أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - الفن والدين ومسخ التراث في العراق















المزيد.....


الفن والدين ومسخ التراث في العراق


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


لقد بدات ثورة الفن العالمي الحديث قبل تأسيس الدولة العراقية باكثر من قرن من الزمان , وعندما اصدر العراقيون اول جريدة عامة لهم 1870 , كانت قد مضت 400 سنة على اختراع الطباعة في اوربا 1455, وكان الانطباعيون يستعدون لاعلان رؤاهم الفنية , وعندما كان بيكاسو يضع لمساته الاخيرة على لوحته الشهيرة – الجورنيكا 1937– كان مؤسسي الفن العراقي الحديث قد بدأوا للتو بتعلم الرسم والنحت , ورغم ذلك فعلى مدى عقود قليلة من العمل المتفاني لنخبة ممتازة من الفنانين العراقيين ومنذ تأسيس اول معهد للفنون 1939 , فقد تم انجاز كم ونوع من الاعمال الفنية ذات مستوى بلغ في بعض الاعمال (رغم قلتها) مستوى لا يقل درجة عن الانجازات العالمية الشهيرة , وصار للفن جمهور واسع ومثقف .
لكن خطوات الفن بالعراق قد توقفت , منذ ان اغتصبت الاحزاب الدينية السلطة بالقوة والمكر والتزوير , فايدلوجيا القوى السياسية الدينية المتسلطة على العراقيين حاليا , ليست ضد مدرسة فنية معينة او مفهوم اواتجاه فني او تأويل جمالي محدد , ولا هي ضد اشكال تعبيرية او وسائل تعبيرية معينة , لكنها عقائديا ضد الفن برمته من الاساس وضد الثقافة من اي نوع وجنس كان , ولن يسمحوا بتأسيس او ممارسة اي فكر وفن انساني جديد طالما بقوا بالسلطة ابدا , حيث ترفض تعاليم فقهاء الاسلام السياسي الفنون الجميلة والثقافة عامة وتحاربها بقوة .
ورغم ان تاريخ الفترة الاسلامية القديمة خالي من هذه الممارسات , على العكس من بقية الاديان كالنصرانية البيزنطينية او البروتستانتية مثلا , الذين دمروا الاف الايقونات والمنحوتات والمباني الدينية لمخالفتها قواعدهم الدينية , لم يفعل ذلك المسلمون حتى في اوج قوة دولتهم (الا بشكل محدود وخلال الحروب بشكل خاص) وانما كانوا على الاغلب لايحبذونها او لايشجعونها فقط وفي اسوء الاحوال يستعملون مقص الرقيب , ولم يشنوا عليها حملات ابادة كما يفعل الاسلاميون هذا الزمان , لان الرواد الاوائل للحضارة الاسلامية كانوا على درجة كافية من الشهامة والمروءة ساعدتهم على الترفع عن سحق الموتى والتمثيل باثارهم ومخلفاتهم , وثانيا كانوا كرجال دولة من الذكاء في توظيف الطاقات والمهن والفنون الجميلة ووسائل الدعاية لاديان الدول المحتلة لصالحهم , فاستخدموا نفس الحرفيين والمهندسين الذين بنوا المعابد والكنائس والقصور لتشييد جوامعهم وقلاعهم وقصورهم .
ومن اعقد المشاكل التي تواجه المختصين والدارسين للفن الاسلامي هو ضياع مدينة بغداد ومناطق وسط العراق ودمارها على يد المغول , ومعها ضاعت وتلفت واحرقت الاف الشواهد والادلة الهامة والضرورية لاكتمال الدراسات المتعلقة بالحضارة الاسلامية (لهذا فهي مازالت ناقصة ) , فحتى الاساسات وبقايا الاسوار الهامة للمدينة قد اختفت منذ قرون عديدة , ولايعرف غير الاشكال العامة لتصميم المدينة الاصلي ولطرز المعمار , اعتمادا على شواهد قليلة جدا باقية واخرى وجدت في دول اخرى كانت تابعة للدولة العباسية , ولذلك هناك الكثير من الاراء المبنية على اساس المقارنة والتخمين في دراسة الحلقة المفقودة هذه من الفن الاسلامي اكثر مما على الشواهد الواقعية والادلة المقنعة .
وقد بدا الهجوم المغولي على بغداد في 13-شباط 1258 – بعد حصار وقصف بالمناجيق واشعال الحرائق بواسطة عبوات من القير والنفط الخام كان يجلب من جبال حمرين (خانقين حاليا) استمر عدة اسابيع , وبدأت في ذلك اليوم المشؤوم اعمال السلب والنهب والتدمير , وقتل الخليفة العباسي - السابع والثلاثون - المستعصم واهله وحاشيته ومعه هلك زهاء مليون انسان من العراقيين وشرد مليون اخر واستمرت المذابح لعدة شهور (بعض المؤرخين الغربين الجدد يشككون في هذه الفضاعات والارقام ويعتبرونها امر بالغ فيه المؤرخون خاصة الفرس منهم) , وازيلت المدينة المبنية اصلا من المواد الطينية الهشة والطابوق المفخور وجذوع الاشجار من الوجود , ونقلت كنوز الذهب والمعادن الغالية الى ديار الغزاة ووزعت بين سلاطينهم في بقية البلدان , واحرقت الكتب والمكتبات وضاع تراث خمسة قرون للمسلمين العباسيين في اكبر كارثة عرفتها شعوبنا , ودخلنا الى القرون المظلمة ومازلنا فيها تحت رحمة المغول والتتار وسلالاتهم البربرية المتناسخة الى الان , وانقرضت تلك الاجيال وذاك النوع الانساني الذي شيد تلك الامم القديمة .
واذا اردت ان تعرف معاني ورموز اي عمل فني شهير او مغمور انتج قبل القرن التاسع عشر فعليك ان تعرف الدين والمعتقد السائد في مجتمع او قومية او محيط ذلك العمل الفني اولا (لانتحدث هنا بالمطلق طبعا ,هناك دائما استثناءات بالتاريخ , لكن هذه هي الصورة بشكلها العام في تاريخ الفن) , وماهي رموزه وتقاليده , فمثلا اذا اردت ان تعرف معنى وجود الاسد او الحيوانات المفترسة في الفن العراقي القديم , او الصقور والعقارب والافاعي في الفن المصري القديم , فعليك الالمام بالحد الادنى على الاقل بمعتقداتهم اولا , لانها جميعا تجسيدات بصرية لافكار دينية لم يقررها الفنان بل المؤسسة الدينية التي كان يعمل لصالحها , ونفس الشئ اذا ذهبت الى كنيسة او معبد بوذي او جامع , فهذه الاعمال النحتية والرسوم المنتشرة بالعالم عند كل الشعوب والاجناس البشرية , لم تنتج بناءا على رغبة شخصية ذاتية لفرد نسميه اليوم بالفنان , ينتج اعمالا فنية بمحض ارادته وبدون تسلط من احد ولغايات هو وحده مفسرها وصاحب حقوق انتاجها , بل انتجت لغايات دينية ليست لها علاقة بمفاهيمنا الحالية عن الفنون وتذوقنا لها , وبتوجيه صارم ضمن تقاليد (فنية – رمزية دينية) متوارثة قررتها الطبقات المهيمنة بالمجتمعات الزراعية , لان الفن وحتى القرن التاسع عشر لم يكن الا مهنة عادية مثلها مثل النجارة والحدادة والبناء وغيرها , تستأجر من قبل اصحاب القرار لاداء عمل لصالحهم , ولم يكتسب الفن ولا الفنان معنى وجوده الثقافي المستقل الا مع ظهور العصر الصناعي وتقسيم العمل الجديد الذي رافقه , ومع انشاء الرومانتيكية في الفن في اوربا بدا يتطورهذا المفهوم الجديد للفن والفنان نظريا / فلسفيا , ومع مرور الزمن زاد تنوعا بالمضمون الى ما نعرفه اليوم بالعالم اجمع من استقلالية للفن وتفرد للفنان يعبر عن نفسه ورأيه المستقل كذات فاعلة بالمجتمع وليس كتابع او اجير لدى اصحاب المال والسلطة , (رغم انه ظلّ دائما والى الان هدفا للابتزاز والاضطهاد والبيع والشراء) , ومنذ ذلك الحين بدأ الفن والفنان بالانفصال عن الدين ومؤسساته وطقوسه , والارتباط باصحاب العمل الجدد وبالحياة بمفهومها ومعناها الجديد والاوسع , وبدا الدين يفقد سلطانه , وتنشأ الايدلوجيات ومفكريها .
اما بدايات هذا التحول العالمي الحديث , فهي تعود الى عصر النهظة الايطالي (1400 – 1550) وظهور مجتمع المنيفكتورة عندما كان التمييز بين المهن الفكرية واليدوية واضحا في النظام الهرمي لدولة الكنيسة , وقد ناضل دافنشي ورافائيل ومايكل انجلو وغيرهم بلا كلل خلال سنوات حياتهم , ثم تواصل هذا الجهد في القرنين التالية لعصر النهضة في سبيل تبديل هذه النظرة , ولم تكتمل مساعيهم الا اواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر وانطلاق عصر التنوير والماكنات البخارية والالات والاقتصاد الحر والعمل المأجور في بريطانيا وفرنسا ثم بقية اوربا والعالم .
والفن الحديث في المئتين سنة الاخيرة لايشبه الفن في العصور الزراعية (الدينية) المنقرضة , فهو الان حركة وتغير مستمر محليا او عالميا وليس تقاليد صارمة وجامدة ازلية , وتنعكس فيه كل الصراعات الانسانية وتعبر عن نفسها ومن خلاله اكثر الافكار انسانية وتقدمية ونبل , وكذلك اشد الافكار رجعية , في دورة التحول الثقافي العالمي المرير .
والفن في زمن الدولة الاسلامية لايختلف عن اي فن اخر ظهر في المجتمعات الزراعية , فهو تجسيد بصري لفكرة دينية واضحة الطقوس والمبادئ , وضعت لنفسها ومنذ البداية شروط وعقائد وتعاليم تميزها عن بقية الاديان , فاهملت جوانب معينة بالفن وركزّت على اخرى , لاستغلالها في دعايتها وايضاح تصوراتها وافكارها بصريا عن العالم , فكان ان اتخذ الاسلام من الخط العربي والزخرفة والمعمار وسائله الاساسية للتعبير عن عقيدته التي ولدت في الصحراء , ورفض النحت المجسم والرسم والتصوير التشخيصي للافكار باشكال ورموز انسانية او على هيئة رموز خاصة بالعبادة في الفن الرسمي للدولة الممثل في الاماكن الدينية والحكومية خاصة , لان التعاليم الاسلامية ليست قائمة على اساس تأليه حياة النبي ومعجزاته , كما في الديانة البوذية او النصرانية مثلا , التي تركز على حياة المسيح وبقية الرسل , لذلك فقد استبعدت الرموز التصويرية تماما تجنبا لعبادة الاوثان المحرمة بين اتباعه , ولهذا فلم تكن هناك حاجة الى صور ايضاحية . رغم عدم وجود نص قراني صريح وواضح بتحريمها مثل القول : وحرمنا عليكم كذا وكذا , وربما لهذا السبب فقد تسامح الفقهاء والحكام مع التصوير والتمثيل البصري للانسان في الفن الشعبي وفن الكتب والفن الجداري في الاماكن الدنيوية مثل الاسواق والحمامات وقصور الامراء وماشابه وتركت لاهلها بشكل عام , طالما انها لم تكن ذات معاني ورموز ومضامين واهداف دينية , ومثل هذه الرسوم في الجداريات والكتب وفي انواع وسائل وادوات الحياة اليومية مثل الاواني والزجاج والحلي والسجاد مازلت باقية الى الان وفي العديد من الدول ومنها العراق في اثاره الاسلامية , واثار سامراء الجدارية مثال معروف جدا , والعشرات من الكتب المزخرفة بالنمنمات والصور وبقية الاثار النفيسة الموجودة في متاحف العالم .
واستعيض عن التشبيه بالصور , بالخط والزخرفة كعناصر و(رموز) دينية و بدون صور مقدسة , والزخرفة فن قائم على اساس الحساب والجبر و(الرياضيات ) , وهذه علوم ذات قواعد عالمية وليست محلية , وصلتهم عن طريق الساسانيين وقبلهم البابليين والامم المتحضرة الاخرى التي استعمروها , وترجمة كتب اليونان والهند والصين , حيث اصبحت هذه العلوم المجردة تستخدم كوسائل للتعبير عن ماهو محسوس ومجرد ولكن غير ملموس ولايرى , (او كما يبدو لنا هذا الزمان وكأنه تطبيق للمبدا القائل : بان الله جميل ويحب الجمال , وان الله لايرى بالعين بل بالعقل ) , وقد اثارت بسحرها وغموضها ولع الدولة الاسلامية ومفكريها بالتكوينات الهندسية الجميلة وبالحساب والارقام وعلم الفلك , حيث توجه عقل الفنان وخياله بواسطتها من المواضيع الواقعية (ماتراه العين) الى عالم الخطوط والتكوينات المتشابكة والالوان البهيجة , وهذا الربط بين الفن والعلم يعتبر حقا واحدا من اروع انجازات الحضارة الاسلامية , والتي مهدت الطريق لاحقا لفناني عصر النهضة الايطالي العظام للخوض بمستويات اخرى اعمق واوسع في العلم والفن على حد سواء . (من اغرب ماعايشناه في السنوات الاربعين الاخيرة من سطوة الاسلام السياسي علينا , ان غالبيتهم وعلى مختلف انتمائاتهم يحاربون هذا النهج بالمعرفة والفنون وفي نفس الوقت يدعون الى نصرة الاسلام , ففي سنة 1971 اصدر الفنان العراقي الكبير – محمود صبري – بيانه في واقعية الكم , ودعى الفنانين الى ربط الفن بالعلم عن طريق علم الفيزياء والرياضيات , وقد تصدى له بشراسة وحقد , من يسمون انفسهم بالفنانين –الصوفيون-او-دعاة التصوف بالفن- الذين حاولوا اعادة انتاج الفن التجريدي الغربي في الستينات والسبعينات برؤية (عربية /اسلامية) , واشاعوا بالصحافة والاعلام وبين طلبة الفنون الجميلة , خرافات تقول بان العلم يقتل الفن والابداع , وان واقعية الكم تقتل الاحاسيس , وغيرها الكثير من الدعايات المبتذلة ) .
وبسبب ذلك الربط بين الفن والعلم فقد اكتسب الفن الاسلامي صفات عالمية اكثر منها محلية , ثم ان من يمارس الزخرفة او الخط ليس بالضرورة ان يكون مسلم , كما عند النصارى مثلا الذين يشترطون الايمان ومعرفة حياة المسيح عند رسامي الايقونات والرسوم الجدارية والنصب الدينية , ومع هذا فان معظم الاعمال المعمارية والزخرفية التي وصلتنا من الفن الاسلامي ذات وحدة اسلوبية داخلية متماسكة , رغم انها لم تكن جميعا منفذة من قبل فنانين مسلمين او من قومية واحدة كما تشير الكثير من الوثائق , وحتى الخط فنحن نعرف بان الناسخين للكتب كانوا من اجناس وديانات مختلفة واجادوا انواع الخطوط والرسوم والزخارف , وربما ساهموا في تزين جدران المساجد ايضا .ولقد تجسدت بالفن الاسلامي وبكل وضوح النزعة المتأصلة بالفن منذ بداية استقرار الانسان في المدن وبداية الحضارات , الا وهي الميل نحو التجريد والتفكير التجريدي من جهة , والرغبة بالتمثيل التشخيصي (الواقعي) من جهة ثانية , وهاتان الصفتان لازمتا الفن وتفكير الانسان اينما وجد وعند جميع الشعوب على مر العصور , لكنهما متزامنتان تقريبا وتعيشان دون انفصال في الفن الاسلامي , فمثلا بينما كان فن الاندلس زاخرا بالزخارف والتجريد الهندسي , فان فن الدولة الصفوية للقرنين التالية على سقوط الاندلس , كان مليئا بالرسوم الواقعية والرومانسية والشخوص التاريخية والاسطورية ولم يخلو ابدا من الزخارف الهندسية .
ولم يكن الفن الاسلامي مقصورا بالانتشار بين طبقة معينة اومجموعة من المتعلمين , بل انه جزء من الحياة العامة للناس , حيث لم تكن هناك اية قطيعة بين هذا الفن والمهن او (العلوم ) التطبيقية مثل صناعة الاقمشة والسجاد والصياغة والفخار وصناعة مواد المعيشة اليومية والصناعات العسكرية كالسيوف وادوات القتال وغيرها , وبسبب هذا الارتباط بين الفن والانسان فقد استمرت هذه التقاليد الموروثة تعيش في ثقافتنا وفلكلورنا وحياتنا الى الان .
ولانه خالي من الشعارات والرموز الدينية , فقد كانت منتجاته في الانسجة او الذهب او النحاس او الفخار وما الى ذلك , مرغوبة ومقبولة وتباع وتشترى عند اصحاب الديانات الاخرى , وكان الملوك والنبلاء في دول اوربا النصرانية على وجه الخصوص يتسابقون على شراء السجاد والانسجة والملبوسات المزينة بدقة والمرصعة بالذهب وبالاحجار الكريمة , وهذه الثروة الغنية من الاعمال الفنية , هي التي تشكل اليوم الاساس للمجموعات الفنية الراقية من الفن الاسلامي في المتاحف الاوربية , والتي تجذب ملايين السياح والمئات من الدارسين لهذا الفن الى بلدانهم . وهي ليست ذات معاني ماورائية وغير مفهومة للانسان العادي (كما يدعي الاسلاميون من دعاة التصوف) , فاذا كانت هناك شجرة مثلا فهي تعني شجرة وليس شيئا اخر مثل الجنة الموعودة او ماشابه وانما للزخرفة فقط , واذا كان هناك بيت فهو بيت ولايدل على فكرة رمزية كما في بقية الاديان , فصار الفن الاسلامي فن موحي وشاعري وللزخرفة والحواس والالوان البهيجة والاشارات الغامضة والمبهمة احيانا . واذا استثنينا النصوص الدينية في الخط على جدران الجوامع وفي الاماكن الرسمية , فبالكاد يمكن تسمية الفن الاسلامي بانه فن ديني , اذا ما قورن بالفن في كنائس البيزنطينين او معابد البوذيين ذات الصفات والاهداف التعليمية الدينية من نفس الفترة .
والهلال الذي يستعمل حاليا كرمز للاسلام والمسلمين , هو اختراع عثماني ظهر في القرن الخامس عشر وانتشر منذ القرن السادس عشر لاسباب عسكرية واقتصادية/سياسية بالدرجة الاولى ثم تحول بالتدريج الى رمز ديني مقدس لايجوز تدنيسه , فقد انتشرت في اوربا ومنذ القرن الثاني عشر والثالث عشر مايسمى –بشعارات ونياشين النبالة او الفروسية – وذلك لتميز الفرسان والمحاربين خلال المعارك , ثم توسعت كعلامات وهويات واختام لتمييز الافراد والمجموعات والمهن و المدن و الطبقات وكل مكونات المجتمعات الاوربية لاحقا , وعندما احتل الاتراك القسطنطينة سنة 1453 (اسطنبول حاليا) ثم اجزاء اخرى من اوربا بعد ذلك , كان عليهم تمييز جيوشهم وانفسهم (وديانتهم) بطريقة واضحة (للاعداء) , فابتكروا الهلال , والذي وضع على اعلامهم وشيئا فشيئا بواخرهم التجارية ومؤسساتهم , ومنذ ذلك الحين وبسبب تلك الحروب اقترن الهلال كرمز للاسلام في اذهان الاوربيين وبعدهم العالم (وربما يكون هذا الرمز للاسلام قد افترضه الاوربيين انفسهم عن الاسلام وادخلوه الى ثقافتهم , ثم اخذه الاتراك منهم لانتشاره بينهم انذاك , مثلما ادخلوا اللون الاخضر كرمز للاسلام في معتقداتهم خلال الحروب الصليبية ) .
وهناك رأي يقول بان الهلال والنجمة هما بالاصل رمزا بيزنطينيا يمثل مدينة القسطنطينية وكان موجودا في الايقونات والجداريات الدينية ايضا التي بها رسوم تمثل المدينة وهناك شواهد عديدة فعلا تؤيد ذلك (الهلال والقمر والشمس رموز دينية قديمة تعود الى اوخر العصر الحجري القديم وقد انتشرت الى العالم من هناك) , واخذ به الاتراك بعد الاحتلال وتحويل الكنائس الى جوامع , ثم تلاه تحويرهم للمضامين والرموز البيزنطينية الاخرى الى مضامين اسلامية. وجميع الاعلام الاسلامية حتى ذلك الحين كانت خالية من الرموز والصور . رغم كل شئ فالحقيقة هنا هي ان الهلال والنجمة رموزا ادخلها العثمانيون على الاسلام وانتشرت هي وغيرها منذ القرن السادس عشر والى الان .
وشعارات النبالة الاوربية مازالت مستعملة وتعيش في بريطانيا في رموز البلاط الملكي والعديد من شعارات المدن , بينما الغتها الثورة الفرنسية 1789 باعتبارها رموزا وتقاليدا اقطاعية (اعادها نابليون ولويس الرابع عشر بعده سنة 1814 لكنها فقدت معانيها القديمة واحترامها ) , واستعملت في الاتحاد السوفياتي السابق بشكل واسع النطاق برموز ثورية واشتراكية للجيش وللمؤسسات والنقابات والاوسمة وغيرها . وقد تطورت هذه الشعارات والاوسمة منذ القرون الوسطى الى مانعرفه حاليا بانتشارها في بقاع العالم كله على شكل اشارات المرور او الرموز التجارية للشركات او اعلام الدول وحتى كارت التعريف الشخصي (بزنس كارت) .
وبعد الحرب العالمية الثانية , قام الغربيون وبمختلف انتمائاتهم الفكرية والسياسية باعادة صياغة (تحديث) جميع مجالات الحياة عندهم وبدون استثناء لاي مجال ونشاط بشري , ومنها مدارس واتجاهات الفن والعلم والمعرفة التي ظهرت في بلدانهم بين الحربين (بشكل خاص) , بوسائل وطرق تعبير تكنلوجية حديثة تتلائم والتطور العلمي والصناعي والفكري لما بعد الحرب الثانية , وبفضل هذا التحديث والدعم جرى تحديث شامل للمتاحف ودور العرض الخاصة والعامة , وادخلت مفاهيم وقيم جديدة على عملية التفاعل بين هذه المؤسسات والجمهور , وكان لافكار ونظريات الكاتب والسياسي الفرنسي اندرو مالرو على سبيل المثال تاثير عالمي واضح , فقد اصدر بعد الحرب الثانية بسنتين كتابه -اصوات الصمت - وفيه يشرح وجهة نظره وطريقته في ايصال الفن الى اكبر عدد من الجمهور وذلك عن طريق مااسماه –بالمتحف الخيالي- او - متحف بلا جدران - وهي طريقة تقوم على اساس -ملخصها بتكثيف شديد جدا - في تصوير جميع الاعمال الفنية الموجودة في المتاحف او المجموعات العامة الاخرى فوتوغرافيا وطبعها على نطاق واسع كالبومات فنية او كتب او مجلات او ماشابه , وبيعها باسعار زهيدة او عرضها في جميع الاماكن العامة او ذات الكثافة مثل اماكن العمل والراحة واللقاء , وبالتوازي مع هذا النشاط يجري فتح مراكز ثقافية وفنية يديرها ويضع برامجها الفنانون والمشتغلون في حقول الثقافة في كل المناطق , تهتم بالتربية الروحية والجسدية والفكرية للناس , وقد نجحت افكار مالروا وطورت بشكل خلاق ليس في فرنسا وحدها بل في كافة انحاء العالم تقريبا . وقد ادى هذا الى نهوض ثقافي عاصف وظهور فنون واتجاهات ابداعية جديدة وغريبة وغير مفهومة احيانا , اعادت الى اوربا من جديد مجدها الزاهر.
واذا كان المسلمون الاوائل قد منعوا التصوير والنحت والرموز خوفا من عبادة الاوثان وعودة الديانات القديمة لمنافستهم , فانهم قد ابدعوا مقابل ذلك فن الحركات الهندسية والخطوط المحسوبة بدقة , فن الانسجام والتناسق والتوافق والموسيقى الهادئة بالالوان , فن الهروب من الفوضى والضجيج والجلافة نحو التشبه بنسق ودقة العالم والكون الفسيح . وهذا بالضبط عكس الاهداف التي تسعى اليها طبقة رجال الدين واحزابها الاسلامية وعصاباتها وهي تنشر الفوضى والخراب والدمار والحاق الاذى بالعباد واستعبادهم ونهبهم الى مالانهاية وفي كل مكان ومنذ 40 سنة .



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللون الاسود في الديانة والسياسة
- اللون الاخضر والاسود وشجرة ادم في البصرة
- البحث الجمالي والبحث العلمي
- اللون الاسود والمعاني السود في العراق
- العراقيون وعلم الجمال
- الفن وحقائق العلم المتجددة
- موجز تاريخ اللون الازرق
- اللون الاحمر و العلم الاحمر
- ازدهار العلم وانحطاط العراق الحديث
- سباق الجرذان في العراق
- مالذي يبحث عنه الفنانون في غابة السماسرة والوحوش
- بقايا سلالات البرابرة في العراق
- شباط الاسود....اعادة جديدة لدروس قديمة
- الديني والدنيوي والجهل كسلاح
- تقوى الله سوقٌ لاتبورُ
- يتشبه الطاغي بطاغ مثلهُ
- انهم ذئاب فلا تكونوا خراف


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - الفن والدين ومسخ التراث في العراق