|
مطّاط الوجوه المستعارة...
فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 3258 - 2011 / 1 / 26 - 08:01
المحور:
المجتمع المدني
مطّاط الوجوه المستعارة...
حدث واستسلمت لإلحاح بعض أصدقائي على فتح ما يسمى حساب في الفيس بوك، وكان ذلك قبل عشرة أشهر. لقد ظهر لي مجتمع الفيس بوك أنه يضع لبنات نظام عالمي جديد، إنه إحدى بذور المجتمع العالمي. وصار المرء يشعر بإدمان غريب، حتى أصبح شعور الابتعاد عن الفيس بوك ما يشبه ضياع الشخص وخسارته شيئاً ما، إنه شعور اليتم عند الطفل. ورغم عظمة هذا الاختراع لكن التطور لا يتوقف وسيأتي أعظم منه، وربما يضحك منا ساخراً استهجاننا هذه الابتكارات التقنية أحد الأفراد بعد مائة عام، كما نحن ننظر إلى ابتكارات عام 1911. ومن خلال تجربة عشر شهور وملاحظة هذا "المجتمع الفيس بوكي" الجديد، يظهر لي أن أحد أهمّ سيئاته هي التستر بأسماء مستعارة، وما يلحق ذلك من "فرفرطة" عند البعض في التعامل والسلوك المضطرب. يدفع بداية العام الجديد الناس أن يبدأوا بشكل أفضل وأجمل، أن ينظفوا قلوبهم قبل جيوبهم، أن ينظروا في ذواتهم قبل استحضار ذوات غيرهم، أن ينظروا في المرآة وقت حلاقة ذقونهم على الأقل، أو ترميم جمالهم/ن، ألاّ يغضبوا من العام والعالم إذا بدا لهم الفرح في مكان ما. من لا يستطيع الفرح لفرح غيره لا يستطيع الفرح لنفسه حينما يكون موجوداً. أقول هذا ولا أدّعي المثالية في سلوكي وتعاملي، وأنا على قناعة أنه حتى في الشمس هناك بقعٌ سوداء، لكن المهم ألاّ تصبح تلك البقع شمساً بالذات.
يعتبر الحسد إحدى المشاعر "العامة" السيئة للإنسان، والحاسد إنسان يحب الحصول على أمور وأشياء ليست ملكه أو نتيجة لعمله، لكن الغيرة كانت أقوى من أن يتحكم بمشاعره.. هذا الإنسان يحب أن يكون له ما عندك! يحب أن يحصل على حبيبتك، أو حبيبك، عملك، سيارتك، أو ربما الراتب الذي يعتقد أنك تأخذه وهو يستحقه، وحتى يحب أن يأخذ حياتك بكاملها لأن أمورك ماشية أفضل من أموره.. أحاول الخروج من التعميم عند ملامسة وتناول ظاهرة ما، لكنني قد أجد نفسي أقرب إلى اعتبار ظاهرة الحسد والغيرة وكأنها خصوصية عربية! إذا كان لأحد صديق/ة لهذا لا نحبه/ا، إذا كان وحيداً فهذا يدعو أيضاً للغيرة لأنه لا مشاكل له، حتى من كان بلا عمل ربما نحقد عليه لأن عنده وقت كثير ويستطيع فعل ما يشاء... دائماً هناك سبب أو أكثر يدفعنا للحسد أو الغيرة، أو للاثنين معاً! ضاعت مشاعر الفرح إن كانت خارج الذات؟ لماذا لا يستطيع البعض الفرح لفرح الآخر، لماذا البحث عن مبررات الانتقاد والتجريح أو بأحسن الحالات الغمز غير البريء؟ في نهاية المطاف من كانت عنده غيرة قد تصبح حسداً وتسبب له متاعب نفسية وقد تجده يوماً "عدواً" بدون معرفة حقيقية للسبب خارج الحسد والغيرة! هل يصح القول –والمعذرة من التعميم- أنه لا حاجة للإنسان للأعداء إذا كان عنده صديق عربي؟ هذه قاسية والأفضل عدم صياغتها هكذا! آمل أن يكون هذا مجرد خطأ في استشعار ما يدور أو يحاول الدوران! وطبعاً لا يمكن أن يكون الحسد والغيرة صفة "قومية أو مناطقية معينة" بل ربما بعض ملاحظاتي أو مراقباتي ومتابعاتي "وكم اتي!" جعلتني أعطي الموضوع أكثر مما يستحق.. في الظاهر يبدو أن أكثرنا يعرف معنى الحسد والغيرة، لكن جوهر الفرق بين الحسد والغيرة صعب باعتقادي تحديده، ويبدو أن جذورهما واحدة –على الأقل في مرحلة حياتية معينة، والأرجح حسب المختصين أن تلك الجذور تعود إلى مرحلة الطفولة، وظهورها بدرجة ما وفي فترات متأخرة يعود أساسه إلى زمن الطفولة الصبيانية، وطريقة الاستجابة غير الناضجة للحالة التي تواجهه. ويعتبر البعض أن جوهر الغيرة هو أننا نريد الحفاظ على ما هو لنا، لكننا نشعر بأن ذلك مُهدد. والحسد هو الرغبة في امتلاك شيئاً ما ليس بحوزتنا، لكنه عند غيرنا. أي أن شعور الخسارة هو الفرق بين الحسد والغيرة. ويعتبر البعض الآخر، أن الفرق بين الحسد والغيرة هو ظهور طرف ثالث، والغيرة عند شخص ما ليست فقط هي أن يكون اهتمام شريكه به كبيراً جداً، وليس فقط أنه يريد أن لا يحصل الطرف الثالث على شيء، بل أن لا يعطي الشخص الذي يغار عليه أي اهتمام للطرف الثالث. الحسد شيء غريزي، لكن التحكم به وتطويره إجتماعيا يرتبط بمرحلة الطفولة والتربية قبل كل شيء، وله نوعان بشكل عام، واحد ضار موّجه ضد الآخر، والنوع الثاني موّجه نحو أنفسنا ويسعى لتحريضها للأفضل، ويُنهض فينا روح المنافسة لتخطي ذاتنا في اللحظة الحالية. الغيرة شيء مرتبط بمشاعر تُسبب معاناة ذاتية أكثر، مشاعر عدائية يحملها الشخص في ذاته. ويقول البعض أن أحد أسباب الغيرة يعود إلى إحساس ذاتي يحمله المرء بداخله، والسبب الآخر هو شعور الخسارة، والبغض والحقد سببه الشعور بالدونية. يفترض بعض العلماء أن الحسد مرتبط بالصورة التي يُشكّلها الفرد عن نفسه وذاته مقارنة برأي شخص مهم لنا عن شخصٍ آخر، وهذا يُحرّك بداخلنا شعور ما يتعلق بالقيم والأفكار التي نحمل. بينما الغيرة مرتبطة بتقييم ذاتي سلبي، أنه هناك آخر ذو قيم وأفكار مثلنا، بل ربما أفضل منا، وهذا يُوقظ فينا الشكوك وعدم الثقة بالنفس. إن مشاعر الحسد والغيرة ليست بالضرورة مظاهر مرضية عندما تكون مرتبطة بتجربة تجذبنا لشخص عزيز علينا والخوف من فقدانه. والحالة الطبيعية للغيرة تصبح شرسة في حالات الشعور بالخطر، وهذا أمرٌ طبيعي. وطبيعي أيضاً أن غيرة الرجال تكون غالباً بسبب الجنس بينما عند النساء بسبب المشاعر. ويمكن أن تظهر بأشكال عديدة منها: الغضب والخوف والقلق والحزن والوحدة والاكتئاب، والاستياء، والعار، وجنون العظمة، والحسد، وعدم الكفاءة، والجشع، وكل هذه مخلوطة مع الشعور بالنقص والحرمان. وردود الأفعال تكون أسبابها مختلفة جداً. ومهما كان السبب فإن خطورة الغيرة هي أنها تقضي على علاقات قيمة بالنسبة لنا. لماذا عندنا غيرة؟ لماذا لا نفرح لفرح الآخر؟ صار الفرح استثناءً، وصار الفرح للفرح أكثر استثناءً، وصارت بسمة البودرة والتزيين الرجالي (الذكوري) أكثر انتشاراً من حمرة الشفاه للنساء! صار البغض والكره الساطع مرادفاً لذلك "الشِرش" الذي يرتبط بالحياء ولا ينفصل عن الحياة، والذي صار بدوره مادة كمالية قلة تتعامل بها. ورغم معرفة البعض لدرجة مصداقيتهم لأنفسهم ولغيرهم، إلاّ أنهم لا يتورعون تجنب الاستقامة وتكرار ذلك التجنب حتى يصبحوا جُنُباً بشكل دائم مهما انفرجوا أو شكلوا زوايا حادة منزوية. والزاوية بشكل عام هي تقاطع ضلعين مستقيمين، وإذا انفرجت حتى تصبح مستقيمة يتشكل ضلعٌ واحدٌ وباستقامة كاملة، ورغم استقامته الواضحة إلاّ أن الغالبية تنتبه لتقاطعات الأضلاع أكثر من استقامتها. قد يكون أرخص وأغلى شيء في خزان تعامل الإنسان هو الشفافية والمصداقية، أرخص لأنها لا تكلف عناءً وجهداً وصرف نقود، وأغلى شيء لأن مردودها الأخلاقي يتجاوز كثيراً حسابات بيادر البعض وحقولهم المغناطيسية. ويحاول البعض إجبارك على تجاوزه وتقييمه ضمن المقاسات المتعارف عليها في سوق الحسبة أو وقت "الفلاج". ظاهرة صوتية، ظاهرة كتابية، ظاهرة تصنيعية، ظاهرة رمادية، ظاهرة مخفية، وظواهر أخرى لا تحتاج إلى علم النفس ليُظهر مكنونها، بل تدعو للشفقة. والتشويه الجميل لبعض ظواهر وبواطن الوجوه الجميلة التي ترى بعين الغزال خارج مزارع و"صِيَر" راعيها أيضاً، وكانت من أكثر المتحمسين لانتفاضة الشعب التونسي، وبنفس الوقت يدافع هذا الجميل المعطر الشجاع –ما قلنا فحل لأنو فيه بينهم يمكن حريم- عن أنظمة فاسدة ديكتاتورية أخرى يُعتبر بن علي أقلها بطشاً وإفساداً وتواطؤاً على أرض الوطن. الخميرة تصلح للمعجنات، تنفشها وتعطيها شيئاً جمالياً، لكنها تفضح القشرة الرمادية عندما تستخدم لنفشها، حيث تضعف تلافيف تلك القشرة حتى تصبح كقشرة بيضة النعامة ملساء. وتلك القشرة الملساء تدفع البعض للقيام بتقييم شخص ما دون معرفة كاملة به، وهو الطفولية والفضول، ولا يُسمى ذكاءً إعطاء "النصائح" دون طلبها لأنها تعتبر شيئاً من التدخل الفض في خصوصيات الغير. عندما يلبس وجهه ويلصق بسمته ويُعطّر لسانه أحياناً، ويظهر للملأ كإنسان مستقيم ورزين وحريص على الجميع، ويحاول الظهور وكأن نصف عدنان أو تنوخ تسير تحت عباءته. وفي نفس الوقت يستخدم أحياناً وجهه الآخر حينما يحاول الاغتسال و"يلغبط" مساحيقه وإكسسواراته، وعندها يُسمع واضحاً صوت مسننات جمجمته نتيجة الاحتكاك والاهتلاك رغم نعومة بيضة النعامة. وأعتقد أنها تعتبر لغبطة أيضاً تلك الظواهر التالية: من يُعارض النظام باسم سريّ، وهناك من يُعارض المعارضة باسم مستعار، هناك من يمدح "صديقه" علناً ويشتمه ويُلقّم بارودته لاقتناص نفس الصديق باسم سريّ، هناك من يحاول الحب باسم سريّ ويلوح بمقليعته ضد الحب إذا كان خارج دائرته وباسم سريّ، هناك من يتغنى بعنب الجبل باسم سريّ... حتى صار الحبل السري عند البعض خيط "مصيص"!. من لا يستطيع رفع القناع عن وجهه هل يستطيع الطبيب النفسي رفع الأقنعة عن عقله وروحه الطاهرة؟ ما أريد قوله هو محاولة الإشارة إلى أهمية تقصير المسافة بين ارتداء الوجه المستعار للبعض وبين وجهه الحقيقي، وبتعبير آخر أن بعض الأصدقاء الاصطناعيين يحتضنون الإنسان بالقبلات والكلام الأعسل من العسل، وفي نفس الوقت لا يستطيع الإنسان أن يدير لهذا البعض ظهره خوفاً من الطعن. والحقيقة أنني ما حاولت قوله هنا هو أنه لا يمكن عملياً العلاج النهائي. ربما الإشارة إلى تلك الظواهر يُخففها أو يضبطها قليلاً، وقد لا يجعلها تفلت من عقالها وتزداد اضطراباً، لأنه لا تكفي الشفقة بل محاولة المساعدة من خلال منع اشتطاط المطاط/ة...
بودابست، 26 / 1 / 2011
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحدة الهدوء والصمت..
-
اندلاع الثور/ي/ة وزخمهم...
-
إن البازلتَ قليلُ. في الحَتّ والتعرية..!
-
آخر البؤساء..
-
وَقفة وردّ غطاها..
-
فضة الكلام وذهبُ السكون/ت، خوش/نعم..
-
الشِبريّة فوق البنفسجية وتحت الحمراء...
-
حناجر بين قفزة أرمسترونغ ومتعة غروسكي ...
-
جملة واحدة عن الطغيان...
-
عاقل يحكي وأعقل يفهم...
-
تنذكَر وما تنعاد، تنعاد وما تِنذَكَر!..
-
الالتفاف حول الصفر المئوي 97%...
-
الدنيا كِدَه، وكِدَه! ولاّ كِدَه؟...
-
حوارات شامية
-
الغضب الساطع الأصلي آت!..
-
معلومات سياحية صياحية...
-
أوربا في الاتجاه الصحيح...
-
مرايا التجميل وخميرة -النفش-...
-
أسئلة على ضفاف غابات الهوبرة...
-
بانتظار سندويشة خالية من لحم الخنزير...
المزيد.....
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|