|
عملية -وادي السلقا- بين المفاوضات الحائرة والإستراتيجية البديلة
محمد بهلول
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 17:10
المحور:
القضية الفلسطينية
يوحي المفاوض الفلسطيني في الآونة الأخيرة؛ أنه بصدد اعتماد سياسة بديلة، أو بالأدق "دبلوماسية بديلة" عمادها الوصول إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار إدانة دولية للاستيطان الإسرائيلي تمهيداً لاعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، بديلاً عن سياسة ودبلوماسية المفاوضات المتبعة منذ أكثر من عشرين عاماً. يعتقد المفاوض الفلسطيني أنه ومن خلال تكتيكه الجديد "القديم" قادر على امتصاص النقمة الشعبية والتبدلات الهائلة في أوساط الرأي العام الفلسطيني، وتجاوز الحالة الوطنية والسياسية الفلسطينية التي بدأت ـ وبعضها مبكراً جداً ـ والتي تدعو إلى اعتماد إستراتيجية جديدة بديلاً عن خيار التفاوض الأحادي. يظن المفاوض الفلسطيني أن تكتيكه الجديد قادر على اختراق مجلس الأمن والرأي العام الدولي دون ملاحظة سلسلة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والتي تجعل من أمريكا ـ بحكم المؤكد ـ تستخدم كل أوراق الضغط لديها ـ بما في ذلك "الفيتو" لتعطيل أي مفاعيل للتكتيك الدبلوماسي الفلسطيني، أما في "إسرائيل" والتي تتحول إلى مجتمع شديد اليمينية والعنصرية ـ عماده المستوطنين ـ فهي قادرة على لجم الطموحات الفلسطينية من خلال شبكة علاقاتها ومصالحها من جهة، واستهزائها بأي إنجاز على هذا الصعيد من الجهة الأخرى. دبلوماسية المفاوض الفلسطيني تعتمد على مثاليات الحق والعدل وتوجهها باتجاه الرأي العام الدولي "حكومات وشعوب" وتختزل إلى حدود التلاشي البديل المنطقي "الواقعي والمادي" وهو خيار مقاومة الاحتلال والاستيطان، وكأن المطلوب إثارة العواطف، وليس التغيير المادي في موازين القوى. ربما لم يلحظ المفاوض الفلسطيني بأن المفاوضات ولا سيّما منذ حكومة نتنياهو ـ ليبرمان اليمينية المتطرفة، ابتعدت عن مسارها كمفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية برعاية أمريكية، إلى مفاوضات أمريكية ـ إسرائيلية تتعدى إيجاد حل أو على الأقل تجميد ولفترة طويلة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في إطار تسوية ما، لتلامس قضايا المنطقة كلها، وبوضوح أكثر، لتعزز النفوذ الأمريكي ـ الإسرائيلي في هذه المنطقة الغنية والحيوية. المتابع لمسار المفاوضات؛ يلحظ بسهولة الثبات العنيد للموقف الإسرائيلي، والتحوّل الكبير للرؤية الأمريكية واقترابها المتسارع للموقف الإسرائيلي. منذ بداية عهد أوباما؛ أبدى الإسرائيليون رغبة جامحة بتجميد الحل في ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لصالح إيجاد حل "عسكري أساساً أو استسلامي" في الملف النووي الإيراني، الأمريكيون في البداية دعوا إلى أولوية حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي باعتباره مدخلاً لحل كل الصراعات الإقليمية الأخرى، وعندئذ تم الحديث على أن الدولة الفلسطينية هي "مصلحة أمريكية"، الآن من الواضح أن الأمريكيين بدأوا يتقبلوا الرؤية الإسرائيلية من خلال السعي إلى إبقاء نقاط التوتر في الأطراف واستخدامها في حل المشاكل الكبرى، ولعل العديد من المعطيات الأمريكية وأبرزها؛ تحلل الرئيس أوباما من ملف الصراع والمفاوضات على الجانب الفلسطيني ـ الإسرائيلي وتحويله إلى دبلوماسيين، كما تجاوز شرط التجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية، ما هي إلا مؤشرات للتقارب الأمريكي من الرؤية الإسرائيلية. الفلسطينيون في هذا السياق عليهم الإقرار بهامشية دورهم في عملية المفاوضات القائمة، والتسليم بأن هذه الهامشية هي نتاج منطقي واقعي للسياسة الفلسطينية المعتمدة على "الخيار الواحد" التي لا زالت السلطة تصرُّ عليه حتى الآن، مما يجعل الورقة الوحيدة التي لا زالت ممسكة بها، ألا وهي حق "الرفض" لأية مقترحات، ورقة قابلة للتبدد والتلاشي مما يزيد الحالة الفلسطينية تهميشاً. نحن الآن في الحالة الفلسطينية أمام خيارين: الخيار الأول "خيار التهميش المستمر والمتواصل" من خلال التمسك بخيار المفاوضات، والذي لن ينتج في أحسن الأحوال إلا دولة مؤقتة، ممزقة جغرافياً، معزولة سياسياً، ومهمشة إدارياً، أي حكم ذاتي "ناقص" بظلال استقلالية وهمية. أما الخيار الثاني فهو "خيار الاستنهاض الكلي" لطاقات الشعب الفلسطيني بكل تجمعاته الجغرافية تحت مسمى الإستراتيجية البديلة للحالة الفلسطينية وبحدود ما للحالة العربية. إن الحلقة المركزية في هذه الإستراتيجية البديلة هي حركة المقاومة الشعبية بما يعني توسيع نطاقها وتصعيدها على خطوط التماس ومناطق الاشتباكات الساخنة مع الاحتلال والاستيطان، وهو ما يستلزم أمرين رئيسيين: الأول: إنهاء الانقسام على قاعدة سياسية عنوانها "التخلي عن البرامج الخاصة لصالح المشروع الوطني"، مترافقة مع استعادة بريق منظمة التحرير، وتصحيح آلية اتخاذ القرار الوطني بشكل جماعي بديلاً عن الأغلبية العددية في هيئاتها القيادية. أما الثاني: فهو انتهاج سياسة اقتصادية مجتمعية جديدة عنوانها تقديم مقومات الصمود للشعب وفي المقدمة الانفتاح الديمقراطي على الشعب، لإشراك مئات الألوف في الوطن والشتات بانتخابات النقابات والاتحادات والبلديات واللجان الشعبية بالتمثيل النسبي الكامل، وسحب اليد العاملة في المستوطنات بإيجاد فرص العمل البديل. في إطار حركة اللاجئين والمغتربات؛ فإن عملية الاستنهاض يجب أن تستند على عدة عناوين أبرزها: تصعيد شمولية الحركة الشعبية في مواجهة الانقسام لاستعادة منظمة التحرير والمشروع الوطني، كما في تصعيد الحركة الشعبية لتأمين الحقوق الاجتماعية والإنسانية، وأخيراً العمل على تحشيد أوسع عملية تضامن ومساندة من قبل الرأي والمجتمع المدني في الدول المضيفة لمواجهة "إسرائيل" وجرائمها. إن استنهاض وتصعيد حركة المقاومة الشعبية وعلى نطاق الشعب الفلسطيني بأكمله، يترافق مع انتهاج سياسة مقاومة دبلوماسية عنوانها المفاوضات على أسس وشروط واضحة المعالم، قاعدتها تجميد الاستيطان والمرجعية القانونية والزمنية، هذه الدبلوماسية المترافقة مع دبلوماسية توسيع دائرة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وبحقها في السيادة على أرضها ضمن حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والعمل على نزع الشرعية الإنسانية والقانونية عن دولة الاحتلال ووضعها موضع المسائلة ومحاسبتها على انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن المقاومة الشعبية الشاملة والمتعددة الأشكال والأساليب هي سند المقاومة الدبلوماسية ومنبع قوتها والأساس لإعادة تصليب المفاوض الفلسطيني لا تهميشه. في هذا السياق تأتي العملية البطولية لكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية في "وادي السلقا" مساء يوم 7 كانون الثاني/ يناير، والتي أدت إلى مقتل رقيب إسرائيلي وجرح أربعة آخرين، منهجاً يخدم الإستراتيجية البديلة التي كانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أول من دعت إليها وتبنتها في اجتماع لجنتها المركزية (23 ـ 26/10/2010). كاتب عربي فلسطيني ـ دمشق
#محمد_بهلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع حواتمة في كتابه الأخير -اليسار العربي ... رؤيا النهوض الك
...
-
الديمقراطية تدعو إلى إستراتيجية بديلة ... لماذا الآن ؟!
-
نقاش هادئ لأفكار عزام الأحمد
-
تجميد المفاوضات: تكتيك أم خيار ...
-
استشرافاً من كتاب حواتمة -اليسار ورؤيا النهوض الكبير-
-
قراءة في كتاب -وثيقة الوفاق الوطني- 27/6/2006
-
خيار الدولة الواحدة والهروب إلى الأمام
-
المفاوضات وبؤس الخيار الواحد
-
حماس ابتدأت التوظيف فماذا عن الولايات المتحدة وإسرائيل ؟! ..
...
-
الديمقراطية: انتخابات أم تلبية مصالح الأغلبية ؟! ...
-
أي اتفاق ينتظر الفلسطينيون هذا الشهر ؟! ...
-
المصلحة العربية الموحدة ... والمصالح الأمريكية
-
لقاء نيويورك الثلاتيفشل أم نجاح لسياسة أوباما الخارجية ؟! ..
...
-
فصائل منظمة التحرير ردّت ... فأين ردّ حماس
-
تحوّل المصريين من راعٍ إلى وسيط
-
اليمين الديني حليف أم نقيض لليمين المالي والنظام المالي الرأ
...
-
ما يجري في غزة..حمسنة مجتمع لا أسلمته
-
اليسار بين نمو الظروف الموضوعية للتغيير وبطء العوامل الذاتية
-
ملاحظات نواب حماس في الضفة الفلسطينية على بعض عناوين الحوار
...
-
عباس والوعود الأميركية
المزيد.....
-
ما مدى تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على المستهلكين
...
-
تصعيد إسرائيلي في جنين وغزة واستئناف مفاوضات المرحلة الثانية
...
-
مقررة أممية: فظائع إسرائيل بحق فلسطينيات غزة -إبادة جماعية ل
...
-
حزب الله يحدد 23 فبراير موعدا لتشييع نصرالله وصفي الدين معا
...
-
رئيس كولومبيا: سياسات ترامب فاشية
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|