أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ساحل العاج دولة برئيسين















المزيد.....

ساحل العاج دولة برئيسين


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد الجدل السياسي واحتمالات المواجهة العسكرية وتدخّل الأمم المتحدة، احتدم النقاش القانوني حول من الذي يحكم ساحل العاج، الذي انتهى بها الأمر بعد الانتخابات الرئاسية إلى وجود رئيسين، أحدهما فاز في الانتخابات هو الحسن وتارا، والآخر الذي انهزم في الانتخابات هو لوران غباغبو، لكن بعض قيادات الجيش اصطفّت خلفه، ولا يزال متشبثاً بالسلطة وبصلاحيات الرئيس، وعلى الرغم من مناشدات الأمم المتحدة وتحذيراتها، بما فيها موقف الولايات المتحدة المؤيد للرئيس الجديد الفائز، إلا أنه لم يصغ إلى أي منها، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة ومواجهات عنيفة قد تحدث، مستعيدة دورة العنف في ساحل العاج، ومذكّرة العالم كله بالمآسي التي حصلت في عامي 2007 و2008 .

إن عدم تخلّي الرئيس السابق غباغبو عن السلطة لمنافسه الفائز وتارا يهدد بإشعال حرب أهلية في ساحل العاج التي يتواجد فيها نحو 100 ألف لبناني، يمسكون بمفاصل الاقتصاد، الأمر الذي يعني أن حياتهم ومصالحهم ومستقبلهم قد يتهددها الخطر، لاسيما أن هناك من يريد أن يحتسبهم على الفريق المخلوع، بحكم مواصلة اتباعهم القوانين والتعليمات السائدة بحكم الأمر الواقع وليس انحيازاً أو عزوفاً، فاللبنانيون بشكل خاص والجالية العربية بشكل عام ليس من مصلحتها التدخل بالشؤون الداخلية والسياسية، وهي حسب المؤشرات المتوافرة تقف على الحياد كما أكّد مدير عام المغتربين في وزارة الخارجية اللبنانية هيثم جمعة، مشيراً إلى أن التشويش يضرّ بالمصلحة اللبنانية، ومثلما يمثل المغتربون جزءًا أساسياً من الاقتصاد العاجي، فإنهم رافد أساس للاقتصاد اللبناني أيضاً، وهم يقفون على مسافة واحدة من الفرقاء، ولعل ما سيصيبهم هو ما سيصيب الشعب العاجي .

وإذا كانت الهند درّة التاج البريطاني في آسيا، فإن ساحل العاج في إفريقيا تعتبر درة “التاج” الفرنسي، وما زالت لغتها فرنسية وثقافتها وتعليمها وهوى أغلبية سياسييها فرنسي أيضاً . ولعل غباغبو كان أكثر وضوحاً عندما حاول أن يعزز موقفه بقوله إن الوضع الراهن يستهدف الدور الفرنسي، وهو ما يعطي إشارة إلى الصراع الفرنسي الأمريكي المعلن والمستتر في القارة السوداء .

لكن دخول واشنطن بقوة إلى حلبة الصراع الداخلي هو مؤشر جديد على حيوية مصالحها في هذه المنطقة المهمة، ولهذا فإن فرنسا تدرك جيداً أهمية تلك المصالح ونفوذ واشنطن التي عليها مراعاته وعدم الاصطدام به، لكنها تسعى في الوقت ذاته إلى تأمين مصالحها بالتعاون مع الولايات المتحدة وليس بالضد منها، وهو ما يتّضح من مواقف متقاربة أمريكية وفرنسية في الأحداث الأخيرة .

لقد عانت ساحل العاج من تطورات دراماتيكية خلال السنوات العشر الماضية، ففي مطلع الألفية الثالثة حدث انقلاب عسكري وأعقبته حرب أهلية . وعلى الرغم من استعادة البلاد جزءًا من عافيتها إلاّ أن الأمن لم يستتب بالكامل، الأمر الذي ألحق ضرراً بإنتاجها الأساسي للكاكاو حيث تعتبر المنتج الرئيس له على المستوى العالمي . وكان بعضهم يتطلع إلى استعادة العاجيين لوحدتهم ووضع حد لأعمال العنف والانقسام ما بعد الانتخابات، لكن الأمور سارت عكس ما تشتهي سفن المتفائلين .

الوضع القانوني الجديد الذي سبّبه تشبث غباغبو بالسلطة وعدم تسليمه بالخسارة ألقى المسؤولية عليه، لكنه لا يزال فعلياً يمارس سلطاته على الأرض، ولديه أغلبية قيادات الجيش ومرافق الدولة، الأمر الذي ينشأ عنه مفارقة خطرة تتجلى بعدم شرعية النظام السياسي من جهة، ومن جهة أخرى هيمنته الفعلية على مرافق الدولة ومؤسساتها الحيوية .

ولعل هذا الأمر استنكره العالم كله تقريباً والأمم المتحدة التي تميل إلى اعتبار الحسن وتارا هو الرئيس الشرعي للبلاد، ومثل هذا الوضع الملتبس والمعقد سينجم عنه: إما سحب الاعتراف بالرئيس المخلوع ووقف التعامل معه، وقد تبدأ الأمم المتحدة بفرض حصار دولي ضده بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو الاضطرار إلى التدخل عسكرياً إذا استوجب الأمر، لخلعه من السلطة وتسليمها إلى الرئيس المنتخب، وهو ما يسمى “بالتدخل الإنساني”، الذي اتّسع نطاقه بعد انتهاء الحرب الباردة .

وإنْ كان التدخل العسكري واستخدام القوة، يثير جدلاً قانونياً وفقهياً، خصوصاً لجهة الشعب المتضرر، سواءً من الحصار أو من العمل العسكري، كما أن استمرار مصادرة حقوقه وإرادته هي الأخرى تلحق ضرراً به وبمستقبله، الأمر الذي يحتاج إلى قدر كبير من الحزم، مثلما يحتاج إلى قدر من المرونة مع مراعاة الجوانب الإنسانية، كي لا يكون الشعب هو المتضرر وتزداد معاناته وتتضاعف مأساته، سواءً من لا شرعية النظام أو ما ستتركه العقوبات الدولية من تأثيرات لاحقة في ساحل العاج على المستوى الداخلي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أو على المستوى الدولي .

لقد حكم غباغبو نحو عشر سنوات، لكنه خسر هذه الانتخابات (مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول) 2010 في الإعادة بفارق 8% وفقاً للجنة العليا للانتخابات، لكنه رفض الإقرار بالهزيمة، وعمد عبر المحكمة الدستورية التي يترأسها قاضٍ من أنصاره إلى تجريد الحسن وتارا من الأصوات اللازمة كي تتحول النتيجة لصالحه . واستمر في التجاوز على الشرعية، بإعلان فوزه وأدّاء اليمين الدستورية باعتباره رئيساً للبلاد حائزاً على تأييد بعض قيادات الجيش العليا الموالية له، وتلك إحدى اشكاليات الانتخابات في البلدان النامية، وخصوصاً مع عدم وجود تقاليد ديمقراطية وثقافة حقوقية، فضلاً عن التشبث الأعمى بالسلطة .

أما الرئيس الحسن وتارا وهو أحد أبرز زعماء الشمال فقد حظي بتأييد المجتمع الدولي، باعتباره الفائز في الانتخابات والرئيس الشرعي للبلاد، لكنه ظل دون سلطة فعلية، الأمر الذي أحدث مفارقة كبرى وفراغاً سياسياً ودستورياً، بين الواقع وبين الشرعية، وبين الهيمنة الفعلية للرئيس السابق وبين إرادة المجتمع الدولي .

ونجم عن هذا الوضع “أقلية مسيحية” تسيطر على الجنوب و”أغلبية مسلمة” تشكّل أكثرية في الشمال، وهو التقسيم الذي قد يتحوّل إلى أمر واقع في ما لو تمسك غبابو إلى نهاية الشوط بالسلطة وتجاهل نتائج الانتخابات، وعندها إذا استقر الأمر على هذا الشكل سيصبح الأمر الواقع واقعاً وسيتم الانقسام فعلياً، الاّ إذا تدخل المجتمع الدولي ووضع حداً للتلاعب بالانتخابات العاجية ونتائجها .

ولعل هذا الوضع دفع أحد الزعماء المؤيدين للحسن وتارا إلى التهديد بالزحف على العاصمة لخلع الرئيس السابق، الأمر الذي يعني أن خيار القوة والعنف والحرب الأهلية، سيكون أحد الحلول المرجّحة إنْ لم يتم تدارك الأمر بالوسائل السياسية وبالضغوط الدولية . ومما يزيد الطين بلّة أن الهوة تتسع بين الرئيسين المخلوع والفائز، وذلك أن الأول يعتبر أن 60% من الشعب العاجي قدِمَ من دول الجوار في نزعة استعلائية وعنصرية، في حين أن الرئيس الفائز يحاول التشبث بخيار عدم التهميش أو الاقصاء لجميع السكان .

الجديد في الأزمة العاجية الراهنة هو أن الحليفين اللدودين فرنسا والولايات المتحدة مالا إلى تأييد الحسن وتارا أكثر من غباغبو الذي هو أقرب إليهما من وتارا . وإذا ما عرفنا أن مهنة أغلب المسلمين الأساسية هي زراعة الكاكاو وهو المنتوج الرئيس الذي جعل من ساحل العاج من أغنى الدول المستقلة حديثاً في غرب إفريقيا، وأن الغرب بشكل عام ولاسيما واشنطن وباريس ما زال يعاني من الأزمة المالية والاقتصادية العميقة منذ أواخر العام 2008 وحتى الآن، فنستطيع أن ندرك سبب اتفاق واشنطن وباريس، بل وانحيازهما لصالح الحسن وتارا، كما أن اندلاع الحرب الأهلية في حال عدم التوصل إلى حل مناسب سيؤدي إلى تهديد مصالحهما وشركاتهما المستفيدة من زراعة الكاكاو، ولهذا وعدت واشنطن بعد تحذيرات شديدة، أنها يمكن أن تستقبل غباغبو ما إذا قرر اللجوء إليها حلاّ للمشكلة .

وتدرك واشنطن وباريس أن هناك تمييزاً شديداً واقعاً على المسلمين، سبّب لهم ردود فعل حادة، لاسيما من جانب الأقلية الجنوبية ونخبها المترفّهة، الأمر الذي لا يمكن تجاهله أو التلاعب بشعور الشماليين إلى ما لا نهاية . وقد تعتقد واشنطن أن اندلاع هذه الأزمة سيكون فرصة جديدة لها لتوطيد نفوذها في القارة السوداء، وهو الأمر الذي تدركه فرنسا أيضاً، ولذلك تبدي حرصاً على تحقيق الاستقرار وتسليم إدارة البلاد إلى رئيس منتخب يمثل الأغلبية .

وبممارسة واشنطن ضغوطها لدفع غباغبو للتنازل عن السلطة، تسعى إلى إعادة ترتيب أمور ساحل العاج لتحقيق نوع من التوافق عبر تشكيل حكومة موحدة وصياغة دستور جديد والحصول على تأييد دول الجوار، وهو الخيار الأرجح لاسيما بعد تنصيب الرئيس المنتخب، وضمان مصالحها المستقبلية ونفوذها الفعلي .

ولعل مثل هذا الأمر ينسجم مع الدور الجديد للأمم المتحدة التي أخذت تميل إلى فرض خيار شرعية الانتخابات بمراقبتها أو بالاشراف عليها أحياناً، لكن مثل هذا الخيار يجب أن يتسم ببعد إنساني، بحيث لا يلحق المزيد من المعاناة بالسكان المدنيين والأبرياء، لاسيما إذا أعاد الشرعية وأطفأ نار الحرب الأهلية، واتسم بقدر من النزاهة وعدم الانتقائية .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب باردة في خليج ساخن
- الاستفتاء السوداني: بين الديناميكية والسكونية !
- بعد 50 عاماً مصير -حق- تقرير المصير
- العمل العربي المشترك: أي دور للمجتمع المدني؟
- استفتاء أم استثناء؟
- الحداثة وما بعدها !
- رمزية القرار 1514 و«متحفية» الكولونيالية!
- ما وراء تسريبات -ويكيليكس-؟
- المواطنة.. من دولة الحماية إلى دولة الرعاية
- بُعيد تسريبات «ويكيليكس» وعشية الذكرى الثانية للعدوان على غز ...
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- المواطنة في الإسلام .. إرهاصات الدولة الحديثة وكوابح الواقع
- من مالك بن نبي إلى المهاتما غاندي
- سُليمى مولوي الخطيب: إمرأة حالمة ومسكونة بالقلق الانساني الب ...
- العدوان الإسرائيلي على غزة في ضوء قواعد القانون الدولي الإنس ...
- لحظة الهند .. البحث عن الشراكة والتعاون.. لا تريد أن تكون قو ...
- الطائفية وتشكيلات ما قبل الدولة
- الاستفتاء السوداني والفيدرالية الكردية
- تحديات التنمية.. التربية والمواطنة
- حرب العملات!


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ساحل العاج دولة برئيسين