أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - راغب الركابي - الحرية والثقافة















المزيد.....


الحرية والثقافة


راغب الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 3256 - 2011 / 1 / 24 - 18:42
المحور: حقوق الانسان
    




الثقافة في الوعي الليبرالي الديمقراطي كما يقول لالاند : - هي كل ما يتبقى حين يتم نسيان كل شيء - ، هذا المتبقي أو قل هذا التاريخ هو عندنا عبارة عن مجموعة من الأشياء المتناقضة من فرق وفئات ومذاهب ، يُسقط بعضه بعضاً ويهدم بعضه البعض الآخر على مستوى الأفكار والرؤى والإعتقادات ، وحين يكون ذلك كذلك يصعب أن نقول : إن لنا ثقافة محددة نستطيع من خلالها ان نحرك حاضرنا ومستقبلنا بماهو نافع ومفيد ، ومن أجل هذا علينا القول بوضوح وجدية ومن غير إنحياز و عاطفية : إن تاريخنا في مجمله يخلو من محددات ثقافية تجعل من الممكن البناء عليه ، لأنه في مجمله حديث عن الماضي المتخيل وعن الحياة المتصورة التي كانت ، تلك الحياة التي وصلت إلينا مشوهةً مقلوبة عبرت عن واقعها السلبي المتناحر المتنافس الغير نزيه ، ومايطلق عليه ثقافة إنما هو ذلك الشعور الممزوج بالعاطفة تجاه الفعل الماضي ، والشعور العاطفي كما هو مزيج بين الوعي واللاوعي ، ووعينا تجاه ماضينا يعني وعينا للمادة والموضوع التي شكلته ، كما يعني وعينا في كيفية الفهم و التلقي لطبيعة المعلومات التي وصلت إلينا .

ولأننا في مواجهة الحقيقة لابد من القول : إن الذين أساءوا إلى وعينا هم أنصاف المتعلمين و رجال الدين المتخلفين ، الذين أسسوا لنا الأمية المعرفية التي تعني إسقاط المفاهيم الخطأ خدمة للأغراض الشخصية ، وهؤلاء خلقوا بُنية مجتمعية لا تستطيع التحرك أو البناء ، لأنهم ربطوا التقدم بالمثل التاريخي ربط وجود بعدم ، ومعلوم إن المثل التاريخي مهما كان فهو أبن بيئة معرفية وعلمية معينة ، ولا يجوز في أي حال تعميم هذه البيئة ، كما لايجوز تعميم هذا المثل التاريخي ولكن يمكن إلاستئناس به أو التأسي ، وهذا هو الممكن الوحيد بالعلاقة مع الماضي ، لكن حينما يتم الخلط بين هذا الممكن وبين جعل الحياة كل الحياة في شكل هذا الممكن نجد الخلل والتراجع والإنقباض ، ونلجأ من حيث نعلم إلى الإفتراء والتزوير ، وحين يتم ذلك يقع المحذور وهو الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية وستبقى تعيش ذلك ، طالما لم تتحرر من هذه السلوكية اللامنطقية .

إن المجتمع العربي والمسلم يعيش في الواقع خيال قرو وسطوي لا يؤهل لصناعة ثقافة متحضرة وبناءه ، كما إنه واقع يخلط بين العشائرية والدين في المفاهيم والأحكام ، وهو خلط يجري في سوية واحدة أعني في تحديد مفهوم العرف الإجتماعي والأحكام الإجتماعية ، فيقع الإشتراك بينهما في تحديد معنى الخطأ و الصواب ، وهذا التركيب الرومانطيقي صيرنا مجتمعاً بلا عنوان وبلا ثقافة ، ذلك لأن الثقافة كما نفهمها هي جدل معرفي بين الحاضر والماضي ، ولأن هذا الجدل يجب ان يتعدى الخطوط المرسومة سلفاً لذلك فهو جدل ممنوع في مجتمعاتنا ، ولهذا السبب فنحن أمة جاهلة ، وسنبقى تتحكم فينا العواطف والمزاجية والكذب وتزدهر فينا الخرافة والدجل ، لأن من بيدهم شؤون العباد أناس متخلفون وحاقدون وهم يريدوننا كذلك ، لأن ما يهمهم من ذلك هو زيادة نسبة التخلف وتعميمه ليكون هو الحاكم و هو السائد ، وهذا منطق عربي واسلامي بأمتياز ، وتأكيداً على ذلك نجد مثلاً أشياء ممنوعة ومخالفة للدين ولكنها تُحمى ويؤكد عليها ، لأن تلك الأشياء تساعد الحاكم السياسي في البقاء بمنصبه وقتاً وأمداً طويلا .

إن أبن المقفع لم يكن زنديقاً ولا ملحداً ولكنه كان مفكراً وبعيداً عن هذه الثنائية المقيتة ، ولأنه كذلك رُمي بالزندقه و بالكفر وقد صدق الناس مقالة المكفرين والمزندقيين لماذا ؟ لأن الناس لم يتح لهم التفكير والحكم على الأشياء بحرية ، فالعرب والمسلمون مطلوب منهم الإيمان بالأحكام الجاهزة ومطلوب منهم السمع والطاعة ، كما لم يكن الحلاج ملحداً أو مشركاً كما روج لذلك كهنة الدين ووعاظ السلاطين ، بل كان الحلاج مؤمناً لأنه كان موحداً ، أمن بالجوهر الواحد وأمن بتعدد الصفات ، ولهذا لم يكن متناقضاً مع نفسه ومع إيمانه ، سواء في تعريف الإله أو في تحديد وظائفه وطبيعته ، فالله عند الحلاج هو صفة للمعبود وليس هو المعبود نفسه ، وبين الصفة والذات فرق كبير لا يخفى على أهله ، لأن الحلاج كان يتحرك في الدائرة المعرفية التي غابت عن أذهان السلاطين ووعاظهم ، الدائرة التي تنفتح على المطلق بحرية فتحدد معنى الإيمان وطبيعته دونما تقليد أو سيراً على مذهب الأبائية الذي يتحكم في القسط الأعظم من معارفنا ومن إيماننا .

المشكلة إذن هي في حرية التفكير من عدمه ، وفي ذلك نجد الخطأ في تفسير نصوص الكتاب المجيد من خلال التطويع لهذه النصوص خدمة لمدارك الفرق ورغباتهم ، ففي قوله تعالى : - قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المؤدة في القربى - ، قالوا : بان القربى هم أهل بيت النبي وخاصته ، وهذا قول غير صحيح لأنه مركب ولا حق ، والصحيح هو إن هذا النص نزل في مكة في بداية الدعوة ، أعني نزل ليواكب قضية موضوعية دارت بين زعماء قريش والنبي ، حينما عرضوا عليه الزعامة والقيادة على ان يترك هذا الأمر ، فقال : في الرد إني لا أسألكم على الذي أدعوا إليه أجرا ، بل كل ما أريده منكم هو الحفاظ على صلة القربى بيننا ، إذن فالنص يتحدث عن صلة القربى بين محمد النبي وبين أهل مكة وزعماء قريش ، بدليل إن هذا النص هو مكي وليس مدني ، وبالتالي فهو لايتحدث عن خصوص أهل بيت النبي هو لا يتحدث عن صلة النبي بعلي أو الحسن أو الحسين إنما يتحدث عن الأمر الذي قلناه ، فالنص إذن بعيد عن هذا المعنى الذي نسمعه من كلام أهل الفرق ورجال الدين المتخلفين الذين طوعوا هذا النص ليدل على أهل بيت النبي وهذا منهم وهم وخطأ كبيرين ، إذن فالمشكلة تتعلق بحرية التفكير وحين يكون التفكير حراً ستكون نتائجه باهرة ومحققة للغرض منها ، وحين تنعدم الحرية ينشأ الخلط بين الحقيقة والوهم مما يجعل المخالفة شرطاً مسبقاً للإيمان ، الشرط الذي يبلغ حد التناقض بين الجوهر والعرض ، فيكون العرض هو القاعدة التي تُبنى عليها قواعد التفكير والإيمان ، وهذه هي المعضلة التي تواجهنا في تحديد معالم للثقافة العربية والإسلامية .

قد يقول قائل : إن الإسلام هو هويتنا وهو ثقافتنا ، ونقول من غير تردد نعم هذا كلام صحيح ، ولكن مالذي نعنيه ونقصده بالإسلام ، هل هو الإسلام السُني أم الإسلام الشيعي ؟ ونحن نعلم الفرق بينهما فرق يبدأ من العبادة لينتهي بأسس الإيمان وكيفية الإعتقاد ، وإن قيل الإسلام هو القرآن ، نقول نعم أيضاً ، ولكن القرآن بحسب معلوماتنا ليس واحداً كما إن الجميع يؤمن بتحريفه السُنة والشيعة على حد سواء في ذلك ، ولهذا لم يعتبره القوم هو الحجة الأولى في الإثبات والنفي ، بل جعلوا من الخبر النبوي حاكماً عليه وليس العكس ، ومجمل الأحكام وردت إلينا من الخبر وليس منه وهذه إشكالية معرفية خطيرة ومقلقة ، ونحن نعلم إن القرآن قد نبذ الأبائية في الفهم وفي الإعتقاد ، لكن جمهور المسلمين سنة وشيعة آبائيين في إعتقاداتهم وفي إيمانهم ، وإذا كان القرآن يدعوا للثورة على التقاليد والبدع والضلالات ، فإن واقعنا مُشكل على أساس هذه البدع والضلالات .

الازمة اذن ليست بسيطة هي ازمة مفاهيم وأزمة قيم تمس أعماقنا في الصميم ، ونحن هنا إنما نوجه الأنظار لكي نتحرر من الفهم السطحي الساذج ونتحرر من سلطة رجال الدين ، الذين يزيفون علينا الحقايق ويوجهوننا لكي نكون متخلفين ومتخالفين ، نحن نقول دائماً الدين هو ثورة إنسانية على القيم والمفاهيم المغلوطة ، وقولنا هذا نعممه لنقول : إن الليبرالية الديمقراطية هي ثورة على التخلف وعلى من يصنعون التخلف ، وهي ثورة على الفساد الفكري والمفاهيمي الذي يؤسس للفساد الأداري والوظيفي ، إن الدين عندنا هو الليبرالية الديمقراطية هما أسمان أو قل هما صفتان لمعنى واحد ، يعني العدل والحرية والسلام ومحاربة الظلم والفساد وتحرير الناس من الإضطهاد والدكتاتورية والأستبداد ، وحين نجعل من ذلك الفهم طريقاً لنا في الحياة تكون لنا ثقافة ويكون بمقدورنا ان نصنع شعباً مثقفاً .

وهذا هو الفرق بيننا وبين من يقفون موقفاً رافضاً من غير ان يبينوا الدليل على مقالتهم ، وفي ذلك نحن نعمل ولا نقول ، لأننا نريد من خلال ذلك بناء ثقافة عصرية تستطيع العيش ، وتكون لما بعدها علامة ونهجاً يمكن التزود منه والبناء عليه ، كما يمكنها أن تُشير لمن سيأتي لا حقاً تحديد هوية عصرنا وزمننا وكيف كنا وكان .



#راغب_الركابي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة التونسية في مواجهة التحديات
- لماذا الليبرالية الديمقراطية ؟
- على أبواب عام جديد
- أردوغان والوحدة
- الخمر بين الحلال والحرام والإباحة
- العام الهجري الجديد
- الليبرالية الديمقراطية في مواجهة الطائفية والعنصرية
- القرآن والمرأة
- الليبرالية طريقنا للنجاة
- حاجتنا لتشكيل نظام الأقاليم العراقية الثلاث
- ماذا بعد تقرير ويلتكس
- العراق بين خيارين
- الليبرالية الديمقراطية من أجل الحياة
- الإسراء والمعراج بين الوهم والحقيقة
- مأزق الديمقراطية في العراق 2
- معالم في الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية
- ماذا تريد تركيا ؟
- مابين الليبرالية والرأسمالية من تفاوت
- الليبرالية في الفكر النبوي
- شركاء يتقاسمون الخراب


المزيد.....




- اليونيسف: 90% من سكان غزة لا يحصلون على المياه
- برنامج الأغذية العالمي: باكستان تواصل عرقلة دخول شاحنات المس ...
- لازاريني: انهيار الأونروا سيحرم جيلا كاملا من أطفال فلسطين م ...
- اعتقال نحو 100 متظاهر مؤيد لفلسطين بعد اقتحام برج ترامب في ن ...
- نيويورك: وقفة في برج ترامب تندد باعتقال طالب بجامعة كولومبيا ...
- ألمانيا تحقق مع مشتبه بهم في تهم تتعلق بالعمل القسري والاتجا ...
- ليبيا: الأمم المتحدة تحذر من المعلومات المضللة وخطاب الكراهي ...
- الأمم المتحدة: حرب السودان هي أسوأ أزمة إنسانية وهناك 30 ملي ...
- يونيسف: 1.3 مليون طفل دون الخامسة بالسودان يعيشون في بؤر الم ...
- -لم نعد أمريكا بعد الآن-.. شاهد كيف علق سيناتور أمريكي على ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - راغب الركابي - الحرية والثقافة