|
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 972 - 2004 / 9 / 30 - 09:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يبدو ان بحثي عن قضية الفكرة القومية والهوية الوطنية في العراق الوارد في (مجلة الديمقراطية) الصادرة عن مركز الأهرام في القاهرة أثار شيئا من سوء الفهم. هذا ما فهمته من مقالات الدكتور كاظم حبيب المنشورة في موقعكم المحترم. أشكر الدكتور كاظم حبيب على اطلاعه على بحثي الذي سيجد القارىء الكريم ملخصا له مرفوقا في آخر هذه المقالة القصيرة. ساحاول هنا توضيح بعض الخلاصات الفكرية التي تفيد في صد التهم غير المريحة النابعة من سوء الفهم هذا. انطلق في توضيحي من الفرق الكامن بين الكلمة بوصفها منطقا أو هوى سياسيا. فالكلمة بمعناها الاخير تنتج، لامحالة، هوسا سياسيا. وهي نتيجة تلازم ما ادعوه بنفسية وذهنية العقائدية الجديدة. ألذهنية التي لا تفرق بين العبارة بوصفها بناءا منطقيا وبين هواها السياسي والأيديولوجي. ان مضمون ما كتبته يخرج عن إطار الرؤية السياسية الحزبية التي انطلق منها الدكتور كاظم حبيب وطبعت مقالاته. إن القراءة المتأنية والسليمة للنص هي مقدمة النقد العلمي (وليس الحوار!). وآنذاك فقط يمكن أن يكون النقد أسلوبا لتراكم المعرفة وتنمية القدرات الذهنية للفرد والمجتمع على السواء. واسمح لنفسي هنا باستطراد فردي وجزئي شكل منذ عقود درسا بليغا بالنسبة لي. فقد هاجمت أمام قاعة دراسية، بعد إنهاء دراستي الجامعية، الإمام الغزالي بعبارة قاسية مبنية على ثقافة "تقدمية" ثم ختمتها ببيت من شعر المتنبي الذي سميته به هذا التوضيح. وهي مفارقة كلفتني سنوات طويلة للتكفير عنها! وهي فكرة علمني إياها النفري عندما قال لي مرة "جيم جنة! جيم جهنم!"، أي عندما قال لمن يقرأ الكلمة كما يقرأ الوجود، بان الحرف قادر على أن يوصلك إلى جنة أو إلى جحيم. وإذا كان الأمر كذلك فالأولى بالمرء أن يكون شديد الحذر من الكلمة، واشد حذرا من العبارة! أما الباطن أو المعنى فانه ممتنع عمن لا تكون قراءته جزءا من وجدانه، بوصفه بحثا عما فقده. لم يكن بنيتي في بحثي ان اتزعم "مهمة" "الدفاع عن حقوق المضطهدين"! وهي مهمة لا معنى لها. لان التاريخ يبرهن على إن مهمة الدفاع عن المضطهدين هي مهمتهم الخاصة! وحالما تصبح "مهنة" فإنها تتحول إلى وسيلة للابتزاز، مهما كانت النية القائمة وراءها. ولم اكتب هذا البحث او غيره بوحي "التقدمية" و"الرجعية". ولهذا لا معنى للبحث عن "بقائي" أو "خروجي" من هذه العوالم! أن النية والغاية فيه متحررتان من أي شئ غير مساعي البحث عن الحقيقة. ولم اكن في يوم ما "ماديا ديالكتيكيا" أو "ماديا تاريخيا" ولم اكتب في حياتي شيئا عن ذلك.! بل إنني لم استشهد في يوم ما بعبارة لماركس للتدليل على فكرتي! مع احترامي الهائل لشخصيته وإبداعه بوصفه أحد عمالقة الفكر في العصر الحديث، ومع معرفتي العميقة بتراثه الفكري! بعبارة أخرى، إنني لم اكن "ماركسيا" ولم أتعلم "الماركسية" في البلد الذي كان يعبده كثيرون. وهي عبادة تجد تعبيرها المعكوس في الاعتقاد ان المرء حالما يعيش في الاتحاد السوفيتي فانه يكون ماركسيا بالضرورة. وبظني ان الماركسية ليست بضاعة يمكن شراءها من المخازن السوفيتية أو معلومة يمكن تعلمها في "المدارس الحزبية"! وهذا الاعتقاد جزء من ذهنية تقليدية تعتقد بان من عاش في الاتحاد السوفيتي يصبح شيوعيا بالضرورة. وان من قرأ لماركس أو استشهد ببعض عباراته أو كتب في مجلة ماركسية فهو ماركسي. ومن كتب في جريدة قومية فهو قومي. ومن عاش في الغرب فهو برجوازي (أو إمبريالي أو عميل للغرب!). ومن كانت على جبينه بقعة سوداء فهي إسلامي تقي ورع وما شابه ذلك! هذه لقطات من ذهنية عقائدية قديمة جديدة كنت اظن اننا كباحثين قد تجاوزناها جذريا. هنا أود التنويه إلى أن ما نشرته مجلة "الديمقراطية" هو مجرد صيغة مختصرة لفصل من أحد أبواب كتابي الجديد عن العراق (العراق ورهان المستقبل). وهو كتاب يستكمل كتابي الذي صدر قبل أسابيع (عن دار المدى - 2004) وهو بعنوان (العراق ومعاصرة المستقبل). واشير الى إنني لم انشر في مصر أو غيرها من البلدان العربية ما بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مقالا واحد مهما كان صغيرا حول العراق. والمقال موضوع النقد هو أول بحث انشره (بطلب من مجلة الديمقراطية وعن طريق العراق!) في دولة عربية! وقد نشرت قبله في عدد كبير من الجرائد العراقية الكبرى اكثر من ستين مقالا وبحثا ودراسة بعد سقوط صدام. كما انني لا اعرف متى صار النشر في دولة عربية أمرا معيبا ومتعارضا مع قيم الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق القوميات؟! أما الشارع العراقي فقد تقبل وأعاد نشر عشرات المقالات الأشد قوة وعنفا في نقدها لمختلف التيارات السياسية القومية والإسلامية والشيوعية والليبرالية والوطنية في العراق. ان هدف البحث الأساسي هو تشريح نفسية وذهنية وعي الذات القومي من اجل رؤية مسارهما الفعلي عند الاتجاهات والحركات والأحزاب القومية غير العربية في العراق وليس شعاراتها المعلنة. ومن ثم ليس للبحث علاقة بالحركة القومية الكردية ومطالبها. وترتب على ذلك سوء فهم جعل الدكتور كاظم حبيب يجد فيما كتبته مجرد معاداة ومناهضة وكراهية واستعلاء واستعادة فجة للمواقف والمفاهيم القومية اليمينية والشوفيتية والنازية المتطرفة ضد الأكراد؟! ولا اعرف كيف استطاع أن يتوصل إلى هذا الحكم؟ مع أنني شديد الدفاع بفعل السجية والفطرة والمنشأ والثقافة والروح الأخلاقي والمواقف السياسية عن حقوق الجميع في الحرية والحصانة الحقوقية التامة. لأنني أدرك الحقيقة الجلية القائلة، بان المرء لا يمكنه أن يكون حرا وهو يستعبد الآخرين، ولا يمكنه أن يكون محقا وهو مخطأ بحقهم، ولا يمكنه أن يكون إنسانا وهو يعامل من هو مثله معاملة دونية! وفيما يتعلق بالأكراد فإنني من الداعين اصلا إلى ضرورة انفصالهم عن العراق من اجل أن يتكاملوا في أمة خاصة بهم تنمو كما ينمو الجميع. وفي اعتقادي أن هذا "الإعلان" يكفي للرد على "مزايدة" الدفاع عن حقوق أي كان! لما في هذا "الدفاع" نفسه من عدم تحسس للاستعلاء الباطن تجاه من يجري الدفاع عنه. إن الأسلوب الأمثل "للدفاع" عن الآخرين ينبغي أن يجري من خلال العمل على جعل النفس متمسكة بالقانون والشرعية والقيم العقلانية والمدنية الإنسانية. فهو الأسلوب الأمثل لبلوغ الحرية والعدالة، لأنه الأسلوب الذي يتطلب جهدا فعليا وليس كلاما دعائيا. كما انه المحك الفعلي لاختبار وتحقيق المواقف والأفكار والقيم. وإلا فإن كل ما يقال عن "الدفاع عن المضطهدين" يبقى مجرد حالة عابرة في "تاريخ الرياء السياسي". في ميدان المكر السياسي كل أمر جائز!. أما في ميدان الفكر الحقيقي (العلمي) فإن الجامع الوحيد هو حدود المنطق ومستوى الالتزام بتحقيقها العملي. وهو الأمر الذي حاولت الالتزام به في بحثي عن قضية الفكرة القومية والهوية الوطنية في العراق. فهو لم يكن موجها ضد طموح وحقوق ومصالح أية قومية في العراق ولا لخدمة حزب قومي أو وطني أو ديني أو دنيوي. لقد كان هدفه الإخلاص لحقوق الجميع من خلال تأسيس فكرة الحق كما هي! وهو إخلاص مجرد من ضيق الأفق الحزبي والجهل السياسي والرياء القومي مهما كان شكله ومضمونه، لأنه يستند إلى دراسة الواقع كما هو ومنطق البحث عن الحقيقة والعمل بموجبها فقط!
*** الصيغة المختصرة للبحث
• إن إحدى المفارقات الكبرى للتاريخ العراقي الحديث تقوم في تحول الهوية الوطنية إلى إشكالية مثيرة للجدل النظري والعملي. مع ما يرافق ذلك بالضرورة من شكوك بأكثر واشد الأمور يقينا. وهي مفارقة تجد تعبيرها في تحول المرجعية الروحية، المتجسدة تاريخيا وثقافيا في الأفكار والقيم والمشاعر المتعلقة بقضايا الانتماء الوطني والهوية والتاريخ، إلى مصادر تفرقة واختلاف. أما الواقع الفعلي لهذه المفارقة في الظروف الراهنة فيقوم في أن الدولة الأكثر عراقة في التاريخ المدني والحضاري تقف أمام إشكاليات تشير إلى ضعفها الشامل وخللها البنيوي التام. بحيث تضع المرء أمام إمكانية الاعتقاد بوقوفه أمام كيان يظهر للمرة الأولى على حلبة التاريخ. وهي أوصاف تشير إلى واقع، اكثر مما تعبّر عن حقيقة. بمعنى أن العراق المعاصر يعاني من خلل بنيوي وأزمة شاملة وخوار هائل في المكونات الجوهرية لوجوده السياسي والاجتماعي. وهي حالة تجعل من التاريخ السالف أمرا اقرب إلى الذكريات. ومن ثم تعطي للمرء إمكانية الحكم على انه "كيانا هشا"، و"تركيبة مصطنعة" وما شابه ذلك. وهو اتهام اكثر مما هو تصوير أو نقد للواقع. الا أن من الضروري أخذه كما هو، بل وإضافة ما هو أقسى واشد منه من اجل رؤية حقيقة الواقع كما هو. • إننا نعرف جيدا، بان الأطلال هي إشارة ودلالة على "وجود ما" يجعل من الأفراح والمآسي الهائلة مجرد بقايا قابلة للتصوير بعبارات اللوعة والحسرة وبمشاعر الرومانسية المفرطة في التعويض عما لا يستجيب لذوقنا عن الجمال وإدراكنا للفضيلة. ولكن حالما نضع هذه الأفكار ضمن السياق الواقعي لمتطلبات الرؤية السياسية الواقعية تجاه الإشكاليات الفعلية التي يواجهها العراق، فإننا سوف نقف بالضرورة أمام القضايا والمهمات الأكثر شمولا والأكبر حجما. وذلك لان العراق يواجه مشاكل يرتقي اغلبها إلى مصاف "الدرجة الأولى". ذلك يعني أن الرؤية السياسية الباحثة عن بديل لمشاكله تفترض تحديد الأولويات الفعلية والاستراتيجية لنهضته الجديدة. ولعل فكرة الهوية العراقية من بين أكثرها جوهرية، وذلك لكونها الفكرة القادرة في الظروف الحالية على استقطاب الفكر الاجتماعي والحركات السياسية صوب تكاملها الذاتي (الوطني). فهي المقدمة التي تخدم الجميع بقدر واحد. • فالتجربة التاريخية المعاصر للعراق تبرهن على أن التفريط بحقيقة الهوية الوطنية، كما تجسد بصورة نموذجية في التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية هو تفريط بكافة الحقوق، بما فيها حق الحياة. وهو الأمر الذي يجعل من صياغة رؤية واقعية وعقلانية عن وحدة وتجانس القومي والوطني في العراق إحدى المهمات الأساسية من اجل تكامل الجميع في بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. • فهو الثالوث القادر على احتواء صراع الجميع واختلافهم، والإبقاء قي نفس الوقت على تراكم الثروات المادية والروحية للمجتمع والدولة. كما انه ضمانة إعادة اللحمة الاجتماعية والوطنية عبر تذليل مختلف أصناف البنية التقليدية، التي لا تحمي في نهاية المطاف أيا كان. وذلك لان البنية التقليدية مهما كان شكلها ومضمونها، لا تعمل في نهاية المطاف الا على تعميق الهوة الفعلية في الفرد والجماعة والمجتمع والثقافة والدولة، أي في كل مكونات الروح والجسد الفردي والاجتماعي للقوميات المكونة للعراق. كما انها حالة تتعارض من حيث الجوهر مع حقيقة العراق المتراكمة تاريخيا، باعتباره كينونة ثقافية سياسية. • مما سبق نستطيع القول، بأن العبارة الشائعة الانتشار عن أن العراق هو "فسيفساء" لمختلف الأقوام والأعراق والأديان والطوائف والمذاهب لها نصيب من الصحة تماما بالقدر الذي يمكننا القول، بان العراق هو ليس تجمع أعراق. وذلك لأنها عبارة تشير إلى واقع التجزئة السياسية الحالية للعراق، لا إلى حقيقة كينونته التاريخية والثقافية. وهي حالة نعثر فيها على صدى التاريخ السياسي المعاصر للعراق، الذي هز كيانه الثقافي وهويته الوطنية، اكثر مما نعثر على حقائق تاريخه الكلي. • وهو الأمر الذي يجعل من التساؤل والاعتراض والشكوك المتعلقة بأغلب جوانب وجوده التاريخي والدولتي ومقوماته الجوهرية، قضايا سياسية ملتهبة لها أبعاد عملية هائلة وحساسة بالنسبة لفكرة البدائل المفترضة فيه. وهي أيضا حالة صحية ما لم تتحول إلى أسلوب للتعامل مع مشاريع البدائل المتعلقة بآفاقه المستقبلية. • فقد كان الاهتزاز الهائل للهوية الوطنية للعراق نتاجا "طبيعيا" للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، التي أدت سياستها للتوحيد الشامل في كل شئ إلى تجزئة شاملة في كل شئ. وهي نتيجة يمكن ملاحظتها بوضوح على حالة القضية القومية والهوية الوطنية فيه. فالتجزئة والانفصال والانفصام والتعصب الضيق والخصام والاختلاف والاحتراب والتنافر وعدم الثقة المتبادلة وغيرها من المظاهر السلبية هي النتاج الطبيعي للذهنية التوتاليتارية والسياسة الدكتاتورية، التي حاولت أن تجعل من نفسها بؤرة الوحدة الصلبة للعراق، بينما لم تؤد في الواقع الا إلى تدمير حقيقة الوحدة بوصفها كينونة مرنة للقوى الحية والفاعلة في تشكيلها وإعادة هيكلتها وتطويرها الدائم. وهو تدمير لا يمكن حله استنادا إلى إعلانات سياسية ومواقف أدبية مجردة عما يسمى بضرورة الوحدة والائتلاف والتعاضد والتكاتف وما شابه ذلك من المفاهيم والعبارات الحسنة بحد ذاتها. فهي مفاهيم وعبارات قد تعمق الشرخ الفعلي القائم في الفكرة القومية في العراق وماهية الوطنية العراقية ما لم تستند إلى فلسفة واقعية وعقلانية عن حقيقة القومية والوطنية المعاصرة في العراق، أي عما ادعوه بفلسفة الاستعراق. • وهي فلسفة تفترض بصدد إشكالية الفكرة القومية والهوية الوطنية في العراق، إثارة الجدل العقلاني والنقد الواقعي حول كل ما يساهم بصورة واعية أو غير واعية في إضعاف الأبعاد الثقافية للفكرة القومية وهدم منظومة العناصر الجوهرية المكونة لماهيته بوصفه هوية تاريخية ثقافية سياسية. ومن ثم فان الجوهري فيها يقوم في جعل الهوية التاريخية الثقافية السياسية للعراق معيارا للحكم على المواقف العملية للأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والثقافة النظرية للجميع. • ومن هذا المنطلق، يمكن النظر إلى ظهور مختلف المفاهيم والمواقف بصدد الفكرة القومية والهوية الوطنية في العراق على انها ظاهرة صحية للغاية. فقد تعرضت الفكرة القومية والهوية الوطنية في العراق إلى صدع شديد في غضون العقود الأربعة الأخيرة. مما أدى إلى تراكم متنوع المستويات من ردود الفعل، اتخذت بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، مظاهر وصيغا ومستويات فكرية وسياسية وعملية متنوعة ومختلفة ومتناقضة ومتضادة. وهي ظاهرة سوف تتعمق نسبيا وتتطرف في الكثير من جوانبها، وقد تؤدي إلى مواجهات وصراعات حادة ومتنوعة الأشكال والمظاهر، يتوقف مسارها ونتائجها على حدود الرؤية القومية المفترضة في العراق، وحدود الفكرة الوطنية العراقية وهويته العامة. • إننا نرى ظهورا متزايدا ومتنوعا لمختلف الحركات السياسية والاجتماعية القومية غير العربية في العراق مثل الكردية والتركمانية والكلداآشورية، إضافة إلى أجزائها المكونة والمتناثرة من شذرات التاريخ العراقي العرقي والقومي والطائفي والديني مثل الفيلية واليزيدية والصابئة والشبك والأرمن واليهود. ويرافق ذلك تبلور متنام في مواقفها الفكرية وبرامجها السياسية تجاه مختلف القضايا بما في ذلك القضية القومية والهوية الوطنية للعراق. وهي ظاهرة تشير إلى تراكم أولي جدي وفعلي في مسار التطور التلقائي للمجتمع المدني والفكرة السياسية الاجتماعية لتي جرى الضغط عليهما عقودا طويلة من الزمن. • وسوف يؤدي هذا التراكم الجديد في مجرى التطور التلقائي للفكرة السياسية والاجتماعية بالضرورة إلى الخصام والاختلاف والمواجهات الحادة أحيانا بسبب غياب تقاليد الديمقراطية السياسية ومؤسسات الدولة الشرعية، وكذلك بسبب حجم الخراب الهائل في البنية الذهنية الثقافية والسياسية والقومية لمكونات العراق جميعا. الا انها اختلافات ومواجهات سوف تعمل في حال توجيهها العقلاني والواقعي، إلى ترسيخ منظومة القيم الديمقراطية والمدنية في الموقف من الفكرة القومية. • وذلك لان تنافس القوى جميعا في البحث عن موقع "تحت الشمس" سوف يجبرهم على إدراك الحقيقة البسطة القائلة، بان العراق يكفي الجميع وهو قادر على احتواء ما هو اكثر في ظل رؤية عقلانية، وتوجه واقعي صوب الحرية والنظام في مواجهة المشاكل الفعلية والإشكاليات الكبرى لمعاصرة المستقبل فيه. إضافة إلى مكونه الرافدي والعربي والإسلامي بوصفه العمود الفقري للهوية العراقية. وهو إدراك سوف يحدده في الأغلب مستوى تكامل المجريات العامة لبناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. وتتوقف الكثير من جوانب هذا التكامل على كيفية حل المسألة القومية في العراق. كما أن حل المسألة القومية في العراق يتوقف في نهاية المطاف على تحديد ماهية الوطنية العراقية. • وقبل أن يصل الجميع إلى إدراك الحقيقة القائلة بان حل المسألة القومية في العراق يتوقف في نهاية المطاف على تحديد ماهية الوطنية العراقية، فان الفكرة القومية في العراق وهويته الوطنية سوف تثير الكثير من المواقف المتباينة والمختلفة والجدل الحامي. وهي ظاهرة بدأت تبرز ملامحها الأولى الآن في ظل تبلور متنام ومتصارع يترامى ما بين الرؤية الأسطورية والواقعية العقلانية. • وفي هذه الظاهرة يمكن أيضا رؤية حالة الخروج من سجن الدكتاتورية والوحدة المفتعلة إلى فضاء الديمقراطية والتعددية الطبيعية لوجود الأشياء. ولكن قبل أن يبلغ الجميع إدراك قيمة التنوع في الوحدة، أي القومية الجزئية في الوطنية العراقية، فانهم ينبغي أن يمروا بدروب الآلام الكبرى لوعي الذات القومي والسياسي قبل بلوغ حقيقة الانتماء الوطني والاجتماعي. • من هنا ضرورة "تشريح"الوعي الذاتي القومي في مستوياته السياسية والقيمية تجاه النفس والآخرين من اجل رؤية مساره العام والخاص، وبالتالي تحديد المرجعيات النظرية والعملية الأساسية من اجل حل إشكالية الفكرة القومية (الجزئية) والهوية الوطنية (العامة) في العراق بالشكل الذي يخدم تجانسهما وفاعليتهما المشتركة في بناء الهوية العراقية الحقيقية. • إن "تشريح" الوعي الذاتي القومي المشار إليه أعلاه يكشف عن ضعفه العام وخلل الكثير من مقوماته، وبالأخص ما يتعلق منه بمستوى ارتقائه من حضيض الرؤية العرقية والقومية الضيقة إلى مصاف الرؤية الثقافية. وهو خلل وضعف بنيوي يجد انعكاسه الآن في المواقف النظرية والعملية تجاه الإشكاليات الكبرى التي يواجهها العراق. مما يضعف بالتالي بلورة الفكرة العملية عن الهوية العراقية. • كل ذلك يفترض بلورة ما يمكن دعوته بجملة من المبادئ المرجعية العملية الكبرى بهذا الصدد لعل أهمها هو: 1. التخلص من فكرة "الجغرافيا القومية" في العراق. إذ لا جغرافية قومية في العراق، بسبب كونه كيانا تاريخيا ثقافيا تداخلت فيه الأقوام والأمم والشعوب والثقافات والأديان. مما يفترض بدوره العمل من اجل الا يجري تحويل "الجغرافيا" إلى "أرض مقدسة"، 2. ويفترض هذا بدوره صياغة المبدأ القائل، بضرورة العمل من اجل إدراك وتجسيد الحقيقة القائلة، بان "ما بعد الدولة" هو جزء من الدولة وليس من القومية. أي أن كل جزء من العراق هو ارض العراق، كما أن كل الأجزاء المكونة لتاريخه هي من تاريخه. ومن ثم فإن ما هو جزء أو مكون من تاريخ الدولة العراقية المعاصرة لا ينبغي أن يوضع بمعايير الرؤية القومية الضيقة لأي من مكوناته القومية. فالمكونات القومية هي أبعاد جزئية وثقافية من العراق بوصفه دولة. 3. وهو أمر يفترض الا يجري تحويل "التاريخ" (ما قبل الدولة الحديثة) إلى جزء من الرؤية القومية الضيقة، كما انه لا معنى لتحويله إلى جزء من اللعبة السياسية لأنه سوف يعرض ممثليه واتباعهم إلى مأزق مأساوي. 4. كل ذلك يفترض بدوره صياغة وتحقيق المبدأ القائل بضرورة التخلص من فكرة الزمن وليس من فكرة التاريخ. بمعنى العمل من اجل تأسيس وتجسيد حقيقة الانتماء للدولة الواحدة والهوية الوطنية الواحدة بوصفها هوية تاريخية ثقافية. 5. وهي نتيجة ينبغي أن توضع في المبدأ القائل، بضرورة التخلص من فكرة العرق وليس من فكرة القومية في المواقف العملية والخطاب السياسي. 6. إن تحقيق هذه المبادئ المرجعية العملية الكبرى هو الشرط الضروري بالنسبة لبلورة المواقف السياسية الداعمة لحقيقة الانتماء الوطني العراقي. وهو انتماء ممكن التجسيد في حال استناده إلى فلسفة علمية وعملية متجانسة وقادرة على إيجاد النسبة الواقعية والعقلانية بين القومي والوطني في العراق. وهي المهمة التي ينبغي أن تؤسس لها ما ادعوه بفلسفة الاستعراق (التي اسست لها في كتابي "العراق ومعاصرة المستقبل" وتوسعت بها في كتابي الجديد "العراق ورهان المستقبل)، أي الفلسفة العاملة من اجل تأسيس الهوية الوطنية الثقافية للعراق، ومن خلالها حل الإشكاليات الكبرى والصغرى التي تواجه المسألة القومية فيه بوصفها جزء من صيرورته التاريخية الجديدة. *** *** ***
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدب التصوف
-
اسلام الشرق و الشرق الاسلامي
المزيد.....
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
-
حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
-
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
...
-
أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير
...
-
ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|