجد عربة للكشف عن المفرقعات وخلفها قول من عربات الحراسة والاسعاف والمطافئ ، وكلها معدات قدمتها أمريكا لسيادته ضمن معونتها العسكرية لمصر . موكب الرئيس يتكلف مع كل تحرك ملايين الجنيهات يقتطعها شعب لا يجد قوت يومه من لقمة عيشه ليؤمن حركة رئيسه على شوارع بلده . عندما يزور الرئيس مكانا ، يتم التنسيق بين عشرات من الجهات المكلفة بتأمين المكان والزوار والمشاهدين والطعام والشراب وحتى الهواء ، ترى كم تتكلف كل زيارة!! صناعة تأمين الرئيس هى الانجاز الوحيد الذى توارثته أجهزة العصور الثلاث ، وهى الصناعة التى ينفق عليها ببذخ ، ولا تخضع لمراقبة ميزانيتها او حتى تناقش ، كما لو كان على الشعب المصرى أن يعانى من شظف العيش ويسعد ما دام سيادة الرئيس وعائلته ينعمون بالأمن . السؤال الآن .. هذا الجهاز المتضخم الذى يستهلك أغلب ما تقدمه المعونة الأمريكية ودافعى الضرائب ، هل سيبقى على حاله إذا مضى الرئيس ، أم لن تسمح البيادا جوجيا بتفكيك هذه الدولة الأمنية ليستخدمها القادم الجديد !! سؤال يصعب الاجابة عليه الآن قبل معرفة من هو القادم الجديد، وكيف سيأتى .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توجيهات حزبية بخصوص الانتحار حرقا
-
حنحارب..حنحارب..تحيا مصر.
-
ثلاثة أسئلة عن أكتوبر 73
-
عبد الناصر .. و أنا (3) ملوك أم أنصاف الهة.
-
عبد الناصر .. وأنا 2- تحت قيادة الزعيم ..النظرية والتطبيق
-
عبد الناصر .. وانا
-
قبل نقد الآخر
-
تعليق علي مقالات السيد موريس رمسيس عن المصريين
-
هل وزير الثقافة مثقف ؟
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 5/5
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 4/5
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 3/5
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 2/5
-
فالنعترف أولا بتخلفنا 1/5
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 4 )
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 3 )
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 2 )
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر
-
اشنقوا - جدو- أمام البوابة الرئيسية لنادى الزمالك
-
حوار إنتظر نصف قرن ليتم
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|