محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 3254 - 2011 / 1 / 22 - 12:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خرجت جماهير الشعب التونسي متحدية النظام ورصاصه بصدور عارية ، واسقطوا بدماء أبنائهم دكتاتورية الجنرال بن علي وزبانيته، وتنفس هذا الشعب انسام الحرية بعد أكثر من عقدين من تكميم الأفواه ومصادرة الأصوات، وكان لهذا الشعب ما اراده، كما تنبأ له بذلك شاعر تونس الفذ بلقاسم الشابي قبل اكثر من خمسة عقود..
ولكن.. اين تونس في وعي هذا الشعب اليوم وقد تخلص من هذا كابوس؟!!
لقد واكبت هذه الثورة الشعبية، وكأي ثورة ، تجاوزات واختراقات متعددة المصادر. وها قد انقشع دخان المواجهة، وهرب الطاغية، وقبض على من تبقى من زبانيته، ولكننا لم نشاهد عودة كاملة للحياة الطبيعية في هذه الأرض الخضراء، بل إننا يمكن أن نرصد من خلال ما واكب هذه الثورة من أعمال تخريب وتدمير لمكتسبات الشعب التونسي وجود جيوب لنفوس جبلت على التخريب والعبث بالمرافق العامة وحتى الخاصة تحت غطاء الانتفاضة، وكأن هذه الانتفاضة جأت لتدمر وتخرب دونما تمييز بين الصالح والطالح!!!
إن أخطر ما نرصده بعد انقشاع دخان هذه الثورة هو اختراق المنظومة القانونية لتونس، تلك المنظومة التي حافظت وحتى في عهد الطغيان على توازن وسلام ضروري لاستمرار الحياة وتطور المجتمع. فما نسمعه من خلال إذاعات تونس عن تلاعب بالاسعار واختفاء للسلع واعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة، وما يدلي به بعض المتصلين بهذه الإذاعات من أراء ومطالب تصادر آراء الآخرين وتحث على إقصائهم بطرق لا تختلف عما كان يمارسه النظام السابق، هو في الواقع ينبئ عن توجهات قد تجر تونس الى منزلق خطير تكون عواقبه وخيمة وآثاره مدمرة.
انا أسأل كل تونسي لم يعد الى عمله حتى الآن او لم ينضبط فيه، وكل تونسي يتلاعب بالاسعار ويمارس صناعة تجفيف السلع من السوق لرفع اسعارها، وكل تونسي يمارس التخريب والنهب للممتلكات العامة والخاصة، وكل تونسي يطالب بحل هذا الحزب أو إقصاء ذلك أو عدم السماح لهذا بخوض الانتخابات، أسالهم :
- أي تونس تريدون إقامتها بهكذا تصرفات؟ واين تقع تونس في مساحة وعيكم ؟ أم إن غبار الثورة لم ينقشع عن عيونكم بعد، ولم تعودا ترون تونس؟؟!!
لقد انتهى رأس النظام.. ومن كان يسير البلاد في ظله لا يمكن التخلص منهم في ساعات، فوجودهم لمرحلة انتقالية ضروري حتى لا تنزلق البلاد في هاوية الفوضى.. وبعدها يمكنكم اسقاطهم عبر صناديق الاقتراع وبالطرق المتعارف عليها في الدول المؤمنة بالتعددية والتداول السلمي على السلطة..
إنكم بتسابقكم وجريكم وراء شعارات سرابية براقة منفصلة عن الواقع ورفض بعضكم التعامل مع الحال الراهنة بعقل متفتح وموضوعية، إنما تبددون اثمن شيء في هذه الحياة، وهو الزمن الذي يمر امام أعينكم دون أن تستثمروه في إعادة بناء تونس لكل ابنائها، إنكم في امس الحاجة لكل ثانية من الوقت، فمسؤولية إعادة بناء بلادكم والسير بها في مسار التنمية الصحيحة يتطلب منكم الإلتفات الى عامل الزمن واستثماره دونما تبديد، وتجاوز كل مرارات الماضي، والتطلع الى المستقبل الذي ينتظركم ، والتحلي بروح التسامح والصفح ، وتفعيل القانون وتعضيده واحترامه لأنه صمام الأمان الذي يضمن لكم إقامة دولة عصرية تحضى باحترام مواطنيها والمراقبين في الخارج..
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟