|
-بابا نويل- لا يقلك تهَجُّمُهم فهم قوم يكرهون الحب ويحرّمُون الفرح !!
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 21:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حل رأس السنة الميلادية بكل تعبيرات الفرح وأشكال المرح لدى الصغار والكبار في كل بقاع الأرض . وعاشت البشرية لحظات توديع سنة واستقبال أخرى بكل أمل في السلم والأمن والرخاء . كما لم تشهد الاحتفالات برأس السنة أي مظهر من مظاهر التعبد أو التدين ، بل تجردت البشرية من خصوصياتها الدينية والعرقية ، لحظة استقبال العام، الجديد لتفسح المجال للفرح والابتسامة والأمل في غد أفضل يحمل للإنسانية أسباب السعادة والرخاء . بينما في عالمنا الإسلامي عشنا المفارقة ، حيث شحذ الأئمة والخطباء ألسنة السباب في حق "البابا نويل" الذي عدوه "مصيبة عظمى" حلت بالمسلمين وأفسدت عقيدتهم ومسخت هويتهم وأفقدتهم الثبات على الدين والتشبث بعقائده التي تحرم التشبه بالكفار ومجاراتهم في عوائد الفرح ومناسباته . لقد حول الخطباء مساجد المغرب ، إلا ما ندر ، على مدى الجمعتين الأخيرتين من شهر دجنبر إلى مآثم يبكون فيها "الهوان" الذي أصاب المسلمين منذ تسرب داء "الوهن" إلى قلوبهم ودنسها بمحبة "الكفار" و"الولاء" لهم . ولا مخرج من "الهوان" و"الوهن" إلا ببغض الكفار وتحريم التشبه بهم في كل صغيرة وكبيرة . هكذا تحولت المساجد إلى ساحات معركة بعد أن أعاد الخطباء الزمن إلى لحظة انفجار الحروب الصليبية لينفثوا سموم الكراهية والبغض ضد الغرب الكافر الذي جعلوا شغله الشاغل هو محاربة الإسلام وإفساد عقائد المسلمين . وتحول الخطباء إلى قادة جيش "محنكين" يستنهضون الهمم ويحرضون على خوض المعارك الأبدية التي لن تنتهي ضد اليهود والنصارى . لكنها حرب لا تصيب إلا المسلمين حين تحرم عليهم الفرح والابتهاج والحبور والابتسامة لتجعل منهم أعداء أنفسهم وأعداء البشرية جمعاء . إنهم فقهاء الكراهية والبغض ودونكشوتيو العصر الذين يطاردون البسمة ويحاربون الفرح . لهذا لا تقلق "بابا نويل" ولا يزعجك عويلهم وصخبهم من أعلى المنابر . فالغرب الذي يُبَغّضون فيه هم أول من يسعى للظفر بالانتداب في البعثات الدينية التي ترسلها وزارة الأوقاف لتأطير الجالية خلال شهر رمضان بالمساجد التي أقيمت على أرض الغرب "الكافر" الذي "يحارب الدين". لقد أعمت ثقافة البغض والكراهية بصيرة الخطباء عن جو الحرية الدينية والاطمئنان الروحي الذي يوفره الغرب للمسلمين في الوقت الذي يفجر المسلمون كنائس دين الغرب ويقتلون أتباع المسيحية من بني جلدتهم . إن كل هذه الكراهية منشؤها ثقافة التجهم والحزن وتحريم الفرح والابتسامة . لهذا لم يستهدف الخطباء "بابا نويل" لعقيدة أو ديانة ، وإنما فعلوا وسيفعلون لكونه رمزا للأمل وحاملا للفرح والابتسامة للصغار . إنهم يرفضون أن يتربى الصغار على الفرح ويتعودوا على الاحتفال بمواعيده وأعياده أيا كانت المناسبات ، لا فرق عندهم في البغض بين المناسبات التي هي للعب والترفيه أو تلك التي للتذكير بأمجاد الوطن أو التي للتحسيس والتكريم أو التي للتعبد حتى . وثقافة الكراهية والبغض منتوج مشرقي غزا حقلنا الديني . وهذه نماذج من فتاوى تحريم الفرح والاحتفال بكل المناسبات الدينية والوطنية والعالمية . ــ في تحريم الأعياد الوطنية : فتوى للشيخ عبد الله البسام تقول ( وهناك نوع آخر من الأعياد ، وهي أعياد وطنية اتخذتها الدول والحكومات ، وهي إما أعياد استقلال أو عيد ثورة ، أو عيد يعظمون فيه ذكرى من ذكرياتهم .. فهذه كلها أعياد جاهلية ) ـ في تحريم الأعياد والمناسبات الدينية : جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية ( ما كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار ، فهو بدعة مُحدثة ممنوعة ، داخلة في عموم قول النبي (ص) (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم ، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد ، وعيد الأم والعيد الوطني ؛ [لِما فيه] من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، ولما في ذلك من التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة .. فليس فيه عيد بمناسبة مرور ذكرى غزوة بدر ، ولا غزوة الفتح ، ولا غيرها من الغزوات العظيمة التي انتصر فيها المسلمون انتصارا باهرا) وإن من جملة البدع ما ابتدعه بعض الناس في شهر ربيع الأول من بدعة عيد المولد النبوي، يجتمعون في الليلة الثانية عشرة منه في المساجد أو في البيوت فيصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - بصلوات مبتدعة ويقرؤون مدائح للنبي - صلى الله عليه وسلم - تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وربما صنعوا مع ذلك طعاماً يسهرون عليه فأضاعوا المال والزمان وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الله ولا رسوله ولا عمله الخلفاء الراشدون . ــ في تحريم عيد الأم تستند الفتوى إلى الذرائع التالية : =الأولاد الذين فقدوا أمهاتِهم يكون ذلك اليوم عليهم يومَ حزن، وكدر، وبكاء مستمر، وخاصة الذين لم يروا أمهاتهم. = الأولاد الذين هداهم الله إلى عدم الاحتفال وتخصيص يوم لها، تغضب عليهم الأم، وتعتبر هذا عقوقًا لها. = والأم التي هداها الله لعدم الاعتراف بتلك المناسبة وتنصح أولادها بعدم تكلفة أنفسهم، وتكريس الاحتفال بها في يوم مخصوص - يغضبون أشدَّ الغضب، ويعتقدون أنها لا تشعر بِمَحَبَّتِهِمْ. = الأخطر من كل ذلك: أنَّ الدوام على تلك العادة يعتبر قُربة من القُربات، التي لو خالفها مخالف لارتكب جرمًا لا يغتفر، فبأيِّ سلطانٍ نُقَرِّر ذلك أو نقرُّه؟! ــ في تحريم عيد الحب : تقول الفتوى (المقصود من عيد الحب في هذا الزمن إشاعة المحبة بين الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم وهذا مما يخالف دين الإسلام؛ فإن للكافر على المسلم العدل معه .. ولا يلزم من القسط مع الكافر وبره صرف المحبة والمودة له، بل الواجب كراهيته في الله تعالى لتلبسه بالكفر الذي لا يرضاه الله سبحانه كما قال تعالى {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ} [الزُّمر:7]. بل إن الفتوى بلغت حد تحريم بيع ما يصلح هدايا أو ورود ( بناء على ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فإنه لا يجوز للتجار المسلمين أ يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورد حمراء أو غير ذلك ؛لأن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله تعالى ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم . كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها ؛لأن في قبولها إقرارا لهذا العيد . ــ في تحريم لعب كرة القدم لما فيها من فرح ومرح . ومما جاء في الفتوى ( من أدخل الكرة منكم بين الأخشاب أو الحديد ثم أخذ يجري لكي يتبعه أصحابه ويُعانقوه كما يُفعل باللاعب في أمريكا وفرنسا، فهذا يُبصق في وجهه ويُؤدب ويزجر، إذ ما علاقة الفرح والمعانقة والتقبيل بالرياضة البدنية التي تدعونها.) ثم ذكروا هنا أن من أوجه تحريم الكرة أن فيها نوعاً من المرح وقد قال الله عز وجل: (ولا تمش في الأرض مرحا).. (ج 15 ص 210) . وقالوا أيضاً في هذا الصدد: إنها من اللهو الباطل (ج 15 ص 213). وأن لعب الكرة من الضلال (ج 15 ص 214). إذن ، "بابا نويل" لا تنزعج بأقوالهم فهي لا تتجاوز الحناجر ولا تتطابق مع مسلكياتهم . فهم يكرهون الغرب ظاهرا ويعشقونه باطنا لأنه مصدر الرفاهية التي يرغبون والشفاء من العلل الذي يطلبون والترويح عن النفس حين يقنطون .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تبرئة العدليين كرامة إلهية أم إرادة سياسية ؟
-
الخطاب المزدوج لجماعة العدل والإحسان .
-
العنف ضد النساء ثقافة وتربية قبل أن يكون سلوكا وممارسة .
-
ليكن لمسيرة الدار البيضاء ما بعدها .
-
الوجه الإرهابي للبوليساريو .
-
ومكر أعداء المغرب يبور .
-
ليكن الحكم الذاتي خيارا وليس فقط حلا .
-
السعودية وجدية الانخراط في محاربة الإرهاب .
-
هل يفلح الحوار الموريتاني في القضاء على خطر الإرهاب ؟
-
ساحلستان : إمارة الإرهاب والتهريب .
-
وضعية المرأة تعكس مدى نضج المجتمع ووعي نُخَبِه .
-
حزب العدالة والتنمية ولعبة الاستفزاز التي لا تنتهي .
-
منطقة الساحل والصحراء على خطى الصوملة والأفغنة .
-
ولد سلمى القيادي الصحراوي الذي تمرد على عصابة الانفصال .
-
من يزرع فقه التكفير يحصد قنابل التفجير .
-
من يلعب بنار التطرف تحرقه .
-
الحرب الشاملة ضد الإرهاب هي الخيار الوحيد لدحر خطره .
-
هل ستتجاوب الأحزاب مع خطاب الملك ؟
-
هل ستصير الفتوى سلاح اليساريين ؟
-
هل من علاج للعجز الحكومي المزمن ؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|