|
عُقدة التفوق
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3253 - 2011 / 1 / 21 - 07:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
غالبية المصابين بنقص في إحدى أطرافهم نستطيع علميا أن نطلقَ عليهم مصطلح (مصابون بعقدة نقص) وذلك بعد أن نلاحظ كيف أثرت تلكَ العقدة على سلوكياتهم بين الناس إذ يعوضونها من خلال تنميتهم لموهبة فنية ثقافية أو مهنية حرفية وذلك من أجل أن يسدوا العجز الظاهر في أجسامهم ولأجل أن يقنعوا أنفسهم بأن لديهم شيء لا يملكه الأصحاء بدنيا ومن أجل تحويل الأنظار من النقص في أجسامهم إلى الكمال في عقولهم وقلوبهم أكثر من الأصحاء بدنياً وبالتالي هم في نهاية المطاف من ينظرون إلى الناس بأنهم مصابون بنقص ثقافي لا يستطيعون تعويضه, والنقص أو الإصابة بعقدة النقص ليس مشكلة كبيرة بحد ذاتها شريطة أن يستطيع الفرد المريض المُصاب بالنقص تعويض تلك العقدة لكي ينسى في أي يوم من الأيام بأنه قد كان لديه عُقدة نقص وهذا التعويض أو القُدرة على التعويض في نفس الوقت تجعلْ المجتمع بأكمله يشعر بأنه هو المصاب بالنقص وذلك من خلال قدرة المُعوض على أن يجعل الناس ينسون أنه مثلا مصاب بضعف نظر أو نقص في إحدى أطرافه العُليا أو السُفلى وهذا معناه مرة الأخرى لفت الانتباه أو تحويل الانتباه من النظر في النقص إلى النظر في الكمال الكُلي والطبيعي والمصيبة الكبرى حين يلاحظ بعض الناس عقدة النقص ولا يلاحظون موهبة التعويض هنا يصاب المريض بخيبة أمل كبيرة ولكن الذين يشاهدون القُدرة على التعويض هُم من سيصاب بالذهول وبالنقص وهذا هو المقصود وهو أن الفرد الذي يستطيع تعويض النقص الذي به يكون هدفه أولا وأخيرا جعل الناس يشربون من كأسه وبهذا يشعر المجتمع إزاء المصابين بنقص في الخِلقة دونَ الكمال بأنهم هم المصابون بنقص ثقافي لا يستطيعون تعويضه وهنا تنشأ فكرة التفوق الثقافي كالتي نشأة مع (زكي نجيب محمود) ذلك المفكر الكبير الذي كان في يوم من الأيام يلعب مع الأطفال وهو ضعيف البصر في إحدى عينيه ولا يرى في العين الأخرى نهائياً بشكل ملحوظ جدا فحاول أن ينمي فكرة القراءة لكي يقنع الآخرين بأنه متفوق عليهم ولديه إمكانيات وقدرات رهيبة وهذا من ناحية ومن ناحية أخرى هرب المفكر زكي نجيب محمود إلى عالم القراءة لكي يحصل من خيال الكتب على المتعة واللذة التي تنقصه وكذلك غالبية النساء اللواتي لم يحصلن على حظ كبير من الخالق من ناحية الجمال فأغلبهن تنشأ لديهن فكرة التفوق الأنثوي على ألذكوري ولكن المصيبة الكبرى أن الذكورة من ناحية علمية مناسبة لنمو الحضارات ولا أحد يستطيع التفوق على الذكورة أو التفوق الفردي على المجتمع والناس لذلك عقدة التفوق تولد مع أغلب الناس الذين يجدون أنفسهم بين مجموعات عرقية تمتهن بعض الحِرف اليدوية أو الفنية أو الثقافية فالذي يولد في وسط فني تكبر في داخله عقدة التفوق على مجموعة العائلة بكاملها والذي يجد نفسه أيضا في زُمرة من المغنين والموسيقيين تكبر يوماً بعد يوم فكرة أو عقدة التفوق على مجموعته , وأحيانا تنشأ عقدة التفوق بسبب أحساس الإنسان بالظلم وبالاضطهاد فالإحساس بالظلم غالبا ما يؤدي إلى الفصام العقلي أو إلى الإصابة بالعوارض الجانبية ل (عُقدة التفوق) ولستُ أنا وحدي من يعاني من عُقدة التفوق فالدول أيضا تُصاب بهذا المرض الخطير جدا مثل بعض الدول التي تشعر بأنها ضعيفة فتسعى جاهدة إلى امتلاك سلاح نووي أو ذري خطير, ومن الممكن أن نقول عن ذلك ما قاله (آرنولد توينبي) : إثارة المواقع الباردة,وتنشأ هذه العقدة أحيانا بسبب عُقدة نقص في الجسم فيحاول صاحب العقدة أن يجعل من عقدته موهبة تغطي على العيب الظاهر في وجهه أو عيونه أو أسنانه وخصوصا بعض الذين يملكون في أجسامهم عاهات بشرية مستدامة وصدق المثل القائل (كل ذي عاهة جبار) فأنا صادفت في حياتي رجلاً أعمى ولكنه متفوق جدا في الدراسة الأكاديمية بحيث أن تفوقه يجعل الناس يغضون الطرف عن النقص البصري الذي يصاحبه وأحيانا يصاب بالذهول صاحب عقدة النقص حين يكتشف بأن الآخرين ما زالوا يشاهدون النقص العام في احدى أطرافه سواء أكان في يديه أم في رجليه , لأن المُبدع بسبب عقدة النقص يصبح لديه اعتقاد بأن إبداعه يجعل الآخرين مسحورين بهذا التفوق ولا يكتشفوت بأن المتفوق يخفي خلف إبداعاته عاهة بشرية مستدامة وهذا على الأقل اعتقاد المصاب بمرض نقص عام في إحدى أطرافه السفلى أو العليا , وروى لي ذات يوم صديق موسيقي لا يمشي نهائيا ويستخدم عرباية لتنقله من مكان إلى آخر , فقد قال لي بأنني تعلمت الموسيقى من أجل امرأة أحببتها وبما أنها كانت تعشق الموسيقى فقد برعت بها لكي أعطيها ما ينقصها ومن أجل أن أشعر بحبها لي وكان عندي اعتقاد بأن أوتار العود ستجعل تلك (البنت) تغض النظر عن عدم قدرتي على المشي فلقد كان ظني طوال العمر وحتى هذه اللحظة بأن كل الناس سينسون بأنني لا أمشي وسيعاملونني كما يعاملون أنفسهم أو كما يعاملون الأصحاء بدنياً, إن عقدة التفوق غالبا ما تكون بسبب شيء ظاهر في الجسم له معاني كبيرة للناس.
منذ صغر سني وطفولتي وأنا أسعى بالتفوق على الآخرين فقد كان حُلمي أن أكون طه حسين الذي جاء من القرية ليصبح عميداً للأدب العربي رغم أنه كان يكتفي بأن يكون مؤذنا في جامع من جوامع القاهرة كما قال عنه أنيس منصور, وكان حلمي بأن أكون عباس محمود العقاد الذي قرأ 60 ألف كتاب على أبلغ تقدير رسمي , ومن ثم أصبح طموحي بأن أكون سلامه موسى ذلك الفتى القبطي الذي كتب عن التطور والاشتراكية الفابية, ولم تكُ عندي رغبة بأن أكون مصارعا أو لاعب كرة رغم أنني أبديت في بداية صباي مهارة كبيرة في سباق التحدي للمسافات الطويلة وبعد ذلك أصبح لدي شوق وتوقٌ بأن أتفوق على طه حسين والعقاد وجبران خليل جبران وكأنني في سباق للتسلح ومشكلتي أنني عشت منذ صباي مع هؤلاء العظماء في مكتبتي لذلك حتى أثبت لنفسي بأنني مثلهم لا بد وأن أتفوق عليهم في الكتابة وخصوصا في الأسلوب الممتنع السهل أو كما يسمونه (السهل الممتنع) ففكرة أو عقدة التفوق جعلتني أبتز الناس في الشوارع وفي المساجد وفي الندوات الرسمية من خلال ظهار عضلاتي الثقافية وقدراتي على التحليل والاستنتاج.
وكانت النتيجة سيئة جدا فبسبب تفوقي على الآخرين وخصوصا المجتمع المحيط بي أصبحتُ مرةً أخرى لهذا السبب مكروها من قبل كل الذين أتفوق عليهم رغم أنني كنت أقصد بأن أكون مثلهم أو أساويهم على الأقل في الكفاءة ونظرا لأنني تعبتُ وألقيت بسلاحي على الأرض فإنني أشعر اليوم بأنه من اللازم عليّ أن آخذ استراحة المحارب لمدة من الزمن....
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخطية
-
من أجل كيلو طحين
-
سياسة الرفع
-
الاختبار الصعب
-
هل أحرق نفسي؟
-
انتفاضة البسطات
-
وأنا المسئول
-
الكرسي المسحور
-
الصورة الحقيقية
-
أحلامي في اليقظة
-
قصة حب بوليسية
-
باب داري
-
العدس لحم الفقراء
-
كيف تريدون ذبحي؟
-
الأموات يحكمون الأحياء
-
لو أداة تمني
-
الصحافة تلعب دور البوليس
-
في العام الماضي
-
واو القسم
-
ملاحقة المهنيين
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|