|
كراهية اليهود
جريس سالم بقاعين
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 14:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم أصدق الخبر في البداية، فقررت التأكد بنفسي. مضمون الخبر، الذي قرأته ضمن رسالة بريدية، هو أن موقع "أولادنا" للأطفال التابع لحركة الأخوان المسلمين المصرية يخصص بعض صفحاته لغرس كراهية اليهود في قلوب الأطفال.
لم أصدق الخبر لأن الأخوان المسلمين، يكررون دائماًَ أنهم لا يكرهون أحداً، وأن قراءتهم للدين الإسلامي قراءة سلام، وأن مشكلتهم ليست مع اليهود أو الديانة اليهودية، بل مع دولة إسرائيل وممارساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني.
ولذلك قررت التأكد بنفسي. ذهبت إلى موقع الإخوان المسلمين المصري. ثم بحثت فيه عن وصلة موقع أولادنا للأطفال. وجدته. دخلت الموقع. وبحثت فيه هو الأخر. حتى وجدت، ضمن وصلة علوم ومعارف وتحت بند "هل تعلم؟"، ما يجعلنا نخجل من أنفسنا.
هل تعلم أيها الطفل المسلم؟ "هل تعلم ن اليهود قتلوا 25 نبياًَ من أنبياء الله، وأن تاريخهم الأسود مليء بجرائم القتل والفساد." "هل تعلم أن اليهود المجرمين أكثروا من سب وشتم ربنا عز وجل...." "هل تعلم أن اليهود حاولوا قتل رسولنا الحبيب-ص- عدة مرات ولكن الله حفظه من مكرهم" هل تعلم أن الفساد والانحراف المنتشر في العالم اليوم هو من فعل وتدبير اليهود الذين يريدون أن يضلوا الناس عن سبيل الله" "هل تعلم أن اليهود الذي يحتلون أرضنا ومقدساتنا في فلسطين الحبيبة يدبرون لاحتلال باقي ديار المسلمين" "ويخططون لإقامة إسرائيل الكبرى من الفرات للنيل ويريدون هدم قبر رسولنا الحبيب.." "هل تعلم أن اليهود يحرضون العالم كله ضد الإسلام والمسلمين اليوم بحجة الحرب على الإرهاب" و"يدبرون المكائد لباقي بلاد المسلمين كما دبروا للعراق وأفغانستان".
وكأن هذه "المعلومات" لا تكفي، فقرر أصحاب الموقع أن "يدعموها" برسم لشخص "مجرم"، هكذا يصورونه، يلبس قبعة يهودية، يبتسم بخبث، ويمسك بيده سكين تتساقط عليها قطرات الدم!
وفي مكان أخر من نفس الموقع، يتلقى الأطفال "معلومة" أخرى تقول إن "قتل الأطفال جزء من عقيدة اليهود"!
بالله عليكم ألا نخجل من أنفسنا؟ أي "معلومات" هذه التي يتم دسها في رؤوس أطفالنا؟ أي كراهية وحقد أعمى يتم بها حشو عقولهم؟
مثل هذا الحديث له أسم، وأسمه يتراوح بين خانتين "عنصرية صريحة موجهة ضد معتنقي الديانة اليهودية"، و"عداء مطلق لليهود". عنصرية تقوم على كراهية معتنق الديانة اليهودية، لأنه يهودي لا أكثر ولا أقل. لا نعرفه. لا يهمنا أن نعرفه. وفي الواقع لا نريد أن نعرفه. يكفي أنه يهودي كي نكرهه.
وعداءٌ، لا علاقة له باحتلال أرض وتشريد شعب، لا علاقة له بمعاناة الشعب الفلسطيني المطحون يومياً بين احتلال لا يرحم إنسانيته أو يحترم كرامته، وفقرٌ يأكل أطفاله.
بل هو عداءٌ مطلق، نابع من قناعة دينية. قناعة تخيف. تقول إن هناك جانبان "المسلمون" و"اليهود"، وإنهما في صراع أبدي، وإن أحدهما يجب أن يقضي على الأخر، وإن "المسلمين" سينتصرون حتماًَ، و"يبيدون" اليهود. "يبيدوهم". هل يجب أن أذّكر بحديث اليهودي والحجرة؟
لذلك يعمد أصحاب هذا الفكر إلى خلط الوقائع بالأكاذيب. يخلطونها عامدين متعمدين. "كل الفساد والانحراف في العالم من تدبير اليهود؟" "اليهود المجرمين..". "قتل الأطفال جزء من ديانة اليهود؟" ثم " اليهود يحرضون العالم كله ضد الإسلام والمسلمين"؟
أكاذيب لا تعتمد على حقائق، معجونة بكراهية، وهي كراهية عمياء.
لكن الأمر لا يتوقف عند حد فكر ديني سياسي، يصر على إقناعنا إن صراعنا أزلي مع أصحاب الديانة اليهودية. بل يتجاوزه إلى كراهية مستترة قائمة في لا وعينا. موجودة. سيكون من الصعب علينا أن ننكرها، سيكون من الصعب فعل ذلك، خاصة وأن الكثير من مجتمعاتنا تستخدم كلمة "يهودي" كشتيمة. شتيمة. أنت "يهودي". تخيلوا كيف سيكون شعورنا عندما تُستخدم كلمة "مسلم" أو "عربي" بنفس الطريقة. كشتيمة. ألن يحق لنا أن نغضب نحن أيضاَ؟
نتناسى عامدين متعمدين إنسانية هذا "اليهودي". إنسان هو. ليس وحشاًَ نجرده من أدميته كي نتمكن من قتله ونحن مرتاحو الضمائر. أي والله.. هو إنسان. تخيلوا؟ يحب ويكره، يعمل ويتعب، يتزوج وينجب الأطفال، ويحب أطفاله، يحنو عليهم. إنسان. لو رأى طفل على وشك السقوط من على هاوية لن يسأل ما هي ديانته، فأنا لا أظن أن أياًَ منا سيسأل طفل سيقع من على هاوية عن ديانته. بل سيمد يده له. يرفعه قبل أن يسقط. إنسان هو.
يخاف كما نخاف. يفرح كما نفرح. ويبكي كما نبكي. دموعه مثل دموعنا.. مالحة. ويحاول أن يعيش، أن يحيا، تماماً كما نحاول أن نعيش، وأن نحيا.
إنسان هو. ولأنه إنسان أولاَ، فإن سلوكه هو الحكم. فعله هو الحكم. ولذلك لا أستطيع أن اكرهه قبل أن أعرفه. كيف أكره إنساناً لا أعرفه؟ كيف أحكم عليه بأنه "مجرم" و"قاتل أطفال"، قبل أن أعرفه؟
في الواقع لا أستطيع أن أكرهه قبل أن أعرفه. لأنه إنسان. إنسان أولاً.
أظن أنه قد حان الأوان أن نواجه أنفسنا لمرة، نراها كما هي، نواجه عنصريتها، كراهيتها للآخر، ونسمي أفعالنا بأسمائها. بدلاًَ من صراخنا المخزي، وإصرارنا على أن العالم بأسره يكرهنا، بل الكون حاقد علينا. لأننا، نحن، نحن مَن يكره،
#جريس_سالم_بقاعين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آيات من سفر الالحاد
-
دراسة سيكولوجية في زواج محمد من الطفلة عائشة:
-
هل الاسلام هو الحل...........؟
-
نعم.... لحظر بناء مآذن
-
الحرية في المجتمعات العربية الإسلامية
-
نظريات جديدة جذرية عن أصول القرآن
-
فتوى قتل الفأر ميكي
-
تسييس الدين
-
الخمرة في الاسلام
-
الشباب المسلم و التطرف
-
عقدة النقص المأساوية عند العرب
-
دراسة في الاسلام
المزيد.....
-
حاخام يهودي متشدد: ندعو الله أن تتلقى مصر ضربة قوية قريبا
-
حاخام يهودي متشد: ندعوا الله أن تتلقى مصر ضربة قوية قريبا
-
قوات الاحتلال تهدم منزلاً وغرفة زراعية في سلفيت
-
تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية بجودة
...
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|