مالك مسلماوي
الحوار المتمدن-العدد: 3257 - 2011 / 1 / 25 - 20:34
المحور:
حقوق الانسان
في أيما مجتمع دائما ما تتجاور وتتحاور ثقافتان ,أو إن الثقافة العامة تتمحور حول قطبين غير مرئيين , هناك ثقافة ساكنة وثقافة متحركة وتقاس طبيعة المجتمع من حيث طغيان احدهما على الأخرى ومحصلة التفاعل والتحاور بينهما.. المجتمعات الحية تتبنى ( المتحرك) على صعيد العمل والعلاقات والرؤى وفهم الواقع وعلى الضد من ذلك تسعى الثقافة الساكنة في المجتمعات المتخلفة والناشئة إلى إحاطة نفسها بتحصينات وعوازل للمحافظة على سكونها ووجودها القائم , ولذا فهي تنظر إلى أي تطلع أو تغيير على انه ممارسة خطيرة يجب محارباتها وملاحقتها حيثما سنحت الفرصة...
والفرصة الأكبر للثقافة الساكنة هي في وصولها إلى السلطة , علما إن عملية الوصول والاستحواذ على السلطة غالبا ما تكون يسيرة وممكنة بسبب ما تتمتع به هذه الثقافة من القبول الأوسع شعبيا ..علاوة على كونها تستظل بشعارات مغرية تستمد سطوتها من المهيمنات الدينية والاجتماعية المحترفة والحاذقة في تسويق الأفكار والسلوكيات المتكئة على حماية القيم والموروثات والأصول مستخدمة في ذلك كل الوسائل المتاحة بما فيها السلاح في (تنقية ) الأجواء لصالح أجندتها السياسية والثقافية.. مما يحيل إلى تبنيها منهج استخدام القوة الذي هو ركيزة النظم الدكتاتورية والأوتوقراطية .
أسوق هذا بعد الذي حصل في مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين في بغداد حين داهمت المقر قوة أمنية مسلحة أغلقت النادي الاجتماعي في الاتحاد بالقوة وأجبرت المسؤولين عليه بالتوقيع على تعهد بعدم افتتاحه.. الأمر الذي أحدث صدمة ليس للأدباء والكتاب فحسب بل لجميع المثقفين في الداخل والخارج, كونه سابقة خطيرة في محاصرة الحريات والعودة للأساليب القمعية التي ما رستها الأنظمة الدكتاتورية في تاريخ العراق.. ومن المفارقات إن تلك الأنظمة على وحشيتها لم تجرؤ على مثل هذه الفعلة, ويبدو أنها أكثر وعيا واهتيابا لكلمة ثقافة. ومن وجهة نظري الشخصية كان الإجراء ارتجاليا لم يقرأ ما وراء الحدث.
ومهما تكن نظرة مجلس محافظة بغداد الموقر إلى الثقافة وما يجب أن تكون عليه, كان من الأجدى أن يعرف مدى أهمية ومكانة وتاريخ اتحاد الأدباء والكتاب العراقي , واعتقد لو كان الإجراء قد درس بقدر من التأني والحرفية قبل مباشرته لما حصل الذي حصل.
ولقد حرصت على تقصي المسوغات الموضوعية للإجراء الواردة في حديث السيد رئيس مجلس محافظة بغداد في برنامج (بالعراقي) الذي قدم من قناة الحرة مساء الثلاثاء 7-12- فلم تكن كافية ولا شافية ! فمرة يذهب إلى عدم تجديد (الإجازة ) , ومرة يذهب إلى( إحياء) قرار مجلس قيادة الثورة المنحل , والصادر في التسعينيات من القرن الماضي ..! ومن العجيب إن تستنجد سلطة ديمقراطية بوسائل قمعية , ربما لأن تلك الوسائل أثبتت نجاحها في خنق الحريات بمبررات لا يمكن الاعتراض عليها.. ومرة أخرى يبدو السيد رئيس المجلس أكثر صراحة حين يتطرق إلى ما يقدمه نادي الاتحاد من المشروبات ليحدد الشاي والقهوة وغيرها مما لا يقع في باب التحريم , وكأن الحكومات المحلية تريد أن يأكل ويشرب المواطنون ما تشتهي هي لا ما تشتهي أنفسهم .. ضاربة عرض الحائط حرية الاختيار التي هي ابرز وابسط ما توفره الديمقراطية , وصولا إلى حرية الرأي والمعتقد ونمط الحياة , هذا إذا كنا نتبنى الديمقراطية فعلا , وإلا فنحن ديمقراطيون ظاهرا ومستبدون باطنا .. وواضح إن هذه القضية هي المبرر الأول والأخير وراء الإجراء , وما عداها ليس سوى غطاء ... من ذلك أيضا ما ذكره من وجود شكوى .. لم نعرف من هو المشتكي والمشتكى منه , وما هو الضرر الذي لحق المشتكي , وهل للقضاء كلمته في ذلك ؟ وإذا كانت الشكوى من بعض الأدباء – كما أورد - نقول : لا بد من وجود من يفكر بنفس الاتجاه الذي يتبناه من كان وراء الإجراء.. لكن هذا لايعني أن نضحي بمكانة الاتحاد وتاريخه إرضاء لفلان , أو لمقتضيات الكسب السياسي !!
إن اتحاد الأدباء لا يزاحم الآخرين على مكسب, ولا يشكل خطرا على السلطة بل يكون داعما لها , إلا إذا كانت تلك السلطة دون مستوى المرحلة .. ولا تكرس القيم الحضارية و الحقوق والواجبات وفق المعايير العصرية . ما نحلم به ونسعى إليه من خلال مؤسساتنا الثقافية – اتحاد الأدباء ومؤسسة المدى والبيوت الثقافية .. وغيرها – هو نقل المجتمع من حالة السكون والانغلاق إلى حالة الحركة والتجدد ومواكبة التغيرات الهائلة في عالم اليوم , الذي ينحاز فيه الإنسان –سواء أكان في السلطة أم خارجها – إلى الحرية والعدالة واحترام الخصوصيات.. أما نحن فلا نفلت من قبضة التخلف حتى نؤسس لمجتمع مدني تقوده سلطة تسعى إلى التحضر والانفتاح على تجارب العالم المتمدن في احترام حقوق الإنسان بالفعل قبل القول وليس بالقول المجرد وحده.. فلطالما طفحت آذاننا و(لعبت نفوسنا) من ترديد الشعارات والمقولات الفارغة , حتى أصبنا بحساسية من المقولات واللافتات التي تمجد الوطن والمواطن , لان المتحقق عكس ذلك ! فالمواطن مازال يعاني والوطن خراب .. والأوضاع تتردى ..ذلك ما عهدناه في كل الحقب الدكتاتورية التي سحقتنا , حتى إذا ركبنا مركب الديمقراطية , أسرفنا في أحلامنا , وبنينا مدنا في الهواء , مدنا تمسي وتصبح على محبة وسلام .. مدنا يحميها القانون من المصلحيين والمزاجيين والانطوائيين..
لعل من الذكاء السياسي أن لا يتجاهل( أولو الأمر) دور المثقف في مرحلة التغيير كالتي نمر بها اليوم , فلا تغيير بدون ثقافة , بدون عقل , بدون مجتمع متحرك يستفيد من الماضي على انه تجربة حياة تؤسس على ضوئها تجربة حاضرة ,بعد عملية عزل وتمحيص بين ما يجدي وما لا يجدي..في حياة الإنسان والمجتمع وحتى السلطة! مع القناعة بان الزمن لا يعود إلى الوراء , رغم انف قوى القهر والاستحواذ..
إن الأدباء والفنانين والمفكرين اكبر من إن يختار لهم احد أو جهة نمطا أو سكة أو خارطة لحسن السلوك .. ومن القصور عد المؤسسات الثقافية ملكا صرفا للسياسي يدخله متى شاء .. ويقفله متى شاء , لغاية في نفسه غير خافية عن الرأي العام.... بينما كنا نأمل أن يتوجه هم السلطة إلى محاربة الفساد والمفسدين –كما ورد على لسان مقدم البرنامج- وتوفير الخدمات , ومعالجة البطالة وانتشال البلد من تردي الأوضاع وتفشي الجريمة .وخفض اسمه ولو بضع درجات في سلم الفساد ! وكنا نحلم بتحقق النموذج الباهر في المنطقة على طريق بناء سلطة تحشد جل جهودها لردم هوة التخلف التي يبدو أنها ستلازمنا زمنا طويلا .. زمنا تقصى فيه الثقافة وتقمع الفنون فلا موسيقى ولا مسرح ولا سينما .. وأخشى ما أخشاه أن يضطر اتحاد الأدباء إلى هجرة مقره على يد السلطة , فيتخذ له مقرا متنقلا كما حصل لفرع الاتحاد ونقابة الفنانين في محافظة بابل.
إن معشر المثقفين يأبى أن يسئ لأية جهة اجتماعية كانت أو سياسية بل انه فعل وعلامة إيجاب في مناوأة الإرهاب والتطرف والطائفية , وما قام ويقوم به يفوق على الأمد البعيد والقريب كثيرا من الفعاليات الأمنية التي لا تصل أهدافها إلا بمساندة ودعم الوعي الجماهيري ومنظماته المختلفة...وعليه أرى أن يتدخل مجلس النواب لخطورة المسألة وأهميتها , كونها تتعلق بأسمى المطالب وهو الحرية التي ذبحنا من اجلها , وليست القضية محاصة بين الشاي والقهوة والخمر
#مالك_مسلماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟