|
الوطنى- وضع قدمه السياسية فى الجبس وقرر السير على ساق واحدة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 971 - 2004 / 9 / 29 - 07:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حسم الحزب الوطنى الديموقراطى خياراته فيما يتعلق بملف الإصلاح، فأعلن انحيازه فى مؤتمره السنوى الثانى لصيغة تعطى الأولوية للإصلاح الاقتصادى وتختصر أجندة الإصلاح السياسى فى قضايا جزئية تفصلها مسافة شاسعة عن مطالب المعارضة، وبخاصة الدعوة الى تعديل دستورى يكفل تغيير قواعد السباق الرئاسى من الاستفتاء الى الانتخابات التعددية، ومن التجديد اللانهائى إلى التقييد بمدتين لا ثالث لهما، كما يكفل إطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وحق الأفراد والجماعات فى إصدار صحفها المستقلة، وكذلك حقها فى إطلاق قنواتها التليفزيونية والإذاعية الخاصة بعيدا عن هيمنة الدولة واحتكارها المطلق. ورغم أهمية الإصلاحات الاقتصادية التى اعتمدها مؤتمر الحزب الوطنى، والتى ظلت حكومات الحزب السابقة تناوئها وترفضها سنوات متلاحقة.. ورغم ان هذه الإصلاحات - وبالذات الجمركية والضريبية – يمكن ان تسهم فى بث الحيوية فى شرايين الاقتصاد المصرى ودفع عجلة الاستثمار على المدى القصير.. فأن تأجيل البت فى المسائل السياسية الملحة ، والتى تشكل لب الجدل الدائر على الصعيد الوطنى حاليا، يضع علامات استفهام حول مردود الإصلاحات الاقتصادية التى تم إقرارها على المدى المتوسط والبعيد. فمن ناحية.. لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، ولا يمكن تصور إصلاح اقتصادى مستمر وفعال بدون إصلاح سياسى يخلق مناخا مواتيا وباعثا للاستقرار. وعلى سبيل المثال فانه من قبيل التناقض الحديث عن إصلاح اقتصادى حقيقى فى ظل استمرار قانون الطوارئ. لأن جذب الاستثمارات له مرتكزات متعددة من ضمنها البيئة السياسية والتشريعية والقانونية ومقدار ما يتحقق فيها من شفافية. وهذه كلها أمور لا تنسجم مع استمرار حالة الطوارئ. وإذا قيل ان الطوارئ لا علاقة لها بهذا كله.. فإن ذلك يطرح سؤالا حول سبب بقائها وجدواها من الأصل. وإذا لم تكن تؤثر على أى من هذه المرتكزات فلماذا يتم التمسك بها، ويتحمل النظام وزرها، طالما أنها لن تستخدم. ومن ناحية ثانية فإن الإصلاح الاقتصادى ذاته يحتاج الى تعديل دستورى، لأن الدستور الحالى لم يعد يعبر عن الواقع الاقتصادى والاجتماعى، ولا ينسجم مع الاتجاهات الراهنة للاقتصاد المصرى. ويكفى إلقاء نظرة عابرة على الدستور لنرى أنه مزدحم بعبارات وكلمات تتحدث عن "الاشتراكية" والدور القائد والرائد للقطاع العام.. الى آخر هذه الأمور التى تتناقض مع واقع الحال. ومن ناحية ثالثة.. وحتى مع افتراض سلامة التوجهات التى تعبر عنها السياسات الاقتصادية الجديدة.. فإن هذا الإصلاح الاقتصادى – الذى طالما طالب به الكثيرون فى السنوات الماضية وتلكأت الحكومة وحزبها فى القبول به بدليل تشبثها بتنفيذ سياسات مخالفة – نقول أن هذا الاصلاح الاقتصادى ذاته يتطلب رجالا ملائمين لتنفيذه . فليس منطقيا ان يقوم نفس الأشخاص بتنفيذ سياسة ما وعكسها. وهذا يعنى أن منطق الإصلاح الاقتصادى ذاته كان يستوجب تغييرا فى الوجوه، وان يكون هذا التغيير أوسع نطاقا من استبدال وزير بآخر أو إجراء حركة "تنقلات" داخلية بين نفس الوزراء وكبار المسئولين، على غرار سياسة " إعادة الانتشار". ومن غير المعقول – على سبيل المثال – أن يكون نفس الأشخاص الذين دافعوا عن "التشوهات الجمركية" والهيكل الضريبى السابق هم المنفذين للسياسات الجمركية والضريبية الجديدة! وأذكر بهذا الصدد أننى ذهبت مع مجموعة من زملائى وزميلاتى الى أحد هؤلاء المسئولين السابقين، والحاليين أيضا، وطرحنا عليه أسئلة عن هذه التشوهات الجمركية والضريبية المعوقة للاستثمار والمفتقرة للعدالة والمنطق، فما كان منه إلا ان أبدى الدفاع عن هذه السياسات بحماس عظيم. ولا بأس فى ذلك طالما كانت هذه هى قناعاته. لكن المثير للدهشة ان الصحف تنقل عنه هو نفسه هذه الأيام دفاعا بذات الحماس عن التوجهات الجديدة، ونقدا لاذعا للسياسات السابقة باعتبارها سياسات "جبائية"! والأهم من هؤلاء البيروقراطيين الذين لا يتورعون عن الدفاع عن الشئ ونقيضه أن منطق الإصلاح الاقتصادى كان – ومازال – يتطلب "غربلة" تنظيمية للحزب الحاكم. فإذا كان مهندسو هذا الإصلاح يريدون من الناس ان تنظر اليه بجدية، فانه كان يجب عليهم ان يقوموا – علنا وعلى رءوس الاشهاد – بحركة تطهير للحزب من رموز الفساد. وهو الأمر الذى جعل كاتبا كبيرا بوزن مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة "المصور" يتمنى "لو ان الحزب تمكن من تنقية صفوفه من شخوص وأفراد عديدين لا يزالون يشكلون عبئا عليه، ويسيئون إليه بأكثر مما يفيدونه، ويتربحون من ورائه بأكثر مما يبذلون من أجله، فى مستويات عديدة ، تبدأ بصفقات السماد الى فضائح الامر المباشر ، مروراً بتسعيرة الخدمات المشهرة فى بعض المحافظات ". وتمنى مكرم محمد احمد كذلك على الحزب الوطنى او على تيار التجديد داخله " ان يسعى كى يكون للحزب " كود " اخلاقى وقيمى يقوم على معايير عملية ، تشكل نوعاً من الالتزام الحزبى ، وتفرز الصالح من الطالح مثل مدى الاختلاط بالجماهير ، والميل الى خدمة المجتمع ، والحرص عل حسن السمعة ، واكتمال الهيئة ، إضافة الى محاذير الفساد والتربح والبلطجة " . وهذا " التمنى " يكتسب أهميته على ضوء تجارب الماضى حيث ثبت تورط بعض المنفذين فى الحزب الحاكم ، والمتسترين " بحصانة " عضويته، فى قضايا فساد كريهة ومفزعة . ومع ذلك لم نسمع – قبل المؤتمر السنوى الثانى للحزب الوطنى أو أثناءه أو بعده – عن حملة لتطهير الحزب من جماعات الفساد والارتزاق والتربح والبلطجة . ومن ناحية رابعة.. فان الإصلاح الاقتصادى ليس عملية " داخلية " فقط ، وانما له أبعاده الإقليمية والدولية ، سواء بحكم موقع مصر ومكانتها ، وما يفرضه هذا المكان وتلك المكانة من اعتبارات سياسية – اقتصادية ، او بحكم متطلبات عصر "العولمة" وما يفرضه من تشابكات لا فكاك منها ولا مجال لتجاهلها . ومع ذلك .. نجد ان حديث الحزب الوطنى عن الإصلاح الاقتصادى اغفل هذين البعدين.. الإقليمي والدولى . وثمة أمران يبعثان على القلق من غياب الحديث عنهما: الأمر الأول هو ما عبر عنه أيضا مكرم محمد احمد من تحذير من عناصر داخل الحزب الوطنى تحاول ان تجره نحو ليبرالية مطلقة لا وجود لها فى عالم الواقع، ولا ترعى حقاً لفئات المجتمع الأقل قدرة ، وتتبنى شعارات سخيفة من نوع "اللى ممعهوش ما يلزموش " ، وتعميها مصالحها الذاتية عن رؤية مخاطر هذا التوجه على سلام مصر الاجتماعى ، وتشتط على الطريق الآخر تردد اسطوانات مشروخة عن مباهج العولمة والأمركة والسوق المتحررة من كل ضابط ، ولا تتوقف عن دعوة مصر الى ان تكف عن اعتبار نفسها الحارس على مصالح الأمة العربية والامين على القضية الفلسطينية ، بحجة ان العروبة شرك خادع يستنزف الجهد الوطنى، وان أمريكا هى الحل والملجأ والملاذ ، وانه ليس من مصلحة مصر ان تكون وحدها الطرف المناوئ لاسرائيل" . الأمر الثانى .. انه قبل ان يجف مداد تحذير " مكرم " ، وبعد ساعات معدودات من انفضاض مؤتمر الحزب الوطنى ، بدأ يتردد كلام كثير فى الكواليس عن بدء خطوات عملية لاخراج ملف " الكويز " من الادراج وتطبيقه بالفعل . و " الكويز " لمن لا يعلم هو " اختراع " أمريكي ترجمته الحرفية "المناطق الصناعية المؤهلة" وخلاصته انه نظام لإعفاء السلع الواردة الى الولايات المتحدة من الجمارك إذا كان بهذه السلع نسبة من المكونات الإسرائيلية . وقد بدأ العمل بهذا النظام فعلا فى الأردن ، وثار جدل ساخن بشأنه فى مصر ونشرنا وجهات النظر المختلفة على صفحات " العالم اليوم " .. وهى وجهات نظر لا تبنى تقييمها لـ " الكويز " على الاعتبارات السياسية فقط وانما على الاعتبارات الاقتصادية أيضا واساساً واحتكاماً الى معايير الربح والخسارة على الاقتصاد ككل وليس على هذا القطاع أو ذاك فقط، وعلى المدى البعيد أيضا وليس على المدى القريب فحسب . فما هو موقف سياسة الإصلاح الاقتصادى التى تبناها الحزب الوطنى من هذه القضية ؟ وهل توجد علاقة بين هذا الموقف الغائب وغير المعلن ، وبين دوران عجلة تنفيذ صفقات "الكويز" فى أعقاب المؤتمر السنوى الثانى للحزب الوطنى؟ وهل يمكن انتهاج سياسة كهذه دون حوار صريح وحر داخل الحزب الحاكم.. ودون حوار صريح وحر مع كافة الاطراف والأحزاب والنقابات؟ هذه الملاحظات السريعة تقودنا الى القول بأن حزمة الإصلاح الاقتصادى التى تبناها مؤتمر الحزب الوطنى الديموقراطى ربما تكون إيجابية من بعض النواحى، وربما سيكون بإمكانها تحريك عجلة الاقتصاد المصرى الراكد وتنشيط الاستثمار الذى عانى طويلا من بيئة طاردة وغير مواتية، وربما تمثل استجابة لبعض المطالب التى رفعتها دوائر اقتصادية وحتى معارضة فى السنوات السابقة، لكن هناك أسئلة جوهرية مازالت مطروحة بصددها وتنتظر إجابات واقعية. وعلى رأس هذه الأسئلة معضلة العلاقة العضوية بين الإصلاح الاقتصادى والاصلاح السياسى. وهذه الأسئلة، بما فيها ذلك السؤال المحورى، تستحق ان تكون على جدول أعمال كل من يعنيه الأمر فى المرحلة الراهنة. فالمؤتمر السنوى الثانى للحزب الوطنى ليس نهاية المطاف، ومن غير المعقول أن يتطوع حزب سياسى ليحول نفسه- وهو فى كامل قواه العقلية – الى جمعية اقتصادية، بينما تقنع أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدنى بدور "المكلمة" السياسية.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التليفـزيون المصرى رسـب فى امتحان الحـزب الــوطنـى
-
!الحثالة السياسية
-
الوصاية الأمريكية على الدنيا .. والدين !
-
!سيادة الوطن .. واستعمار المواطن
-
- كولن باول - منافـق .. لكننا لسـنا ملائكـة
-
الطبقة السياسية اللبنانية تتنازل عن امتياز التغريد خارج السر
...
-
الحجـاب الفــرنســـى .. والنقـاب الامـريـكـى
-
-مقهى- ينافس وزارات الثقافة العربية فى فرانكفورت
-
دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية 3-3
-
(دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية (2-3
-
(دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية (1-3
-
الفلوس والثقافة العربية
-
يوسف بطرس غالي.. وفتوي الفتنة
-
ما هى الجريمة الكبرى التى تستدعى إطفاء أنوار العراق؟
-
حزمة يوليو .. مجرد -خريطة طريق- لمنظمة التجارة العالمية
-
!بلد المليون شهيد .. ومعتقل
-
ثقافة البازار.. أقوي من مدافع آيات الله
-
مـجمــوعـة الـ 15 تستـعـد لإحيــاء روح بانــدونــج
-
النـكــوص الـديمقــراطي
-
مؤتمر طهران يفتح النار على منظمة التجارة العالمية
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|