أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نضال الصالح - الرأسمالية المتوحشة والإرهاب الوظيفي















المزيد.....

الرأسمالية المتوحشة والإرهاب الوظيفي


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 23:22
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ولد وترعرع في كنف عائلة شيوعية، فلقد كان والده متفرغا للعمل الحزبي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السلوفاكي، وكانت والدته متفرغة للعمل النقابي وخاصة في المجال النسائي. كان جده مناضلا شيوعيا في صفوف عمال سكة الحديد، ولقد قاتل الألمان النازيين في حرب العصابات التي دارت رحاها في جبال سلوفاكيا. كانت عائلة بسيطة مثال الأمانة والصدق، ولم يستغل والداه مركزهما يوما من أجل مكاسب شخصية أو من أجل مصالح عائلته وأقاربه. سكنت العائلة في بيت بسيط من ثلاث غرف وإمتلكت حديقة صغيرة خارج العاصمة، زرعها جده بالعنب وبعد وفاته إستمر والده في العناية بها وصنع النبيذ من منتوجها. كنت ألتقي بهم في حديقتهم في بعض أيام الآحاد نحتسي النبيذ برفقة بعض الأصدقاء ونتحدث في شتى الأمور.
كانت تربطني بالإبن علاقة خاصة، إذ كان دوما متلهفا لسماع أخبار الناس في بلادنا العربية وأخبار العالم خارج نطاق المعسكر الإشتراكي.أنهى دراسته الجامعية في الإقتصاد وإدارة الأعمال قبيل سقوط النظام الإشتراكي وعمل موظفا في مؤسسة مالية حكومية.
لم اسمع منه خلال مدة معرفتي به نقدا للنظام أو تذمرا من وضعهم المعيشي الخاص أو العام. ولذلك كانت صدمتي كبيرة حين رأيته يشارك في قيادة المظاهرات ضد النظام الإشتراكي أيام ما يسمى بالثورة المخملية، وكان صوته يعلو بالهتاف بسقوط الحزب الشيوعي والنظام الإشتراكي. كان موقفه صدمة كبيرة لوالديه، خاصة بالنسبة لوالده الذي لم يتحمل رؤية إبنه يقف في الجبهة المعادية ويساعد في تحطيم البناء الذي قضى هو ورفاقه السنين الطوال في بنائه. لقد رأى والده عالمه ينهار أمام ناظريه، وانهار جسده مع إنهيار النظام والحزب، فمات والحسرة تعصر قلبه. أما والدته فلقد حولها النظام الجديد إلى التقاعد المبكر وأحالها على المعاش.عاشت وحيدة في بيتهما الصغير، بعد أن تركها إبنها الوحيد وذهب ليسكن مع عائلة زوجة المستقبل.
إنهار النظام الإشتراكي وانتشرت الخصخصة في البلاد كالسرطان، حتى لم يبق مصدر من مصادر الثروة الوطنية إلا وقد جرى بيعه للشركات العالمية. ومع الخصخصة إنتشرت المافيا المالية التي كسبت عمولات ضخمة من عمليات الخصخصة ووصلت إلى أعلى مراتب في صنع القرار. وما جرى للمؤسسات المالية جرى للمؤسسات الإعلامية فاستولى الرأسمال الأجنبي على المؤسسات الإعلامية وانشرت صحف ومجلات الفضائح والجنس.
إلى جانب كل هذا إنفتحت فرص العمل للشباب، خاصة ذوي الإختصاصات المالية والإدارية والبرمجة الحاسوبية، وسنحت لهم الحصول على وظائف برواتب عالية، ولقد استلم كثير من الشباب وظائف مغرية في المؤسسات التجارية والمالية العالمية. ولقد كان صاحبنا واحد من بين هؤلاء.
دعاني إلى حفلة زفافه التي أقيمت في أحد الفنادق الفاخره. كان جل المدعويين ينتمون إلى الطبقة الطفيلية الجديدة، من تجار ومتمولين وموظفي بنوك و شركات أجنبية. بحثت بين جمهور المدعوين عن أحد من رعيل والده ووالدته القدماء، فلم أجد. كانت رائحة المكان تفوح بالمال والإستعلاء والتكبر والإستعراض والوصولية، فخرجت من الحفل بعد أن إعتذرت من العريس ووالدته، التي خرجت معي تودعني إلى باب سيارتي. نظرت إلي قائلة:" لقد رفض أن يدعو أحدا من أصدقاء والده القدماء، إنه ليس إبننا الذي تعرفه، إنه يخجل حتى من ذكر إسم والده ويتنصل من علاقته به وبتاريخه". صمتت قليلا ثم تنهدت وقالت:" لقد أصبح جزءا من الطبقة الطفيلية الجديدة، لقد إشترى فيلا كبيرة بحديقة وبركة سباحة وسيارتي مرسيدس فخمتين، واحدة له وأخرى لخطيبته المصون، كله بواسطة السلف البنكية. يحاول جاهدا أن يقطع علاقته بمجتمع والده وإظهار نفسه أنه ينتمي لمجتمع النخبة الجديد." نظرت إلي بحزن وقالت:" هذا عرس إبني الوحيد ومع ذلك أشعر بالغربة والوحدة والحزن." ثم مسكت يدي وقالت:" أرجوك تحدث إليه فهو يحبك ويحترمك، لعلك توقظه من حلمه." ثم غادرتني راجعة إلى حفل زواج إبنها ورأسها منحني بين كتفيها. ركبت سيارتي ورحلت بدوري وفي رأسي عشرات الأسئلة التي لم أجد لها جوابا.
لم أتحدث معه، فلقد كنت أعرف عبثية هذا الحديث وقلت لنفسي:" إن كان هذا ما يريد فله ذلك."
مرت الأيام والأشهر وانقطعت علاقتي به وكنت أسمع أخباره من والدته، التي كنت أهاتفها بين الحين والاخر. أرسلته الشركة في رحلة عمل إلى قزخستان وكان من المفروض أن يقيم هناك مدة شهرين، مددت إلى نصف سنة، ثم سنة، وهكذا حتى تخطت السنتين. لقد سمحت له الشركة بالسفر إلى الوطن مرة كل عدة أشهر ولمدة أسبوع واحد فقط.
ولدت زوجته في غيابه، ولم يعايش أشهر طفله الأولى، ولا بروز سنه الأول ولا كلمته الأولى "ماما"، لأن "البابا" غير موجود في يوميات الطفل. عندما كان يحتج ويطالب بالعودة، كان يواجه بالجملة المعروفة:" بإمكانك أن تستقيل، فهناك صف طويل من الشباب مستعدين لأخذ مكانك وبراتب أقل." كانت الديون البنكية ورهن البيت تمنعه من الإحتجاج والتفكير بالخروج من هذا المأزق.
بعد عامين وجد أن زوجته قد تركت بيتهما ورحلت إلى بيت والدها، فلقد أتعبتها الوحدة وغياب زوجها عنها. أما طفله فلقد بكى عندما رآه ورفضه خوفا منه. لم تنفع كل الكلمات،" أنا بابا" من تغيير موقف الطفل، فلقد كان الرجل غريبا عنه. باتت حياته الزوجية والعائلية مهددة، فقرر الإنتفاضة على موقف الشركة، فهدد بالإستقالة إن لم تعيده إلى الوطن، فأقالته الشركة وأصبح عاطلا عن العمل.
أخذ يبحث عن عمل مناسب فلم يجد. طرق باب جميع الشركات، كانت جميع العروض أقل بكثير من تطلعاته ومستوى مركزه الذي إعتاد عليه. حتى هذه بدت تشح، ففي كل يوم يتخرج من الجامعات جمهور غفير من الشباب المتعطش للعمل.
لم يستطع الإستمرار في دفع أقساط البيت، فاستولى البنك على البيت وعلى محتوياته. لم يعجب زوجته الوضع المأساوي الذي وصل إليه فطلبت الطلاق، فحصلت عليه وعلى الطفل. لم يجد صاحبنا مكانا يلوذ إليه إلا بيت طفولته، في كنف والدته فلجأ إليها.
بناءا على رجاء والدته، ذهبت لزيارتهم. وجدته منعزلا في بيت والدته، هزيلا، مهزوما، طالت ذقنه حتى دعاه البعض "طالبان". لم تستطع كلماتي التخفيف عنه، فلقد خسر كل شيئ حتى كرامته، ولم يكن بيدي حل لكي أقدمه له.
حالة صاحبنا هذه، هي واحدة من آلاف الحالات المماثلة. لقد فتحت الرأسمالية الجديدة الأبواب أمام فرص مغرية للعمل متشابكة مع سهولة القروض البنكية، ولكنها فرص مربوطة بلغم موقوت، لا يدري حامله متى ينفجر في وجهه. هذه الحالة تخلق عند صاحبها قلق داخلي، ينغص عليه حياته، مهما كان مستواها. لقد أصبح الموظف أسيرا بكل معنى الكلمة لإدارة الشركة وعرضة للإبتزاز، فخطر الطرد مسلط كالسيف فوق رأسه، كلما حاول الإحتجاج على سوء معاملة أو طلب تصحيح أوضاعه الوظيفية.
قد تكون الإشتراكية قد وقعت في أخطاء كثيرة وبعضها تجاوز المعقول، ولكن حق العمل، كان في ظلها مقدسا، لا يجوز لأحد، مهما كان، أن يعتدي عليه أو يسلبه من صاحبه، من ما خلق عند العامل والموظف نوع من الطمأنينة وشعور بالإستقرار.

د. نضال الصالح/فلسطين



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سريعة في كتاب إبرهام بورغ: -لننتصر على هتلر
- يد غادرة و فكر ظلامي
- المرأة هي أيضا مسؤولة عن إنتهاك حقوقها
- سوريا، يا وجعا في القلب
- فضائية يسارية حلم كل العلمانيين واليساريين
- إنهيار الأيديولوجية الصهيونية
- كيف تعرفت على الخنزير
- حديث ليلي مع ممرضتي
- حانوت النصوص الدينية الجاهزة، حسب العرض والطلب
- إعرف عدوك قبل أن تلهث في طلب السلام معه
- إرتباك العقل الصهيوني وأزمة قلقه
- ديموقراطيتنا بين العيب والممنوع والحرام
- قراءة في تنزيل الوحي القرآني
- ملاحظات حول الإشتراكية العلمية والديموقراطية
- مشكلة الغجر في أوروبا
- شرع الله أم شرع البشر؟
- كرسي السلطة كالضوء يجذب الحشرات فإن أطفئ هجرته
- مدينتي نابلس وأم سائد
- الإعجاز العلمي في القرآن وعجز العقل المسلم
- هل من الممكن عصرنة الدين ؟


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نضال الصالح - الرأسمالية المتوحشة والإرهاب الوظيفي