|
الموت البطيء بالأمر السامي .. مخالب أمير المؤمنين
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 974 - 2004 / 10 / 2 - 03:56
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مليكة أو فقير ابنة الجنرال الذى حاول القيام بانقلاب ضد الملك الحسن الثانى ينبغى أن تدرس فى جميع مدارس الوطن العربى، وأن يقرأها التلاميذ والكبار، وأن يحفظها عن ظهر قلب حراس السجون وزبانية السلطة فى كل شبر من عالمنا العربى، وأن يتلوها بصوت مسموع كل ضيوف القصر الملكي الذين يأتون إلى المغرب فى شهر رمضان لإلقاء الدروس الحَسَنية والدعاء للملك الراحل بالرحمة والملك الحالي بطول العمر. " السجينة " هو الاسم الذى وضعته مليكة أو فقير لمذكراتها فى سجن تعاف الجرذان العيش فيه، وترى العقارب فيه امتهانا لكرامتها، وتتردد الحيوانات الضالة قبل الدخول إليه. فى 16 أغسطس عام 1972 قام الجنرال أو فقير بمحاولة انقلاب فاشلة، وتم قذف الطائرة الملكية بوابل من الرصاص فوق مدينة تطوان . فى المساء اتصل أوفقير بابنته مليكه وكان يبدو من صوته انه يعلم بقرب تصفيته كمدبر للانقلاب أو محرض عليه على الرغم من فشل عدة محاولات لاغتياله بعد انقلاب الصخيرات وتباعد الشقة بينه وبين الملك الحسن الثانى. تمت تصفية الجنرال أو فقير بخمس رصاصات، واحدة فى كبده، والثانية فى رئتيه، والثالثة فى بطنه، والرابعة فى ظهره، ثم جاءت رصاصة الرحمة فى عنقه لترسل الرجل الثانى والقوى إلى العالم الآخر. وعندما أذاع راديو فرانس انتير تصريح عز الدين شقيق والدة مليكة أوفقير بأن الجنرال لم يمت ولكن تم إعدامه، لم تمض ثلاثة أيام على هذا التصريح قبل أن تصدم سيارة شرطة السيارة التى يستقلها شقيق الوالدة، وتأخرت سيارة الإسعاف، بأوامر عليا، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة . فى اليوم الرابع تم فرض الحراسة الجبرية على عائلة أوفقير، وبعد انتهاء الحداد الرسمي جاء انتقام أمير المؤمنين من العائلة كلها، فالموت البطيء لكل أفراد أسرة أوفقير بما فيه الطفل عبد اللطيف الذى لم يكن قد بلغ الثالثة من عمره هي العقوبة التى تشفى غليل الملك، وينتقم من خلالها من روح الجنرال فى عالمه الآخر، ويعذبه وهو فى البرزخ، ويتفنن فى كل أنواع الإذلال والمهانة لمن يحمل اسم أوفقير حتى لو كان طفلا صغيرا يقوده زبانية التعذيب وهو يمص إبهامه إلى حيث ينتظره عذاب لاقبل به لانس أو جن، وسيقضى الطفل الصغير عشرين عاما لا يرى فيها العالم الخارجي، وسينزل به جلالة الملك عقوبات تهتز لها السماوات السبع ومن فيهن، وسيستمتع أمير المؤمنين وهو جالس فى شهر رمضان المبارك يستمع إلى الدروس الدينية، بخيال خصب ينقل إلى جلالته صرخات وآهات وعذابات والآم ثلاث نساء وستة أولاد يحسدون الأموات على نعمة القبر، ويحلمون بالانتقال إلى أى سجن من سجون العالم العربى الكثيرة، فانتقام الحسن الثانى لا يعرف للرحمة طريقا. عشرون عاما قضتها عائلة أوفقير فى قبو تحت الأرض أو فى بقايا سجن يقع على مسافة مئات الأميال من أى مدينة، والأوامر السامية لسليل الأسرة العلوية ورئيس لجنة القدس والمنتسب وفقا للتاريخ الذى يكتبه القصر إلى نبي الإسلام، صلوات الله وسلامه عليه، بأن يحرم القتل على هؤلاء النسوة والأطفال الصغار، ولكن ينبغى أن يشاهدوا الموت فى كل لحظة ويتمنونه ويحاولون الانتحار مرات عديدة ويكتبون بدمائهم وثيقة تذلل وطلبا للعفو ليرفضها الملك ويشعر بعدها بالراحة . طفل فى الثالثة من عمره يحمله جلالة الملك مسؤولية حمل اسم أبيه، الجنرال أوفقير، فيأمر أمير المؤمنين مؤمنيه بإنزال أشد العقوبات الجسدية والنفسية والعصبية لعشرين عاما كان من المفترض أن تمتد ما بقى له من العمر لولا شجاعة هذه الأسرة المغربية البربرية التى تحدت الملك ومئات من حرسه الذين اشتركوا فى الجريمة طوال عقدين من الزمان. هذا الكتاب وثيقة وقطعة أدبية وآلام فى حروف وأوجاع على صفحات ووصف دقيق لحياة القصور الملكية المغربية وكشف لما يدور فى أروقتها وغرفها، فمليكة أوفقير كانت فى الواقع ابنة الحسن الثانى بالتبنى رغم أن والدها كان الذراع اليمنى للملك، وظلت فى القصر وتحت رعاية جلالته حتى غضب عليها وعلى كل من يذكره بالجنرال. وفى مزيد من التفنن فى الإذلال أمر الملك بأن تنقسم الأسرة إلى قسمين فى نفس القبو الذى تتخذه الفئران والعقارب والصراصير والدود مقرا دائما، ومرت عدة سنوات لا ترى الأم فيها أولادها وبناتها وهم يعيشون موتى ويموتون أحياء فى نفس المكان، ويفصل بينهم جدار. وتصف مليكة أوفقير لقاء الأسرة وقد حفر الزمن فى جلودهم وشعورهم وأجسادهم وعيونهم بشراسة، فهم لم يلتقوا لسنوات طويلة يفصل بينهم جدار بناه الحسن الثانى بكل ما أوتى من رغبة فى إذلالهم، ومتعة فى أن يتحدى إبليس يوم القيامة ويقول له: لقد كنت أكثر منك قسوة ووحشية، ونفيت مئات، وعذبت الآلاف، وقتلت واحتقرت شعبي ورفضت الإدلاء بأي حديث صحفي لمغربي لأنني ازدريهم، ولم أقم بزيارة المناطق الفقيرة الريفية، وبلغت ثروتي أربعين مليار دولا ر، وسجد لي المغاربة وكانوا يقبلون يدي، ظهرا وبطنا، ويركعون أمامي، ويعتبرونني أمير المؤمنين، ويشيدون بورعي وإيماني وأنا أجلس منصتا للدروس الحَسَنية، ووضع القادة العرب القدس الشريف بين يدي. . . من أراد أن يطارده الأرق ويؤرقه ضمير الصمت ويخجل من انتسابه للإنسان الذى خلقه الله فى أحسن تقويم ثم دفع به إلى أسفل السافلين فليقرأ كتاب " السجينة " لمليكة أوفقير. فى 25 يونيو 96هربت ماريا أوفقير إلى أسبانيا ومنها إلى فرنسا، وكانت نهاية الكابوس وفى 16 يوليو وصلت مليكة إلى باريس مع أخيها رءوف وأختها سكينة، كانت مليكة فى الثالثة والأربعين من العمر، وقد قضت عشرين عاما فى سجون المغرب وخمسة فى الإقامة الجبرية
محمد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة طائر الشمال .أوسلو النرويج http://www.tearalshmal1984.com [email protected] [email protected] Fax: 0047+ 22492563
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا .. شيكا بيكا
-
صناعة العبودية .. لماذا يحتقرنا الرئيس حسني مبارك؟
-
لماذا يحتقر الرئيس الأمريكي الزعماء العرب؟
-
البشرة البيضاء للعنصرية
-
السلطات السعودية تحارب في المكان الخطأ .. تفريخ الارهاب صناع
...
-
هل الخوف والصمت والبلادة صناعة عربية؟
-
من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن
-
اعترافات جاهل بالشعر العربي الحديث
-
كل الجزائريين يبكون، فمن القاتل؟
-
من الأكثر ولاء للوطن .. المواطن أم مزدوج الجنسية؟
-
سيدي الرئيس حسني مبارك .. استحلفك بالله أن تهرب
-
صراع الأبناء بعد وفاة الشيخ زايد .. هل يحكم محمد بن راشد آل
...
-
ابتسم فأنت في سلطنة عُمان
-
خذ حذرك فالاستخبارات الأردنية تتعقبك
-
النقاب حرام .. حرام .. حرام
-
نيلسون مانديلا ومنصف المرزوقي انطباعات شخصية
-
انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان
-
دعوة لتنازل الملك فهد عن العرش
-
لا شرعية لنظام حكم عربي لا يغلق المعتقلات
-
لماذا أحب الفلسطينيين؟ لماذا يكرهني الفلسطينيون؟
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|