|
البناء التكويني للسلوك الذاتي
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 04:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السلوك تراكم قيمي في الذات مصدره الأساس الغرس التربوي وعوامل المحيط والمكتسبات المعرفية وبما أن هناك تباين في مصادر السلوك فإن رسوخه في الذات مرتبط بالقيم العامة للمحيط الاجتماعي، وفي المقابل فإن خاصية الاكتساب مرتبطة بكل ذات وحدها فإن كانت عالية زادت المكتسبات القيمية وإن كانت منخفضة قلت المكتسبات القيمية. كما لا يجوز إغفال عامل توريث جزء من المكتسبات خلال الجين الذي يتطور كلما زادت المكتسبات ويتخلف بقلتها وما يصاحبها من تأثير الرواسب الكامنة في الذات. ولا يعدّ تفاوت سلوك البشر قدراً محضاً في توافقه مع السلوك العام أو تعارضه على نحو عام، وإنما جزءاً منه تراكم وراثي وجزء منه مكتسبات ذاتية آنية وجزء منه اكتساب ذاتي وتوظيفي وتحكمي تضبط السلوك الذاتي ليكون متوافقاً مع السلوك العام للمجتمع. وبما أن السلوك انعكاساً للقيم العامة للمجتمع ويرتبط على نحو غير مباشر باكتساب الفرد القيمي من المجتمع، فإن انتقال الفرد إلى مجتمع آخر يتطلب اكتساب جديد للقيم ليكون السلوك منسجماً مع قيم المجتمع الجديد. ومع كل حالة اكتساب قيمي جديد، تبنى طبقة سلوك جديدة في ذاكرة العقل الواعي يجري استحضارها مفرداتها عند الحاجة تبعاً لنوع المجتمع وقيمه العامة. وبذلك فإن البناء التكويني لطبقات السلوك في الذاكرة يمثل محطات زمنية متباينة من حياة الفرد، ولا يجري تغيير السلوك الذاتي أتوماتيكياً باكتساب وحدة قيمية ما لتعكس سلوكاً آنياً وإنما يجري تغير السلوك مع اكتمال البناء التكويني لطبقة السلوك في الذاكرة تبعاً لمتطلباتها من الاكتساب القيمي الجديد لتعكس سلوك مكتسباتها القيمية بوحدة متكاملة لا وحدات مجزأة. كما أن المنظومة القيمية للمجتمع ليست معلومات جاهزة يجري حفظها دفعة واحدة وإنما تعدّ مجموعة ممارسات يومية وسلوكية يكتسبها الفرد من المحيط على صور غرس تربوي لاواعي ومكتسبات ذاتية واعية خلال حراكه اليومي في المجتمع حيث توظف وحداتها القيمية في بناء طبقة السلوك الجديد في ذاكرة العقل الواعي. يعتقد (( فيرنر )) " أن سلوك الإنسان الراشد، لا يمكن فهمه إلا، جيولوجياً، لأن بناء طبقات السلوك التكوينية تكشف عن مراحل الإنسان العمرية خلال تطوره النفسي ". تحوي كل طبقة سلوكية جديدة مرشحات خاصة تمرر خلالها قيمها الجديدة من دون أن تسمح لقيم سلوكية قديمة أو متعارضة مع السلوك العام تحكم سيطرتها على الذات. وبذلك فإن كل طبقة سلوكية جديدة خلال محطة عمرية ما تعدّ بمثابة آلية تحكم جديدة بسلوكيات الفرد وبغض النظر عن سوية وحدات السلوك المكتسب من عدم سويتها لارتباطها بالعوامل الوراثية وقيم البيئة الاجتماعية وخاصية الاكتساب الذاتي وبمجمل صلاتها الكامنة في الذات. وبعدّ الإنسان أحد مكونات الطبيعة فإن ما يجري في عالمه الذاتي من صراع القوى لاحكام السيطرة على الذات لا يختلف، إلى حد ما، عّما يجري من صراع القوى في الطبيعة. يقول (( فيغوتسكي )) : " إن آليات السيطرة على الذات ووسائلها لا تختلف من حيث المبدأ عن آليات السيطرة ووسائلها على الطبيعة، وبعدّ الإنسان جزءاً من الطبيعة وسلوكه عملية طبيعية فإنه يقاوم عملية التحكم به كأي عملية تحكم في الطبيعة ". إن احكام السيطرة على الذات خلال آليات التحكم بالسلوك ومرشحاته العقلية ليكون متطابقاً مع السلوك العام خلال كل عملية بناء تكوينية في طبقات السلوك الذاتي ومصادرها المتباينة المستمدة من عوامل وراثية وبيئية ومكتسبة، تؤثر في آليات التحكم بالذات على نحو مباشر. لكنها في الوقت ذاته وبدالة الزمن تؤثر في العوامل المستمدة ذاتها على نحو غير مباشر سواءاً في توريث مكتسباتها الجديدة خلال الجين أو التأثير بعوامل المحيط ايجاباً أو سلباً تبعاً لأنماط التحكم الذاتية بدليل عدم صمود القيم السلوكية العامة للمجتمعات أمام عامل الزمن نتيجة التأثيرات غير المباشرة لآليات التحكم المتباينة لأفراد المجتمع في القيم السلوكية العامة. إن منظومة القيم المجتمعية ليست ثابتة لأن مصادر مكوناتها الأساس كائنات حية تؤثر بعوامل المحيط وتتأثر بها على نحو دائم، ومن ثم فإن آليات التحكم المضادة لفرض السيطرة على الآخر مرتبطة بالدرجة الأساس بفعاليتها فإن كانت آليات تحكم المحيط أكثر فعالية من آليات التحكم الذاتية أثرت على نحو أكبر في الفرد وإن كانت آليات تحكم الفرد أكثر فعالية من آليات تحكم المحيط أثر على نحو أكبر فيها. يجد (( فيغوتسكي )) " أن خاصية سلوك الإنسان تتوقف في المقام الأول على تأثيره على نحو فعال بعوامل الطبيعة المحيطة وخلالها يغير سلوكه ويتحكم به ". إن آليات التحكم المتباينة للمحيط الاجتماعي لاحكام السيطرة على كائناتها الحية تقاوم بآليات تحكم مماثلة خلال السلوكيات السوية أو غير السوية، فتارة تخضع لسيطرتها وتارة أخرى تخضعها لسيطرتها بدليل التحولات السلوكية اللاواعية للأفراد المتوافقة مع السلوك العام والتحولات السلوكية غير المحسوسة للسلوك العام بدالة الزمن الذي يسقط وحدات سلوكية من قيمه العامة ويكتسب وحدات سلوكية جديدة من كائناته المتفاعلة. الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأثير العوامل الكامنة في السلوك
-
السلوك والرواسب الكامنة
-
السلوك الموروث ( الاستجابة والتحكم )
-
علم النفس الثقافي الاجتماعي
-
علم النفس الثقافي
-
علم النفس المعرفي
-
علم النفس التربوي
-
علم الطب النفسي
-
علم النفس ( الهدف والغاية )
-
انفصام الشخصية
-
التخلف العقلي
-
مرض الذهان العضوي والاكتئاب
-
تقمص الشخصيات في الحلم والكابوس
-
اضطراب الحلم والكابوس
-
اضطرابات الوسواس القهري والانشقاقي
-
الاضطراب العصبي
-
حالة القلق
-
الشخصية السوية
-
الشخصية السوسيوباتية والعدوانية
-
اختلال ضمير السيكوباتي
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|