أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسن عبد الحافظ - شفرة كورين















المزيد.....



شفرة كورين


محمد حسن عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 3246 - 2011 / 1 / 14 - 00:46
المحور: سيرة ذاتية
    


تذوق ما لا طعم له
اجعل الصغير كبيرًا
وزد في القليل
قابل المرارة بالإحسان
ابحث عن البساطة في التعقيد
لوستو**
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

مشهد 1 - الرباط 1999
في نوفمبر/ تشرين الأول 1999، عدت إلى مصر قادمًا من المغرب حاملاً جوهرة مقدسة منقوش عليها حكمة البسطاء ومعارفهم. معلمتي الهندية المتواضعة "كورين كومار" ألقت بالجوهرة الهندية في قلبي عن طيب خاطر، واقتنصتنها كإنسان يخرج من حكايات ألف ليلة وليلة والحواديت الشعبية والملاحم، تأخذه الرحلة دون حساب لسنينها، وكان يسكنني إحساس عميق بأني يومًا ما سأحكي لها ما عاينته في البلاد والعباد ما دمت حيًا أُرزق بالمعارف الخبيئة التي ساعدتني الجوهرة كورين الجميلة على اكتشافها.

أنصتُّ لحديث كورين في افتتاحها للدورة التدريبية للمنظمات غير الحكومية في دول الجنوب العالمي المعنونة بـ "العولمة وتحدياتها"، انعقدت طوال خمسة عشر يومًا بفندق جميل بقرية المحمدية قرب الرباط، كان صوت "كورين" يسبح في فضاء خيالي، كريح تهب من جنوب روحي كلما ارتحلت، وظللت ألمسها تهب من تلقاء نفسها كلما رمتني المقادير في حضرة الثقافة النخبوية العالمة الرفيعة التي تجهل الناس وثقافتهم وفنونهم، حيث أواجه أشباح التعليم الرسمي بمعاوله، والنظريات "العلمية" التي لم تنتج علمًا أو معرفة، وحيث أعاين الشعوب "الغلبانة" تتزود بغذاء اقتصادي وسياسي ومعرفي وثقافي وإعلامي خارج حدود وعيها وثقافتها وفنونها ومعارفها ومطالبها واحتياجاتها، وخارج أطرها وتشكيلاتها الاجتماعية.

ظللت حافظًا لـ "شفرة كورين" - التي نقشتها بطريقتي - عن ظهر قلب:

آن الأوان للتنصل من النظريات الفخمة، ومن طرح الأسئلة القديمة، ومن استخدام المقولات القديمة، ومن التعويل على الأطر القديمة. فلن يكون ذلك سوى قطع الطريق على إمكانية استبصار مسالك جديدة، وفتح سبل جديدة.

آن الآوان أن نسلك طرقًا جديدة، غير الطريق المستقيمة (المنطقية) التي رسمتها المركزية الأوروبية، ولم ترى بها إلا ذاتها في مرآة الكوكب البشري. لماذا لا نسلك "طريق الغابة" غير المستقيمة التي عرفها الهنود الفقراء من سكان الغابة، واستلهموا من انحناءاتها حكمة الكون والطبيعة.

آن الأوان لكي نتجاسر على طرح الأسئلة التي لا تعد أسئلة تُطرح، وتحلل ما لا يُعتبر من باب البيانات والمعلومات، المعممة والمكرسة كونيًا، وما يصنف في خانة الأسطوري، غير المعقول وغير العلمي، بالمعنى الذي طرحته المركزية الأوروبية حول العقل والعلم.

ينبغي لنا أن نبدأ بالبحث خارج الخطاب السائد، في مجال يقع دون المستوى المطلوب من العلمية، وما وراء مقاييس المعرفة القائمة، لنكتشف معارف شعبية وطرائق أصيلة، لنكتشف التجارب الخاصة لمجموعات المهمشين، والمنبوذين، والفقراء، والنساء، والفلاحين، والأرزقية، والحكماء المحليين، والرواة الشعبيين، والحكَّائين، وأصحاب الخيال البسطاء، وأصحاب المعارف التي لا تعرفها النخب، لتبين ما في مأثوراتهم، ومعارفهم، ومقولاتهم، من رؤى أخرى للعالم، وطرائق تصدّ للضغوط.

يتعين علينا مفارقة تقاليد الخطاب المهيمن، فنجد أنفسنا في ذلك المجال الذي احتقره هذا الخطاب؛ أي مجال الجماعات الشعبية، والثقافة الشعبية، لنكتشف ما يكتنز به من معارف مطموسة، خبيئة. لنصغي إلى صوت الحكمة يتصاعد من المعارف الشعبية العامية المحلية. لعلنا ننتقل- حينئذ – إلى مرحلة استنباط رؤى سياسية وتنموية جديدة، فيها مزيد من الأصالة، مؤهلة لمجابهة ما في الواقع من تعقد مستمر، رؤى فيها مزيج عضوي من الروح النقدية والإبداع؛ المنطقي والأسطوري؛ السياسي والشعري؛ العلمي والجمالي.

كنت أرتجي من حضوري محاضرات تلك الدورة التدريبية وأوراشها إضافة روافد فكرية جديدة، غير أن ما تلقيته من دروس في هذه الدورة (التي حضرتها مع عبدالغفار شكر وعبدالرحمن خير وشاهندا مقلد وأشرف بيومي ومحسن مرزوق وآخرين) كان في الواقع شيئًا مختلفًا تمامًا، وأكاد أقول إنه كان شيئًا أكثر أهمية بكثير مما ارتجيت؛ إنه إلهام "طريق الغابة" الذي طرحته كورين ومكّنني لاحقًا من بلورة مجموعة من الرؤى والأفكار المتماسكة.

مشهد 1 – النخيلة/ تل حنونة/ البداري/ قاو النواورة 1996 - 2000

قبل زهاء خمسة عشر عامًا (1996)، التقيت للمرة الأولى بالسيدة رتيبة فرغلي محمد رفاعي، من قرية النخيلة مركز أبو تيج محافظة أسيوط، وهو اللقاء المدهش الذي فتح أفقًا واسعًا أمامي. فعندما قررت العمل على جمع روايات شفهية مجهولة لسيرة بني هلال من قرى محافظة أسيوط، لم يكن ضمن توقعاتي أن ألتقي منذ البداية بامرأة تروي قصص السيرة، أو تبدي شغفًا بسماعها وبحفظها. وكان المدخل الذي بدأت به السيدة رتيبة روايتها يكشف عن رواية نسائية للهلالية، إذا جاز هذا التعبير، تأملت استهلالها الذي سجلته - مرئيًا - في إحدى مرات زيارتي لها، حيث تعيد صوغ الأساس الذي يقوم عليه مولد البطل، فتستبدل خضرة الشريفة بالبطل التقليدي المعروف (أبو زيد الهلالي سلامة)، ليتحول البطل المحوري من ذكر إلى أنثى. وفي الوقت نفسه، تحافظ على تقاليد الأداء التي تلقتها عن أبيها، ومنها قيم البطولة التي تحملها شخصيات السيرة مثل رزق بن نايل وأبوزيد، فالأول هو الفارس الذي تزوج البطلة وظلمها، ثم أعادها إليه وفق شروط الثاني وهو ابنها الذي تحملت بسببه ومن أجله الكثير من الجور والمخاطر.

ولا يتوقف اختلاف رواية السيدة رتيبة عن روايات الرواة الرجال عند حدود المدخل الذي استهلت به روايتها للسيرة، بل يكتنز نص روايتها بالكثير من التفاصيل والقيم التي تتصل بالنطاق الأسري، حيث يمثل الحرص على توضيح علاقات الزواج والنسب اهتمامها الرئيسي أثناء سردها للسيرة. كما أن روايتها للسيرة تتميز ببطولة النساء لمشاهدها المركزية، وهو الأمر نفسه الذي نجده عند الرواة الذكور؛ ذلك لأنه لا فكاك من الحفاظ على هذه المشاهد التي تمثل صلب بناء السيرة، ومنها:

1. مشهد تأسيسي: رحيل خضرة وولدها وسعيدة وولدها إلى أرض الزحالين، بينما يركن رزق ابن نايل منزويًا في الجبل ندمًا على طرد زوجه. ويختتم هذا المشهد بتنصيب الجازية، وحصولها على ثلث الشورى في القبيلة بعد حلها لعقدة عودة خضرة وولدها إلى قبيلة بني هلال، وهي العقدة التي وقف أمامها الفرسان الرجال حائرون، وكادت تحول دون التئام القبيلة.

2. مشهد حرب الناعسة بنت زيد العجاج لأبي زيد الهلالي قبل زواجه منها.

3. مشهد تربية شمعة الجود زوجة جبر القريشي لأيتام الأشراف في تونس، وتجهيزهم ليكونوا فرسانًا

4. مشهد رعاية الجازية بنت سرحان لأيتام بني هلال.

أثار التقائي بالسيدة رتيبة سؤالاً عما إذا كان حفظها للهلالية يمثل استثناءً فريدًا بحكم كونها امرأة، أم أنها صدفة تفتح الطريق أمام الدارسين للبحث عن النساء الراويات للسيرة؟ وهو السؤال الذي لازمني طوال فترة عملي في الميدان. وقد استطعت أثناء عملي الميداني في قرية قاو النواورة ونواحيها التابعة لمركز البداري بمحافظة أسيوط، في الفترة من 10 يونيو إلى 15 يوليو عام 1998، الحصول على معلومات حول عدد من النساء استمعن إلى السيرة، وحفظن أجزاء منها، وأن منهن من تهتم بسماعها من الإذاعة، أو من خلال أشرطة الكاسيت التي يقتنيها الرجال في الأسرة. مع ملاحظة أن رواية الشاعر جابر أبو حسين التي نسخت على شرائط الكاسيت، وراجت تجارتها، ليست وحدها التي تحظى بالإقبال، فهناك الكثير من رواة السيرة الذين انتهجوا النهج نفسه، وقدموا إنشادهم للسيرة إلى شركات إنتاج الكاسيت، لعل أشهرهم في هذه المنطقة: محمد اليمني وعلى جرمون.

وبالرغم من أنني استطعت أن ألتقي - مباشرة - باثنتين منهن يعشن في عزبة سالم بقاو النواورة، وبالرغم من موافقتهما على تسجيل اللقاء، فإنهما رفضتا تسجيل ما يحفظن من السيرة بسبب ضيق الوقت، ولظروف عملهن في الأرض والمنزل. لكن واحدة منهما دفعت ابنها "مدحت" البالغ من العمر 15 سنة إلى تسجيل بعض ما يحفظ من السيرة. وقد بدا عليها سعادة بالغة أثناء سماعها لابنها وهو يقص حكاية أبي زيد مع "شباب" بني زحلان. وقد أدركت بعد مرور ساعتين أن الأسباب التي ساقتها لم تكن وحدها المانعة من تسجيل ما تحفظ، وكان دليلي على ذلك: بقاؤها طيلة ثلاث ساعات دون أن يلحظ عليها الدارس أية علامة دالة على الانشغال بشيء بينما بدا عليها الاهتمام بمتابعة الحوار الدائر حول السيرة.

دفعتني هذه التجربة الميدانية المفعمة بالاكتشاف المدهش إلى التفكير في مقاربات منهجية جديدة تجعل من المسارات الثقافية الذكورية المطلقة مسارات ثقافية نسبية، وذلك عبر اكتشاف اللحظات الاستثنائية التي يكمن فيها جوهر أنثوي خفي، وعرضها للتحليل الدقيق، والوصول – من ثم – إلى نتائج جديدة. منظور جديد في التفكير يمكننا من تحليل الأدوار الاجتماعية والرمزية للنساء داخل نص الهلالية وخارجها، واكتناه صوت النساء الذي قاومت به المرأة هيمنة الرجل على اللغة، والنظر إلى فضاء السيرة بوصفه فضاء للبطلات (خضرة، شيحة، الجازية، الناعسة، هولة، بازلة، واطفة، عزيزة، سعدة، شمعة،... إلخ). ومثلما أشار يوسف كامبل إلى أن الثقافات القديمة عامة (ومنها الحضارة المصرية القديمة) تجعل الأنثى خالقة للحياة، وتجعل الذكر خادمًا للحياة، فحسبي أن سيرة بني هلال هي حكاية من خلق النساء وإبداعهن كحال "ألف ليلة وليلة"، فكثير من المشاهد في سيرة بني هلال لا تزال تحتل النساء بطولتها على نحو فريد لا نظير له في التراث العربي برمته، إلا في "ألف ليلة وليلة"، بينما يمثل الرجال حراسًا للسيرة الهلالية ورواة ومؤدين لها، على نحو أتاح لهم حرية صوغها في أشكال شعرية تتسم بالفحولة كالمربع والموال، يذكرنا ذلك بقول عبدالحميد الكاتب: "خير الكلام ما كان لفظه فحلاً، ومعناه بكرًا"، وكأنه بذلك يعلن – حسب تعبير عبدالله الغذامي - عن قسمة ثقافية يأخذ فيها الرجل أخطر ما في اللغة، وهو "اللفظ"، وللمرأة المعنى، هذه القسمة أفضت إلى قسمة أخرى أخذ فيها الرجل "الكتابة" واحتكرها لنفسه، وترك للمرأة "الحكي"، مما أدى إلى إحكام الرجل السيطرة على الفكر اللغوي والثقافي، وعلى كتابة التاريخ من منظوره الذي يرى فيه نفسه صانعًا للتاريخ. كانت التجربة تمثل طريقًا لتعلم الإصغاء لصوت النساء والرجال معًا، والحقيقة أننا استمعنا إلى الرجال كثيرًا؛ الرجال الذين حكموا الكوكب، واخترعوا الأسلحة الفتاكة، وأخذوا قرار الحروب، وشنوها بضراوة، واقترفوا آثام الإبادة الجماعية، وصنعوا الأفكار والأيديولوجيات العنصرية.

وفي يونيو 1996، كنت في ضيافة أهالي قرية تل حنونة التابعة لمركز البداري، محافظة أسيوط. وبينما كان الحضور منصتًا إلى الراوي عنتر عز العرب وهو يقص السيرة الهلالية بأداء مميز، وبلهجة محلية قديمة. قاطع أحدهم - يعمل مدرسًا - سرد الراوي. وقال: "ليس في السيرة الهلالية المطبوعة هذا الكلام". فانتفض الراوي عنتر غاضبًا رافعًا عصاه مشيرًا إليَّ بأن أنتبه جيدًا إلى قوله الذي بدا قاطعًا:

"الحاجه اللي هيْ مش رسمي، وتطلع بخط القلم، دي ما تعتمدهاش... ، دي تاريخات، المكتوب ده ما يجيبوش، يجيبه الراجل الحافض، الشاعر، اللي هو إيه: مِتْسَوِّحْ فِ لِبْلاَدْ، وسِمِعْ، وحِفِضْ، إنما القلم لأ. ما تعتمدش خط القلم، إللي عايش مع الناس أَمْكَنْ".

في الشهر نفسه، التقيت الحاج عبد التواب بمنزل شاعر السيرة وعازف الرباب يوسف أحمد يوسف بمدينة البداري، حيث علق على دور الهلالية وقيمتها في حياة الناس، ثم انتقل فجأة إلى الحديث عن المادة الإعلامية التليفزيونية، وقد نظر إليَّ بوصفي وسيطًا يحمل الرسالة من الناس لينقلها إلى مسؤولي الإعلام، قائلاً:

"هِيَّ أغلب البداري حَدَانَا هِِنَاهُوَّ بتحب ابو زيد، سيرة ابو زيد. ليه... لأن سيرة ابوزيد فيها الشجاعه، ويا ريت النهاردا إحنا الدولة شغتنا تبص لعملية الشجاعة والإنسانية والزوق، إنما أغلب حاليًا دِلْقِيْتِيْ بَلاَ مُؤَاخْذَه بيجيوبولنا حادات للشباب في التِلِيفِزْيُونَاتْ والراديويَّات، حَدِيْتْ مَالَهْشْ أيَّ معنى. وبنسمع حاجات مش مصريه، اللي هِيْ مش الصيغه المصريه، مفروض إنه يكون فيه رِقَابَه شِدِيدِه، وأنا بتكلم بأعلى صوتي إن فيه حادات بيجيبوها في التَلَفَزْيُونْ من غير رقابه. المفروض ما نْمَسِّلْشِ إحنا الأَجَانِبْ، ما نمسلش الأجانب، إحنا دوله عربيه. ونَرْجُو من الله، نَرْجُو من الله، واكررها تاني وتاني وتاني، بَاقُول إنِّ يكون على التليفزيون رِقَابَه قَوِيَّه عن جَمِيْعْ الأفلام اللي هِيَّ مش طبيعة العرب. ولو عايزين تِقَلِّدو الغرب، قُلْ لُهُم يقطعو الإرسال من الجِّيْزَه ومْقَبّلْ، إِفْصِلْ خالص التِلْفِزْيُونْ من الجيزه ومِقَبِّلْ، وخد انت حقك وادينا حقنا".

منذ ذلك الحين، بدأت التفكير مليًّا في معنى تنوع أنماط التعبير الثقافي (الشفهي والمكتوب)، وفي معنى القيم الرمزية للجماعة الاجتماعية. وبالرغم من أن جانبًا من جوانب الإعلام المرئي يعد تخليدًا لقيم الصوت البشري، بل يمثل ثأرًا للصوت من القرون التي رزحت فيها المجتمعات الإنسانية تحت نير الكتابة، ويشكل نزوعًا بشريًا لاستعادة حق الكلام، فإن الشأن ليس في الصوت (الخام) نفسه، وإنما في القيم التي يحملها هذا الصوت، فهي التي تعكس بصورة واضحة المحيط الطبيعي والاجتماعي للقوم الذين يتكلمون بها.

مشهد 3 – القاهرة 2005

داعبت مندوبة اليونسكو "السيدة جانيت" خيالي عندما استمعت إليها بمقر الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية شتاء 2005، على خلفية بدء مشروع جمع روايات السيرة الهلالية، حيث وجهت سؤالها للحاضرين: لماذا لا تطرقون طريق الهلالية؟

أدركت أن السيدة جانيت تتحدث من منطلق اهتمام اليونسكو بطريق الحرير منذ عام 1988، هذه الطريق التي امتدت لمسافات طويلة بعيدة تصل إلى أقاصي الشرق بما يحوي من حضارات وعمران وآثار وعطر وبخور ولبان وتوابل، إلى جانب عالم ثري من الثقافة الروحية التي أنبتتها جبال الشرق السامقة. هذا الشرق لم يبخل بثرواته على بقية أنحاء العالم، فعمل على نقلها إلى أطراف بعيدة من الأرض وعبر طريق متشعبة أطلق عليها اسم "طريق الحرير"، وكان اسمًا على مسمى، فالحرير كان ولايزال من نتاج الشرق. ودار الزمن دورته، وطُمست طرق الحرير، وأصبحت أثرًا بعد عين، وكاد العالم أن ينساها.

لسنوات، لعب سؤال السيدة جانيت برأسي كثيرًا، فقد حمل "طريق الهلالية" دلالات شخصية بجانب الدلالة التاريخية والبحثية. تذكرت مغامرتي "المريرة" في جمع روايات السيرة الهلالية من محافظة أسيوط منذ عام 1996، فخسرت فرصة تعييني في الجامعة التي ضحيت كثيرًا من أجل أن أتعلم فيها، فأعمار الوعود قصيرة، وطريق الهلالية طويلة، ولم أأسف على ما خسرت. تذكرت أبي - متعه الله بالصحة - حينما نقم على اختياراتي بعد أن استطالت سنوات العمل في السيرة الهلالية، ولم يعد يتوقع أن يراني مثلما يرى أبناء أسعدوا آباءهم بالاستقرار في العمل والزواج. تذكرت صديق عمري الفنان عبده طه الذي داهمته الأزمة القلبية الثالثة، فجأة، ونحن نراجع شرائط الفيديو التي قمنا بتسجيلها لرواة السيرة في أسيوط، فمات بين يدي وتركني وحيدًا أشعر بلعنة الهلالية على غرار أسطورة لعنة الفراعنة.

كنت قد اتصلت - أثناء سنوات بحثي الأولى - بالمعلومات القيمة التي أوردها الباحث الجليل عبد الرحمن بن خلدون حول هجرات بني هلال وبني سليم من الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا عبر مصر، وحول التأثير الخاص لبني هلال وشهرتهم التي فاقت شهرة بني سليم. لقد تحدث ابن خلدون بشيء من الوضوح عن القبائل التي عاشت في الشرق والشمال الأفريقي، يعد كتابه "العبر" أكثر المصادر أهمية في موضوع "هجرة بني هلال وبني سليم" والأحداث المرتبطة بها، كما يعد وثيقة شاهدة على معاصريه من قطاعات المجتمع العربي في البادية والحضر. ولم تحظَ القبائل العربية بهذا القدر من الاهتمام التفصيلي الميداني الذي أبداه ابن خلدون في مقدمته وتاريخه شطر قبيلتي هلال وسليم ومن جاورهما في الشمال الأفريقي. لقد جمع ابن خلدون عددًا من الروايات التاريخية التي وردت بألسنة الهلاليين المعاصرين له في شمال أفريقيا، والتي لاتزال تروى - حتى هذه اللحظة - على ألسنة شعراء السيرة ورواتها في مصر وليبيا وتونس والجزائر، ومنها ما يذكره ابن خلدون قائلاً: "يزعمون [الهلاليون] أن الشريف ابن هاشم كان صاحب الحجاز ويسمونه شكر بن أبي الفتوح، وأنه أصهر إلى الحسن بن سرحان في أخته الجازية، فأنكحه إياها وولدت منه ولدًا اسمه محمد، وأنه حدث بينهم وبين الشريف مغاضبة وفتنة، وأجمعوا الرحلة عن نجد إلى أفريقية، وتحيلوا عليه في استرجاع هذه الجازية، فطلبته في زيارة أبويها، فآزرها إياهم... فارتحلوا به وبها وكتموا رحلتها عنه...".

يضع الراوي الشعبي قصة الجازية وشكر الشريف في سياق درامي ممتع، على نحو ما وجدته في الرواية التي جمعتها من الأخوين عنتر وشداد عز العرب.
كان بديهيًا – وفقًا لابن خلدون – أن يحتل المدخل التاريخي جزءًا رئيسًا من دراسات الهلالية التي أنجزت في المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر، على وجه الخصوص)، حيث تتصل السيرة الهلالية بالجانب التاريخي لأقطاره. يعبر عن ذلك ما تذكره الباحثة الجزائرية د. روزلين ليلى قريش في مقدمة الطبعة الجزائرية للسيرة، حيث ترى أن السيرة "توافق التاريخ في خطوطها العريضة، لكنها تركت العنان للخيال على مر الزمان ليبدع ويخترع، إلى أن أصبحت السيرة تسجل لنا قصصًا عجيبة وجذابة في آن معًا، تبث في الأنفس الدهشة والإعجاب وتجعلنا نعيش أحداثها ونتفاعل مع أبطالها، كما تبرهن لنا السيرة من خلال مغامرات أبطالها على أنهم أجداد لأغلب أبناء وطننا، وهم يتحركون في سيرتهم المذهبة بين الأسطورة والتاريخ".

وفي هذا السياق، أنجز فريق ميداني بجامعة عنابة الجزائرية بإشراف الدكتور محمد عيلان بدأ منذ سنوات مشروعًا لجمع روايات السيرة الهلالية في الجزائر بالوسائل المرئية والصوتية، وطرح الباحث التونسي محمد المرزوقي دراسة حول "منازل الهلاليين في الشمال الإفريقي"، والتي رصد فيها القبائل والعائلات التي تنتمي إلى بني هلال ورياح وزغبة ودريد وبطونها وغيرها في كل من تونس والجزائر والمغرب الأقصى وموريتانيا. أما الدراسة التي أعدها الباحث الليبي علي محمد برهانة، ونشرتها كلية الآداب والتربية بجامعة سبها الليبية، فتعد نموذجًا للدراسات المهمة في موضوع السيرة الهلالية، وتكمن أهميتها في جمعها لست روايات شفاهية من الرواة الليبيين، وأراد لها الباحث أن تتصل بالمدونات التاريخية التي تحدثت عن بني هلال وأشعارهم وهجرتهم إلى الشمال الأفريقي، ومرجعه الرئيس في ذلك ما ذكره ابن خلدون في مقدمته. وبجانب المدخل التاريخي، يقدم د. برهانة مدخلاً اجتماعيًا، فمدخل الدراسة الأدبية، ثم مدخل الدراسة المقارنة. ويختتم كتابه بملحق بالنصوص الستة المجموعة ميدانيًا.

وبالرغم من المجهود الطيب الذي اكتنف المداخل المذكورة، وتمثل - في تصوري -امتدادًا لعمل الدكتور عبدالحميد يونس"الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي"، فإن الروايات التي جمعها الباحث برهانة وردت دون شرح للمفردات وللعبارات ودون أية تعليقات شارحة، مما يصعب فهمها على القارئ غير الليبي، وربما الكثير من الليبيين أنفسهم غير العارفين بلغة البدو وتراكيبها وأصواتها، وهي الملاحظة نفسها التي أكدت عليها د. نبيلة إبراهيم في تقديمها للدراسة؛ حيث تمنت لو اكتمل العمل بالاهتمام بالروايات الشفاهية شرحًا وتعليقًا.

لا يفوتنا هنا الإشارة إلى واحدة من التجارب الجادة في مجال تدوين السيرة الهلالية، وهي التجربة المبكرة التي أجراها الباحث التونسي الطاهر قيقة (1922 - 1993) على واحد وثلاثين نصًا بدويًا للسيرة الهلالية، جمعها والده عبد الرحمن قيقة عام 1927 من راوٍ ليبي كان يتردد على عمال التراحيل الليبيين بتونس، حيث قام بتدوين هذه النصوص بلهجة راويها التي يغلب عليها طابع المنطقة الصحراوية الليبية التونسية، وعمل على تشكيل حروف كلماتها، تيسيرًا على القارئ غير البدوي. كما قام بنقلها إلى الفصحى في صفحات مقابلة.

بعد أن قدم د. أحمد مرسي فصلاً ضافيًا خاصًا بالأداء والمؤدين ضمن فصول كتابه "مقدمة في الفولكلور" - وكانت الأعمال البحثية الفولكلورية العربية (الميدانية والنظرية) التي اتخذت من "الأداء" موضوعًا لها، تتسم بالندرة الشديدة – شهدت الدراسات الفولكلورية العربية في مجال تحليل "الأداء الشفاهي" اتساعًا وتطورًا ملحوظين، نخص بالذكر دراستين تخصصا في أداء السيرة الهلالية.

الدراسة الأولى، تتعامد على الأداء الموسيقي للسيرة الهلالية، وهي الدراسة الأكاديمية المهمة التي قدمها محمد أحمد عمران حول الوحدة والتنوع في طرائق الأداء الموسيقي للسيرة الهلالية، حيث تعالج مختلف الأساليب وطرائق الأداء التي ارتبطت بالهلالية في مصر (الصعيد الأعلى، الصعيد الأدنى، الوجه البحري). وهي الدراسة الأولى - والوحيدة حتى لحظة كتابة هذا المقال - التي عالجت موضوع أداء الهلالية من الوجهة الموسيقية. وتتمثل نواة هذه الدراسة في الورقة التي قدمها د. عمران تحت عنوان: "الخصائص الموسيقية لرواية السيرة الهلالية في مصر"، ضمن أعمال الندوة العالمية الأولى لسيرة بني هلال التي انعقدت في منطقة الحمامات بتونس عام 1980، ونُشرت أوراقها عام 1990، وهي نفسها الندوة التي قدم فيها الأستاذ عبد الحميد حواس ورقته المتميزة حول مدارس رواية السيرة الهلالية في مصر.

أما الدراسة الثانية، فهي دراسة د. محمد حافظ دياب المعنونة بـ"إبداعية الأداء في السيرة الشعبية"، وهي واحدة من الدراسات العربية المهمة في موضوع الأداء، حيث تتسم بالحنكة المنهجية التي أسستها خبرة صاحبها العريضة في مجال الدراسات السوسيولوجية، وعلاقاته الوثيقة بالحقول المعرفية الأخرى، كالأنثروبولوجيا والفولكلور والنقد الأدبي، مما جعل دراسته تتمتع بالاتساع النظري. أما الجانب التطبيقي، فينهض على سيرة بني هلال، حيث قام د. دياب بتجربة ميدانية لجمعها من قرية "زاوية جروان" التابعة لمركز الباجور محافظة المنوفية، غير أن الكتاب - بجزأيه - قد خلا من الروايات التي أُشير إلى جمعها كثيرًا، كما أن الاستشهاد بها كان نادرًا للغاية. وقد سبقت هذه الدراسة النظرية الموسعة، عددًا من الأوراق البحثية التي شارك بها د. دياب في مؤتمرات وندوات عدة، بدءًا من بحثه: "السيرة الشعبية؛ مقاربة في منهجية إعادة الإنتاج" الذي شارك به في "ندوة السيرة الشعبية العربية" التي عقدتها كلية الآداب، جامعة القاهرة، في يناير 1985، وانتهاءً بالورقة التي قدمها د. دياب تحت عنوان "السيرة الشعبية؛ إبداعية الأداء"، نشرت عام 1993، ولعلها حصيلة مشاركته في مؤتمر "الإبداع والحرية" (طرابلس، ليبيا، 1989).

دفعني سؤال السيدة جانيت إلى التفكير في اقتفاء "طريق الهلالية" الطويلة المتشعبة بين اليمن وعمان ونجد والحجاز والبحرين وإيران والعراق والشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وبعض مناطق وسط أفريقيا. لم يكن مدهشًا أن تختمر الفكرة نفسها في رأس صديقي "هشام عبد العزيز"، فتجربته المتميزة في مجال تحقيق التراث كانت كفيلة بأن يرتاد الطرق الغامضة والوعرة، مثلما علمني العمل الميداني ارتيادها، التقينا عند محطات عدة على طريق الهلالية، وكان علينا أن نبحث سويًا عن المجهول في هذا الطريق التي سلكها الهلاليون، إِنْ في التراث المدون الذي يعرف هشام أضابيره، أو في الروايات الشفهية التي عزم عدد من الباحثين الميدانيين على جمعها، ومثلما سلك الهلاليون طريقهم جماعة، فإننا نقتفي أثرهم الشفهي جماعة أيضًا.

مشهد 4 – تونس 2006

تدور السنوات دورتها الدائرة لألتقي بـ "كورين كومار" في تونس بعد سبع سنوات من لقائي الأول بها في المغرب، كنت قد تعرفت إلى مؤسسة "صندوق تجوال الشباب العربي المبادر (سفر)" التي وفرت لي منحة سفر إلى تونس للمشاركة في الدورة الخامسة للجامعة المفتوحة (في الفترة من 11 إلى 17 سبتمبر 2006) التي تنظمها مؤسسة ألتايير العالمية، وهي المؤسسة التي تديرها "كورين كومار".

سبع سنوات حاولت خلالها تعلم المشي في طريق الغابة، وهممت بالبحث عن طريق النيل، وعقدت العزم على اقتفاء الأثر الثقافي والتاريخي لطريق الهلالية، تلك الطريق العريضة المتشعبة التي بدأت من البحرين وحتى الأطلسي. كثير من الحكايات والتجارب أبدعتها الجماعات التي صنعت التاريخ دون أن يذكرها التاريخ، وعلمت ذاتها دون أن تمتد لها يد التعليم الرسمي، وظلت قوية ومتماسكة رغم ضغوط تهميشها وإقصائها، تمنيت لو حكيت بعضًا من هذه الحكايات إلى أصدقائي الذين سألتقيهم في فضاء الدورة الخامسة للجامعة المفتوحة.

أول ما شد انتباهي ذلك الاسم الرمزي الذي أُطلق على فعاليات هذه الدورة: "شجرة الزيتون"؛ إنها الشاعرية التي تتصف بها ثقافتنا تجاه الإنسان والطبيعة والكون، تعبير شاعري يقاوم هدر مشاعرنا باسم المنطق والتفكير العلمي، وهدر حياتنا التاريخية التي لم تدخل مؤسساتنا أضابيرها لتستلهم من منجزها وخيالها الكثير والكثير، وهدر القيم الرمزية التي لم تكن في حسبان "الخبراء" في الجامعات والمنظمات، كان جميلاً أن يستدعيها فريق ألتايير سواء في اسم الدورة، أو في اختياره لمكان إقامتنا بمضيفة الشباب الكائنة في نهج السيدة عجولة بالحي العربي القديم، والمجاورة للسوق القديمة وورش الحرفيين وصناع النتاجات التقليدية، هو نفسه الحي الذي يأنس بجامع الزيتونة، وزاوية الكلاعي، وسيدي أحمد بن عروس، والزاوية الصغيرة التي درس فيها العلامة عبدالرحمن بن خلدون الواقعة في "نهج تربة الباي". لقد أتاحت لي هذه الفرصة الاقتراب من الثقافة التونسية التقليدية خاصة الجانب المتعلق بالحرف والصناعات الشعبية، فقمت بتوثيق صناعة "الشاشية" التونسية الشهيرة (الطربوش)، وصناعة البرنوس والجبة، والصناعات الخزفية والخشبية، وصباغة القماش... إلخ. وأضفى فريق ألتايير أجواء حيوية مفتوحة، خارج الحوائط والأسقف الأسمنتية، يتسق مع المبادئ التي أسس لها معلم الفقراء والمقهورين "باولو فريري"، وعايشتها مع البسطاء العارفين بأن المعرفة لا تُستقى في الغرف المغلقة والقاعات المقبضة.

في الحديقة الجميلة لمقر ألتايير، أقيم حفل الافتتاح، ثم استهل الأستاذ عزام محجوب فعاليات الدورة في الحديقة نفسها، أنصتنا له وهو جالس تحت شجرة برتقال مثمرة يشخص لنا الأوضاع العالمية الراهنة من وجهة اقتصادية، والآليات التي تعمل بموجبها العولمة بخطابها الناعم وسلوكها المتوحش. وفي الحديقة كنا نتناول طعامنا ونستمع إلى الشعر والأغنية الملتزمة التي أُنشدت لفلسطين والعراق وحقوق شعوبنا وأطفالنا. وفي الحديقة كنا نعمق تواصلنا يومًا بعد يوم، ونتبادل الرأي ووجهات النظر حول الفعاليات والنقاش الدائر طوال اليوم، وفيها أيضًا اختتمنا أعمال الدورة.

استقبلنا فريق ألتايير الدؤوب، عاينت نموذجًا فريدًا من المؤسسات، يجعل النافرين من الأساليب العقيمة للمؤسسات - أمثالي - يجددون الأمل في وجود مثل هذا الفريق؛ مجموعة تعمل بطرائق نوعية فيها مزيج من المهارات التقنية والحب والتواضع والإخلاص والتواصل الحميم والشفافية ونقد الذات، تحافظ على الفكرة التي نشأت من أجلها المؤسسة ولا تفارقها.

في مطار القاهرة سردت لسماح وأماني وشادي توقعاتي للرحلة، وكنت قد اعتدت الارتحال بتفاؤل الواثق وسؤال الباحث عن أفق جديد ومعرفة جديدة، ثم دار بيني وإياهم أحاديث جانبية في الأيام الأخيرة، فأدركت أنها لم تكن توقعات فحسب؛ إنما كانت إرادة جماعية فاقت التوقعات. كنت أتأمل جميع زملائي كل يوم لأقرأ في عيونهم ما قرأت، فأشعر أنني في طقس جماعي بدت حميميته منذ اللحظة الأولى، وظلت تسري في وجداننا ونحن نتعاطى الحديث والاستماع والنقاش والمشاهدة والفن وفق برنامج الدورة الذي نُسج بعناية فائقة.

بالطبع، كنت مهتمًا بتوثيق فعاليات الدورة كما تعودت، فالتوثيق يمثل ركنًا رئيسًا من مبادرتي التي أخدمها (المأثورات الشعبية، الفنون والحرف التقليدية، التاريخ الشفهي للجماعات الهامشية والقرى المهمشة، حكمة البسطاء وخيالهم وآدابهم). فقمت بتسجيل كل الفعاليات مرئيًا وصوتيًا وفوتوغرافيًا، وأعددت تقارير يومية موجزة للمحاضرات وورش العمل والأفلام السينمائية والتسجيلية وعروض زملائي لمبادراتهم وأنشطتهم، وكذلك الفقرات الفنية المتميزة من موسيقى وغناء وشعر، وطقس الختام المتميز في الحديقة، حيث تحلقنا حول النار ممسكين بالشموع، لنسجل كلمات الوداع، ونغني، ونسمع الموسيقى، ونتهامس بالبقاء على عهدنا الإنساني الذي قطعناه بحب حقيقي.

دُعيت في ختام الدورة إلى المشاركة بمداخلة حول مبادرة "طريق الهلالية"، حيث ألقيت الضوء على السير الشعبية العربية، منتخبًا سيرة بني هلال بوصفها السيرة الوحيدة التي لا تزال تُروى شفهيًا على لسان الرواة والشعراء سواء المحترفين منهم بآلات موسيقية شعبية (ومعظمهم من فناني جماعات الغجر) أو غير المحترفين الذين يرون هذه السيرة إرثًا تاريخيًا لا يمكن التفريط فيه. وحددت على الخارطة مسار هذه الرحلة وأبعادها: جغرافيًا وتاريخيًا وسياسيًا وثقافيًا ولغويًا وأدبيًا. ثم طرحت مفهومي للتاريخ المدون (السائد والمقدس) وللتاريخ الشفهي (المهمش والمستبعد)، وأشرت إلى ضرورة الاهتمام بالحقل المعرفي الثاني بوصفه يمثل الجانب الأعظم من التعبير في مجتمعاتنا، وحين لا يكون في إمكاننا أن نكتب تاريـخ قسم هائل من التعبـير الثقافي لمجتمع أو لشعب ما، فنـحن بذلك نفتقد القـدرة على - والحق في - بناء وعي تاريخي بتراكمه الرمزي. وقد أثار العرض تفاعلاً ونقاشًا بين المشاركين لمدة ساعتين. وعلى إثر هذا التفاعل، تحمس عدد من المشاركين وضيوف ألتايير من الباحثين والصحافيين إلى مشاطرة الفكرة، وأسعدني حماس فريق ألتايير لدعم رحلة ميدانية إلى ولاية نابل بالوطن القبلي (شمالي شرق تونس)، للبحث عن رواة لتاريخ بني هلال، فكانت التجربة الميدانية التي استهدفت العيش في غمارها، لأعود بمعرفة جديدة حقًا.

انطلقنا في تمام الساعة التاسعة صباحًا من يوم الثلاثاء الموافق 19-9-2006. بصحبة الدكتور جلول عزونة والفنان الشاب عبدالخالق الأزرق. طوال الرحلة من تونس العاصمة حتى وصولنا لمنزل تميم، كان عزونة يقدم لي معلومات عن كل قرية نمر بها، وعن تاريخ بعضها، وعن طبيعة سكان بعضها الآخر، وعن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طالت عددًا منها. في الطريق، كنت على موعد مع مفاجأة، حيث قرأت لافتة تشير إلى اسم قرية "النخيلة"، وهو اسم القرية التي التقيت السيدة رتيبة فرغلي وحسني جاد وعبدالعاطي نايل، وتتبع مركز أبوتيج محافظة أسيوط. تتسم النخيلة المصرية بلهجة بدوية مختلفة عن لهجات القرى المجاورة لها، وهي لهجة أقرب إلى نطق المنطقة التي قمنا بزيارتها في "منزل تميم"، كما تتمتع النخيلة المصرية بوجود عدد من الرواة والشعراء الشعبيين الذين يروون سيرة بني هلال. وهو ما وجدته أيضًا في البقعة التونسية. وكان عليَّ أن أدون ملاحظة شديدة الأهمية: لقد مرت هذه الجماعات والقبائل على مصر باتجاه الغرب، ثم ردَّ قطاع منها إلى مصر بأسماء البلاد وباللهجات وبالوقائع التاريخية التي حدثت في بلاد المغارب. وهو أثر حي وقائم حتى هذه اللحظة على نحو ما كشفته الرحلة.

وصلنا منزل تميم في تمام الساعة الحادية عشر، قمنا بالتجول في السوق الأسبوعية في منزل تميم (الخضر والفاكهة والماشية والسلع الغذائية والاستهلاكية). التقينا مصطفى عبيد (خال عْزَيِّزْ، 80 سنة) أثناء عمله في السوق واتفقنا على أن نلتقي في داره في الساعة الواحدة. جلسنا على مقهى في النادي الثقافي والتقينا بعدد من الشعراء والمثقفين بالمدينة وهم أصدقاء عزونة ودار حوار حول الثقافة الشعبية الخاصة بالمكان. قام عزونة بتوصية أحد الشباب من عائلته بتجهيز طعام الغداء لكي نذهب به إلى "خال عْزَيِّزْ" وقمنا بشراء الفاكهة من السوق. وذهبنا في الموعد. كان "خال عْزَيِّزْ" ينتظرنا وزوجته خارج الدار. وقد بدأ فعليًّا في الاطلاع على الجزء الأول لكتاب "سيرة بني هلال؛ روايات من صعيد مصر" الذي أهديته له، وقد صدر قبل أيام من سفري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد سبق أن أوضح عزونة أن "خال عْزَيِّزْ" قارئ نهم. وأنه حتى بلوغه سن الثالثة والثلاثين لم يكن قد تعلم القراءة والكتابة، لكنه استطاع أن يُعلم نفسه.

تناولنا طعام الغداء، ثم استمعنا إلى ما يحفظه ويعرفه خال عْزَيِّزْ من أقاصيص بني هلال ومآثرهم. حيث روى لنا قصة من قصص الجازية الهلالية التي تمثل نموذجًا لحكمة المرأة العربية وجمالها في آن معًا. والقصة تحكي وقائع رحيل الجازية عن زوجها الشريف بن هاشم (أو الشريف الهاشمي) وعودتها إلى قبيلتها. والملاحظ أن هذه القصة كان الهلاليون أنفسهم قد رووها للمؤرخ عبد الرحمن بن خلدون وأوردها في تاريخه الموسوم بالعبر، وهي نفسها القصة التي يرويها رواة سيرة بني هلال في مصر، لكن الرواية المصرية تتميز بالأداء الفني.

كما قص علينا "خال عْزَيِّزْ" عادات بني هلال وتقاليدهم. وأكد أن هذه القبائل تركت أخلاق كريمة ومآثر حسنة، ولم يكونوا شرًّا كما يدعي البعض. وقدم لنا "خال عِزَيِّز" تفسيرًا لبعض المسائل مثل سبب تسمية مدينة غدامس بهذا الاسم (تقع مدينة غدامس التراثية في الجهة الغربية من ليبيا على حدودها مع تونس والجزائر). حيث يذكر أن الهلاليين حطوا في هذه البقعة، وأنهم تناولوا طعام الغداء في "قصعة" كبيرة، وأنهم نسوا هذه القصعة عندما تركوها. وعندما سأل أحدهم عن القصعة، رد آخر: القصعة تكون حيث "غدا أمس"، فعُرِفت بـ"غدامس".

يعد "خال عزيز" راويًّا متميزًا لهذه السيرة التاريخية الشعبية، وقد لفت انتباهي وجود قصائد شعبية قديمة أنشدها أثناء أدائه. وعندما سألته عن مصدره لحفظ هذه القصص. قال إنه ظل يستمع لها من أشخاص كثيرين طيلة سبعين عامًا، ومعظمهم من النساء!

بعد أن اطلعنا على محتويات المتحف العجيب الذي يقتنيه "خال عزيز"، والذي يحتوي على أدوات تقليدية مصنوعة من مختلف الخامات، جلسنا على مقهى، وأثناء الجلسة انتبه بعضهم إلى مجال اهتمامي بسيرة بني هلال. فأبدوا معرفتهم ببعض القصص. كما دار جدل بينهم على أصل الجازية الهلالية، حيث أصر أحدهم (محمد، 82 سنة) على أن أصلها من إفريقيا، وأنها زوجة الشريف الهاشمي الذي كان يقطن "صفاقس"، وأنها عادت إلى موطنها في إفريقيا، بعد أن رحلت عن زوجها وابنيها بحيلة دبرتها هي وأخوها "بوزيد". وعلق أحدهم على تصريحات بابا الفاتيكان "بنديكتوس السادس عشر" التي حملت هجومًا على الإسلام، قائلاً: ألا يعرف البابا التاريخ، ألم يسمع عن الجازية الهلالية التي دعت ربها بأن يطيل رقبتها لكي تزن الكلام قبل أن يخرج من حلقها، فلا تجرح إنسانًا بكلمة قاسية، فما باله يجرح مشاعر الملايين من الناس في العالم؟! وتأكد إدراكي بأن لدى القاعدة العريضة (المهمشة؛ غير النخبوية) من الشعوب حكمة يمكن أن يتلوها على العالم الراهن، وأن لديهم معارف خاصة عن حياتهم التاريخية وأساليب عيشهم وتعلمهم.

جعلتني هذه الرحلة الميدانية السريعة أطمئن إلى وجود روايات شفهية متميزة لسيرة بني هلال في تونس، بالإضافة إلى وجود آثار بشرية لرحلة الهلاليين إلى تونس، تتمثل في بقايا منازلهم (قبائلهم، عائلاتهم) في مختلف أنحاء تونس، كما توجد آثار مادية ذُكر بعضها في روايات الرواة المصريين، لكن لم يتم الحفاظ عليها للأسف الشديد، مثال سور تونس وأبوابها. ولاتزال بقايا هذا الأثر موجودة حتى هذه اللحظة داخل مدينة تونس. وسوف نقوم بتوثيقه لاحقًا. ومن ضمن هذه الأبواب باب "الفلَّة"، والفلَّة هو شق في الجدار. حيث يُحكى أن أبا زيد الهلاليَّ أحدث هذا الشق عندما قفز بجواده فوق السور المجاور لباب الفلة. كما يوجد "قصر هلال" وهي مدينة تابعة لولاية المنستير، سميت باسم القصر الذي بناه أحد الهلاليين. وتذكر الشواهد الميدانية أن ثمة حكايات كثيرة حول هذا الأثر وعلاقة الهلاليين به. وهناك أثر مرتبط بحكاية للجازية الهلالية، عندما طلبها أحد اليهود للزواج. فاشترطت عليه أن يأتي لها بالماء في الهواء، بمعنى أن يوصل لها الماء عبر أنابيب مرتكزة على أقواس من زغوان إلى تونس، وتعرف هذه الأقواس باسم "الحنايا"، والحنايا هو اسم هذه الأقواس، ويمكن مشاهدتها في طريق زغوان، أو في باردو وسط تونس العاصمة. ومن المعروف حتى هذه اللحظة أن ماء زغوان من أكثر المياة عذوبة في تونس. كما توجد قرابة لهجية لغوية فريدة بين بقعة الصعيد في مصر وبعض بقاع الأرض التونسية، حسب ما تؤكده هذه الرحلة.

اتصلت بمصادر ميدانية أكدت أن ثمة ثراء ثقافي شفهي في منطقة الجنوب الغربي للجمهورية التونسية، حيث "توزر"، و"قبلِّي"، و"دوز". ويقام في "دوز" مهرجان سنوي يسمى المهرجان الدولي للصحراء يحتشد بعدد كبير من رواة الشعر الشعبي الذين لهم صلة أكيدة برواية سيرة بني هلال، ورواية تاريخهم والأحداث التي عاشوها، ومنازلهم التي لاتزال باقية حتى اللحظة الراهنة.

من الملاحظ أن الرواة في تونس هم من كبار السن، مما يعني أهمية اللحاق بما يحفظون من آثار شفهية لهذه السيرة الشعبية المهمة، قبل ضياع ذاكرتهم بالموت أو بالنسيان.
كان وجودي في معية الباحث الكبير جلول كبير الأثر في نجاح هذه الرحلة الميدانية بوصفه عضوًا ينتمي إلى هذه البقعة وإلى أهلها. فضلاً عن معارفه الميدانية
المتميزة واهتمامه الخاص بفكرة اقتفاء "طريق الهلالية" عبر الرواة المجهولين، لاكتشاف الأثر الثقافي والتاريخي واللغوي والمادي لهذه الرحلة الهلالية الطويلة التي لم تحظ بما تستحقه من عناية، بحثًا وتوثيقًا.

كانت رمز "شجرة الزيتون" يكبر كل لحظة في عيوني، لم أتوقع تلك الدموع الحارة التي رطبت وجهي وأنا أمارس فعل التذكر بعد نهاية مطاف هذه الرحلة الممتعة والمكتنزة. الذاكرة لن تنسى الرحلة ومن صحبتهم فيها، كنت حريصًا على تسجيل هذه الذاكرة في الطائرة العائدة، وكتبت في جزء منها:

حقًا
كانت عيونكم المفتوحة أملاً في طريق لم يُعَبَّد.
وقلوبكم المفتوحة تاجًا لحلم يسافر في عروقنا.
وكانت الجامعة المفتوحة فضاء للعطاء الذي لا حد لفضائه.
لطريق الغابة والنيل والجبال والصحارى والوديان.
للنساء الحكيمات الخالقات لحياة بلا حروب وبلا إبادة وبلا استبداد.
للرجال العرَّافين العارفين المنصفين الخادمين للحياة.
كانت جامعة الريح التي تهب من الجنوب.
والروح التي تهب من عيون كورين.
وشعر كورين.
وخيال كورين.
وصمت كورين.

مشهد 5 – الجزائر 2007

فجأة، كنت على موعد مع الجزائر بعد انتظار طويل، فقد بدأت رحلاتي إلى بلاد المغرب العربي منذ عام 1993، وتعددت زياراتي إلى ليبيا وتونس والمغرب، إلا الجزائر؛ حيث ظلت عصيَّة على رغبتي الحميمة في ارتياد مسالكها الثقافية والاجتماعية الغنية والمتنوعة.

أرسلت طلبًا لمؤسسة "المورد الثقافي" للمشاركة في ورشة التدريب حول "الإدارة الثقافية" التي ستنعقد في رحاب المكتبة الوطنية الجزائرية في الفترة من 26 إلى 31 سبتمبر/ أيلول 2007 .

كان دافعي للمشاركة في هذه الدورة المهمة يتمثل في مروري - منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين - بتجارب متراكمة في مجالات متعددة ومتنوعة من العمل الثقافي (الإشراف على تحرير سلاسل الكتب المتخصصة، إعداد الفعاليات البحثية الوطنية والدولية، إدارة الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية الشبابية، إعداد وتقديم العروض الفنية الفولكلورية، الموسيقية والغنائية على وجه التحديد، وخصوصًا عروض السيرة الهلالية، إدارة وحدات الدراسات والنشر والثقافة الشعبية بعدد من المؤسسات غير الحكومية). وأتاحت لي هذه التجارب أن أكتسب قيمة العمل الجماعي، والانتماء إلى روح الفريق. كما أصقلتني بخبرات راسخة؛ لأنها اعتمدت على ثراء الخيال الجماعي في التفكير والتصورات، وارتكزت على أسلوب التعلم الذاتي، ونبعت من الرغبة الدائمة في الاكتشاف.

وفي اللحظة التي أشعر فيها باتساع تجاربي، يتسع تأملي من جديد في أفق قادم، وتزداد رغبتي في التعلم من تجارب أخرى متميزة. فلا أزال أتوق إلى مجهول لم أعرفه، وإلى معارف خبيئة لم أدركها، وإلى تجارب ملهمة أخرى لم أمر بها.

هذه هي الروح التي أجدها تدفعني دومًا إلى المشاركة في أية فعالية. لكن ثمة دافع رئيس وراء طلبي الانضمام لورشة الإدارة الثقافية، يتمثل في العودة بمهارات وخبرات جديدة تساعدني على تصميم البرامج الثقافية، والمشاركة في رسم سياسات ناجعة، في إطار مهمتي الجديدة كمنسق للبرامج الثقافية بالمركز القومي لثقافة الطفل بالقاهرة.
كما قدمت ضمن أوراق طلب انضمامي لورشة الإدارة الثقافية مشروعًا يتصل بعملي في مجال جمع سيرة بني هلال وتوثيقها، حيث عكفت على جمع روايتها المصرية. واتسع اهتمامي بهذه السيرة ليشمل بلدان شمال أفريقيا، فقمت بتجارب ميدانية محدودة في تونس وليبيا (1993 و 2006)، فضلاً عن اطلاعي على الجهود السابقة التي بذلها عدد من المهتمين بالهلالية. وقد تدربت - منذ عام 1997 - على إدارة الفرق الشعبية الحرة التي تنشد السيرة الهلالية، وذلك من خلال مرافقتي لأستاذي د. أحمد شمس الدين الحجاجي.

تعرفت إلى شعراء محترفين يجتهدون في أداء الهلالية بمستويات فنية متميزة ومتنوعة، منهم: عز الدين نصر الدين (توفي عام 2009)، وعلي جرمون (توفي في 1 يناير 2000)، وعنتر رضوان، وجمال زكي (توفي عام 1999)، وسيد الضوي. كما تعرَّفت من بعد (عام 1998) إلى الشاعر محمد اليمني، وقمت بتسجيل ساعات عدة معه، ثم رافقته لفترة أطول خلال عام 2005. وفي العام نفسه، التقيت الشاعر عبدالباسط السيد نوح الذي كشف لي الكثير من أسرار الفروق الأدائية بين شعراء الهلالية.

أدهشني عز الدين نصر الدين بأدائه الممتع وقدراته الفنية العالية، كما أن سنه الصغيرة - حيث لم يتجاوز عامه السابع والعشرين عندما استمعت إليه للمرة الأولى عام 1992 - بشَّرت بمستقبل يعوضنا عن غياب الشاعر الشعبي المصري جابر أبو حسين (توفي 1986). يدين عز الدين بفضل كبير لأستاذه جابر ولأبيه نصر الدين ولجده نوح، لكن الشاعر الشاب ظل يحرص على تأكيد تميزه واختلافه عنهم جميعًا، وعلى مواصلة الاجتهاد في شؤون الهلالية، وعلى التساؤل الدائم عن دروبها الخفية، ومراجعة بعض التفاصيل والأحداث الدقيقة في بدنها، والتي يراها عز غير مفهومة أو غير منطقية، بينما استقر عليها الشعراء المهرة، وعلى رأسهم جابر أبو حسين. كل ذلك - وأكثر - جعل من عز الدين شاعرًا شعبيًّا يمتلك وعيًا رصينًا بفن السيرة، ينافس به – عن جدارة – وعي الأكاديميين الأفذاذ.

توثَّقت علاقتي بعز الدين وبأفراد فرقته منذ عام 2005. فتحوا لي أبواب جماعات الغجر الموصودة. اقتربت من عالمهم الساحر. دخلت بيوتهم، وتعرفت إلى عائلاتهم. أكلت من طعامهم، وشاركتهم تفاصيل حياتهم اليومية. قمت بمرافقتهم في عشرات الليالي التي أحياها "الريِّس" عز الدين في قرى محافظتي سوهاج وقنا. سجلت له ما يربو عن مئة ساعة مرئية وصوتية. فضلاً عـن عروض "فـن الموال" التـي يؤديها شقيقـه عزت نصر الدين. ولعل أكثر هذه العروض التي أشرفت عليها تنظيمًا وتماسكًا تلك التي أقيمت في ليالي المحروسة التي ينظمها – خلال شهر رمضان من كل عام - إقليم جنوب ووسط الصعيد الثقافي التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة.

في نوفمبر عام 2006، أسَّستُ مجموعة شبابية باسم "الجازية للثقافة والفنون والتنمية"، ومثَّلت التجربة مبادرة جماعية لعدد من الشباب من بلدان عربية عدة، تشكل وعيهم
من إحباطات ذاتية وإخفاقات عامة متنوعة، كانت دافعًا لهم لخوض تجارب فردية ملهمة في مجال المبادرات الشبابية داخل مجتمعاتهم. استعملوا مختلف وسائط الاتصال الحديثة لضمان استمرار تجاور تجاربهم وأفكارهم، واعتمدوا آلية "التشبيك" بين التجارب الفردية والجماعية بهدف تبادل الخبرات والمعارف المستقاة من الواقع الشعبي المحلي. والتقى كثير منهم في سلسلة لقاءات شبابية إقليمية متعددة الموضوعات، وناقشوا عددًا من الأفكار التي استهدفت إبداع طرائق جديدة وخطاب جديد في مجالات الثقافة والفنون والتنمية، بحيث تعود للثقافة الشعبية والفنون التقليدية والخيال الاجتماعي أدوارها المفقودة أو المهمشة في عملية رسم السياسات والبرامج التنموية، وهو ما يعني أيضًا انضمام جهودهم إلى الجهود المتعددة التي تعمل على حماية الثقافة الشعبية وفنونها وقيمها الرمزية ومعارفها التقليدية ومأثوراتها المعنوية اللامادية، وقبلها حماية عناصرها البشرية لاسيما المبدعين الشعبيين والفاعلين الاجتماعيين، لضمان استدامة أدوارهم في مجتمعاتهم المحلية.

ويحمل اسم "الجازية" المعاني الرمزية التي جمعت شباب المجموعة من الفنانين والباحثين والميدانيين، حيث أرادوا أن تكون تجربتهم فضاءً للتنوع والخيال والإبداع والفن والأساطير والمعارف الشعبية والتاريخ الشفهي. و"الجازية" إحدى شخصيات سيرة بني هلال، يراها الناس في المنطقة العربية المرأة النموذج للبصيرة والقوة والحكمة والسياسة والتدبير والفن والجمال، مما يجعلها - في وجدان شبابها - قيمة رمزية وجمالية في مجال التنمية البديلة.

كان ضمن أهم أنشطة المجموعة إقامة العروض الفنية الفولكلورية، وتمثل المشروع الذي تقدمت به إلى ورشة الإدارة الثقافية في عرض مسلسل لسيرة بني هلال على مدار أسبوع في مدينة "غدامس" الليبية. حيث يحكي عز الدين على ربابته وقائع الرحلة الهلالية راسمًا جغرافيا ساحرة لشمال أفريقيا، ووقائع وعادات وتقاليد وقصص حب وصراعات... وغير ذلك. ويتحدث عن بعض المدن دون أن يعرف أية تفاصيل تتعلق بحاضرها أو بموقعها على الخارطة، مثل مدينة "غدامس" التي مكث فيها الهلاليون طلبًا للراحة قبل أن يدخلوا تونس، وتركوا فيها دياب بن غانم ليحرس أموالهم وممتلكاتهم.

تعد "غدامس" استهلالاً ملهمًا لتجوال فرقة السيرة الهلالية في مواقع متعددة من بلاد المغرب العربي. من شأن هذا العرض أن يربط - بصورة وثيقة - بين الشاعر الشعبي المصري وأفراد فرقته الموسيقية الذين يتصلون بسيرة بني هلال على الصعيد الفني الموسيقي والغنائي، وبين المتلقين المغاربيين الذين يتصلون بالهلاليين على الصعيد الاجتماعي والتاريخي والجغرافي.

اقترحت أن يتم إقامة العرض بالمشاركة مع المركز الوطني الليبي للمأثورات الشعبية بمدينة سبها الذي يرأسه صديقي العزيز الدكتور علي محمد برهانة.

أرسلت أوراقي، وانتظرت...

سعدت باستحقاقي المشاركة في ورشة "الإدارة الثقافية"، ضمن سبعة عشر مشاركًا من العالم العربي، وكانت سعادتي أكبر بالنزاهة التي اتسمت بها مؤسسة "المورد الثقافي"، وبالمستوى الرفيع للبرنامج التدريبي الذي أداره الدكتور مخلوف بو كروح أستاذ الإعلام والاتصال بالجامعة الجزائرية، ومعه المخرجة المسرحية الفلسطينية الجميلة مارينا برهم.

وبينما أنا مستغرق في فرحتي بالانخراط في هذه الورشة، تزايد قلقي على نجاعة زيارتي للجزائر، دون أن أمارس عملاً ميدانيًّا على الأرض وبين الناس... في أماكن بعيدة عن العاصمة التي ستنعقد فيها الورشة.

كانت مؤسسة سفر (صندوق تجوال الشباب العربي المبادر) ذات فضل كبير في إتاحة الفرصة لي للمضي خطوات في مبادرتي التي أطلقت عليها "طريق الهلالية"، من خلال منحة المشاركة في الدورة الخامسة للجامعة المفتوحة، ثم أعلنت "سفر" عن فرصة للشباب الذين سبق لهم الحصول على منحة سابقة للحصول على منحة أخرى. ومن منطلق هذا الإعلان، تقدمت لطلب منحة تزاور للمؤسسات المعنية والأفراد المعنيين بحماية التراث الثقافي غير المادي، في الفترة التالية لانعقاد ورشة "الإدارة الثقافية". وبعد اتصالات عدة، تمت الموافقة على المنحة. لن أنسى الجهد الكبير الذي بذلته الصديقة مروة سعودي (المنسقة الإقليمية لسفر آنذاك) في مساعدتي - خلال فترة زمنية ضيقة – على إنجاز هذه الرحلة الممتعة، وتحقيق هذا الحلم الكبير.

ربحت الوقت قدر الاستطاعة، حيث صمَّمت برنامجًا - خضع لتعديلات عدة - لزيارة بعض الجامعات الجزائرية، والشخصيات المهمة في مجال جمع ودراسة الأدب الشعبي.

بدأت مهمتي بُعَيد انتهاء أعمال ورشة "الإدارة الثقافية" مباشرة في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول، وانتهت قبيل مغادرتي في الخامس من شهر أكتوبر/ تشرين الثاني 2007 بسبب عطلة الجزائر في أول أكتوبر، قمت بإجراء اتصالات هاتفية مكثفة لترتيب زياراتي، وانتهزت فرصة العطلة لزيارة معرض الجزائر الدولي للكتاب، وهناك رتبت للقاء الباحثة الجزائرية حسناء سعادة، ودار بيننا نقاش جيد حول أطروحتها في الماجستير، وموضوعها "شخصيـة الجن والعفاريت بين القرآن الكريم وألف ليلة وليلة (دراسة سيميائيـة موازنة)"، وحول عملها الراهن في الدكتواره، وموضوعه: "تأثير البيئة البدوية على تطور شخصية البطل الشعبي من خلال السيرة الهلالية وسيرة عنترة"، وكلاهما بإشراف الأستاذ الدكتور عبدالحميد بورايو، أستاذ الأدب الشعبي بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة. كما دار نقاش موسع حول المشروع الذي تشارك فيه حسناء ضمن مجموعة من الباحثين الجزائريين لجمع روايات سيرة بني هلال ودراستها برئاسة الأستاذة الجليلة الدكتورة رزولين ليلي قريش. وقد حاولت لقاء الدكتورة رزولين، لكنها أبلغتني في اتصال هاتفي بسفرها المرتقب لباريس لأسباب صحية.

في صباح يوم 2 أكتوبر/ تشرين الثاني، بدأت رحلتي إلى ولاية بسكرة (500 كم جنوبي شرق الجزائر العاصمة).

مررت بولاية البليدة، ثم حي تدارنت، قبل أن يمضي بي السائق في طريق جبلية بديعة، طريق التفافية صاعدة إلى ارتفاع شاهق، تمتعت عيوني باللون الأخضر، وبعدد قليل من البنايات التقليدية في منطقة "الحوضان" و "صوحان" و "أولاد مسعود". تذكرت المنطقة الجبلية شمالي غرب تونس التي زرتها في زيارتي الأولى لتونس عام 1993، إنها امتداد جغرافي طبيعي لهذه الجبال العظيمة في الجزائر؛ إنها جنة خضراء فوق الأرض وتحت السماء.

انتهت الطريق الجبلية بوصولي إلى "العزيزية" و "ذراع عائشة" بولاية المدية. وتبدو مدينتي "سور الغزلان" و "بو سعادة" كبرى المدن التي مررت بها خلال عشر ساعات استغرقتها الرحلة. وعندما وصلت إلى ولاية المسيلة الجميلة، بدت شهرتها بإنتاج أجود أنواع التمور واضحة، حيث دخلت عددًا من المحال التي تبيع تمور دقلة الشهيرة. لم يطل مكوثي في المسيلة كثيرًا، حيث رتبت لزيارة جامعتها بعد زيارة جامعة بسكرة.

وصلت إلى مدينة بسكرة في العاشرة مساء، وتوجهت إلى دار المعلمين للإقامة حتى الصباح.

في الصباح، اصطحبني الأستاذ الطيب الوردي - الذي ينتمي إلى ولاية باتنة - بسيارته إلى جامعة بسكرة. وأتاحت خبرة السيد الوردي في مجال الإنشاء والمقاولات أن يحكي لي حكايات البنايات الجديدة في بسكرة. خاصة المنشآت الجديدة في جامعة بسكرة (المعروفة بجامعة محمد خيضر) وهي المنشآت التي يشرف عليها الوردي بنفسه.

توجهت إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة محمد خيضر ببسكرة، حيث التقيت بالدكتور صالح مفقودة رئيس قسم اللغة العربية، حيث عرفني إلى القسم الذي أنشئ في عام 1987، وتناقشنا حول أهمية إدراج موضوع "الأدب الشعبي" في أطروحات الماجستير والدكتوراة، حيث لاتزال مادة مقررة في مرحلة الليسانس فحسب، رغم أهمية هذه المنطقة على الصعيد الثقافي الشعبي، خاصة منطقة "سيدي خالد" التي تبعد 80 كم من ولاية بسكرة.

اصطحبني الدكتور صالح إلى مكتب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، حيث التقيت الدكتور عمار شلواي نائب العميد، لم تمض دقائق ليزول الأسلوب الرسمي، ويتحول اللقاء إلى حالة حميمية بين أصدقاء، فخرجنا من بين الحوائط والمكاتب الجامعية إلى الفضاء الاجتماعي الطبيعي داخل مدينة بسكرة، تناولنا طعامًا تقليديًّا تشتهر به منطقة بسكرة يُعرف بـ "الشخشوخة". ثم مضينا إلى مدينة سيدي عقبة (18 كم من بسكرة)، حيث زرنا المسجد القديم لسيدي عقبة بن نافع والتي تقول الحكايات أنه استشهد في هذا المكان. ثم مررنا على مشارف الذاب الغربي، والذاب هو واحة من النخيل، ويبلغ طول الذاب الغربي 110 كم من بسكرة إلى سيدي خالد.

في طريق عودتنا إلى مدينة بسكرة، مررنا على وادي زرزور، نسبة إلى سيدي زرزور، وهو الولي الصالح لهذه المنطقة الذي تدور حوله حكايات شعبية جميلة تكرس لكراماته ودوره في تقسيم الوديان، حيث تشتهر هذه الرقعة الجغرافية بالوديان وكنت قد سجلت خلال رحلتي العلامات الدالة على هذه الوديان (وادي البِلّ، وادي البيض، وادي الملح، وادي برابرة، وادي العرايب). ويقع مقام سيدي زرزور في قلب وادٍ مائي (جاف). وتقول الحكايات إن اسم زرزور يعود إلى حكاية تقول إن الزرازير (العصافير) حطَّت على جثة هذا الولي الصالح بعد موته لكي تحميه من الانتهاك.

عدنا إلى مكتب العميد، حيث التقيت عددًا من الباحثين الشباب في مجال "الأدب الشعبي"، وقد تمت هذه اللقاءات بالتنسيق مع الدكتور عبدالحميد بورايو. بدأت اللقاءات بالباحث عاشور أحمد، حيث دار النقاش حول موضوع بحثه في الماجستير بإشراف الدكتور بورايو والمعنون بـ"التناص في الشعر الجزائري"، معتمدًا نماذج من الشعر الشعبي جمعها من منطقة سيدي خالد. وكان لحضور الدكتور عمار شلواي أثر في ثراء المناقشة حول منهجية التناص، كما أضفى موضوع الباحث عبدالقادر رحيم المعنون بـ"سيميائية العنوان في شعر محمد مصطفى غماري" نقاشًا متعمقًا حول منهجيات دراسة الأدب العربي عمومًا. التقيت كذلك الباحث أحمد قنشوبة الذي أنهى لتوه زيارة بحثية في مصر، ويدور عمله أيضًا على موضوع الشعر الشعبي الجزائري.

غادرت مدينة بسكرة حاملاً امتنانًـا كبيـرًا لصديقيّ العزيزين د. صالـح مفقودة و د. عمار شلواي.

توجهت إلى ولاية المسيلة (350 كم من العاصمة)، حيث كان بانتظاري الدكتور علي بُولَنْوَارْ أستاذ الأدب الشعبي بقسم اللغة العربية بجامعة محمد بوضياف، قادمًا من مدينته الجميلة "بو سعادة"، وكان في معيته د. عمار بن قريشي رئيس قسم اللغة العربية، ونائبه د. موسى عتيق، والأستاذ ختيم عزوز الباحث في اللسانيات.

بعد أن تناولنا العشاء، قضينا الليلة في حوار مفتوح حول عدد من القضايا بدءًا بمناقشة تاريخ دراسات الأدب الشعبي بالجزائر الذي استهله الضباط الفرنسيون إبان الاستعمار، مرورًا بجهود الجزائريين التي بدأت مع التلي بن شيخ رائد دراسات الأدب الشعبي الجزائري، وانتهاءً بالجهود الراهنة التي اتسعت بها مساحة الاهتمام بهذا الفضاء الأدبي الشعبي المهم. كما تعرفت عن قرب على دراسات د. بولنوار، ومنها دراسته للشعر الشعبي في منطقة بو سعادة، ومقاربته للمكون الجمالي للقصيدة الشعبية. ودار حديث غني بالمعلومات حول الآثار الأدبية والاجتماعية للهلالييين في الجزائر، وعن البقايا المعمارية الدالة على الوجود الهلالي في هذه المنطقة، ومنها قصر جازية، وهو بقايا قلعة تتكون من غرف مبنية بالحجارة. وعن جبل ذياب بمنطقة عين الديس، قرب مدينة بو سعادة.

امتدت زيارتي للمسيلة حتى صباح الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2007، وكان عليّ توديع أصدقائي والتوجه إلى مدينة الجزائر، للوفاء بموعدي المهم في اليوم التالي بالجامعة المركزية. حيث بادر صديقي الدكتور عبدالحميد بورايو بالتنسيق لعقد سيمنار علمي لمناقشة كتابي "سيرة بني هلال، روايات من جنوب أسيوط". وكنت قد أهديت نسخة منه للدكتور بورايو أثناء لقائنا بالقاهرة عام 1996، على هامش مشاركته في الملتقى الدولي للمأثورات الشعبية المنعقد بالمجلس الأعلى للثقافة.

عبدالحميد بورايو واحد من أهم باحثي الأدب الشعبي في الجزائر والوطن العربي، له دور بارز في مقاربة أنواع الأدب الشعبي - لا سيما الحكاية الشعبية – وفق مناهج النقد الحديثة. من كتبه:

• البطل الملحمي.
• الأدب الشعبي الجزائري.
• في الثقافة الشعبية (القضايا، التاريخ، التجليات).
• الحكاية الخرافية للمغرب العربي (دراسة تحليلية في معنى المعنى لمجموعة من الحكايات.
• القصص الشعبي في منطقة بسكرة.
• المسار السردي وتنظيم المحتوى.
• الكشف عن المعنى في النص السردي.
• عيون الجازية.

قام د. بورايو (الأستاذ الذي يزيده التواضع بهاء) بنسخ الجزء النظري من دراستي، ووزعها على عدد من الباحثين المتخصصين في الأدب الشعبي، منهم الأستاذ محمد الأمين أستاذ الأدب الشعبي بالجامعة الجزائرية، والذي عُرف بدراسة رائدة حول الشعر الشعبي في منطقة سيدي خالد، وتتضمن إضاءة بحثية لـ "قصيدة حيزية" للشاعر محمد بن قيطون، وهو شاعر شعبي جزائري عاش في القرن التاسع عشر، وتسرد القصيدة قصة سْعَيِّدْ وحَيْزِيَّة، وكان لهذه الملحمة الشعرية أثر كبير في الشعر الشعبي الجزائري ذي الجذور البدوية. ولايزال الباحثين الشباب في الجزائر يستكملون حلقات البحث في هذه القصيدة، ومنهم الباحثة نعيمة العقريب التي حضرت اللقاء. كما حضره باحثون متميزون بدراساتهم في موضوعات متنوعة من الأدب الشعبي: د. عزي بو خلفة الذي أنجز دراسة حول "الروايات الشفهية للسيرة الهلالية، دراسة ميدانية في ولاية المسيلة". والباحث عبدالحميد بو سماحة الذي أجرى دراسة موضوعها "المسير في تغريبة بني هلال، 2006). والباحث حميد بو حبيب الذي أنجز دراسة متميزة بعنوان "الغجري الأخير: دراسة نقدية تحليلية على شعر سي محند أومحند"، ويقوم بتهيئة دراسة أخرى حول الأشكال الشعرية الشفوية والبنيات الاجتماعية، دراسة ميدانية في منطقة القبائل. والباحثة فاطمة الزهراء حمادي التي أنجزت دراسة حول القصص الشعبي المنشور الموجه للطفل. ود. مصطفى قيصر الذي أنجز دراسة حول "الأدب الشعبي اللبناني". والباحثة حسناء سعادة التي أشرنا إلى دراساتها سابقًا. فضلاً عن حضور بعض الطلاب والعاملين بمكتبة قسم اللغة العربية.

استهل اللقاء الدكتور عبيد رئيس قسم اللغة العربية، حيث أعرب عن ترحيبه بي في الجامعة المركزية، وتحدث - ببلاغة - عن أهمية الدراسات التي تهتم بالجانب الشفهي في حضارات الشعوب. ثم تحدث د. بورايو مضيئًا عددًا من القضايا التي أثارها الكتاب، ومنها:

• قضية المصطلحات والمفاهيم في دراسة الأدب الشعبي.
• مشكلة المنهج: أهمية الدراسات البينية في معالجة أنواع الأدب الشعبي.
• المعالجة الإعلامية للفنون الأدبية الشفهية.
• وضعية سيرة بني هلال بين الشفهي والمكتوب وما بعد المكتوب.
• أهمية دراسة الأداء (الحركة والإيماءات).

ثم فتح د. بورايو الباب للنقاش لمدة ساعتين ونصف الساعة. انطوت المداخلات على أفكار ملهمة أفدت منها كثيرًا.

تركت د. بورايو وصحبه، ثم مشيت وحيدًا بوجه مبتسم، وبقلب تملؤه الشجون، وبعينين تغالبان الدمع، فها هي الرحلة توشك أن تنتهي، تمتعت فيها بحفاوة وكرم لن أنسى أصحابهما، وحظيت أعمالي باهتمام وعناية لم أنتظرهما.

لم أكن أحسب أنني على موعد آخر مع الجزائر بعد مرور أسبوعين على زيارتي الأولى لها، حيث أرسل لي الدكتور بورايو دعوة للمشاركة في ملتقى دولي حول الشفاهية والمنطوق والمكتوب، ينعقد في المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ والأنثروبولوجيا والتاريخ. وقد لبيت الدعوة الكريمة، وحضرت وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي جانبًا من مداخلتي حول حس النساء في سيرة بني هلال.

المشهد 7 – الشارقة 2010

رافقني صديقي المخرج المسرحي عبده طه في بعض الزيارات الميدانية لجمع روايات السيرة الهلالية من مؤديها المجهولين بقرى أسيوط. ومنذ مطلع عام 2000، مكثنا سويًا في منزل عائلتي بمدينة أبوتيج لتفريغ المادة المرئية المسجلة وتدوينها. إلى أن داهمته أزمة قلبية في الخامس عشر من يناير عام 2002، لأتجرع كأس فراقه وهو بين ذراعي.

طوال عامين، كنا نقضي أيامنا في تدوين السيرة الهلالية والنقاش حول دراميتها ودلالات أحداثها وكنه شخوصها وقيمها الرمزية، ومرات كان يعبر عن توسمه في أن أكتب يومًا ما نصًّا مسرحيًّا يعيد اكتشاف جماليات السيرة الهلالية وقيمتها الدرامية، وكنت أقول له: لا أظن أستطيع، أو: لا بد أن تمر سنون كثيرة قبل أن أهم على مثل هذا العمل الصعب. وكان لدي شعور أسطوري بأن الهلالية عصيَّة؛ تهجر من يستسهل أمرها، وتصرع من يصارعها ويرى نفسه مالكها، وتمسخ من يعبث بها دون فهم لأسرارها وشفراتها.

بعد سنوات، خضت تجربة عملية جديدة أطلت فيها الهلالية برأسها، وهمست: أنت ستكتبني برفق! حيث عملت مع الدكتور أحمد مجاهد في المركز القومي لثقافة الطفل عامي 2007 و 2008، وخلال هذه الفترة، قمت بالاطلاع على الكثير من الدراسات في مصر والعالم، وعلى الكثير من الإبداعات الموجهة للطفل أو يبدعها الطفل. ودونت الكثير من الملاحظات في هذا المجال؛ من أجل العمل على تنشيط برامج المركز. وكنت أدرك بالطبع صعوبة الكتابة للطفل، فهذه الكتابة تتطلب دُربة ودراية، مثلما تتطلب وعيًا ورقابة ذاتية. وإذا كانت الدُّربة تُكتسب بالمران، فإن الدراية سابقة على الممارسة؛ أي إن للكيفية التي بها يُكتب للطفل مواصفات تقتضيها أدبه. وإذا كان الوعي مما يشترط في الكاتب قبل الإقدام على الكتابة، فإن الرقابة الذاتية ترافق كاتب الطفل على الدوام، وهو يقبل على الكتابة الإبداعية، فمسؤوليته إزاء النشء الذي يتحكم في اختيار النهج الذي يتغيا تكوينه عليه، أكبر مما لو كان متوجهًا بخطابه إلى شريحة من القراء الرُّشَّد، ممن يتمتعون بمستوى من التنبه والتحوط والحذر والرفض والمواجهة الضدية والتفاعل المتكافئ. إن هشاشة الطفل تُحمِّل المبدع المسؤولية مضاعفة؛ فهو، وإن كان حرًّا في اختيار موضوع أدبه، مدفوع إلى أن يكيِّف هذه الحرية طبقًا لحاجات الطفل. وهو، إن لبَّى هذه الحاجات، وتخلى عن قدر من حريته، مجبرٌ على أن يفيَ بالحقوق الجمالية للأدب، ليفي - من ثم - بحق المتلقي/ الطفل عليه إمتاعًا وتساميًا، وإلا صار الأدب الذي يسهم في إنتاجه باهتًا فاترا. ولعل المفلح من كُتَّاب الطفل هو ذاك الذي يحقق المعادلة المتمثلة في اكتناز أدبه بجماليات النص من جانب، واكتناز روحه باحترام المتلقي/ الطفل من جانب موازٍ. ومتى اختل أحد العنصرين، فقد أدب الطفل ألقه الجمالي، وباء قارئَه/ الطفل بخيبة أمل لا جُناح عليه في عدم الوعي بها.

لكن، ما معنى أن يلبي القاص "احتياجات الطفل"؟ لا تكفي المعرفة النظرية بأصول التربية، وبعلم نفس الطفل، وبمراحل وعيه الجمالي، وبإشكالات نوعية لفئات من الأطفال، ناهيك عن معرفة فضاء أدب الطفل نفسه، إلى غير ذلك، إذا لم يترافق مع هذه المعارف خبرات التعاطي "الميداني" المباشر مع الطفل، وفقًا لما أضاءته العلوم الإنسانية التي صار الطفل واحدًا من أبرز موضوعاتها، والتي تكشف عن الأهمية الحاسمة للسنوات الأولى من الحياة، وعن القدرة الكامنة التي يتمتع بها اللاشعور، والرغائب، والتواترات النفسية، والانفعالات، والخيال الخلاق. نجد مثل هذه الخبرات الميدانية الملهمة لدى المبدعين المصريين الذين قدموا إسهامًا جماليًّا فائقًا في مضمار أدب الطفل، مثل عبدالتواب يوسف وفؤاد قنديل ومحمد عفيفي مطر وأحمد زرزور ودرويش الأسيوطي ويعقوب الشاروني وغيرهم، لكن كثيرًا من الراشدين يحملون أوهامًا عن الطفل وعن عالمه، كأنهم يهربون من ذواتهم، وينسون طفولتهم القديمة، أو يتحاشون طفولتهم التي لا تزال تسكن فيهم. لا ينفكون من تصورات يقوم معظمها على "نوايا حسنة"، لكنها في الحقيقة مشوشة، قلقة، خائفة، حيال الطفل، بوصفه كائنًا ناقصًا، فيمارسون مختلف أنواع السلطة التي ينجم عنها ضمور فرصه في الاختيار، وفي الاكتشاف، وفي القفز. في امتطاء الخيال وتأمل الغامض، والبعيد، والخبيء. بعض هؤلاء الراشدين يشتغلون في ميدان الأعمال النقدية التي تتناول نصوص أدب الطفل بالدرس والفحص، ويستنسخون التوجيهات الإرشادية والوصايا النازعة إلى "التبسيط" و"السهولة" و"الوضوح" و"الانتقاء" و"المنطقية" و"الملاءمة" و"تحديد الفئة العمرية" و"الترشيد اللغوي والخيالي"، و"الحذر من التحديث والتجريب" وغير ذلك مما يمثل - في تصورهم - الاحتياجات التي ينبغي على كاتب الأطفال أن يقدمها للطفل في إبداعاته. وهي - للأسف - توجيهات إرشادية مؤثرة في ميدان "الكتابة الأدبية"، حيث تتمثلها مجموعات قصصية، أو روايات، أو مجموعات شعرية، أو مسرحيات، موجهة للطفل، تزخها المطابع زخًا، ويستهلكها الآباء شراءً، ويطالعها ملايين الأطفال في العالم العربي.

فكرت أن أسهم عمليًّا في المركز القومي لثقافة الطفل بعمل مسرحي بعرائس خيال الظل، أتذكر أني كتبته في ليلة واحدة وأنا في الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب، بحضور المخرج الشاب أيمن حمدون. وقد تم عرضه في بعض المحافظات المصرية، كما شارك به أيمن في مهرجانات عربية. وكنت أفكر في مواصلة هذا الإسهام. لكني تركت المركز فجأة للعمل بأكاديمية الفنون، دون أن أترك الطفل وثقافته وأدبه وفنونه. وفكرت في أن أجذب خبرتي في الأدب الشعبي إلى عالم الكتابة للطفل، واعدًا نفسي باكتشاف جماليات جديدة تحترم الطفل والفن معًا. وكان أول أعمالي تلك المسرحية (لعبة الغولة) التي كتبت للعرض بعرائس خيال الظل وعرائس الماريونت بجانب التمثيل البشري، واستلهمت فيها شخصية الجازية الهلالية راوية للحكاية وللأحداث. وتُوِّج العمل بجائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال أدب الطفل عام 2010، وأهديت العمل لصديقي عبده طه، طيب الله ثراه.

مشهد 8 – الرياض 2010

حسن خليل؛ رجل الحرس الوطني الذي دعاني لحضور المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، اقتربت كتفه اليمنى بكتفي اليسرى لحظة مرورنا في باب فندق ماريوت الرياض، وقال: "قرأت لك بحثًا رائعًا على الإنترنيت، وأراك أهم من يحضر هذا المهرجان، شكرًا لهذه للشبكة التي تقرب بين الناس"... ثم غاب بين الجموع.

مشهد 9 – بالرمو 2010

في السادس عشر من نوفمبر 2010، تلقيت اتصالاً هاتفيًّا من الدكتور مالك الواسطي (إيطالي من أصل عراقي، وأستاذ بكلية الآداب - قسم الدراسات الآسيوية - جامعة نابولي)، ليبلغني أن أمانة جائزة صقلية للتراث الثقافي غير المادي والأنثروبولوجيا تستعد لإعلان اسم المتوج بالجائزة، وأنه يتعين عليَّ أن أرسل رسالة إلكترونية إلى مركز الدراسات الأنثروبولوجية أوضح فيها استعدادي للحضور إلى بالرمو في الثاني والعشرين من نوفمبر في حالة الإعلان عن فوزي! وقال أنه يتعين علي أيضًا أن أتوجه إلى القنصلية الإيطالية، للحضور إلى بالرمو في الثاني والعشرين من الشهر نفسه!

كان ذلك قبل يومين من نتيجة لجنة التحكيم، وفكرت للتو في أن أتحرك سريعًا تحسبا للإعلان عن فوزي بالجائزة فعلاً، وبالفعل سافرت إلى القاهرة، حيث كنت أتحرك بين أسيوط وسوهاج.

أبلغت عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ببيان لجنة التحكيم مساء يوم الثامن والعشرين من نوفمبر، ونصه:

"جائزة مسابقة صقلية للتراث الثقافي غير المادي والأنثروبولوجيا، باسم الباحث الإيطالي الصقلي سالوموني مارينو رائد الدراسات الأنثروبولوجية في صقلية، والتي أقيمت برعاية جامعة بالرمو، وبإشراف مباشر من المركز الأنثروبولوجي الوطني الإيطالي.

منح الباحث المصري محمد حسن عبد الحافظ الجائزة الأولى عن عمله الذي يحمل عنوان "سيرة بني هلال: روايات من جنوب أسيوط". يعبر الكتاب عن تصورات شعبية تمثل التاريخ الشعبي لقطاع عريض من الريف المصري. وبنو هلال هي قبيلة عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية واليمن إلى مناطق في آسيا وأفريقيا، كالعراق والشام ومصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وتشاد والنيجر ونيجيريا، واستطاعت أن تكون المصدر الأساسي للمخيل الشعبي الذي استمر يعيد صياغته الناس من خلال الموروث الشعبي. وقد استطاع الباحث عبر هذا الكتاب أن يقدم لنا تصورًا عامًا عن الموروث الشعبي العربي.

والكتاب هو حصيلة تجربة ملهمة في مجال الأنثروبولوجيا والأدب الشفهي، أنجزه صاحبه في خمسة عشر عامًا. وكان الهدف منه التنقيب عما بقي من نصوص "سيرة بني هلال" في بعض القرى بجنوب مصر، وهي الملحمة الشفهية المصرية التي لايزال يؤديها بعض الرواة في جنوب مصر وشمالها. وسعى صاحب العمل إلى الوصول إلى مغنين مجهولين لهذه الرائعة الشفهية في القرى بجنوب مصر، وإلى البحث عن صوت النساء فيها حيث يُعتقد أنها نص ذكوري لا يبدعه أو يؤديه إلا الرجال. كما أجاد صاحب الكتاب دراسة موضوعات من تخصصات وحقول معرفية متعددة ذات صلة وثيقة بمعاينة الموضوع الرئيس: إبداعية الأداء؛ اللهجات المحلية؛ الجنس الأدبي؛ الوعي الفني للمغنين؛ المعارف الشعبية؛ القيم الرمزية للجماعات الاجتماعية. كما انطوى العمل على توثيق دقيق لمختلف الحقول والمعارف ذات الصلة بموضوع البحث.

إنها تجربة ملهمة حقًا للباحثين الأنثروبولوجيين في التراث الثقافي غير المادي من حيث تعلم اكتشاف ثراء الرموز الثقافية الخبيئة والمجهولة في أعماق الجماعات الاجتماعية الهامشية التي تتحاشى الأجهزة والنظم الثقافية والاجتماعية الوصول إليها.

ويعد هذا الكتاب من المؤلفات التي تعتمد لدينا في البحوث التي ستحظى بالرعاية في مراكز البحوث الإيطالية والأوروبية حول هذه الظاهرة الثقافية في التاريخ العربي والأدب العربي... وشكرًا".

في صباح التاسع والعشرين من نوفمبر، توجهت إلى القنصلية الإيطالية لأجدها مغلقة بمناسبة العيد، وطلبوا مني الحضور في اليوم التالي، وقابلتني العديد من المصاعب للحصول على الفيزا التي من المستحيل - على حد قول موظفي القنصلية الإيطالية - الحصول عليها قبل مرور خمسة عشر يومًا على التقدم بطلب الحصول عليها، وأرسلت رسالة للمركز الأنثروبولوجي، ذكرت فيها صعوبة حضوري بسبب إجازة العيد في مصر، ولعدم قدرتي على الوفاء بالأوراق المطلوبة، فقام الجانب الإيطالي بالاتصال بسعادة السفير كلوديو باسيفيكو والسيدة كاترين رئيسة القنصلية، ثم اتصلوا بي من إيطاليا، وأخبروني أن السفير والقنصل على علم بأمري. وأنني سأحصل على التأشيرة يوم الأحد، لأسافر صباح الاثنين، وهذا ما حدث فعلاً، بإشراف مباشر من مدام دافولي نائبة مديرة التأشيرات، وبمعاونة فريق القنصلية.

في المطار، تسلمت تذكرتين الأولى من القاهرة إلى ميلانو والثانية من ميلانو إلى بالرمو، وقالوا لي أن حقيبتي سأتسلمها في بالرمو. بدأت الرحلة، وشعرت بمتعة عبوري باتجاه شمال المتوسط للمرة الأولى في حياتي، وكنت قد عرفت السفر إلى عدد من البلدان العربية فحسب، تهيأت الطائرة للهبوط ودهشت للمطار الذي حطت فيه الطائرة، وقلت لنفسي كيف يكون هذا مطار ميلانو؟! ومرت دقائق ودقائق حتى أدركنا أننا هبطنا هبوطنا اضطراريا في مطار صغير بجنوب إيطاليا بسبب نقص الوقود، إحدى الراكبات أصابها الهلع فأصيبت بهبوط حاد، وجاءت الإسعاف وأسعفتها وعادت للطائرة بينما لا نزال ننتظر الانتهاء من تموين الطائرة بالوقود، وكنت أرقب من شباك الطائرة هذه العملية. بعد ثلاث ساعات، عادت الطائرة إلى الجو، ثم وصلت مطار ميلانو وكنت الراكب الوحيد على الطائرة المتوجهة إلى بالرمو، حسب العلامات المدونة في التذكرة، توجهت إلى مكان إقلاع الطائرة من ميلانو إلى بالرمو، لكني لم أجد أحدًا، واكتشفت أن الطائرة غادرت في موعدها، حيث تأخرت طائرة القاهرة ميلانو، ولم يكن أمامي إلا أن أسافر في اليوم، أو التوجه إلى روما ومنها استقل طائرة أخرى إلى باليرمو، وبالفعل تم ذلك لأن تسليم الجائزة يتم في اليوم التالي، ونفذت الرحلة على هذا النحو. لكن عندما وصلت إلى بالرمو لم أجد حقيبتي، وكان بانتظاري وفد جامعة بالرمو الذي ظل ينتظرني طيلة ست ساعات. استقبلني د. مالك مداعبًا: مرحبًا ماجلان المصري، أنت في بالرمو حيث خطا العرب في سالف الأزمان.

حضرت مراسم الجائزة، تسلمتها في موقف مهيب، كنت فخورًا بالطريق التي سلكتها، وبالبسطاء الذين طرقت أبوابهم، ففتحوا قلوبهم عن طيب خاطر، بينما يقرأ البروفيسير أوريليو ريجولي بيان التتويج بالجائزة، بحضور رئيس جامعة بالرمو، ورئيس مقاطعة مدينة بالرمو، وعدد غفير من الأكاديميين والفنانين الإيطاليين والأوروبيين.

في غرفة بفندق فاجنر، انفردت بنفسي. بكيت كما لم أبك قط، مجتهدًا في جلب سلام الذات، ودفع الشعور بالغبن عن النفس. قرأت الفاتحة على أرواح رواة السيرة الهلالية، وعلى روح صديقي عبده طه. وقبل أن أخلد في نوم عميق، كان طيف كورين يبتسم لي، بينما أشعر بموسيقا صوتها تسري في أوصال روحي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدرس الأدب الشعبي المساعد، المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون، القاهرة.
 ** الطريق إلى الفضيلة، نص صيني مقدس، ترجمة: علاء الديب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.



#محمد_حسن_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع محمد حسن عبد الحافظ
- الحرية للصغيرة الطيبة طل الملوحي
- مسألة الثقافة الشعبية بين أنطونيو جرامشي وبيير بورديو
- طريق الهلالية : رحلة الجزائر
- هل الهلالية سيرة نسوية؟
- جماليات الكتابة القصصية: قصة الطفل نموذجًا
- مناسك 1
- تراث في طريق الزوال
- بعض مشكلات العمل الميداني في جمع المأثورات الشفهية
- يوميات نيسان
- يوميات نيسان 1
- أتوق لطفلٍ لم يولد بعد - 1
- الجامعة المفتوحة على طريق الجنوب : نقش على جذوع شجر الزيتون
- سيرة بني هلال ودرس الاختلاف
- الفولكلور والتنمية(مهاد نظري)
- أفق المرأة المصرية
- محتوى الشكل في الرواية المصرية، علاء الديب نموذجًا
- الشعر مدينة خربانة؛ السيرة الشعبية وقضايا النوع الأدبي
- طــريـق الــهـلالـيـة
- الثقافة الشعبية والمجتمع المدني؛ نحو مدخل فولكلوري للتنمية


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسن عبد الحافظ - شفرة كورين