|
تجربة الفساد العراقية الرائدة
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 08:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنا نتصور إن العراق سيكون شعلة يضيء نورها الطريق لشعوب دول الشرق الأوسط الغارقة بظلام الدكتاتوريات والجمهوريات الوراثية، كنا نعتقد إن العراق سيكون نموذجا للاقتداء ومنارا للديمقراطية وللحرية ولحقوق الإنسان وللرفاهية وللنزاهة ولاحترام القانون، كنا نعتقد إن تجربتنا ستحارب اللصوص والمزورين والمختلسين والمهربين والمحتالين والدجالين والقتلة. كنا نعتقد إن مدن العراق ستكون قدوة للمدن المتحضرة التي تمتاز بنظافة شوارعها وجمال حدائقها وبهاء ساحاتها وصفاء جوها ونموذجية مدارسها وسعادة أطفالها وأناقة نسائها وكفاءة أساتذة جامعاتها وصحة وسلامة مواطنيها. كنا نعتقد إن الخير قادم والشر زائل واللصوص والسارقون ذهبوا ولن يعودوا، كنا نعتقد إن لا يكون قائد إلا الدستور المدني، ولا رمز إلا كرامة الإنسان، ولا سلطة إلا سلطة القانون. لم تكن هذه الأحلام والآمال بعسيرة على التحقيق ولا صعبة النوال أبدا، فقد استطاعت شعوب أخرى انجاز ما نتوق إليه وهي لا تملك مثل ما نملك أكان على مستوى الثورة أو مستوى الكفاءة والمقدرة. كل شيء كان متوفرا عندنا لتحقيق وانجاز التجربة وبناء دولة على أسس جديدة قيل أنها ستجعل من العراق يابان الشرق الأوسط وواحة تزدهر فيها مواهب الإنسان وتورد إبداعاته. هذا ما راهنت عليه دول غربية كثيرة واعتقدت، مثلما اعتقدت غالبية الشعب، بان العراق سيكون تجربة اقتصادية وديمقراطية رائدة. لكن الذي حدث بالعراق كان مخيب لكل أمل ونقيض حتى للاماني والأحلام الصغيرة، في إن يعيش الإنسان بكرامة، إن يُحترم ولا يُستخف بعقله وفكره وكيانه، إن لا يعيش بالمزابل ولا بمكبات النفايات ولا في المقابر، إن لا يضطر إلى التسول والتوسل والإذلال. الإرهاب كان رد الحكومات العربية التي صدقت بان العراق إن نجح ستطالب شعوبها بإتباع تجربته والمضي على نهجه، الإرهاب كان رد همجي ضد تحقيق الديمقراطية والحرية ودولة القانون والرفاه الاجتماعي، لكن هذه الدول التي بعثرت الملايين لقتل شعب العراق، لو علمت إن الفاسدين واللصوص والمختلسين والأغبياء والمعتوهين والمرضى النفسيين هم من ستكون لهم السيطرة والكلمة المسموعة والمنصب والسلطة، لو علمت إن إضرابهم وأصنافهم هم الذين سيحكمون، لما اتعبوا وأجهدوا أنفسهم وبعثروا الثروات على جهود تخريب العراق، فما هي إلا مسألة وقت حتى يختلط القطيع بالقطيع تحت سقف حظيرة واحدة هي حظيرة الجامعة العربية. وها نحن نرى السياسيين العراقيين يرفعون رايات العروبة والإسلام وهم متأهبون ومستعدون للدخول في حظيرة الأمة العربية زرافات ووحدانا يوحدهم الفساد وانعدام الضمير. لا توجد دولة في العالم يتكاثر فيها اللصوص والفاسدون بشكل شرعي وعلني مثل العراق، ولا يوجد حكومة تشرع قوانينا للفساد مثل الحكومة العراقية. فالرواتب والمناصب والتحاصص والامتيازات والحمايات والنثريات والسيارات والجوازات الدبلوماسية والرواتب التقاعدية والمشاريع الوهمية وتزوير الشهادات الأكاديمية والصفقات التجارية والمنح المليونية للنخب الطفيلية الحاكمة بالعراق هي فساد مشرعن لم يشهده العراق حتى في أحلك فتراته الدكتاتورية. لا توجد دولة تحرص على نشر الجهل بين أفراد شعبها وتحارب الثقافة مثل ما تفعل الحكومة العراقية، فالمظاهر الدينية التي زادت وتعدت عن حدها وأصبحت لها الأولية على جميع المستويات والفعاليات المعرفية والعلمية والجامعية والمدرسية، هي دليل قاطع على الاستخفاف بالعلم والثقافة والحضارة. وبدل من إن تصبح بغداد طوكيو الشرق الأوسط أصبحت قندهار أفغانستان تحرم فيها الثقافة والأدب إذا لم يكن يلاءم الذوق المتدني الطلفاحيين الجدد ، وبدل عن القوانين التي تحترم حقوق الإنسان وتدافع عنه سُيرت دوريات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزي أفراد الشرطة لتفرض قوانينها وأوامر قادتها بالبحث عن الخمور وعن الكتب التي لا تنسجم ورغبات حزب الدعوة الإسلامي. وبدلا من إنصاف الناس وتعويضها عن الأوقات العصيبة التي عاشتها في عصر همجي، أحدثت الأحزاب الإسلامية فجوة كبرى في بنية المجتمع العراقي بحيث يمكن القول إن هناك عالمين عالم مخملي منعم مترف لأغنياء الفساد من قادة الأحزاب وأعضاء مجلس النواب وكبار الضباط والوزراء واللفيف المقرب إليهم وعالم آخر لغالبية أبناء الشعب لا تسمع منه إلا الشكوى من لسعات البعوض وقرصات الذباب وروائح النفايات وطفح المجاري وانقطاع الكهرباء والموت بكواتم الصوت والاغتيالات والتفجيرات، ومع هذا وبدل من حماية الأغلبية من غدر الإرهابيين يطالب أعضاء مجلس النواب بتخصيص 75 مليار دولار لشراء سيارات مصفحة لحمايتهم مع إن احد منهم لو عصفورة حطت بالقرب منه لاصلوها نارا ورصاصا. إن التجربة العراقية بفضل الأحزاب الإسلامية وأولها حزب الدعوة أصبحت تجربة فساد رائدة سيتبعها كل الفاسدون بالعالم ويستفيدون من خبرة الإسلاميين التاريخية في كيف لهم وبأقصر وقت واسرع الوسائل إن يجعلوا البلد يشع فسادا وتخلفا وجهلا. حقا لقد أبدعوا بالفساد والجهل.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شكرا شعب تونس
-
الإرهاب كفكرة إسلامية مقدسة
-
قائمة مختلفة للمبشرين بالجنة
-
فضائية من اجل تحريك الركود العقلي.
-
وعاء الثقافة الإسلامية الفاسد
-
لقد أسكرهم الدين ولم يسكرهم الخمر.
-
مجزرة كنيسة سيدة النجاة والإسلام.
-
العراقيون ووثائق ويكيليكس
-
الحوار المتمدن في ألق متواصل.
-
السنة والشيعة وعائشة
-
البغاء وأنكحة المتعة الإسلامية
-
الطقوس المذهبية والأحزاب الإسلامية
-
صراع الولدين
-
الأحزاب الإسلامية والحرص الزائف على الوحدة الوطنية.
-
الأحزاب الطائفية والمكونات العراقية.
-
الله والاسلاميون
-
اليسار العراقي والغبار الحسيني المقدس
-
ألا يتعظ هذا الرهط الاسلامي الفاسد!
-
أحزاب البطانيات والمسدسات!
-
الدولة الاستهلاكية للأحزاب الإسلامية
المزيد.....
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|