خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 13:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يمكن القول ان الطبقات الشعبية التونسية حازت لنفسها عن جدارة, فخر مبادرة الانتفاض ضد الدولة والنظام في الدولة التونسية. بل وان تزايد مداها واتساع حجمها وثباتها واستمرارها الذي هي عليه حتى الان, كان سبب اشاعة الهلع والخوف في قلب النظام والدولة التونسية وانظمة ودول اخرى تسارع الان الى تقديم تنازلات اقتصادية هامشية مؤقتة في محاولة منها الى القاء بعض العظام ارضاءا _ لكلاب الشوارع _ وهو الاسم الاخر الذي تملكه للطبقات الشعبية من مجتمعاتها. كما فعلت الدولة الجزائرية وكما تفعل الدولة الاردنية.
غير ان الفخر الذي يعود للانتفاضة الشعبية التونسية لا يقف عند هذا الحد, بل انه يحمل ايضا فضلها في الكشف عن هشاشة وركاكة قوى المعارضة السياسية, الشرعية وغير الشرعية وعدم اصالة تمثيلها لمصالح الطبقات الشعبية وان ثقافتها السياسية في جوهرها ماهي إلا امتداد للثقافة الطبقية البرجوازية الاستغلالية التي تعتاش على معاناة الطبقات الشعبية ولا تهدف الى تحريرها منها. فجوهر برنامج هذه المعارضة انما هو التعايش غير المشروط الذي يتيح لها مشاركة استغلال البرجوازية للطبقات الشعبية, لذلك نجد ان _ المشاركة السياسية_ هو الجوهر الحقيقي لخصوصية برامجها كقوى حزبية, اما برنامجها الطبقي فهو _ تخفيف معاناة الشعب_, في اطار برنامج قومي يدعو الى _ التنمية الاقتصادية_. لقد كشفت الانتفاضة التونسية الطبيعة_ البرلمانية التامة _ لقوى المعارضة هذه.
لا يبدو واضحا الى اين ستنتهي الامور في تونس, غير اننا نؤيد التحرك الشعبي التونسي ونامل ان تبرز في هذا التحرك قيادة جذرية قادرة على توجيهه نحو اعادة صياغة لهيكل بنية النظام وايديولوجيته يكون الوزن الرئيسي من معاييرهما لصالح تحرير الطبقات الشعبية من معاناتها.
عندنا في الاردن يتخذ النظام والدولة اجراءات واستعدادات مبكرة لمواجهة وضعا طارئا, شبيها بما يحدث بتونس, قد ينشأ في علاقة النظام والدولة بالطبقات الشعبية الاردنية التي طالت معاناتها اقتصادية وتململها من ظرفها المعيشي, وتبدى لها مؤشرات اجتماعية, حدها الادرنى تصاعد العنف الاجتماعي وحدها الاعلى التذمر من الغلاء المعيشي, وتصاعد مستوى وحدة علنية نقد الادارة السياسية للمجتمع.
لكن هذه الاجراءت لم يكن ممكنا لها ان تتجاوز طبيعة نهج الدولة في التعامل مع المجتمع فالرئيسي من بين هذه الاجراءات هو استنفار اجهزة امن الدولة وابداء استعداد الدولة للجوء للقمع, اما الثانوي فيها فهو بعض الاجراءات الاقتصادية التي تستهدف الحفاظ على وتثبيت اسعار السلع. وخطاب اعلامي يستهدف تفكيك وجهة النظر الشعبية, ويبدو ان الدولة عندنا تعمل بالمثل الصيني الذي يقول احمل بيدك عصا غليظة وتحدث بصوت هاديء.
ان جوهر هذه الاجراءات يعكسه محدوديتها ووقتيتها مما يجعل منها مناورة تحاول اللعب على التزامن مع ما يحدث في تونس ومنعه من ان يكون مشجعا لتكراره في الاردن, فهو ليس حالة خروج طاريء عن المالوف في نهج الدولة التي لم تعر يوما انتباها للمعاناة الشعبية. خاصة انها امتلكت دوما سلاح اللعب على التناقضات الاجتماعية كمسالة تنوع الاصول العرقية الى جانب نجاحها في خلق حجم سياسي واسع من المعارضة الشكلية المزيفة للنظام, ضاع في فضفاضيته صوت المعارضة الحقيقية. وهي معارضة مختلطة ليبرالية رجعية, ذات مكون ثقافي طبقي ديني عشائري برجوازي, انتج حياة برلمانية حكومية ونهج تشريعي لا شعبي كما تجلى في نتائج الانتخابات الاخيرة.
ان النظام في الاردن لا يخشى برنامجية المعارضة الاردنية, وهو يعرف تماما مدى الافق الذي يمكن ان يذهب اليه تحركا تحت قيادة مثل هذه المعارضة. غير انه لا يستطيع ان يراهن على المدى الذي يمكن ان يذهب اليه تحرك شعبي مستقل منفلت من سيطرة هذه المعارضة كما يحدث في تونس ولذلك ابدى هذه المرونة المؤقتة التي تدل على قراءة صحيحة من قبله للخارطة السياسية الداخلية والحدة المحتملة لحركتها ضده.
ان ما يبرهن سلامة قرائتنا هذه, هو نوع الخطاب الرسمي الذي اطر اعلان الدولة عن اجرائاتها, فهو نفس الخطاب الفوقي الدائم بين المتصدق المحسن والمتسول العالة, ونفس خطاب تبعيض وتفئيت وتصنيف المجتمع, حيث ينقسم الشعب في هذا الخطاب الى فئات طيبة وفئات سيئة, معتبرين الالتزام بالشرعية والقانون مقياسا للفصل بين الشعب الطيب والشعب السيء, دون ان يحتوي الخطاب على اي اشارة لاحتمال اعادة النظر بالعمق الايديولوجي لنظرة النظام الفوقية للطبقات الشعبية من المجتمع. وسلامة شروط الحياة الاجتماعية ووحدة التوجه القومي والتاكيد على الاستقلالية في الصراع العالمي.
ان اكثر التصويرات تمثيلا لهشاشة فكر النظام الاداري للوضع القومي الاردني, هو حديث معالي وزير المالية, عن وجود مبلغ ( 12 ) مليار دولار احتياطي عملات صعبة متوافر في البنك المركزي الاردني, فهو لا يراه كقيمة استثمارية قابلة للتوظيف في عملية الانتاج القومي, بل يعبر عنه باعتباره قيمة استيرادية زمنية. لمدة ثمانية اشهر او اكثر بحسب تعبيره, الامر الذي يكشف الجوهر الوكالاتي الكمبرادوري للفكر الناظم والموجه لادارة الاقتصاد الاردني وهو فكر الشريحة الراسمالية الرئيسية من مكون طبقة البرجوازية الاردنية التي تمسك بتلابيب المسار القومي. ولا ترى في الوضع القومي الاردني سوى حالة يمكن قبض العمولات عليها من الخارج.
ان هذا الروح الايدولوجي هو سبب الازمة الاقتصادية الاردنية الخاصة, التي تتفاقم حين تتقاطع مع ارتدادات الازمة الاقتصادية العالمية عليها, لان الاقتصاد الاردني اقتصادا استيراديا خدماتيا تبعيا, عاريا من شروط وقدرة الدفاع عن النفس ضد الارتدادات الخارجية عليه. ولا يملك حتى هيئة الاركان نصب عينيها مهمة التحرر الاقتصادي هدفا لها, لان ذلك يعني حرمانها من حرية استثمار اهم مجالات الفساد واكثرها مردودا, وهو المال العام
ان هيئة مكافحة الفساد الاردنية هي هيئة ثانوية جدا في في عملية مكافحة الفساد في الاردنية فهي هيئة ذات قيد قانوني وتتعامل مع الفساد وتكافحه على اساس تكييف تعريفه قانونيا, اختلاسات ونصب واحتيال ورشاوي....الخ. لكن ماذا يمكن لهذه الهيئة ان تعمل مع الشكل الشرعي للفساد؟
ان المسار الرئيسي للفساد في الاردن يتم من خلال الاشراف على ادارة ميزانية الدولة, واعادة توظيف الدخل العام ببعديه الداخلي والقروض, وتوجيهها توجيها انفاقيا وطبقيا. بنهج يبعد هدف توظيفها انتاجيا ويحيلها الى طلبات استيراد من الخارج. عبر مسار الاستجابة لطلبات الانفاق التي تصرف على اهداف ومهمات وهيئات ومؤسسات بيروقراطية خدماتية غير انتاجية. وهذا المال يصب في النهاية بجيوب اصحاب وكلاء الصناعات الاجنبية, واصحاب البنوك.
اما المسار الاخر للفساد فهو في فتح الاردن للمستثمر الاجنبي على اساس احتساب عامل المردود الضريبي, لا على اساس احتساب العامل التنموي, حيث بات الاردن مفتوحا بلا قيد او شرط لنهب مداخيله المالية, دون ان يستفيد حتى باعادة توظيف جزءا من ارباح المستثمر الاجنبي بتنمية الاردن انتاجيا
وحتى المدخول الضرائبي الاردني المستمر في التفاقم والتصاعد ينتهي المال الذي يجمعه الى نفس النتيجة.
ان العيب الرئيسي هو اذن في بقاء اليات الاقتصاد الاردني خارج نطاق التنمية الصناعية ورهن حركة الاستيراد بصورة رئيسية وفي وجود ادارة طبقية مستفيدة تماما من هذه الصورة التي لا نجد توجها لمعالجة امراضها.
إن السؤال يصبح هنا اذن, هل الاجراءات التي اتخذتها الدولة تتم على حساب الميزانية العامة وباتجاه تعميق الازمة الاقتصادية ومن باب ما يقول المثل الشعبي من دهنه اقليه, او هي اجراءات تتم في سياق معالجة الازمة الاقتصادية ولصالح حلها استراتيجيا
ان السماح لبعض الوزارات بالتعيين, وإن كان في احد وجوهه يعني ايجاد فرص عمل إلا ان الوجه الاخر له هو زيادة الانفاق, الذي سيكون شكله الاخير زيادة التحصيل الضرائبي اي تحميل الطبقات الشعبية مزيدا من العبيء, كذلك الامر بالنسبة لاعتماد عشرين مليون دينار لدعم المؤسسات الاستهلاكية المدنية والعسكرية.............الخ. وهل سيعوضني ذلك كمواطن عن تاريخ من عمليات مضاعفة اجرة البيت ومضاعفة فاتورة الكهرباء والماء والغاز ومضاعفة ثمن الرز والسكر والعدس ...........الخ؟
لا داعي اذن للعصا الغليظة ولا داعي لهذه الاجراءات فملعقة سكر لن تلغي مرارة الوضع...
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟