|
فوكوياما...المثقف العضوي لبربرية الراسمالية الاميركية
عادل سمارة
الحوار المتمدن-العدد: 972 - 2004 / 9 / 30 - 09:22
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كلما قرأنا أكثر مما يكتبه مثقفو سلطة راس المال في الولايات المتحدة ومفكروها نصل إلى قناعة تزداد عمقاً بأن العالم سائر باتجاه البربرية وبأن مصير الضغفاء فيه ان يكونوا سماداً لأرض الاقوياء، أرض راس المال. وقد يكون مزعجاً للقارىء إذا قلنا ان الخطورة ليست في دور الامريكي في قتل الآخرين على فظاعة ووحشية هذا الدور، بل الخطورة في وجود امريكيين لم يروا ولم يبصروا ولم يستنتجوا ولم يفهموا بأن لامريكا جرائم في هذا العالم! وحينما نعرف أن من بين هؤلاء مفكرون كبار وهم انفسهم المؤثوين على السلطة بما فيها من راسماليين وساسة، علينا ان نخشى على البشرية من هلاك حقيقي، أو على الأقل هلاك تكون وجبته الأولى بلدان العالم الثالث. قرأت مؤخراً مقالا كتبه فرنسيس فوكوياما أحد عُتاة اليمين الاميركي وصاحب الحكم على العالم بأن يبقى الى الأبد تحت النظام الرأسمالي. والمقال بعنوان "لحظة المحافظين الجدد" ونشر في The National Interest, Summer 2004 وهو نقد لمحاضرة القاها تشارلز كراوتهامر احد اقطاب المحافظين الجدد ومن الاشد تعصبا للكيان الصهيوني. وفي حين يرى فوكوياما ان هذا التيار ومنه كاتب المقال متطرف جداً، كان هذا مما دفعني للتردد في فضح افكار من هذا الطراز لأن فضحها قد يخدم فيما يخدم إذكاء التطرف. ولكن من جانب آخر لا بد من قول الحقيقة للناس. فإذا كان ما يقوله فوكوياما نذير شؤم ودمار للبشرية، فما بالك بالمحافظين الجدد. مرة اخرى فان سبب ترددي فهو لان من يقرأ ما يكتبه هؤلاء المفكرون والساسة عن العرب والاسلام لا يمكنه إلا أن يتطرف لأنه يشعر بأن سكين الرأسمالية الاميركية هي على عنقه ابداَ وتقول له كما تقول عبارة المافيا الاميركية المشهورة: your money or your life أي (نقودك او حياتك). وحيث ان شعوبنا فقيرة، فهي فاقدة حياتها لا ريب! لن أقتطف من الرجل كثيراً، ولكنني ساقتطف ما يعطي القارىء صورة حقيقية. فهو يقول: "اين علينا ان نتدخل؟ أين نقيم الديمقراطية؟ اين نبني أمة؟ ...علينا دعم الديمقراطية في كل مكان ولكننا سنبذل الدم والثروة فقط في الاماكن التي فيها ضرورة استراتيجية اي اماكن مركزية للحرب العريضة ضد العدو الموجود، العدو الذي يشكل تهديداً عالمياً مميتاً للحرية". لا يمكن لمن يقرأ هذا الحديث إلا ان يتخيل بأن الولايات المتحدة هي نعمة من السماء خلقت للدفاع عن الحرية والديمقراطية ولا شغل لها غير ذلك! وهذا ما يثير التساؤل: هل حقا هناك من يعتقد ان هذا هو دور امريكا؟ أم ان الكذب والنفاق هو ضخ ايديولوجي يقود حقا الى كل هذا العمى؟ إن الخطاب الذي يستخدمه فوكوياما، وسائر منظّري راس المال هو لافت للنظر ايضاً. مثلاً: " ... لقد انخرطت امريكا في 18 مشروعاً لبناء دولة في العالم في الفترة ما بين غزوها الفلبين عام 1899 والاحتلال الحالي لافغانستان والعراق، والسجل عموما لم يكن بكل ذلك الجمال" إن ما تختزنه الذاكرة الجمعية للامم التي احتلتها اميركا هو تلك المذابح التي تعرضت لها هذه الامم على يد القوات الاميركية، تراه اميركا كما يراه هذا الكاتب "مشاريع بناء أمم". وإذا كان بناء الامم يتكلف كل هذه الضحايا اي مليون ضحية في الفلبين ومليونين في العراق، فإن عالماً يفكر بهذه الطريقة هو خطير على الانسانية جمعاء. ويقول فيما يخص القضية الفلسطينية: " ان الاوروبيين مخطؤون او على الاقل مخطئين على ما يبدو في اعتقادهم بأن بوسعنا الانتقال الى تسوية دائمة للصراع فقط اذا ما قررت الولايات المتحدة استخدام تأثيرها على اسرائيل" لكن الكاتب لا يشرح اسباب عدم استخدام امريكا لتأثيرها. هل لأنها عاجزة عن ذلك أم لأنها لا ترغب في ممارسة ذلك الضغط من حيث المبدأ نظرا لطبيعة النظام الحاكم في الولايات المتحدة ؟ أما بالنسبة للعراق، فالكاتب يؤيد العدوان ويبرره معترفا في نفس الوقت بأن : " بوسع المرء ان يفسر حرب العراق على انها خطأ مرة واحدة، خطأ في الحسابات أتى في اعقاب سلسلة طويلة من النجاحات. وما من شك انه سيكون من الخطأ الفاحش الاستنتاج بأن الحرب ستعلمنا في الولايات المتحدة بأن لا نحشر عنقنا وان لا نقود العالم الغربي بمجمله الى اعمال يعارضها حلفاؤنا او يترددون في القيام بها. ولا الاستنتاج بأن الاعمال الاستباقية والاحادية لن تكون ضرورية ابداَ" وهكذا، ليس غريباً على فوكوياما ان يرى في العدوان على العراق مجرد خطأ في التقديرات والحسابات. فهو لا يرى سوى هذا الجانب الفني البحت وكأنه يتحدث عن تجربة مخبرية لا علاقة لها بالبشر. ان مقتل قرابة 2 مليون شخص وتدمير بلد بأكمله ولم ينته الأمر بعد هو بالنسبة لفوكوياما مجرد خطأ في التقديرات ! هكذا يحسب رأس المال كل شيء بالارقام محولا البشر الى مجرد أرقام. وليس هذا وحسب ولكن هناك نفاق وكذب كبيران. فأمريكا احتلت العراق من أجل النفط. صحيح ان الكاتب لا يذكر هذا ولكن يفهمه جيدا. اذن اين موقع سوء التقدير وخطأ الحسابات؟ انه كامن في أن امريكا لم تتوقع هذه المقاومة ولم تتوقع هذه التكاليف، وبالطبع لا تتوقع ما هو قادم. إن كل ما حصل للعراق وليس أقله ولا آخره حرق مدينة الفلوجة بالتقسيط حيث يصعب حرقها بالجملة، كل هذا لا يعني أي جرم لدى فوكوياما. يقول ان كراوتهامر وضع وجهة نظر محددة عن نفسية العرب لم يقبل بها فوكوياما : "بأنهم اي العرب يحترمون القوة فوق أي شيء باعتبارها مصدرا للشرعية. وكما قال ذات مرة في مقابلة مع محطة اذاعية" اذا اردت ان تكسب قلوب العرب وعقولهم، فما عليك إلا ان تمسك بعضوهم السفلي وتعصره" قد يكون من المفارقة ان حديث كراوتهامر حقير وعنصري لدرجة ان فوكوياما، الذي لا يثيره ذبح ملايين العبرولا يحرك فيه شعرة، حتى هذا لم يستسغ حديث كراوتهامر! وتصل دراما النفاق أو العمى أو كليهما معاً لدى فوكوياما عندما يقول: " فيما يخص القاعدة ومنظمات اسلامية راديكالية اخرى، فإننا نواجه عدواً يكرهنا لما نحن عليه وليس لما فعلنا. ونظرا للاسباب التي ذكرتها (اي عجز القاعدة عن ان تكون خصما لامريكا) لا اعتقد انهم خطر علينا ولكنهم يودون لو يكونوا بهذا القدر، ومن الصعب تصور كيف نتعامل معهم بغير القتل والاعتقال او بتحييدهم تسليحياً" ما من شك ان القاعدة لا تشكل خطراً على امريكا. وهذا ليس بيت القصيد. أما ان يكون عناصر القاعدة كارهين لامريكا لما هي عليه (وليس لما فعلت) اي كما يزعم الكثيرون هناك نظرا لقيمها ومستوى حياتها...الخ فهذا إما سخف او استخفاف بعقول الناس. غني عن القول بالطبع ان القاعدة كانت قمة المعجبين بامريكا عندما تطوع رجالها لمواجهة السوفييت عبر تدريب وتسليح وتمويل وتثقيف امريكي صرف. ولم ينقلبوا إلا عندما احتلت امريكا الاراضي المقدسة في الحجاز. والحقيقة ان عناصر القاعدة لا يكرهون (كل) ما فعل النظام الاميركي الحاكم. ولكن اكثرية العرب والمسلمين والعالم الثالث باسره يكرهون كل ما فعلت امريكا بهم وضدهم. أما ان لا يرى فوكوياما كل ما فعلت امريكا فهذا أمر عجب! وهذا يعني ان الويل للمواطن الاميركي الذي يجري حقنه بهذه الترهات والمخاليط المريضة التي لا ترى آلام أمم العالم باسره. ويذهب فوكوياما الى ما هو ابعد من كل ما قال ليقدم مسحا مشوشاً ليدعم ما يود إقناع الآخرين به فيقول: " ... من لديه شك في هذا فما عليه الا ان يطلع اولا على تقرير الامم المتحدة الانمائي وتحديداً تقرير التنمية البشرية العربي الذي يحتوي على استطلاع راي وضمنه سؤال : هل ترغب في الهجرة الى الولايات المتحدة اذا سنحت لك الفرصة؟ لقد كان الجواب من كل الاقطار العربية ان الاكثرية يرغبون في ذلك. كما اظهر استطلاع عالمي آخر فيما يخص مشاعر الشعوب تجاه الولايات المتحدة بأن شعبية الولايات المتحدة في الاردن ومصر وتركيا وباكستان وبلدان اسلامية صديقة اخرى قد انحطت الى درجة كارثية. عندما نأخذ هذه المعطيات عن العالم الاسلامي فإننا نجد بأننا مكروهين على وضعنا وليس على افعالنا. ان ما يكرهونه هو سلسلة من التذمرات فيما يخص سياستنا الخارجية التي بطريقة ما فشلت في ان تأخذ بجدية كارثة الفلسطينيين، ودعمنا المنافق للدكتاتوريات في البلدان الاسلامية والآن احتلالنا للعراق". يبدو ان فوكوياما يسمع من مثقفين عرب ومن انظمة حكم كثيرا من الاكاذيب التي يحب ان يسمعها فيصوغوها له كما يريد. فالعرب الذين يحبون الهجرة الى اميركا، إنما يفعلون ذلك بحثا عن مصدر دخل افضل، وهروباً من أنظمة مجرمة تحميها وتسلحها الولايات المتحدة نفسها. ولو قرأ فوكوياما مواقف الجاليات العربية في الشتات لوجد ان اكثريتها ذات انتماء لموطنها الاصلي، وإن كان الكثير منها لا يجرؤ على التعبير عن قناعاته. لا بل ان كثيرين من العرب في الشتات هم ضد بلدان المركزالرأسمالي من مدخل رجعي لا نحبه نحن رغم كل ما لدينا من موقف جمعي ضد سياسات وأفعال النظام الحاكم في الولايات المتحدة والغرب الراسمالي. ومع ان الكاتب يؤكد على انحطاط صورة الولايات المتحدة في بلدان عربية واسلامية، إلا انه يتمترس عند اعتقاده المبني على نظرة استشراقية انثروبولوجية هشة مفادها ان العرب والمسلمين يكرهون امريكا ليس لافعالها وإنما لاوضاعها! ورغم ان الكاتب يلمح الى الانظمة الديكتاتورية التي تدعمها امريكا، لكنه على ما يبدو لا يعتبر دعم اميركا لهذه الانظمة المجرمة والفاسدة، لا يعتبر ذلك افعالا سيئة!
#عادل_سمارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر في خدمة نتنياهو -أُخوَّة- القطاع الخاص والعولمة
-
ليس أول ولا آخر جدار للدولة الامنية
-
قراءة في مبادرة الجبهة الشعبية
-
نسوية عربية تبارك عودة الاستعمار - ملاحظات على مقالة فاطمة ح
...
-
لهذا لمْ، وربما لنْ، يطردوا عرفات!
-
اقتصاد -اسرائيل-: بين ضغط الانتفاضة، انفلات حكومته ومنافع ال
...
-
خريطة الطريق: قراءة عربية لإملاءات استعمارية وصهيونية
-
تديين الصراع مجرد إيديولوجيا راسمالية: سابقة على الاقطاع ومت
...
-
المرأة والانتخابات بين -الكوتا- العالمية والمناصفة في مجلس ا
...
-
خطة الهدف ( الحملة الشعبية لأنهاء الاحتلال) أم حملة مع الاحت
...
-
إشكالية الناصرية
-
الآن-: نحن أقوى من بوش فلنبتزه
-
سياسة فك الارتباط لن تكون حكومية
-
قمتا بوش في شرم الشيخ والعقبة
-
انقسام آخر للمثقفين العرب
-
خطاب العرش الامريكي لاستعمار الوطن العربي
-
استقالة عريقات تعيد عرفات الى الواجهة
-
أنثراكس:هدى عماش أم... بريطانيا العظمى
-
الوحدة محظورة والتضامن ممنوع حتى لو رغبتم...فما العمل!
-
خصخصة، وراسمالية مافيا، وكمبرادور في العرق تغيير في التركيب
...
المزيد.....
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
-
-وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة
...
-
رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم
...
-
مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
-
أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
-
تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
-
-بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال
...
-
بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|