أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟















المزيد.....

بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 17:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دعا “المرجع” الديني الشيعي بشير نجفي وزير التعليم العالي علي الأديب إلى وضع حد “لثقافة الاختلاط والميوعة” في الجامعات والمعاهد العراقية . جاء ذلك عقب زيارة الوزير لرجل الدين في النجف بعد استيزاره بأيام . لم يكتفِ المرجع بذلك، بل أشار إلى وجود “أجندات خارجية تُريد النيل من طلبة الجامعات . . . لإبعادهم عن أجواء طلب العلم والتقدم” . الوزير أكّد للمرجع أن وزارته ستكون جادة لأخذ وصايا المرجعية النيّرة في الاعتبار .

لقد أخذت مثل هذه الدعوات تروج وتتكرر في الفترة الأخيرة، فقبل أسابيع قليلة من هذه التصريحات التي استفزّت العديد من الأوساط الثقافية والأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني ودعاة الدولة المدنية، أقدم مجلس محافظة بغداد على شن “حملة” ضد النوادي الترفيهية والثقافية، ووصل به الأمر إلى إغلاق نادي اتحاد الأدباء والكتّاب، وذلك لمنع تناول المشروبات الروحية، الأمر الذي جرى ربطه بمحاربة الرذيلة .

لعل دعوة فصل الجنسين في الجامعات العراقية لا تنفصل عن الدعوات للتضييق على الحريات العامة والشخصية، وفي الأولى والثانية، حيث تلجأ السلطات إلى الهروب من مشكلات المواطنين، مثل قضايا الكهرباء والماء الصافي والفساد الاداري والمالي والرشى والعنف والإرهاب والبطالة وكواتم الصوت والمحاصصة التي عطّلت الدولة، فقد مضى نحو عشرة أشهر على الانتخابات أو ما يزيد عليها من دون أن تستكمل تأليف الوزارة، تلك الوزارة المتضخمة والمؤلفة مما يزيد على “أربعين” وزيراً والتي خفّضت مستوى مشاركة المرأة على نحو لافت، في حين تبنّى الدستور حصة “كوتة” هي ربع عدد المراكز القيادية للمرأة، وهو تمييز إيجابي يحتاج إليه المجتمع في ظروف العراق الراهنة .

لا أدري كيف استشعر رجل الدين المعني أو غيره أن حضور المرأة في الدراسة والعمل مجلبة للفساد وربّما للشر؟ فلم يسبق له أن درس في الجامعات ولم يحضر في مواقع عمل حيث تقوم المرأة بدورها المعروف على مدى تأسيس الدولة العراقية، الذي أخذ يتّسع ويزداد، لاسيما بعد ثورة 14 تموز (يوليو) العام 1958 حيث تحققت بعض المكتسبات لمصلحة النساء ولمصلحة مبادئ المساواة .

قد يتوهّم بعضهم أن الجو خلا له في ظل احتقان وشحن طائفيين وقانون انتخابات يفرز مثل هذه النتائج ودستور معطّل واستقواء بالخارج، في ظل توازن قوى مختل داخلياً، فأخذ يُظهر ما في جعبته من أفكار لا تختلف عن عقلية طالبان، وينسى هؤلاء أن بغداد ليست قندهار، فلها تاريخ عريق ومدني حتى في ظل انحسار دور المرأة بسبب الإرهاب والعنف وسيادة نمط من التفكير والسلوك الذي يحطّ من قدر المرأة ويتعامل معها باعتبارها “عورة”، وهو سلوك ذكوري متسيّد ينحاز إليه المجتمع .

ثم من يعطي الحق لرجل الدين للتدخل بشؤون الدولة، خصوصاً في ظل دعوة لعودة المجتمعات إلى القرون الوسطى، حيث كان الاختلاط وحرية التعبير والحريات العامة والخاصة، أموراً محرّمة أو شحيحة؟ ولعل المرجع الديني أو غيره لا يدرك، أن قضايا الحريات مكفولة في الدستور على ما عليه من ملاحظات وثغرات، فضلاً عن كفالته لحقوق الانسان، وهي قيم بشرية وقواعد ذات صفة كونية .

لقد كان اختلاط الجنسين في التعليم العالي والجامعات والمعاهد العراقية منذ سنوات طويلة، ولم تكن الرذيلة هي السائدة، كما أن فصلهما عن بعضهما بعضاً لا علاقة له بالفضيلة والقيم الإسلامية، وقد وجدت الضوابط الأخلاقية في جميع المجتمعات سواءً كانت موحدة أو وثنية، كما هي بلدان الهند والصين واليابان وجنوب شرقي آسيا، والأمر غير محصور بالدين الإسلامي فحسب، ناهيكم عن هدف أي دين هو خدمة الناس وسعادتهم ورفاههم، وليس فرض هذا النمط أو ذاك على علاقاتهم وطرق عيشهم، والناس أحوج ما يكونون إلى الخدمات والصحة والتعليم وحل مشكلات العمل والفقر واحترام حقوق الإنسان، والاّ فما الفرق بين قندهار وبغداد، وبين السلفية الأصولية الإلغائية والإسلام السياسي المذهبي، طالما أن القاسم المشترك هو الفكر التسلّطي الإلغائي القامع للحريات والحقوق، المنصوص عليها في الدستور وفي اللوائح الدولية لحقوق الإنسان؟

وإذا كانت مبررات الفساد الأخلاقي والانحلال والرذيلة سبباً في منع الاختلاط، فإن مثل هذه الأمور موجودة بالاختلاط ومن دونه، لكن هذه الدعوات تؤدي إلى سيادة ذهنية التطرف والتعصب والانغلاق والتحريم ولا يمكن بأي شكل من الأشكال الهروب من الاستحقاقات التي يريدها المواطن من الدولة وإلهائه بأمور أخرى، بدلاً من العمل على استعادة البنية التحتية وتحسين ظروف عيشه وزيادة رواتب أصحاب الدخل المحدود وتوفير ضمانات اجتماعية لجميع المواطنين، وإعادة النظر في المرتبات العالية للوزراء وأعضاء البرلمان وغيرهم . على رجل الدين أن يبتعد عن السياسة، وألا يتدخل في الشؤون العلمية لاسيما التعليم العالي، وعلى المرجعية أن تنأى بنفسها عن الدخول بمثل هذه الأمور، وعلى رجل السياسة ألا يستغل رجل الدين لإمرار ما يريد وما يسعى له، فيتلفّح بعباءة الدين، بحجة تنفيذ توجيهات ونصائح المرجعية، التي قد لا تكون عالمة بتعقيدات وإشكاليات ليست من اختصاصاتها وليست لها معرفة بها .

لقد كانت الجامعات التي درسنا ودرّسنا فيها صروحاً محترمة على طول الخط لتلقّي العلم ودروس الوطنية والقيم الانسانية، ومنتدى للحوار والجدل وتطوير المواهب واكتساب المعارف، يشهد عليها تاريخها، على الرغم من محاولات التحزيب والتخريب، لاسيما في سنوات الحروب والحصار والاحتلال، الأمر الذي يتطلب من الدولة والمؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية دعمها ورعايتها من دون التدخل بأمورها الخاصة .

إن اعتبار كلام المرجع الديني لهذه الفئة أو المجموعة أو حتى الطائفة (وإنْ لم يستطعْ أحد أن يتحدث باسمها) “وصايا” أو توجيهات، إنما يعكس مدى تراجع الدولة ومدى تشبث بعض السياسيين بالحصول على دعم من قوى يضعونها فوق الدولة . فقد تكون كل تصورات رجل الدين المعني عن التعليم العالي قد جاءت عن طريق مسموعات أو تقوّلات أو بضع ملاحظات لا علاقة لها بالجوهر، الأمر الذي يطرح أسئلة ساخنة: ما الذي سيحدث لو أن وزير التعليم العالي، من كتلة أو فئة أخرى، فهل سيطمح إلى الحصول على مباركة رجل الدين المعني والاستماع إلى توجيهاته؟ وماذا لو تم تغيير أو استبدال الوزير بوزير آخر من كتلة أخرى بعد سنوات من سياسة أقل ما يقال عنها أنها فئوية وقصيرة النظر وخارج مسيرة التعليم العالي التي عرفها العراق؟

إن موقع رجال الدين من الفريقين الشيعة والسنة، بل بشكل عام مسلمين ومسيحيين وغيرهم، هو المساجد والجوامع والكنائس ودور العبادة والعلم، وليس التدخل في الشأن السياسي وإصدار توجيهات أو فتاوى بشأن القضايا الاجتماعية والثقافية والاكاديمية والتربوية وغيرها، لأن ذلك سيفقده المكانة التي ينبغي أن يتمتع بها باعتباره ليس طرفاً أو داعماً لطرف أو لتوجه معيّن، مثلما ينبغي أن تحرص الحكومة، لاسيما وزارة التعليم العالي على استقلالية الجامعات وحريتها وتدافع عن أية محاولة لابتلاع الدولة أو تطويعها تحت أية مبررات أو مزاعم .

باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساحل العاج دولة برئيسين
- حرب باردة في خليج ساخن
- الاستفتاء السوداني: بين الديناميكية والسكونية !
- بعد 50 عاماً مصير -حق- تقرير المصير
- العمل العربي المشترك: أي دور للمجتمع المدني؟
- استفتاء أم استثناء؟
- الحداثة وما بعدها !
- رمزية القرار 1514 و«متحفية» الكولونيالية!
- ما وراء تسريبات -ويكيليكس-؟
- المواطنة.. من دولة الحماية إلى دولة الرعاية
- بُعيد تسريبات «ويكيليكس» وعشية الذكرى الثانية للعدوان على غز ...
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- المواطنة في الإسلام .. إرهاصات الدولة الحديثة وكوابح الواقع
- من مالك بن نبي إلى المهاتما غاندي
- سُليمى مولوي الخطيب: إمرأة حالمة ومسكونة بالقلق الانساني الب ...
- العدوان الإسرائيلي على غزة في ضوء قواعد القانون الدولي الإنس ...
- لحظة الهند .. البحث عن الشراكة والتعاون.. لا تريد أن تكون قو ...
- الطائفية وتشكيلات ما قبل الدولة
- الاستفتاء السوداني والفيدرالية الكردية
- تحديات التنمية.. التربية والمواطنة


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟