لماذا نرفض الحرب والدكتاتورية ؟ ( 2 )
ينتقد البعض رفض الحزب الشيوعي العراقي لخيار الحرب والتدخل الأجنبي لإسقاط النظام الصدامي الدموي المقيت، معتبراً إياه "خدمة" لمصلحة النظام، متجاهلاً دافع الحزب الحقيقي وهاجسه الأكبر، ألا وهو حرصه على شعبنا العراقي من أن تطوله المزيد من الكوارث والماَسي، دون تخلي الحزب لحظة واحدة عن مهمته النبيلة، شأنه شأن كل وطني عراقي مخلص، وكل طرف عراقي معارض حريص على حاضر ومستقبل شعبه، لإسقاط نظام القتلة، والخلاص من حكمهم القمعي الفاسد، بأسرع ما يكون، لتحقيق أمنية شعبنا العراقي المظلوم، التي ينتظرها على أحر من الجمر، ليعيش كالشعوب الأخرى بحرية وديمقراطية وسلام، وبأمن وإستقرار.
ويبدو إن البعض المذكور غير مدرك الى أن الحرب، وخصوصا التي تلوح بها الولايات المتحدة، ليست نزهة، ولا هي لعبة بريئة، وإنما هي فعل مكروه، في كل الأحوال،لأن الحرب رديف للموت والدمار والخراب، وهذه المرة سيكون الموت والدمار والخراب فضيعاً للغاية، لكون الحرب القادمة ضد العراق ستتصف، من جديد، بعدم تكافؤ القدرات والإمكانيات، حيث تعتزم القوات الأميركية الانطلاق- بحسب التقارير التي نشرت- من محاور عربية عدة، ومن تركيا، للدخول الى الأراضي العراقية، مسبوقة بقصف واسع، ومن عدة جهات أيضاً، بينما الطاغية لا يهمه العراق وشعبه، بل كل ما يهمه هو مصلحته وحاشيته، وهو على استعداد للتضحية بكل الشعب العراقي من أجل بقائه في السلطة، ولا أدل على رعونته وتهوره واستهتاره من توعده، قبل أيام:" بالقضاء على الوجود الأمريكي في المنطقة في حال تعرضه لهجوم أمريكي"، بدلاً من التفكير الجدي بالمخاطر الرهيبة التي تنتظر العراق وشعبه في الحرب الجديدة.
ينبغي أن يعلم أنصار الحرب ضد العراق بأن النظام الدكتاتوري الحاكم مهما امتلك من أسلحة ومعدات حربية، ومهما كانت متطورة وفتاكة، فأن الولايات المتحدة وحدها تمتلك منها أضعافاً، وهي المعروفة بتفوقها العسكري عالمياً في المجالات الهجومية والدفاعية، فهي تمتلك أحدث أنواع الأسلحة وأجددها وأكثرها تدميراً وفتكاً، وقد جربت أنواعاً منها، وطورتها، وأثبتت فاعليتها في الحرب ضد يوغسلافيا، و في حربها ضد أفغانستان، ومنها: صواريخ " كروز" و " توماهوك " بعيدة المدى، و" باتريوت" والصواريخ الإلكترومغناطيسية E.BOMBEN، والقاذفت العملاقة " بي52" و "بي1" و "أي سي130"،التي تدعى "التنين السحري"،والقنابل الحديثة ذات القدرات التدميرية الهائلة، مثل: قذائف الأبخرة الحارقة، و قنابل GBU28 ذات القدرة الكبيرة على اختراق التحصينات بعمق 30 متراً تحت الأرض، وتزن 5،32 طناً، والقنابل العنقودية، بأنواعها المختلفة، مثل CBU87/B وتزن الواحدة 430 كيلوغراماً وتحمل 202 قنبلة صغيرة من نوع LU97/B202 و BLU97/B تتفتت الى 300 شظية قاتلة، والقنابل الذكية ذات التوجيه الذاتي والمزودة بأجهزة إرشاد تلفزيوني أو أجهزة تعمل بالأشعة دون الحمراء، وقنابل BLU82 ، التي تسمى " الأقحوان القاتلة" أو " كريزي كنتر" وهي قنابل ثقيلة جداً وتزن نحو 15 ألف رطل، تقذفها،عادة، طائرات من طراز "سي ـ130 هيركيوليس" لتنفجر وسط كرة هائلة من النيران التي تحرق كل شيء في دائرة قطرها 600 ياردة.. وعدا هذا فأن التقارير العسكرية تؤكد بأن البنتاغون سيستخدم ضد العراق أسلحة جديدة ذات قدرة تدميرية أكبر من المعروفة حالياً، وتنتج مصانعه حالياً الكمية اللازمة من الصواريخ والقنابل، وبضمنها قنابل نووية نيتروجينية صغيرة الحجم. وقد لمح تقرير سري للبنتاغون، كشفت عنه صحيفة " لوس أنجليس تايمس" في 8/3/2002، يقول بأن البيت الأبيض طلب من البنتاغون وضع خطط عاجلة للجوء محتمل الى استخدام السلاح النووي ضد الصين وروسيا والعراق وكوريا الشمالية وايران وليبيا وسوريا.
والخطط العسكرية والإستراتيجية بشأن العراق تلمح الى نحو 4000 موقعاً، في أنحاء العراق، سيتم قصفها وتدميرها.. فأين ستسقط الصواريخ والقنابل الأمريكية ؟ أليس على رؤوس أبناء وبنات شعبنا، وستدمر ما تيقى من البنية التحتية ؟! وهل ستفرق الإنفجارات والصواريخ والقنابل وشضاياها وغازاتها وإشعاعاتها القاتلة بين عسكري ومدني، أو بين فرد من العصابة الحاكمة وأزلامها وبين مواطن من ضحايا النظام الدكتاتوري المجرم ؟!
علماً بان دونالد رامسفيلد- وزير الدفاع الأمريكى، تحدث، في 29/7، في تصريحات أدلى بها في مؤتمر صحفي في مقر قيادة القوات الامريكية المشتركة بسافولك بولاية فرجينيا،عن" مواقع عسكرية عراقية كيماوية تتحرك على قاطرات ضمن أنفاق محفورة، مدفونة على عمق كبير، ويصعب تدميرها باستخدام السلاح الجوى فقط"، مشيراً الى " الحاجة الى فئات وأنواع جديدة من الاسلحة والمعدات المتطورة التي تلائم متطلبات المرحلة الحالية وظروفها. وفي المقدمة تبرز الحاجة الي المزيد من الذخائر الموجهة بدقة، والذخـائر التدميرية القادرة علي اختراق المواقع والتحصينات الارضية كالكهوف والملاجئ والدشم المصفّحة والطائرات الموجهة عن بعد من دون طيار، والقادرة علي تنفيذ مهمات الرصد والمراقبة والاستطلاع والقصف والهجوم الارضي علي مختلف المستويات والارتفاعات وفي جميع الاحوال والظروف الجوية، من دون تعريض حياة الطيـاريـن والملاحين للخطر، كما هي الحال بالنسبة الي الطائرات التقليدية". وكانت "واشنطن بوست" أشارت، في 13/3/2002، الى دراسة اعدها السلاح الطبي التابع للجيش الاميركي، تؤكد بان حوالي 2.4 مليون شخص يمكن ان يموتوا او يصابوا بجروح في حالة حدوث هجوم ارهابي على احد مصانع المواد الكيماوية الموجودة في منطقة مزدحمة بالسكان. وتقول هذه الوثيقة الطبية المخصصة لتقييم المخاطر المحتملة التي اكتملت بعد شهر من هجمات 11 ايلول، ان الاصابات التي يمكن ان تنتج عن هجمات على مصانع المواد الكيماوية السامة، ستكون ضعف اكثر التقديرات الحكومية تشاؤماً..
ثم هل ثمة عاقل يصدق بأن أمريكا ستخوض الحرب القادمة ضد العراق لسواد عيون الشعب العراقي، وهي التي سيتعين عليها تحمل الجزء الأكبر من تكلفة الهجوم المقدرة بـ 80 مليار دولا، كحد أدنى، وعبء أى صدمة فى اسعار البترول أو أى خلل فى الأسواق الأخرى - بحسب " نيويورك تايمز"، في 30/7، بالإستناد الى دبلوماسيين وخبراء في الإقتصاد..؟!
إننا لا نثق، شأننا شأن الغالبية الساحقة من أحزاب وقوى شعبنا، بالحرب الأمريكية، وبصقور أمريكا، وبالأدارة الأمريكية، التي تشترك مع النظام الدكتاتوري، مشاركة فعلية، في عملية تحطيم شعبنا وإذلاله لا غير. ولا يمكن للمرء أن ينسى الأحداث التأريخية المأساوية والدور الأمريكي فيها، ومنها- على سبيل المثال لا الحصر- مجيء زمرة الإنقلاب الدموي الفاشي في 8 شباط 1963 بقطار أمريكي- بحسب إعتراف قادة الإنقلاب، وقتل عشرات الآلاف من خيرة أبناء وبنات شعبنا على يد قطعان " الحرس القومي" العفلقية، بالإستناد الى قوائم قدمتها لهم المخابرات الأمريكية، ولا الدور المعروف للإدارة الأمريكية في سحق إنتفاضة شعبنا المجيدة في اَذار/ مارس 1991.
وإذا نسي أحد أو تناسى تلك الأحداث، فهل ينسي ما فعله، ويفعله، الحصار الإقتصادي الأمريكي الظالم المفروض على شعبنا، الذي قتل لحد الآن أكثر من مليون ونصف المليون عراقياً جوعاً وتحت وطأة الأمراض والألام، بحيث لم تسلم ولا عائلة واحدة من اَثاره ، بينما بقي المجرم - صدام حسين ونظامه القمعي، المسؤول الأول والأخير عن غزو الكويت وإشعال نار حرب الخليج الثانية- جاثماً على صدر شعبنا، لا بل وأصبح، في ظل الحصار، أقوى وأكثر عدوانية وإجراماً.. وكيف له أن ينسى أبشع جرائم الحرب الدولية في القرن العشرين، التي إقترفتها القوات الأمريكية بحق شعبنا، ألا وهي إستخدام سلاح اليورانيوم المنضب، وتجريبه لأول مرة في ميادين القتيل "الحية"، وتحويل شعبنا الى حقل تجارب، فهلكت أمراض السرطان، التي سببها، أكثر من 600 ألف عراقياً، معظمهم من الأطفال- براعم حاضر ومستقبل العراق ؟!!
والغشيم من يصدق الفرضيات الأمريكية، الزاعمة بإن الحرب المزمع شنها لن تكون إلا " في صالح " الشعب العراقي والشعوب العربية، وأنها" تستطيع" أن تعتمد عليها لـ"تتخلص" من طاغية يهدد أمن شعبه وأمن المنطقة التي تفتقر بسببه للاستقرار.. فهي ليست سوى فرضيات مخاتلة، كاذبة، ومغرضة !
وليس من الحصافة السياسية تصديق الفرضيات الأمريكية، الزاعمة بإن الحرب المزمع شنها لن تكون إلا " في صالح " الشعب العراقي والشعوب العربية، وأنها" تستطيع" أن تعتمد عليها لـ"تتخلص" من طاغية يهدد أمن شعبه وأمن المنطقة التي تفتقر بسببه للاستقرار.. فهي ليست سوى فرضيات مخاتلة، كاذبة، ومغرضة !ا
4 / 8 / 2002