|
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -4-
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 3254 - 2011 / 1 / 22 - 18:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
-1 هناك تماثل بين المحتوى الثقافي – القيمي لأفكار السيد النجار التي نحن بصدد إكمال تفكيكها من جهة ، والمحتوى الثقافي المسيحاني الاصولي الغربي من جهــة ٍ اخرى .. وبصورةٍ عامة ، العقل الماضوي السكولائي المنغلق يعاني من ضحالــة فكرية ، شأنه شأن العقل الإسلاموي ، فهو لا يمتلك القدرة على تفتيت البديهيات الصلدة كمـا اوردنا في المقالات الثلاث السابقـة ، مناهج الاكاديميا العصرية وحدها القادرة على ذلك بمعاونة ادوات فلسفية منهجية عصرية تختلف كثيراً عن الذهنية الاصولية التاويليــة . فالشرُ هـو شرٌ مطلق كمـا يظهـر " محمد " في افكـار السيد النجار ، والخير هـو خيرٌ مطلق كما تظهـر المسيحية وكل ما يمتُ إليهـا بصلــة بعموم كتابتــه .. ربمـا وجـد القليل من الاخوة أن تحديد الإطار الذهني السكولائي ، والإنزياح اللاشعوري لعموم كتابات السيد النجار نحو المسيحانية وكذلك التظاهر بإلحادٍ مزيف بعيد كل البعد عن ذهنية الاستقراء لدى السيد النجار ، ربما وجد بعض الاخوة ان هذا ليس كافياً لإثبات وجود الجوهر الاصولي المسيحاني المخفي وراء قناع الإلحاد والعلمانية للسيد النجار إلى درجة اعتبار مثل هذا الحكم تسرعاً مني وفي غير محلــه .. في موضوع اليوم ، سنقدم " الخلاصة " الجوهرية للعمق " الميثولوجي " الذي يتخفى في معتقد النجار .. هذه الخلاصـة سنعتبرهـا كلمـة الفصل النهائية والتي ستمتدُ إلى مقالين ، هذا والذي بعده ، سنحلل في كلا المقالين " صور " جوهرية اساس تشكل منهــا العقل الاصولي المسيحاني ، هذه الصور في حقيقتها تمثل الوعي الجمعي او المخيال الثقافي الجمعي للاصولية الغربية المسيحانية وسندرس في مقال اليوم ظروف تكونهـا ونقارنهـا بظروف تكون المخيال الجمعي الإسلامي بدراسة ماهية الاختلاف بين عوامل تشكل كل منهما .. فالسيد النجار في حقيقته كمفكر ، إنما ينطلق من هذا الــ" لاوعي جمعي " الذي لا يمتلكه هو وحده ، ثوابت افكاره لا يملكها هو وإنما تلَبسـَها من بيئته الاجتماعية التي يعيش فيها ، فليس هو وحده من يرتدي هذا القناع في حفلة الإعلام الدولية التنكرية هذه ، الفكر الاوربي عموماً يختزن في صميم لاوعيه الجمعي منطلقات وثوابت قديمة على الرغم من إن الثقافة الاوربية غادرتها منذ عصر التنوير ، لكنها عادت اليوم مستيقظة من سباتها التاريخي الطويل الذي زاد على الثلاثة قرون ..
-2-
هل اوقضها تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر ؟ أم إن من صنع القاعدة اصلاً لمواجهة السوفييت هو من فعل هذا ؟ لا نريد الدخول في موضوعة ( البيضة – الدجاجة ) الجدلية غير العلمية البتة ، النظر لهذا الموضوع يحتاج إلى تشخيص الداء الحقيقي للأزمة : الاصوليـــة بصورة عامة ، ربط السياسة بالرجعية .. فليست الاصولية الإسلامية وحدها السبب ، وإنما كل الاصوليات بما فيها النزعـة " القومية " المتطرفة التي وظفت سياسياً من قبل " راس المال الامبريالي " لإيقاف الطوفان الماركسي الشيوعي في كل العالم بما في ذلك اروبا ونموذج الاشتراكية الالمانية ، الديمقراطية الشاذة كما اطلق عليها فوكوياما ، والعالم الإسلامي والفكر القومي الصهيوني و العربي المدعومين من الغرب ابتداءاً في مطلع القرن العشرين ، فيما الاصولية الإسلامية جاءت كردة فعل على إخفاق القومية الاشتراكية العربية في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية بعد الهزائم العسكرية والإخفاقات الاقتصادية التي جعلت الامة متخلفة وفي تراجع دائم ، مع وجود دعم خفي من قبل الإمبريالية العالمية لاحتواء صعود القوميين المضطرد في منتصف ذلك القرن ، مع ذلك ، وبعد هزيمة حزيران في حرب الايام الستة كان العد التنازلي لاستيقاظ مارد التاريخ قد بدأ .. هذه الارتدادية كانت و لا تزال مستمرة رغم العلمنة والتنوير والافكار التقدمية التي كانت سائدة آنذاك ، فما الذي يمنع أن يعود العقل الاجتماعي الإسلامي إلى ثوابته الاولى ..الاصولية .. بعد سلسلة الإنهيارات اتي جرت سياسات القومية لها الامة في ظلال تسرع وسوء فهم " الشيوعيين " العرب لواقع امتهم التاريخي ، ذو السبعة آلاف سنـة فلم يكونوا عند مستوى مطالب " وعي الامـة الجمعي " ( آمال الجماهير بلغة اقدم) ؟؟ السيد النجار نفسه يكرر دائماً أن الخوف هو السبب في اختراع الاديان ( و المعرفية ليست الحالة العامة لكتاباته طبعاً ) ، ومن ناحية سيكولوجية يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍ معين ، فالشعور بالإخفاق والإنهيار يجعل الإنسان ايضاً يعود القهقري إلى ثوابته الاولى التي تربى عليها .. العودة إلى احضان " الكهف " الام الذي انجب الفكر الإنساني ... الدين فالام هي دين " الطفل " ومعبودته التي ياوي إليها ، بل ويطلبها بإلحاح عندما يخاف او يشعر بالضياع حتى لو كان بالغاً ، كذلك هي الصحوة الإسلامية أو ما يعرف بالإحياء الإسلامي كانت الملجأ الذي ارتمى فيه الوعي الإسلامي - العربي في احضان التاريخ رغم البلوغ وتباعد السنين كما ذكرنا هذا في الفصل الثاني . كذلك الاصولية المسيحية المعاصرة ، هي الاخرى مجرد " البداية " لارتماء الوعي الغربي في احضان التاريخ مع إنها في الفترة الحالية لم تكتمل عوامل استفاقتها الكلية بعد وكذلك فإن ظروف تكون ونشوء صحوة الاصولية المسيحية تختلف بشكل مناقض لظروف تكون الصحوة الإسلامية ، فما هي الظروف التاريخية الجيوسياسية لنشوء الاصولية الإسلامية ، وما هي الظروف التاريخية الجيوسياسية التي تقود بداية تشكل الاصولية المسيحية الغربية المعاصرة , واين يقع فكر السيد النجار منهــا ؟؟؟ سندرس هذا بإيجاز في الفقرات القادمـــة ..
-3-
الظروف التاريخية للصحوة الإسلامية
الصحوة الإسلامية تكونت نتيجة " الخـوف " من الحضارة الغربية التي خدعت الامة بعد ثورة الحجاز وقسمتها إلى ملل ونحل ورسمت لها الحدود المصطنعة وتوجتها اخيرا باقتطاع فلسطين لانشاء دولة إسرائيل ، هذه الدولة الاصولية التاريخية المتطرفة التي هددت شعوب مصر ولبنان وسوريا والاردن والعراق بصورة مباشرة عبر شعارها المعروف " من النهر إلى النهر From river to river " ... الصحوة الإسلامية إذن ، دافعها الخوف من تمدد إسرائيل ، وكذلك الشعور الجمعي بالإحباط والإخفاق تجاه واقع الحضارة الغربية الجديد من قبل كيان تاريخي قائم عمره يزيد على الالف سنة اسمه : الدولة الإسلامية الكبرى ، والمجتمع الإسلامي الكبير ، ومنظومة القيم الإسلامية المشتركة التي جاء الغرب ساعياً لمسحها من ذاكرة الامة خلال بضع عشرات من السنين فقط ، اي بعد العام 1924 وزوال الخلافة العثمانية وصولاً إلى 1948 بإعلان كيان تاريخي " قومي " يستبطن الاصولية الدينية باسمه ( إسرائيل ) ، وبدلاً من ان ينسى المسلمون من ذاكرتهم هويتهم الإسلامية الجامعة كما فعل الغربيون بتناسي المفاهيم والذهنية الكنسية ، اجبرت اخفاقات القومية العربية المتكررة الوعي الجمعي الإسلامي إلى العودة للتاريخ ، حضن الام ، الذي استعار الوعي الجمعي الإسلامي التعبير عنه بمسمى الإسلام السياسي المعاصر : دولة الخلافة الإسلامية ، أو ، ولايــة الفقيــه المؤسسة على فلسفـة " المرشـد الكامل " في الدولة الشيعية الصفوية ، ويعتبر اليوم منصب " المرشــد الاعلـى للثورة الإسلامية " بمثابة النائب عن الإمـام المعصوم .
-4-
الظروف التاريخية لولادة التطرف الصهيومسيحي المحافظ الغربي
ظروف هذا الإحياء كانت مختلفة عن ظروف الإحياء الإسلامي ، ولهذا السبب لم تظهر الاصولية المسيحية في كل مفاصل الحياة العامة للغربيين كحالها في البلاد الإسلامية اليوم ، فالاحياء الإسلامي كان دفاعياً ، وليس في هذا انحياز للامـة المستذلـة ، التاريخ صريح وواضح ، وظاهرة الإنبعاث المسيحي التي لا تزال في بدايتها التي تحدثنا عنها في الفصل السابق . فلا يوجد " خــوف " في الوعي الجمعي الغربي يمكنه " تأصيل " الإنبعاث المسيحاني الغربي من رقدة التاريخ بصورة كلية كحاله في بلاد المسلمين ، لكن ، لـو حدثت ازمــة كونيـة كبرى ، تفوق هجمات سبتمبر بالآف المرات ، كاحتلال دولة غربية لها ثقل تاريخي مثل روما او اسبانيا من قبل المسلمين مثلاً ، أو حدوث ما يتنبا به العقل السياسي الغربي " الاصولي " من سقوط برلمانات اوربا الاسكندنافية عبر ممر الديمقراطية تحت سيطرة الجالية الإسلامية ، ولمسنا مثل هذه الفورة في سويسرا وتصويرها لمآذن المساجد كصواريخ .. ! مع ذلك ، برأيي الشخصي كباحث ، ازمات سياسية واقتصادية وربما حروب كونية تنجم عنها ستؤدي بكل تاكيد إلى ايقاض المارد المسيحاني النائم ، يومها سيتغير وجه التاريخ حقاً ، وستعود امم اوربا والغرب عموماً إلى استعادة الصور النمطية الثقافية " المنسية " عن الإسلام والمسلمين الذي سيكونون اقرب الاعداء المجاورين لجغرافيا الحضارة الغربية ، فالمخيال الجمعي المسيحاني العام يزخر اليوم بقيم الليبرالية إلا حالات شاذة من التطرف هنا وهناك ، ولكن ، من غير المستبعد ان تتحول صور دفينة في تكوين الذاكرة الاجتماعية إلى واقع حي في كل الوعي الغربي فيما لو توافرت عوامل " الصحوة " هناك ! فما هي الصور النمطية " المنسية " التي يزخر بها المخيال الجمعي المسيحاني عن الإسلام والمسلمين والتي بدأت تستيقض تدريجياً بعد إخفاق النيتو في افغانستان وهزيمة إسرائيل امام حزب الله ومضي إيران قدماً في برنامجها النووي ( المخيف ) ؟
هذه الصور التي برزت طلائع ضبابية منها بحملات الرسوم المسيئة ، ومنع الحجاب والنقاب ، ما هي إلا همهمات اثناء نوم " المسيحية " العميق ، لكن فيما لو استيقضت المسيحية ، فما هي صورها النمطية عن الإسلام والمسلمين والتي ستصبح رائجة عالمياً ؟
فكــر السيدة وفاء سلطان والسيد كامل النجــار يمكن اعتباره شكلاً نموذجياً لهذه الصور لكونه نشـأ في بيئة اجتماعية توافرت فيها عوامل " الخـوف " والشعور بالحيف والظلم من المسلمين ، لذلك سندرس هذه الصور من خلال القراءة في نصوص السيد النجار ، مع إننا لا ننكر بانها غير كافية ، فالصور النمطية في المخيال الجمعي المسيحاني اكثر خطورة من حيث النتائج التي ستفضي إليها فيما لو توافرت شروط " خوف حضاري " كالتي لدى المسلمين اليوم التي ستؤدي حتماً لعودة مسيحانية وصحوة تتناسب والتغييرات الجيوسياسية في مسار حركة التاريخ ، ما سندرسه من هذه الصور يسلط الضوء على تفصيلاتها وجذورها بدقة في الفقرات التي ستاتـي في مقالنـا القادم .
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد حسنين هيكل يحكم بالإعدام شنقاً على انتفاضة الخبز والكرا
...
-
الانتفاضة ُ التونسية و طريقُ الثورةِ الجديد : حاكمية الامة
-
صفعة ُ جماهيرَ تونس : ردها إن استطعت يا بيت اميركا الابيض
-
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -3-
-
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -2-
-
كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -1-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -4-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -3-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -2-
-
الجنسُ والتنوير : رؤية ٌماركسية -1-
-
الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ
-
أتنويرٌ هذا أم تبشير يا سيدة وفاء سلطان ؟
-
تعالوا نتعلم التنوير
-
الماركسية وأسطورة عدوانية الإسلام
-
تنويريون تحت الطلب
-
الاصولية الغربية المتسترة بالتنوير , كوابيسٌ وأوهام
-
الديالكتيك و- التنوير - الانتهازي
-
الاتجار بالعلمانية : تعليقات وردود
-
الاتجار بالعلمانية : كامل النجار انموذجاً
-
هوليود .. وعالم ما بعد الموت
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|