أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خضير الاندلسي - تراث الإهانة في الاسلام














المزيد.....

تراث الإهانة في الاسلام


خضير الاندلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 19:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تراث الإهانة في الإسلام

إلى روح الثائر التونسي بوعزيزي

الإهانة من الاستخفاف بالشيء واستحقاره (معجم لسان العرب) ,ففي التنزيل الحكيم جاء (سورة الروم اية 27), وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه, اي هو عليه امر يسير. ايضا يقال فلان فيه مهانة اي يتسم بالذل والضعف.
ارى في ثورة تونس التي فجّرها بوعزيزي انها لم تكُ احتجاجا على الاوضاع المزرية المعاشة بقدر الاهانة التي تعرض لها من قبل اجهزة البوليس والتي لم تصنت له لذا ارتارى الانتحار ووجد في حرق نفسه خير فعل لما في ذلك صدى واسع ,ولو لم يفارق الحياة لكان شاهد على احداث فُجائية مستعجلة اطاحت بالسلطة, لذا سنلقي الضوء بصورة مبسّطة على ثراث الاهانة في الاسلام لانها الخلفية الاساسية التي يعود اليها الغالبية المسلمة فالمرأة التي صفعت بوعزيزي بضربة موجعة لم تكن منفصلة عن هذا التراث او التأريخ بل في ترابط.
انتشرت بين الفرق الاسلامية الحاكمة فكرة التشهير بالشخص المسيء وغايته الاهانة اكثر منه تعذيبا ,فيفقد احترامه امام العامة .في بغداد اتبعت طريقة همجية ابان العهد الاموي, وأستمرت فيما بعد لعقود, مفادها ان حمارا حمل احد المسيئين وطاف به ارجاء المدينة ومعه اشخاص ينادون بجريمته المرتكبة .وطّور هذه الطريقة عبيد الله بن زياد (قُتل 67هجرية) حين طّبقها على الشاعر المتمرد يزيد بن مفرع الحميري(ت69 هجرية), اساقه مادة مسّهلة وطوف به وهو يسلح على نفسه. (راجع هادي العلوي, تاريخ التعذيب ص 14)
لعل اصطلاح الإهانة في مجتماعتنا اكثر رواجا منه في غيرها , والسبب في تفسير نقيضها (الكرامة) فعندنا ,احيانا كُثر, يهين رب العمل الصانع والقوي الضعيف وصاحب المال الفقير وهكذا ,او نجد انعكاس هذه الحالة تماما حين ينتفض المرء لكرامته وان كان صانعا او ضعيفا او فقيرا . ويجد الشرقي في التفاخر واذلال المقابل مكاسب تضيف لشخصيته رصيدا وتزيد من هيبته امام الافراد, فحين يكون التفاخر في العلم والادب ديدن الغرب , فأن مجتمعاتنا تقيده في البذخ الدنيوي وامتطاء سيارة مرعبة وتقديم ولائم فخمة, يقال حين تزوج جعفر البرمكي وزير هارون الرشيد وحامل خاتم السلطة طبخوا من الطعام ما اخرج باقيه من بغداد بعد عدة ايام ,فاذا هو جبل من الطعام وبعد ان تغّدت الطيور والحيوانات منه اياما , تعّفن باقيه في المدينة ,واخذ يهدد صحة الناس وسلامتهم ,مما اضطرهم لاستئجار جماعة لابعاده عن المدينة كيلا تنتشر الأوبة والامراض (علي شريعتي. النباهة والاستحمرار ص49) الى جانب عقدة الالقاب, وهنا ركّز التنزيل القرآني في مواضع عدة على التكبر داعيا الى الابتعاد عنه. جاء في سورة الحجرات اية 11(ولاتنابزوا بالالقاب) وايضا (واقصد في مشيك واغضض من صوتك , سورة لقمان اية 19 ) في اشارة الى التواضع. بينما يوصف علي بن ابي طالب المتكبر بالاكثر حُمقا في قوله ,اكثر الناس حُمقا المتكبر وفي موضع اخر يقول التواضع رأس العقل ,والتكبر رأس الجهل (راجع غرر الحكم 431-2). وقال أحد الحكماء في وصف التكبر, إذا سئل الشريف تواضع , وإذا سئل الوضيع تكبر.
تتخذ الاهانة اشكالا متعددة اثر عوامل عدة ابرزها الواقع الاجتماعي والخلفية الدينية .جدير بالذكر هنا شهادة العراقي اليهودي سامي موريه قُبيل عمليات الفرهود السيئة الصيت والتهجير القسري الذي طال يهود العراق عام 1948 ,يقول صفعني احد المارة بينما انا اشتري رغيفا من المخبز وحين سألته عن السبب ,اجابني (يهودي قذر) ويواصل موريه, علمني اهلي في البيت ان لا اضرب مسلما وان اعتدى عليّ! (راجع ذكريات وشجون. سامي موريه حلقة 21) وهذه الحادثة بعينها تدل على ان الاقلية الدينية في مجتمعاتنا وسط جموع المسلمين ذليلة ومهانة في الغالب.
وفي رواية اخرى يُقال عندما وليّ ابو موسى الاشعري على البصرة قدِم عليه ذات يوم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فوجده في المسجد ,فأستأذن من كاتبه وكان نصرانيا ,فلما دخل عمر وراه قال : قاتلك الله يا ابا موسى ولّيت نصرانيا على المال ؟ فأجابه الاشعري : يا امير المؤمنين لي كتابه وله دينه. (رشيد الخيون.تراث التسامح والتكاره ص 66).
وبالانتقال الى ثورة الياسمين التي فجّرها بوعزيزي لابد من القول ان الاخير في بادئ الامر فضّل العمل لكسب لقمة عيش شريف بمساعدة عربته التي صودرت من قبل اجهزة البوليس التونسي ولم تكتفه بهذا بل صفعه احدهم بضربة موجعة اهانت كبرياءه وانتقصت من رجولته , فلم يجد هذا البائس صاحب الشهادة العلمية سوى طريقا واحدا للتخلص من واقعه الاليم فـأحرق نفسه ولم يبال بالحياة التعسة فودعّها واخذ سرطان الانتفاضة ينتشر في جسد البلد فأنهارت السلطة بعد ان عجزت التنازلات السياسية عن استئصاله .
ان التراكم الزمني للإهانة كان عاملا اساسيا في تعظيم حتى الاشخاص الذين لايعلبون دورا مؤثرا او فعالا في الحياة ,فحين يمرق فنان معروف او شاعر او رئيس دولة تجد العامة تنحني اجلالا واكبارا, اخرون يحاولون التبرك به او التقاط صورة فتوغرافية معه لا شيء ولكن كي يقال عنه مشهور, محظوظ وغير مهان! وهو ما يرفع مكانته الاجتماعية ويزيد من شرفه!
ان ماجعل بوعزيزي ينتفض على السلطة الجائرة ويُقدم على الانتحار اطلاعه وثقافته المكتسبة ,ولاعجب اذا قلنا ان لولا الاخيرتان لما حرق نفسه, فالدراية والعلم يجعلان الانسان يخرج عن اطار فكره المعتاد ليدخل في دوامة الانشغال بكيفية الخلاص من الحيف والظلم المسلطّين , فلا يرتض الاهانة ولايقبل الذل.
بوعزيزي اعاد للشعوب الراكدة بصيص امل في تحريكها تجاه حقوقها والذي ساهم لاحقا بأنفعالات مماثلة داخل مصر والجزائر ومورتانيا رغبة بتغيير الانظمة السياسية الحاكمة وهو ما نتمناه في المستقبل



#خضير_الاندلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خضير الاندلسي - تراث الإهانة في الاسلام