دياري صالح مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 19:01
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
بقلم : ستيفن بلانك
ترجمة : دياري صالح مجيد
على الرغم من الازمة الاقتصادية العالمية نجد بان روسيا تسعى الى المضي قدما في الاندماج مع دول اسيا الوسطى لتتحول الى مركز اقتصادي وعالمي. اذ يلاحظ بان تعزيز مجال النفوذ الروسي كان واحدا من النقاط الاساسية الخمس للسياسة الخارجية للرئيس مدفيديف و خاصة فيما يتعلق بتعزيز العلاقات مع حكومات اسيا الوسطى . منذ ذلك الحين وبالذات بعد جلسلة مجلس الوزراء الروسي التي عقدت مؤخرا , قام مدفيديف بتكرار التاكيد على الاولوية المطلقة لدول اسيا الوسطى خاصة تكاملها الاقتصادي مع روسيا . وقد تزامن هذا التوجه السياسي مع كل شيء كان قد عمله ولا يزال منذ ان اصبح رئيسا لروسيا في مايو / ايار . ويعتقد بان الازمة الاقتصادية العالمية لم تثني موسكو عن هذا المسعى .
رؤية اولية :
دعت روسيا مرارا وتكرارا حكومات اسيا الوسطى الى تنسيق عملها من اجل مواجهة الازمة المالية العالمية . ولاجل ذلك تم في لقاء القمة للدول الاوراسية الذي ضم دول اسيا الوسطى , قيام الحاضرين بالتوقيع على مسودة ستراتيجية خاصة بالتنمية الاقتصادية في دول اسيا الوسطى خلال عام 2020م . اذ ستعمل هذه الوثيقة على التاكيد على تطوير عمليات الاندماج في الحقل الاقتصادي خلال العقد القادم من الزمن . كما قامت روسيا بتنظيم لقاءً خاصا بوزراء المالية من اجل ايجاد السبل الكفيلة للتعامل مع الازمة المالية متخذة منها محفزا رئيسيا لعملية الاندماج بين هذه الدول . كما تمكنت دوائر اسيا الوسطى الخاصة بالطاقة الكهربائية من الوصول الى اتفاقية حول تنسيق جهودهم في سلسلة واسعة من النشاطات في عملية تحليل ومراقبة الوضع الحالي و تحقيق حالة من التزامن في عمل شبكات الطاقة الكهربائية الايرانية والوسط اسيوية .
كما استغل المتحدثون الروس هذه المناسبة لكي يلغوا محادثات اسيا الوسطى غير المجدية بالقول ان هذه الدول اضافة الى بقية دول اوراسيا لديها دور جوهري و مثمر لتلعبه في المستقبل . في هذا الصدد ذكر المحلل السياسي مارس سارييف ان روسيا تناضل من اجل تأمين نفسها في نطاق عملية التكامل الاقتصادي هذه بسبب الحرب في جورجيا . كما اشار الى ان عزل اسيا الوسطى عبر الفشل في تحقيق هذا التكامل الاقتصادي , سوف يقود الى نوع من العزلة الكاملة لروسيا تقود لاحقا الى تجزئتها.
لم توافق دولة اوزبكستان على مثل هذه الاستنتاجات وكذلك لم تكن مصدرا لادخال السرور على الروس , مما قاد الى انسحاب طاشقند من اجتماع القمة بعد فترة وجيزة .
على الرغم من ذلك قامت موسكو بالعمل على صياغة اتفاقيات و مشاريع تكامل جديدة مع دول اسيا الوسطى كما هو الحال مع اتفاقية الاتحاد الكمركي مع كازاخستان وبيلاروسيا . كما قام مدفيديف بتوجيه الاوامر الى مجلس الوزراء لاعداد اليات ومؤسسات جديدة من اجل الترويج لمبررات الاندماج اثناء الازمة الاقتصادية الحالية من اجل تسهيل عملية انعاش اقتصاد هذه الدول , كما هو الحال مثلا مع تخصيص موارد مالية تقدم خصيصا للدول الاعضاء في هذا التكتل الاقتصادي . لكنه فيما بعد اشار بوضوح الى ان اولوية ادارته تتمثل في تعزيز مجال النفوذ الروسي في اسيا الوسطى .
وبالتزامن مع تعبير مدفيديف المتكرر عن رغبته في الحد من تسلط الولايات المتحدة الامريكية في السياسة الدولي والاقتصاد العالمي عبرالحد من دورها القائد في مجال التحكم بالدولار , فقد تحدث مرارا عن الحاجة الى اصلاح النظام المالي العالمي . بالاضافة الى ذلك كان مدفيديف ولا يزال يطمح الى تطبيق هذا الفكرة حتى انه ناقش مع الصين امكانية انشاء صندوق مدفوعات مالية خاصة بالطاقة و بالعملة الوطنية لكلا الدولتين . وكذلك سعي روسيا الى فرض مثل هذا النوع من المبادلات بعملة الروبل في اسيا الوسطى , على الاقل في مجال مدفوعات الطاقة . وقد تمكنت روسيا حتى الان من ان تطبق هذه الفكرة بنجاح مع بيلاروسيا فقط التي توجب عليها ان تتنازل عن استقلالها المالي وتعترف بالروبل كعملة احتياط اقليمية خاصة في مقابل حصولها على قرض بقيمة 2 مليون دولار من اجل مواجهة الازمة المالية العالمية .
ويلاحظ بانه على الرغم من ان بيلاروسيا ناقشت من قبل القرض الذي يفترض ان يقدم من قبل صندوق النقد الدولي والذي من الواضح انه سوف لن ياتي طالما تنازلت عن عملتها الوطنية , لذا وجدت بيلاروسيا نفسها بانها لا تملك خيارا اخر غير التنازل عن جزء من سيادتها لموسكو . الا ان موسكو بالمقابل اتخذت خطوات عدائية حيال بيلاروسيا عبر فرض عقوبات منع بموجبها استيراد مشتقات الالبان منها بحجة انها لم تطبق شروط المعايير الصحية الروسية . هكذا حذرت روسيا من انه على بيلاروسيا ان تكيف انتاجها للشروط الروسية او انها سوف تمتنع عن اعطائها المساعدة الرئيسية التي هي بحاجة اليها . وقد برر المسؤولون الروس هذا التوجه بالقول انه يبسط العمليات التي من شانها ان تحد من الوساطة الاوربية في مجال انتقال العملة في بلد ما الى اليورو او الدولار وتعزيز انتقالها بدلا من ذلك الى العملات الاخرى . ويبدو ان ليس بيلاروسيا وحدها من يواجه هذا المصير , فطاجيكستان ذكرت عبر رئيسها رحمانوف بان بلاده تعلق امالها على روسيا من اجل انقاذها من الازمة المالية العالمية . وان الثمن لمثل هذا التوجه من المحتمل ان يكون مساويا لما دفعته بيلاروسيا .
التاثيرات :
هكذا تخطط روسيا لتوسيع امكانية استخدام الروبل في الفعاليات الداخلية في دول اسيا الوسطى مبتدئة بالدفعات الخاصة بالنفط والغاز الطبيعي بعملة الروبل . فنظرا لان اغلب دول هذا الاقيلم مستهلكة للطاقة الروسية , فان ذلك سوف يعزز بشكل مادي دور الروبل كعملة احتياط اقليمية . يبدو في ظل هذا المشهد ان روسيا تطبق ذات السياسات التي اعتمدتها المانيا ازاء دول اوربا الوسطى و الشرقية المجاورة لها في 1933-1939 م . اذ قامت المانيا خلال تلك الفترة بتنظيم برنامج مماثل مجبرة بذلك دول جوارها الجغرافي على الدفع مقابل البضائع التي تستورد من المانيا بالعملة الالمانية . وهو ما اجبرهم بشكل طبيعي على ان يصدروا منتجاتهم بشكل رئيسي الى المانيا من اجل الحصول على تلك العملة طالما ان المانيا كانت انذاك السوق الرئيسي لهم . لذا من غير المفاجيء ان نعلم بانه خلال سنوات قليلة اصبحت جميع تلك الدول المجاورة مجرد توابع مالية واقتصادية لالمانيا .
يتضح من المثال البيلاروسي ان روسيا تسعى الى فرض نفس السياسة والنتائج على دول اسيا الوسطى المجاورة لها وكذلك العمل على تحويل هذه الدول الى كتلة اقتصادية واحدة تهيمن هي عليها , وبذلك تعزز من دور الروبل وتحد من سيادة واستقلال الدول الصغيرة الاخرى .
بالتاكيد اعتقد مجموعة من المحللين والقادة الروس لفترة طويلة من الزمن ان هنالك منطقا اقتصاديا سوف يقود دول اسيا الوسطى الى العودة الى التبعية مجددا لروسيا , مما قادهم هذا الاعتقاد الى محاولتهم التي تكللت بشيء من النجاح الجزئي لتطبيق السياسات التي تتبع هذا المنطق . في هذا الصدد اخبر احد المسؤولين الروس احدى الصحف الايطالية بالاتي من اجل مساعدة الدول المجاورة لنا سوف يترتب علينا اعطاء روسيا الفرصة لان تظهر لهم بان موسكو وليس واشنطن من يملك القدرة على ضمان الاستقرار في هذا الاقليم الجغرافي . كما ابدى ذات المسؤول وبضوح تام رايه بالقول ان الاولوية السياسية الرئيسة لموسكو هي العمل على اعادة اوكرانيا تحت الرعاية الروسية مجددا . نتيجة لذلك فان اوكرانيا لا تملك شيئا لتكسبه من الصراخ بوجهنا لانها تدرك جيدا بان جازبروم , التي تبيع الغاز لها بشكل ارخص , لديها القدرة الكافية على تقرير مستقبلها الاقتصادي . النقطة ذات العلاقة هنا بالنسبة لدول اسيا الوسطى والقوقاز هي اذا ما اجبرت اوكرانيا وبيلاروسيا على التنازل عن استقلالهما الاقتصادي والمالي لموسكو , فانهم لن يكونوا بعيدين عن مثل هذا القدر . اذا ان موسكو تسعى بشكل واضح وكامل الى استخدام الازمة الاقتصادية والمالية العالمية لتفرض مزيدا من السيطرة على دول جوارها الجغرافي , وكذلك العمل على تحقيق مزيد من التدمير لسيادتهم واستقلالهم الاقتصادي تحت مظلة الاندماج في تكتل واحد .
ان النشاطات التي تقود الى خلق مثل هذا التكتل لم تنال بعد مزيدا من الاهتمام الاعلامي ويمكن بسهولة ان تمرر بدون ان يلاحظها احد , ومع ذلك فان تاثيرها المتراكم يعد تاثيرا هائلا وقاتلا بشكل جوهري بالنسبة لحكومات دول اسيا الوسطى . فلا يوجد شك من انه وفقا لمشكلاتها المالية المعروفة , فان العديد من هذه الدول من بيلاروس الى طاجيكستان تعد حساسة جدا لظواهر الازمة التي تضرب حاليا الاقتصاد العالمي . لذا فانها قد تتوصل الى الاحساس بانها لا تملك بديلا اخر عن الاستسلام للضغط الروسي من اجل انقاذ وضعها الحالي وادامة وضع الفئات الحاكمة . الا انه كان هنالك شكوكا تتعلق باسلام كاريموف رئيس اوزبكستان والاقتصادي السوفيتي السابق من انه قد يكون خمن بشكل دقيق ما تريده موسكو , وهو ما قد يكون السبب الذي يقف وراء قرار طاشقند بالانسحاب من القمة الاوراسية .
ان السياسات الروسية تعد الان مصدر ازعاج بالتزامن مع عوامل اخرى اضافية . اذ انها لا تعد دولة نازية لكن الحقيقة تشير الى اننا نلاحظ اشارات الى اعتمادها سلوكا فاشستيا في مجموعات مثل النازية , كما هو الحال مع مصادرة الحريات الديمقراطية بشكل مستمر والقتل الدائم الذي يلاحق المراسلين فضلا عن رفضها المتكرر للمحاكمات العلنية بحق المتهمين كما هو الحال مع محاكمة وقتل بولتيكوفسكايا و محاكاة السياسات الاقتصادية النازية , وهو ما يقود بمجمله الى ايصال رسالة مزعجة . وبالتاكيد ان جهودها المستمرة للعمل على انقاص سيادة الدول المجاورة لها , تعد امور سلبية يمكن التنبؤ بها مستقبلا . لذا تبقى سياسات مدفيديف في هذا الاطار ثابتة بلا تغيير .
النتائج :
على الرغم من قدوم الازمة المالية الاقتصادية العالمية الا ان روسيا اختارت لنفسها السياسات الامبراطورية وانشاء التكتلات ذات السيادة المطلقة و اعتماد الجهود الكبيرة بهدف الحد من تاثيرات السياسة الامريكية بدون ان تملك اي فكرة عن ما تقوم بوضعه في طريقها عدا ايمانها بفكرة قيام دولة قومية نظامية . لذا فان فكرة قيام كتلة تتعامل بالروبل تؤكد النمط الثابت الذي اعتمدته روسيا في سياستها تحت ادارة بوتين ومدفيديف من اجل اعادة احياء احلام الامبراطورية . ومن دون شك ستقود الازمة الاقتصادية الحالية الى نتائج سياسية عالمية . والتي يبدوا فيها ان روسيا تسعى الى استخدام هذه الازمة من اجل فرض نظاما اقتصاديا جديدا على دول اسيا الوسطى والذي يعني تبعيتها الى قوانين الاقتصاد الروسي . لكن وكما كان الحال مع الامثلة السابقة لمثل تلك الجهود المعلنة في السياسة الامبريالية الروسية , فان النتائج يمكن لها ان تكون غير مستقرة ومضطربة بشكل اكبر .
#دياري_صالح_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟