خالد أبو شرخ
الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 07:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في إحدى تعليقات أحد الزملاء الكتاب عل مقالي الأخير " من الذي تغير؟..نحن أم الصهيونية؟ ", لفت إنتباهي وبطريقة غير مباشرة, أن جيلا كاملا من أجيالنا والذي نشأ في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي, يجهل مخاطر الحركة الصهيونية على شعوبنا, وفي ظل الضبابية التي تسود أفكار هذا الجيل, الباحث عن بصيص أمل, وعن ضوءٍ في نهاية النفق الذي أجبرتنا أنظمتنا الحاكمة على دخوله, وتحت وقع الهزائم المتتالية التي تلقيناها في العقدين الأخيرين, والنفوذ الإعلامي للصهيونية والإمبريالية, وتواطؤ الإعلام العربي الرسمي, وإعلام بعض الجهات الغير رسمية, لم يعد هذا الكثيرين من هذا الجيل يميز ما بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الفرعية, بل أن قطاعاتٍ واسعة منه قد ملت من كثرة الحديث عن تناقضنا الرئيسي مع الإمبريالية والصهيونية, وإنصرف إلى التناقضات الفرعية, أو التناقضات المصطنعة في مجتمعاتنا, ولهذا أرى من المناسب وعملا بنصيحة زميلي العزيز تسليط الضوء على الحركة الصهيونية مرة أخرى, جذورها وأيدولوجيتها وممارساتها وأهدافها وعلاقتها مع الإمبريالية ومع اليهود ومع الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
فما هي الصهيونية؟ ... وكيف ولماذا نشـأت؟ ... وعن مصالح من تُعبر؟ ... وما هي أساليبها وأدواتها؟ ... ولماذا تم إختيار منطقتنا مجالاً رئيسياً لنشاطها؟ ... وكيف نجح مشروعها وتحولت إلى كيان سياسي مغروزا في قلب منطقتنا؟ ... والعشرات من الأسئلة التي سنحاول في هذه الدراسة أن نجيب عليها
لا يمكن لنا دراسة الحركة الصهيونية بأفكارها وممارساتها وأهدافها, ثم إصدار أحكامنا السياسية والأخلاقية عليها, إلا بعد فهم جذورها ٍومعرفة الملامح الخاصة للأنساق والنظم الإقتصادية والإجتماعية التي نشأت بداخلها, حيث لا يمكن فهم الظاهرة بعيدا عن سياقها التاريخي والواقع الإجتماعي والإقتصادي الذي نشأت من خلاله, أي الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية للوجود اليهودي في أوروبا ( وخاصةً شرق ووسط أوروبا حيث ظهرت الأفكار الصهيونية) , وهو ما أُطلق عليه "المسألة اليهودية", والتي قدمت الصهيونية نفسها كإجابة على هذه المسألة, أو بالأحرى تقنعت بها, وتعود جذور المسألة اليهودية إلى عدة أسباب, سنعطي لكل سببٍ مبحثه الخاص, لنفهم المسألة من جميع جوانبها, وهذه الأسباب (1- المهن التي مارسها اليهود(التجارة والربا), 2- الجيتوات ومنطاق الإستيطان وأشكال العزل, 3- طقوس الدين اليهودي وتعاليمه, 4- الشخصية اليهودية الإنعزالية في اوروبا, 5- فشل حركة التنوير والإنعتاق اليهودي).
وبعد دراسة جذور وأسباب وأشكال المسألة اليهودية, يمكن لنا الولوج لدراسة نشأة الحركة الصهيونية وأفكارها وممارساتها وعلاقتها مع الإمبريالية ومع اليهود ومع الشعب الفلسطيني.
المسألة اليهودية
مهن اليهود في أوروبا ... التجــارة والربـــا
على الرغم من أن التوراة تُقدم لنا بني إسرائيل كشعبا رعويا وزراعيا عاش على هامش حضارات الشرق الأدنى الزراعية, مع فترة وجيزة بنوا بها دولتهم التي إنقسمت إلى دولتين قضى عليهما كلا من الآشوريين والبابليين, وعلى الرغم من أن الكتاب الأول من المشناة (القسم الأول من التلمود) يُسمى "زراعيم" أي الإنتاج الزراعي, وواحد من أهم أعياد اليهود عيد "شافوعوت" أي عيد الحصاد, إلى أن تاريخ اليهود وخاصة في أوروبا, إرتبط بالتجارة والإقراض الربوي أكثر من الزراعة, مما أعطى وجودهم منحناً خاصاً, أدى في النهاية إلى ظهور ما عرف بالمسألة اليهودية.
عمل اليهود في التجارة وفيما بعد الربا, لم يكن بسبب الطبيعة اليهودية, ومن الخطأ تفسير الشيء بإرجاعه لطبيعته, فالعبرانيين القدامى بوصفهم بدو رُحل, كانوا مرشحين أكثر من غيرهم من الشعوب الزراعية المستقرة, للقيام بدور التاجر, الذي يحمل بتنقلاته البضائع من مجتمع زراعي مستقر, إلى مجتمع آخر, وقد ورد على ألواح تل العمارنه, على أنهم بدو رُحل لا يقومون بالرعي فقط, بل وإنما بالتجارة أيضا, وساعد وجودهم في فلسطين على طول الطرق الرئيسية ما بين حضارات الشرق الأدنى, الإنتقال من بلدٍ لآخر عبر الحدود السياسية والحواجز الطبيعية, حاملين السلع بحكم موقع فلسطين الجغرافي, حيث تتوسط حضارات المنطقة.
وانتعشت تجارة العبرانيين في عهد مملكة سليمان, حيث المملكة شجعت التجارة بحكم موقعها الجغرافي, ولكن تجارتهم بلغت الذروة في عهد السبي البابلي, وذلك بسبب:
1. وجود علاقات إقتصادية في المجتمع البابلي, أكسبتهم خبرات لازمة في هذا المجال.
2. كانوا غرباء عن المجتمع البابلي, وكان الغرباء عادةً يضطلعون بمهمة التجارة, في العالم القديم, حيث كان المجتمع الزراعي يفضل أن يقوم بهذه المهمة, جماعة محايدة ومهمشة, وقد أشار كارل ماركس في نقد الإقتصاد السياسي:
" إن سيطرة الشعوب الزراعية في العالم القديم هي بالتحديد سبب ظهور الشعوب التجارية – الفنيقيين والقرطاجيين – على هذا النحو الخالص, إذ يظهر رأس المال باعتباره رأسمالاً تجارياً أو نقلياً على هذا النحو من التجريد والنقاء, إلا حيث لم يصبح الرأسمال بعد العنصر المسيطر في المجتمعات وقد إحتل اللومبارديون واليهود الموقع نفسه بالنسبة للمجتمعات الزراعية"
وجماعات الغرباء العبرانيين, كان عليها كان عليها أن تتقن أكثر من لغة, وأن تكون جزءاً من حلقةٍ واسعة من الإتصالات, والعلاقات التي تشمل أبناء جلدتهم, المنتشرين في باقي البلدان, فالجماعات اليهودية في فلسطين وبابل والاسكندرية وروما تقوم بين أعضائها صلات قوية, ليكونوا فيما بينهم ما يشبه أول نظام إئتمان عالمي يسهل عملية انتقال التاجر من بلد الى آخر وينظم عملية التبادل التجاري.
وبعد مرحلة السبي البابلي, وفي فترات وما بعد الشتات الهيلليني والروماني, إستمر اليهود بامتهان مهنة التجارة والأعمال المالية وذلك للعوامل التالية:
1. حرم القانون الروماني على الشيوخ وأبنائهم إستثمار الأموال في التجارة فأصبح لليهود أهمية متزايدة لممارسة هذه المهن.
2. حرم القانون الروماني والديانتين المسيحية والإسلامية تعاطي الربا, على عكس الديانه اليهودية.
3. إختفاء الشعوب التجارية القديمة ( الفنيقيين والقرطاجيين).
4. إنقسام العالم الى إسلامي ومسيحي جعل القيام بالعمليات التجارية أمراً صعباً بسبب إختلاف الشرائع الدينية, الذي أدى إلى إختلاف القوانين التجارية, جعل اليهود كجهة محايدة, حلقة الوصل التجارية ما بين العالمين.
5. قوانين النظام الإقطاعي جعلت من المستحيل على اليهودي إحتلال منزلة في النظام, حيث أن هذه المنزلة تتطلب قسم يمين الولاء المسيحي, والقيام بالخدمة العسكرية, والنظام الفروسي في القرون الوسطى كان ذو طابع ديني مسيحي.
6. ملكية الأرض في النظام الإقطاعي أصبحت تتطلب قسم يمين الولاء المسيحي.
7. ومن شروط الملكية الزراعية أيضاً الإنتماء لطبقة الفرسان وأداء الخدمة العسكرية.
8. شرائع الدول المسيحية حرمت كلها تقريبا على اليهود حمل السلاح والأرض الزراعية بحاجة لحماية.
9. يذهب بعض الباحثين إلى أن الدين اليهودي أيضا قد لعب دوراً في إتجاه اليهود إلى التجارة والربا والربح السريع, فهو لا يركز على العالم الآخر, ولا يشجع على الزهد, وأجزاء كثيرة في التلمود تعتبر التجارة كأشرف المهن, والإقراض الربوي هدية من الرب, كما ان الديانة اليهودية كبلت أتباعها بطقوس حتمت عليهم البقاء ضمن جماعات متقاربة, بينما العمل بالزراعة يؤدي إلى تباعد الوحدات السكنية في الأرياف, والتجارة تتطلب الكثافة السكانية حول السوق.
تطـور دور اليـهود كأقليـة تجاريـة
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية, تخصص اليهود في التجارة الدولية, وحى أن قبائل الخزر(تقطن في منخفض الفولجا جنوب روسيا), حين أرادت ان تعمل في التجارة تهودت في القرن التاسع, للإستفادة من شبكة الاتصالات الدولية اليهودية ومن نظامها الإئتماني العالمي الوحيد في ذلك الوقت, وكانت اللغات التي يتحدثها اليهود في ذلك الوقت ( العبرية, الإيدشية, الآرامية) هي لغة التجارة الدولية حينذاك, ويشير ابورانت في قصة الحضارة " التجارة الدولية عمل تخصصوا فيه وكادوا ان يحتكروه قبل القرن الحادي عشر, وكانوا هم حلقة الإتصال التجاري بين بلاد المسيحية والإسلام وبين أوروبا وآسيا وبين الصقالية والدول الغربية"
وبالإضافة للتجارة الدولية لم يهمل اليهود التجارة المحلية وعملوا كباعة متجوليين بين المدن والبلدات والقرى.
أثناء الحروب الصليبية ظهرت في المجتمعات الأوروبية جماعات تجارية خارج نطاق النظام الإقطاعي, وبدا إنحسار إحتكار اليهود للتجارة الدولية, حيث إستولى الأوربيون على القدس وخطوط التجارة, فالحروب الصليبية كانت معبرة عن إزدياد مطامع طبقة تجارية جديدة ولدت في رحم المجتمع الأوروبي وكان لها مراكز في المدن التجارية البحرية مثل البندقية وجنوة واللتان كانتا تمتلكان إسطولا تجاريا, الأمر الذي لم يتوفر لليهود.
بحلول القرن الثاني عشر كان قد قُضي على إحتكار اليهود للتجارة الدولية, وأستأثر بالجزء الأكبر منه التجار المسيحين الذين قاموا بتنظيم أنفسهم بنقابات تمتعت بدعم السلطات, كما سارعوا بتضييق الخناق على التجار اليهود المحليين, الذين لم يجدوا أمامهم سوى إستثمار مدخراتهم إلى النوع السائل النقدي السهل والمتحرك, فاتجهوا إلى مبادلة النقد ثم بعد ذلك الإقراض بربا, حيث أن طبيعة المجتمع الإقطاعي حتمت ذلك, فهي جامدة وتفصل بين مختلف الطبقات والحرف, ومن الصعب الإنتقال من حرفة او طبقة إلى أخرى, إلا إذا كانت مشابهه لها, كما أن حاجة المجتمع الأوروبي في العصور الوسطى, للسيولة المالية لتمويل الحملات الصليبية وبناء الكتدرائيات سهلت عملية إنتقال اليهود من التجارتين الدولية والمحلية إلى الإقراض الربوي, وبحلول القرن الثالث عشر كانت غالبية اليهود تعمل في مهنة الربا.
علاقة التاجر والمرابي مع الملوك وعامة الشعب
كثير من الدول التي كانت ترغب في إنعاش حركة التجارة داخلها, تقوم بتشجيع الإستيطان اليهودي حتى يقوموا بدور الوسيط بين الوحدات الزراعية, وبعض المدن أعطت ضمانات بالتعويض في حالة نشوب إضطرابات شعبية او حدوث كوارث طبيعية, وكان الملوك الذين يهتمون بشؤون التجارة يحتفظون باليهود ويسنون القوانين التي تعطيهم الضمانات الكافية لحرية الحركة مثل هنري الرابع الذي اعطى ضمانات ليهود سبيير عام 1090م
وتشير الشرائع الأنجلوسكسونية " أن اليهود واملاكهم يخصون الملك", ونص دستور أسبانيا الشمالية على أن اليهود عبيد الملك وهم دائماً ملك خزينة الدولة, وينطبق نفس الأمر على المرابي فهو مصدر تمويل إحتفالات الأمير الإقطاعي وحملاته العسكرية, وأموال المرابي مصدر ضمان الإستقرار الإقتصادي للمملكة او الإقطاعية, وكان يُنظر إلى المرابي والتاجر على إنهما ذو دور إقتصادي كبير, وإذا إعتنق المرابي الدين المسيحي لا يُقابل بالتهليل والحماس الديني, بل تُصادر كل أمواله لصالح الملك أو لمرابي آخر, كي تستمر العمليات المالية, حتى أن بعض المسيحين تهودوا من أجل الإسهام في عملية الإقراض الربوي.
كان المرابي موضع شكوك الجمهور وكراهيتهم, فهو يقع بين طبقة النبلاء والإقطاعيين وملاك الأراضي من ناحية, والحرفيون والفلاحون من ناحية أخرى, وإذا كان ضروريا لكل هذه الطبقات فقد كان أيضا على عداء وتوتر مستمرين معها, وفي هذا الجانب أشار كارل ماركس في رأس المال" المرابي لم يكن يكتفي بابتزاز فائض العمل من ضحيته, بل كان يستولي تدريجياً, على شروط عملها من عقارٍ ومسكن.....الخ, إنه كان منهمكاً في نزع ملكيتها".
ومن الأسباب الرئيسية التي زادت حدة هذه الكراهية, إنتشار الربا بين صفوف المسيحين, وهو ما يخالف تعاليم الدين المسيحي, ولكن تجدر الملاحظة أن العملية الربوية اليهودية لم يكن الأغيار ( غير اليهود) ضحيتها فقط, بل اليهود أنفسهم كذلك, فإذا ما تفاقم الإستياء الشعبي عليهم, يسلب الأمراء والملوك أموالهم فيملأون خزائنهم ويكسبون تعاطف الجماهير, يمكن وصف اليهود حينها بأنهم كالأسنفج يمتصون ثروة الأرض والشعب ثم يعتصرهم الحكام.
يهــود البــلاط
ذكرنا أعلاه أن اليهود كانوا ملكية خاصة للملك, وكانوا يتبعونه مباشرة, ويدفعون له, مقابل منحهم المواثيق التي تحمي حقوقهم الإقتصادية والدينية, وقد أدت هذه الظاهرة لظهور طبقة من الممولين أصحاب الثروات تحالفت مع الملوك أثناء حروبهم مع الإقطاعيين والكنيسة, وأشرف طبقة اليهود هذه على شؤون الملوك المالية ( صك النقود, جمع الضرائب, التمويل للحملات العسكرية...الخ), ونظراً لوجود اليهود خارج الحدود القانونية والأخلاقية والدينية للمجتمع, مكنتهم من أن يجمعوا ثروات طائلة, وساعدهم على هذا الشبكات العائلية التي تربطهم بعضهم ببعض, والمنتشرة بين قصور الملوك, وصلاتهم العالمية التي نسجوها, وقد ساعد يهود البلاط الملكيات على التخلص من قبضة الأمراء الحديدية, وساهموا جزئيا في عملية التصنيع, كما ساعدتهم خبرتهم المالية في أعمال الصرافة والتعاقدات مع المؤسسات العسكرية, في وضع حجر الأساس للنظام المصرفي الحديث, وزودهم إشتراكهم في خدمات الدولة بالمعرفة والصلات السياسية اللازمة للحصول على تراخيص وامتيازات لازمة للمشروعات الصناعية, ويذهب المفكر المصري د.عبد الوهاب المسيري إلى أن "ظهور يهود البلاط بمثابة بمثابة إرهاصات ظهور الدولة الرأسمالية الغربية الحديثة.
كانت مصالح يهود البلاط مرتبطة تماماً بمصالح الملك أو الحاكم وكثيرا ًما تتعارض مع مصالح الأقليات اليهودية.
كانت تحالفات الملوك مع يهود البلاط , مرتبطة تماماً بمصالح الملك أو الحاكم وكثيراً ما كان يتم التخلي عنهم عندما تنتهي الحاجة إليهم, مثل نشوء طبقة برجوازية وطنية تقوم بالنشاط المالي اللازم, وكان من السهولة التخلص منهم, حيث أن دور المال اليهودي كان دائما هامشيا, غير مرتبط بالعملية الإنتاجية, ولهذا السبب لم يشكل اليهود طبقة مستقلة لها نفوذها وكيانها المستقلان, ولم يتراكم معهم رأسمال كافي, ولم تصبح لهم القدرة اللازمة كي يتحولوا إلى طبقة حاكمة.
التاجر والمرابي والعملية الإنتاجية
الرأسمال اليهودي المستَثمَر في التجارة والإقراض لم يكن جزءاً من العملية الإنتاجية الإقطاعية ذاتها, ولم يكن يشارك في تطويرها ولا يدخل في مخاطرها, فلم يكن التاجر أو الممول اليهودي ينفق على المشاريع التجارية والصناعية الكبرى, فهو لم يكن سوى وسيط يقف على هامش المجتمع, حيث أن التجارة في المجتمعات ما قبل الرأسمالية, هي تجارة بدائية والربا ربا طفيلي, فهما مرتبطان بالرأسمال البضاعي الربوي حيث ان الإنتاج كان موجها بالدرجة الأولى نحو إشباع حاجات المجتمع فحسب, وبذلك أن التجارة والربا اليهوديين لم ينطويا على أسلوب إنتاجي معين ينتج فائضاً, وإنما كانت تجارتهم ومعاملاتهم المالية تعيش على فائض القيمة, الذي ينتجه الفلاحون ( تجارة العصر الإقطاعي).
خلاصة المبحث الأول
إشتغال اليهود بالتجارة والربا كان سبباً في عدم إنخراطهم في الشعوب الأخرى وإحتفاظهم بنوع من الإستقلال شبه القومي لأنهم كانوا يقومون بوظيفة محددة, فقد كانت لهم قوانينهم ومحاكمهم التي حولتهم إلى شيء مجرد ومصدرا للنفع أسماه أبراهام ليون في "المسألة اليهودية: تفسير ماركسي" ب " الشعب الطبقة" أما التسمية الأكثر دقة "الأقلية الإقتصادية أو التجارية", الأساس الإقتصادي عند هذه الأقلية الدينية والإثنية دعم عندها الإحساس بالوحدة والعزلة, كما أن الإنتماء الطبقي ذاته دعمه الإنتماء الإثني والديني المتفرد, وبنفس الوقت أصبحت كلمة يهودي مرادفا لكلمة مرابي، وارتسمت صورة سيئة للغاية لهذا المرابي في أذهان الأوروبيين. فهو شخص معدوم الضمير لا رحمة في قلبه، الشيء الوحيد الذي يملأ قلبه ويشغل عقله هو المال. وخير تجسيد لهذه الصورة شخصية شايلوك في مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير. وبتبسيطٍ أكثر يمكن تخيل المجتمع الأوروبي على انه مجتمع زراعي مسيحي يوجد على هامشه مجتمع آخر تجاري يهودي يكون بمثابة برجوازية بدائية متجمدة, ومعزولة عن المجتمع الزراعي الأوروبي تُولد في رحمه طبقة برجوازية متقدمة ومتطورة تُساهم في العملية الإنتاجية.
يتبع
#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟