|
لماذا التحالف ضد الانتخابات في العراق؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 973 - 2004 / 10 / 1 - 02:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في نهاية شهر كانون الثاني/يناير القادم، تصاعدت حدة الحملة لمنع إجرائها. كما اتخذت هذه الحملة أشكالاً متعددة في الداخل والخارج، ابتداءَ من الأعمال الإرهابية وتصاعد جرائم القتل والخطف وضرب المنشآت الاقتصادية وليس انتهاءً بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة والعاهل الأردني الملك عبدالله ضد الانتخابات.
فعلى صعيد جبهة الرفض الداخلية، هناك ثلاث جهات على الأقل، أعلنت معارضتها للانتخابات وعدم المشاركة فيها وهي: أنصار مقتدى الصدر (مليشيات جيش المهدي) والجبهة الوطنية لعشائر العراق وهيئة علماء المسلمين في العراق إضافة إلى الجهات الخارجة على القانون بالسلاح. أما الجبهة الخارجية في معارضة الانتخابات، فتتمثل في معظم المثقفين العرب ومؤسساتهم الفكرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وجه مؤتمر أدباء مصر، المنعقد هذه الأيام في القاهرة، تحية إلى "المقاومة" العراقية وطالبها بتحويل العراق إلى فيتنام!! كذلك وسائل الإعلام العربي و عدد من الشخصيات الدولية مثل الأمين العام للأمم المتحدة وبعض القوى والأحزاب اليسارية في الغرب. وأخيراً أنضم إلى الجوقة العاهل الأردني الملك عبدالله.
فكوفي أنان، كدبلوماسي قدير يعرف كيف يطلق تصريحاته ضد الانتخابات متظاهراً بحرصه عليها ولكن مع شرط تعجيزي لإلغائها، إذ صرح الناطق باسمه قائلاً " أن المنظمة الدولية ستمنح العراق كل الدعم الممكن في الانتخابات العراقية المقبلة مشددا على ضرورة اتسامها بالشمولية.). لاحظ عبارة (مشدداً على ضرورة اتسامها بالشمولية). أما العاهل الأردني، الملك عبدالله فقال في حديث لصحيفة الفيجارو الفرنسية "أنه من المستحيل إجراء انتخابات نزيهة في العراق في ظل حالة الفوضى الراهنة.. وأن المتشددين فقط هم الذين سيجنون في حالة المضي قدما بالانتخابات...". وكأن الانتخابات التي تجرى في الأردن هي نزيهة مائة بالمائة ولن تكون نزيهة في العراق ما لم تحض بالتزكية من جلالته.
لقد شكلت هذه الجهات المختلفة جبهة عريضة مترامية الأطراف ولمختلف الأسباب لا يجمعها أي جامع سوى عدائها للعملية الديمقراطية في العراق. وتقوم فرنسا بقيادة هذه الجبهة حيث دعت إلى عقد مؤتمر دولي في باريس لدراسة الوضع في العراق والمطالبة بسحب القوات متعددة الجنسيات من العراق، والغريب أنها تريد مشاركة "المقاومة" العراقية في هذا المؤتمر لتضفي على الإرهابيين صفة الشرعية الدولية. وبذلك تريد فرنسا أن ثبت لنا أنها حريصة على العراق أكثر من العراقيين أنفسهم وهي تعرف أكثر من غيرها أن انسحاب القوات الدولية من العراق سيحصل له ما حصل لأفغانستان بعد انسحاب القوات السوفيتية منها وعواقبه وخيمة ليس على العراق فحسب بل وعلى العالم كله.
يتعكز الرافضون للانتخابات في العراق على ثلاث حجج: أولاً، الاحتلال واحتمال تزييف نتائجه، ثانياً، الاضطراب الأمني، ثالثاً، شرط الشمولية وعدم استثناء أي مواطن.
لا شك أن العراق حديث العهد بالديمقراطية وخاصة الانتخابات النزيهة التي هي أحد الركائز الأساسية للنظام الديمقراطي. فلو راجعنا تاريخ الشعوب العريقة بالديمقراطية لوجدنا أن الانتخابات بدأت فيها بشكل غير مثالي وغير شمولي ولكنها مع مرور الزمن تحسنت الأمور حتى صارت هذه الانتخابات جزءاً من تقاليد تلك الشعوب فاحترمتها ورضيت بنتائجها. فلماذا يريدون من العراق وحده أن تكون الديمقراطية فيه متكاملة مائة في المائة منذ يوم ولادتها. فبريطانيا التي تعتبر قلعة الديمقراطية الحديثة ما كان يحق للمرأة بالمشاركة في الترشيح والانتخابات البرلمانية إلا في العشرينات من القرن الماضي. كذلك ما كان يحق للمواطنين السود في بعض الولايات الجنوبية الأمريكية بالتصويت إلا في الستينات من القرن الماضي. فالديمقراطية تبدأ بحقوق بسيطة ثم تنمو مع الزمن وهي عملية غير متكاملة ولن تكتمل أبداً، بل صيرورة مستمرة تنمو مع نمو وعي الشعب ونضاله من أجل نيل المزيد من الحقوق دون نهاية.
لنناقش الآن الحجج الثلاث ونرى فيما إذا كانت مشروعة أم مجرد شروط تعجيزية القصد منها إفشال العملية الديمقراطية.
أولا، الاحتلال، الوضع العراقي هذا ليس الفريد من نوعه في التاريخ، بل هناك دول سبقتنا فيه وعاشت ظروفاً مماثلة لظروفنا مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية. فهذه الدول تم تحريرها من الفاشية والنازية والأنظمة الشمولية المستبدة، وشعوبها لم تبدد طاقاتها في محاربة القوات التي حررتها، بل احتفظت بهذه الطاقات ووجهتها لعملية البناء والديمقراطية منذ اليوم الأول من التحرير. ولحد الآن توجد قوات أمريكية وبريطانية في ألمانيا وكذلك قوات أمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية دون أن يؤثر وجود هذه القوات على سيادة هذه الدول أو في الانتخابات التي تجرى بانتظام فيها وكلها صارت من الدول الصناعية والديمقراطية المتقدمة. لذلك نعتقد أن وجود هذه القوات متعددة الجنسيات في العراق ليس عامل معرقل للانتخابات أو للسيادة الوطنية كما يزعم البعض بل عامل مساعد وداعم للعملية الديمقراطية في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها البلد بعد عقود من الحكم الشمولي الاستبدادي البغيض.
أما الأمن، فهو عامل مهم، ولكن هناك دول أجريت فيها انتخابات وفيها اضطرابات أمنية بسبب تمردات مسلحة وأعمال إرهابية لسنوات طويلة مثل الجزائر وسريلانكا وكولومبيا بل وحتى أسبانيا وبريطانيا اللتين مارستا الديمقراطية الكاملة رغم الأعمال الإرهابية التي كانت تشنها منظمة (أيتا) في الأولى وجيش التحرير الأيرلندي في الثانية. أما العراق فإن أربعة أخماس من شعبه يتمتعون بالأمن. و الاضطرابات محصورة في مناطق قليلة مثل الفلوجة والرمادي اللتين تقعان ضمن محافظة واحدة، فهل من الإنصاف أن تصادر محافظة واحدة حقوق 17 محافظة أخرى في ممارسة الديمقراطية؟ لذلك نعتقد أن شرط كوفي عنان حول شمولية الانتخابات كشرط لشرعيتها يتعارض مع أبسط مبادئ الديمقراطية ذاتها ودون يكون له سابقة.
كذلك لو راجعنا الدول الغربية العريقة في الديمقراطية لوجدنا أن نسبة كبيرة من السكان يرفضون الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم التصويت لأسباب مختلفة. ففي سويسرا لا تتجاوز نسبة المشاركين في الانتخابات البرلمانية أكثر من 30% وأمريكا 54% وبريطانيا حوالي 60% وهكذا. فلماذا يطلب من العراق وحده أن تكون المشاركة 100% وهو لم يعرف الديمقراطية الحقيقية ولا الانتخابات النزيهة طوال تاريخه؟ ومن الجدير بالذكر أن الانتخابات كانت تجرى في عهد صدام حسين وكانت المشاركة في حدود 100% ومع ذلك لا أعتقد أن السيد كوفي عنان سيجازف بسمعته ليقول لنا أن عهد صدام كان عهداً ديمقراطياً وأن الانتخابات كانت نزيهة.
إذنْ، لماذا يعارض هؤلاء الانتخابات؟ هناك أسباب مختلفة باختلاف الأطراف المتحالفة ضد دمقرطة العراق ويمكن حصرها فيما يلي:
1- غرض الجبهة الداخلية (جماعة الصدر وتحالف العشائر وهيئة علماء المسلمين) هو علمهم الأكيد أنهم سوف لن يفوزوا بأي مقعد فيما لو شاركوا بالانتخابات. لذلك فضلوا عدم المشاركة بها بمختلف الذرائع لإنقاذ ماء الوجه.
2- إفشال العملية الديمقراطية في العراق على أمل عودة صدام حسين للحكم ومعه الامتيازات التي كانوا يتنعمون بها خلال حكمه الغاشم . وهذا هو هدف التحالف العراقي والملك عبدالله وجوقة العربان من أصحاب كوبونات النفط.
3- أما كوفي عنان واليسار الأوربي، فهدفهم من إفشال دمقطة العراق هو نكاية بأمريكا التي قادت العملية والانتقام من جورج بوش وإفشاله في الانتخابات الرئاسية القادمة. فقد قالها عنان صراحة أن الحرب كانت "غير شرعية" وطالب بعدم تكرارها في المستقبل في أماكن أخرى ...الخ.
فجميع هؤلاء كانوا مستفيدين من العراق في عهد صدام حسين والخاسر الوحيد منه هو الشعب العراقي. لذلك يعمل هؤلاء بشراسة واستماتة في تحالف غير مقدس لإفشال الديمقراطية في العراق وحرمان شعبه من التمتع بالأمن والاستقرار، أملاً في عودة نظام المقابر الجماعية ومعه عودة الامتيازات لهم. المطلوب عمله: على الحكومة العراقية وكافة القوى السياسية العراقية الخيرة الحريصة على مستقبل الديمقراطية في العراق وكذلك قوات الحلفاء، الإصرار على إجراء الانتخابات في موعده المقرر حتى ولو تطلب الأمر استثناء بعض المدن التي صارت بؤراً للإرهاب. واستثناء بعض المناطق لأسباب مشروعة لا يؤثر على نزاهة الانتخابات كما بينا أعلاه. فالرافضون للانتخابات سيواصلون الطعن بنتائجها في جميع الأحوال. بل وسيعملون على عدم استتباب الأمن والاستقرار ليتخذونه ذريعة لعدم مشاركتهم فيها. فمقاطعتهم لها ليس لعدم نزاهتها كما يدعون، بل للحفاظ على ماء الوجه لعلمهم بفشلهم الأكيد.
29/9/2004
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يفتون بالإرهاب ويتبرّأون من عواقبه!
-
موقف كوفي أنان من القضية العراقية
-
من أمن العقاب مارس الإرهاب
-
: قراءة تأملية في كتاب: صعود وسقوط الشمبانزي الثالث
-
دور رجال الدين المسلمين في الإرهاب
-
القرضاوي داعية للإرهاب
-
الإرهاب في العراق والنفاق العربي-الفرنسي
-
المرتزقة الأجانب.. خطر جديد يهدد العراق
-
إيقاف القتال في النجف.. سلام أم إجهاض له؟
-
مخاطر دعوة السيستاني للجماهير بالزحف على النجف
-
لا ديمقراطية بدون أمن: خطاب مفتوح إلى السيد رئيس الوزراء
-
الحالمون ب«فتنمة» العراق!!
-
الديمقراطية والعصيان المسلح
-
المغامرون بمصير العراق وموقف الشياطين الخرس
-
من المسؤول عن الانتحار الجماعي في العراق؟
-
تفجير الكنائس دليل آخر على إفلاس -المقاومة- الاخلاقي والسياس
...
-
لماذا التساهل مع الإرهاب، يا حكومتنا الرشيدة؟
-
هل حقاً فشلت أمريكا في العراق؟
-
مرحى لقانون السلامة الوطنية
-
أين حقوق الكرد الفيلية في محاكمة صدام؟
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|