خالد أبو شرخ
الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 23:50
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ قيام دولة إسرائيل, على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني, والدعاية الصهيونية لا تهدأ, ولا تكل, ولا تمل, في وصف إسرائيل كواحة للديمقراطية, والقانون والحداثة والتقدم العلمي, في وسط محيط عربي بدائي, ومتخلف ذو أنظمة ديكتاتورية, وشعوب متخلفة وجاهلة, ولا تجيد العيش إلا تحت حكم العسكر والمشايخ, وأكثر الألقاب تحبيبا لدى الصهيونية وآلتها الدعائية, هو أن دولة إسرائيل دولة القانون (" ميدينات حُك ") في محاولة لتبرير عدم وجود دستور لدولتهم, وللمزاودة على الدول العربية, والتقرب من شعوب الدول الغربية, حيث يتم الترويج لجهاز القضاء الإسرائيلي على أنه الجهاز الأكثر عدلاً ونزاهةً وحيادية في المنطقة, وأن الدولة شعباً وحكومةً وجيشاً ومؤسسات, هي أكثر الدول إحتراماً وإلتزاماً بالقوانين, وأن القضاء الإسرائيلي, لا تأخذه في قول الحق والعدل لومة لائم, ولكن المتابع لأخبار الجهاز القضائي لدولة الإحتلال, يجد آلاف الأمثلة على زيف الدعاية الصهيونية, فالقضاء الإسرائيلي بشطريه المدني والعسكري, مثل أي جهاز آخر في دولة الاحتلال, وظيفته الأساسية توفير الغطاء القانوني, لممارسات جيش الاحتلال وسياسة حكام الدولة العدوانية, وإستخفافهم بالقانون الدولي, ومباديء حقوق الإنسان, فالقضاء الإسرائيلي لطالما وقف سنداً منيعاً, أمام الإنصاف القانوني العادل لضحايا جيش الإحتلال, من الفلسطينين, وفي الوقت الذي يصدر أحكامه القاسية, تجاه مناضلي الشعب الفلسطيني, رافضاً التعامل معهم كأسرى حرب, مخالفا بذلك القوانين والمواثيق الدولية, نجده متبنياً لروايات جيش الإحتلال التبريرية, إذا كانت الضحية فلسطينية, موفراً غطاءاً قانونياً لضباط وجنود جيش الإحتلال.
في الأسبوع الماضي فقط, تواردت لنا حزمة من الأخبار, لا تدل إلا على عدم نزاهة القضاء الإسرائيلي, بشطريه العسكري والمدني, وتدل على مدى إستخفاف هذا القضاء بحياة البشر, و قدرته الفائقة على ادارة ظهره, لكافة المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية.
فقد رفضت المحكمة العليا الاسرائيلية, يوم الخميس الموافق 20/1/2010 إلتماسين تقدمت بهما, منظمة حماية الفرد الاسرائيلية, وعضوة الكنيست السابقة "زهافا غالئون"، ضد استمرار "مركز الإعتقال رقم 1391", وسمحت لـدولة الإحتلال بالاستمرار بتشغيله , وهذا المعتقل موجود في قاعدة عسكرية سرية تابعة للاستخبارات, ولا يخضع لأي رقابة أو تفتيش من قبل المنظمات الدولية, مثل "الصليب الأحمر" أو حتى رقابة برلمانية إسرائيلية.
إن مجرد وجود معتقلات سرية, لا يذكرنا ألا بالأنظمة النازية والفاشية والديكتاتورية, والدول التي تستهين بحقوق الإنسان, وكرامته والمواثيق والمعاهدات الدولية, ولا يعطي إلى دلالةً على زيف الدعاية الإسرائيلية, و رفض إسرائيل لأي رقابة على هذا المعتقل, أو حتى مجرد زيارات من قبل المؤسسات الدولية, أو المؤسسات الحقوقية وحتى البرلمان الإسرائيلي, لهو دلالةٌ أخرى على ما يجري داخل هذا المعتقل, من الممارسات والأساليب اللاإنسانية تجاه المعتقلين.
" مركز الأعتقال رقم 1391 " أقامته دولة الإحتلال عام 1993, أي بنفس العام الذي وقعت فيه "إعلان مباديء أوسلو", واستبشر الجميع بقرب حلول عهد السلام في المنطقة, ومكث فيه حوالي 300 معتقلا بين السنوات 1993-2004, كما اعتقل فيه ثلاثة لبنانيين بينهم الشيخ " عبد الكريم عبيد" الذي اختطف من لبنان, لفترات طويلة خضع خلالها لتحقيق وحشي, أثار عند فضحه عاصفة نقدية كبيرة, حيث إدعى " عبد الكريم عبيد " تعرضه للاغتصاب على يد محقق يدعى "جورج".
كشفت صحيفة هآرتس أمر هذا المعتقل عام 2003, وذلك في أعقاب الشكاوي التي وصلت إلى مركز حماية الفرد, والمتعلقة باعتقال فلسطينين خلال عملية "السور الواقي", وعلى مدى إنتفاضة الأقصى, في هذا المركز السري دون ان يعلم احد بوجودهم, أو وجود المركز ذاته, وفي الأسبوع الماضي وبعد إنكشاف أمر المعتقل, ينحاز القضاء الإسرائيلي, لهذا المعتقل ويرفض أي إلتماسٍ ضده, ويعطي صلاحيات, للقيادات العليا في الجيش لتشرف عليه.
وفي السياق نفسه وفي قضية إستشهاد " أشرف أبو رحمة ", في مسيرة بلعين السلمية الأسبوعية , المنددة بجدار العزل العنصري ,حيث تم إطلاق النار عليه وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين, اعتبرت المحكمة العسكرية أن الضابط الذي أعطى أوامر إطلاق النار, قد إرتكب تصرفاً غير لائق فقط, أما الجندي الذي نفذ أمر إطلاق النار, وأردى الشهيد "أشرف أبو رحمة" مخضباً بدمائه, فقد إعتبرته المحكمة انه لم يفهم الأوامر جيداً....!!!, بكل بساطة وإستهتار بحياة شاب, يتم تمرير جرائم جيش الإحتلال, وإيجاد الأغطية القانونية لجرائم القتل اليومية, تذكرنا بمبرر اللوثه العقلية, التي تم من خلالها, تبرير الكثير من جرائم الإسرائيلين, مثل حرق المسجد الأقصى, ومجزرة جامعة الخليل, ومجزرة عيون قارا, وغيرهم من الجرائم الصهيونية.
وفي إستخفاف واضح بقيمة حياة الإنسان, زفت لنا الصحف الإسرائيلية, نبأ تبرئة الجندي الإسرائيلي, الذي اغتال الشهيد المسن "عمر سليم سليمان القواسمي",البالغ من العمر 66 عاما من مدينة الخليل, بدمٍ بارد اثناء نومه في سريره, معللة السبب أن الجندي تعرض للخطر, فأي خطر يشكله عجوز مسن, ونائم في فراشه, على جندي متأهب, ومدجدج بالسلاح يا دولة القانون...؟!
وفيما يبدو ان تبرير اللوثه العقلية قد أُستُنفِذ, وشعر القائمين على القانون في اسرائيل, أن كثرة إستخدامه, سيشير إلى المجتمع الإسرائيلي كمجتمعٍ متخمٌ بالمجانين, والحقيقة أنه متخم بالعنصرية والكراهية, لكل ما هو فلسطيني أو عربي.
إعتمد القضاء الإسرائيلي, في قضية إستشهاد المواطنة " جواهر أبو رحمة ", على رواية الجيش الإسرائيلي, لإصدار حكمه, وهي رواية متناقضة, وتكشف إلى أي مدى يصل تزييف الأدلة, ولوي عنق الحقائق, لدى جيش الإحتلال, فقد اضطر الجيش إلى تغييره قصته أكثر من مرة, ففي المرة الأولى إدعوا أن الشهيدة, قد توفيت في منزلها, وليس في مسيرة بلعين الأسبوعية, ثم أثاروا كذبةً أخرى, حيث إدعو انها مريضة بالسرطان, وتوفيت بسببه وتراجعوا عن هذه الرواية بعد أن نفت التقارير الطبية ذلك, وأسخف التبريرات ما حاولت به بعض وسائل الإعلام, المقربة من الجيش, بأن لا وجود لصور الشهيدة في مظاهرة بلعين, فكيف تكون توفيت خلالها, ثم تراجعوا عن هذا الإدعاء, ليستقروا على آخر إدعاءاتهم, أن الشهيدة قد توفيت بسبب سوء العلاج في مستشفى رام الله, ليتلقف القضاء الإسرائيلي هذا التبرير, ويستند عليه لاطلاق حكمه, باحالة القضية برمتها الى قائد المنطقة الوسطى, والحقيقة الساطعه أن الشهيدة " جواهر " قد أستشهدت بسبب إستنشاقها للغاز المسيل للدموع, الذي يطلقه جيش الإحتلال ضد المسيرات السلمية, ولا يقف الجيش عند هذا الحد, بل يتجاوزه ويُجري هناك تجاربه في تطوير الأسلحة, التي يستخدمها لتفريق المسيرات والمظاهرات السلمية, حيث لوحظ عدم التطابق في نوعية الأسلحة المستخدمة, وفروقات في الصنف الواحد من السلاح, بدليل ما تجريه اسرائيل من تطوير وتحديث لأدوات القتل, وتجربة ذلك في الميدان, ويحول قرية بلعين إلى مختبر تجارب, كما جرى عند اغتيال الناشط بالحملة الشعبية, الشهيد "باسم ابو رحمة" (2009عام), شقيق الشهيدة "جواهر ابورحمة" (عام2011) حيث إستخدم جنود الإحتلال آنذاك, قنابل غازية بعيدة المدى(800متر) ومضاعفة في الوزن, ورصاص مطاطي يحتوي على نسبة من اليورانيوم المخضب, الذي ينتج عنه الإشعاعات والسموم, التي تؤدي الى الوفاة، وهذا مخالف للتعليمات والمبادىء الأساسية لاستخدام الأسلحة النارية, التي نص عليها الملحق الإضافي لاتفاقيات جنيف الرابعة لسنة 1949 ,ويدين من يستخدمها ضد المدنيين.
اذا كان خبر وجود معتقلات صهيونية سرية وحده يثير الاستهجان والغضب بسبب الاستهتار الإسرائيلي, بالإنسان الفلسطيني خاصة والعربي عامة, والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية, فماذا يكون رد الفعل إن صحت توقعات صحيفة معاريف وإذاعة الجيش الإسرائيلي ( ولا بد أنهما يستندان على شيءٍ ما في توقعاتهم), بشأن لجنة تيركل (المكلفة بتقصي حقائق عملية الهجوم البحري الاسرائيلي على سفينة مرمرة)، بنفي كافة التهم المنسوبه إلى إسرائيل, في الهجوم على اسطول الحرية, في 31 ايار من العام الماضي؟... والذي أدى الى استشهاد 9 أتراك, أحدهم يحمل الجنسية الأمريكية، وتبرئتها من جرائم الحرب, التي ارتكبتها حينذاك، معللين أن الجيش الاسرائيلي, تصرف وفقا للقانون الدولي, الذي يجيز لاسرائيل تنفيذ الحصار على قطاع غزة.
إن صحت التوقعات, فهذا يعني سابقة في تاريخ ما يسمى بدولة القانون, فالضحايا هذه المرة ليسوا فلسطينين, أو عرب بل أتراك, فهل أصبح كل من يعترض على ممارسات إسرائيل ويتضامن مع الشعب الفلسطيني سلمياً, هو جاني وإرهابي يا دولة القانون ؟....,علاوةً على أن تركيا دولة صديقة لإسرائيل, وترتبط معها بعشرات الاتفاقيات والمدنية والعسكرية, ولكنه أيضاً يفضح دولة القانون وأجهزتها القضائية المدنية والعسكرية, وكيف يتم تأويل القوانين, ولوي عنق نصوصها, وخلق التبريرات لستر جرائم الحرب الإسرائيلية.
ما ذكرناه في المقاله لهو كيل من فيض, وهو فقط حصيلة نهاية أسبوع واحد فقط, فما بالنا لو إسترجعنا تاريخ القضاء الإسرائيلي ؟ .... فلن نجد له إلا وظيفة واحدة لا غير, إيجاد المخارج القانونية لممارسات دولته المارقة, على القانون والمواثيق الدوليين, لا نجده إلا حصان طروادة لدولةٍ, لم تكن حالتها عبر تاريخها إلا واحدة من إثنتين, فإما أن تخوض حرباً أو تستعد لشن حرباً, وكل شيءٍ في هذه الدولة, من مواطنين أو أجهزة مدنية وقانونية, ومن سلطات تشريعية وتنفيذية, وقوانين وإعلام مسخرٌ للجيش وحروبه, وأكثر ما يعانيه المحامون العرب واليهود, عند ترافعهم في قضايا الأسرى الفلسطينين, هو العيوب المتجذرة في النظام القانوني الإسرائيلي, وطريقة تعامل المحاكم الإسرائيلية, مع الفلسطينين ونظام التحقيقات المتبع .
فالتحقيقات يقوم بها أفراد من الجيش, يشكلون جزءاً من التسلسل القيادي الخاضع للتحقيق ، وهو ما يثير إشكاليات خطيرة خلال هذه التحقيقات، ولا تتم مقابلة شهود عيان خارجيين (أي من خارج الجيش)، وهو عيب أساسي نظراً لأن ذلك يحول دون الفحص الكامل للوقائع، وبالطبع فإن المشتبه فيهم بارتكاب جرائم, لن يدلوا بشهاداتً تدينهم تبعاً لمصالحهم الذاتية, وعلاوة على ذلك، تهدف هذه التحقيقات, إلى "استخلاص العبر" من وجهة نظر عسكرية فقط, وأيضاً فإن القضاء العسكري, وقانون الأجهزة الأمنية العامة, يعتبر أن كافة المواد المتصلة بالتحقيق العملياتي، بما في ذلك ما يقال أثناء التحقيق، ومحاضر التحقيق، ونتائجه، واستنتاجاته، وتوصياته، لا تستخدم كأدلة في المحاكم وتبقى سرية.
كما تعاني التحقيقات الإسرائيلية, من عدم وجود فصل في السلطات, ما بين الجيش والنظام القانوني العسكري (وهو ما يمنع إجراء تحقيقات مستقلة وغير متحيزة), ولهرم القيادة في الجيش تأثيرات واضحة, فيما يتعلق بأي إدعاء حول عدم النزاهة, وعندما يضاف إلى ذلك عدم فعالية الرقابة المدنية، والعيوب الخطيرة في جهاز القضاء المدني، والتأخيرات الطويلة للقضايا، والتي في بعض الأحيان تكون مبهمة، تجتمع كل هذه العوامل لتكريس وجود مناخٍ, من الحصانة الفاسدة لممارسات جيش الإحتلال.
أما في تعامل القضاء الإسرائيلي مع الفلسطينين, فقد صنفت المحكمة العليا الإسرائيلية, سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة كــ "أجانب معادين"، لأنهم يحتمل أن يشكلوا خطراً على الأمن القومي والأمن العام, إن لهذا الادعاء الذي تسوقه وتتبناه أعلى المستويات في النظام السياسي والقانوني الإسرائيلي, تبعات واضحة فيما يتعلق بالسعي نحو تحقيق العدالة, إن الافتراض الصريح بأن كافة الفلسطينيين, يشكلون تهديداً مباشراً لإسرائيل يتعارض مع فرضية البراءة، جيث تسقط القاعدة القانونية الشهيرة والموجودة في كافة قوانين العالم " المتهم بريء حتى تثبت إدانته ", ومن الواضح أيضاً بأن القضاء الإسرائيلي, بتكريسه لهذا المبدأ لا يمكن اعتباره نزيهاً. وفي ظل هذه الظروف، من الصعب أن يتوقع الضحايا الفلسطينيون, أن يحظوا بمحاكمة عادلة أو إنصاف قضائي فعال في دولة القانون.
الدعاية الصهيونية بأن إسرائيل واحة الديمقراطة ودولة القانون, والتي للأسف يتبناها بعضٌ من مثقفينا, والذين إنساقوا وراء ضجيج الإعلام الصهيوني, لا تذكرنا إلا بالدعاية النازية والتي قامت على " إكذب لا يصدقك أحد, إكذب يصدقك بعض الناس, إكذب يصدقك كل الناس, إكذب تصدق نفسك"
#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟