كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 971 - 2004 / 9 / 29 - 07:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
نشر الزميل الدكتور خير الدين حسيب مطالعته التي قدمها في ندوة الديمقراطية التي عقدت في بيروت في شهر أيلول/سبتمبر 2004. والدكتور حسيب مقل في الكتابة وعندما يكتب, كما أرى, غالياً ما يخطئ الهدف. سأحاول البرهنة على هذا الادعاء من خلال مناقشتي لأفكاره الواردة في تلك المطالعة والتي نشرت في جريدة القدس اللندنية في نفس الفترة.
فكرت كثيراً في الطريقة التي سأعالج بها أطروحات الزميل حسيب, واستقر رأيي على تناول موضوعاته وفق التسلسل الذي جاءت به في مطالعته, إذ أنها الطريقة الأكثر جدوى. وأملي أن يكون القراء قد اطلعوا على ما نشر في جريدة القدس اللندنية لصاحبها السيد عبد الباري عطوان.
يبدأ مداخلته بالحديث عن الديمقراطية التي لا يمكن تعلمها عبر قراءة كتاب, بل لا بد من ممارستها في إطار المجتمع المدني ..الخ, ثم يؤكد بأن "ثمة أنظمة تعرفون طبيعتها ومعارضة أو قوى وطنية معظمها لا يريد التفاهم أو التعاون مع هذه الأنظمة, ومعظم هذه الأنظمة لا يريد التعامل مع القوى الوطنية أو المعارضة"(مدخل مطالعته. ص 1). أتفق مع الزميل حسيب بأن الديمقراطية عملية اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة وطويلة الأمد, وتحتاج إلى مسلزمات كثيرة. هذا صحيح جداً. ولكن دعوني أتساءل عن ثلاث نقاط:
1) هل كانت القوى القومية, التي يمثل الدكتور حسيب أكثر أجنحتها يمينية وشوفينية, على امتداد نصف القرن المنصرم حتى اليوم ديمقراطية ومارست الديمقراطية عندما وصلت إلى الحكم في عدد من الأقطار العربية. وهل وقفت ضد نظام صدام حسين عندما مارس الدكتاتورية بأشد أشكالها شراسة وعنفاً في العراق وعندما مارس السياسات العنصرية والطائفية والعشائرية, أم أنها انسجمت معه ودافعت عنه بكل قوة وعقدت مؤتمراتها عنده في بغداد وفي "أحضان الأسد الرهيص والقائد الضرورة" وتمتعت بمساعداته ودعمه لها؟
2) هل اتخذت الموقف الديمقراطي والمسئول عندما وجه ضرباته ضد الشعب الكردي واستخدم السلاح الكيماوي في حلبجة وفي عمليات الأنفال وضد سكان الأهوار الشيعة في جنوب ووسط العراق وعندما هجر الكرد الفيلية, أم أنها وجدت نفسها منسجمة معه في ذلك ولم تحتج, بل ساعدته في كل ذلك؟ ولماذا لم ترد كلمة واحدة حول شجب تلك الأعمال الإجرامية التي ارتكبها النظام ضد الشعب الكردي والقوميات الأخرى على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة أو يذكرها على أنها من سلبيات النظام؟
3) وهل هي الآن تتخذ الموقف الديمقراطي من الشعب العراقي وهي تعلن الحرب على الحرس الوطني والشرطة العراقية في تأييدها لأعمال الإرهاب في العراق بحجة طرد المحتلين, في حين أنها تعرف, وهو يعلم علم اليقين أيضاً, بأنها عصابات تمثل جماعات بن لادن والزرقاوي وحامد الكبيسي وفلول أجهزة أمن وفدائيي صدام حسين وجمهرة من الطائفيين الشيعة المتمثلين بمقتدى الصدر؟ ألا يجد في حركات بن لادن والزرقاوي والكبيسي تحركات طائفية مناهضة للواقع العراقي؟ هل استفسر من الغالبية العظمى من بنات وأبناء الشعب العراقي وفي ما إذا كانوا يريدون حقاً خوض القتال بهذه الطريقة العدوانية التي تقتل وتجرح يوميا عشرات العراقيات والعراقيين في معركة لا معنى لها, في حين يمكن الوصول إلى طرد المحتلين بطرق وأساليب أخرى اتفقت عليها الغالبية العظمى من القوى والأحزاب السياسية الوطنية العراقية؟
الديمقراطية عملية معقدة, ولكن المفروض أن تستوعبها القوى المثقفة أولاً وتلتزم بها ثانياً لتستطيع إيصالها إلى بقية الشعب وبالطريقة المناسبة. لقد تم السكوت عن دكتاتورية معمر القذافي سنوات طويلة, إذ كانت أجهزته تقتل وتعتقل وتعذب في الداخل والخارج, ولكن القوى والأحزاب القومية اليمينية, وهو من أبرز العاملين فيها, سكتت عنه, وبدأت تتحدث عن أشياء معينة في النظام عندما غير نهجه إزاء الولايات المتحدة, في حين أنه لم يتغير كثيراً في كل شيء, بما في ذلك إرهابه ضد البشر الليبي, فهل في هذا ثمة ديمقراطية أو فهم للديمقراطية من جانب القوى القومية ومن السيد حسيب بالذات؟
ليست النظم العربية كلها بعيدة عن الديمقراطية فحسب, بل الكثير من القوى السياسية في منطقة الشرق الأوسط ومنها البلدان العربية. وهنا لا أقصد القوى القومية وحدها, بل غالبية القوى السياسية العربية, وهي محنتنا في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط. والنظم القومية كانت من أشرس النظم التي سلطت إرهابها ضد القوى الديمقراطية وضد الشيوعيين وقوى اليسار الأخرى. ألم تمارس مصر القمع في زمن عبد الناصر, ألم يمارس النظام البعثي في العراق أو في زمن القوميين بقيادة عبد السلام وأخيه عبد الرحمن عارف القمع والإرهاب, ألم تمارس سوريا في زمن مختلف النظم البعثية القمع ضد المعارضين, ألم يمارس نظام القذافي ذلك. هل كانت هذه النظم ديمقراطية أم استبدادية خانقة؟ كلها يا سيدي الفاضل كانت استبدادية بصيغ مختلفة. ولا استطيع الإدعاء أبداً بأن أي حزب شيوعي لو كان قد وصل إلى السلطة في أي من تلك البلدان لمارس الديمقراطية, وهكذا بالنسبة إلى أغلب القوى السياسية. نحن أمام محنة وعلينا استيعاب جوانبها المختلفة في المرحلة الراهنة وعلينا أن لا نضيع الفرصة للمطالبة بالديمقراطية, لأن الولايات المتحدة قد طرحت الموضوع أيضاً, بغض النظر عن الأهداف التي دفعتها إلى طرح الموضوع. فالشعوب في المنطقة قد طرحت المسألة منذ عقود وتطالب بها وقدمت التضحيات من أجلها, ولكنها لم تستطع الوصول إلى إقامة الديمقراطية في أي بلد من بلدان المنطقة. ولا شك في أن العلاقات الإنتاجية السائدة والتخلف العام لعبا دوراً بارزاً في كل ذلل, وكذا السيطرة الأجنبية. لا بد لي أن أؤكد بأن القوى القومية والقوى البعثية لعبت دوراً كبيراً في اغتصاب الحرية الفردية والديمقراطية وداست على حقوق الإنسان حيثما وصلت إلى السلطة, كما أنها ساهمت في اغتصاب حقوق القوميات الأخرى حيثما وجدت قوميات أخرى, كما هو الحال في العراق أو في الدول المغاربية أو في السودان وحرمتها من ممارسة حقها في تقرير المصير.
أما الملاحظة الثانية التي تخص المدخل فتتعلق بمحاولة إعادة تقييم الملك فيصل الأول, وهي ملاحظة تخص العراقيين من المشاركين في الندوة بشكل خاص كما أشار إلى ذلك الدكتور حسيب. لقد طرحت هذه الموضوعة بشكل تعسفي, إذ أن الهدف لم يكن تقييم الملك فيصل الأول, إذ توجد الكثير من الدراسات حوله وجرى تقييمه بشكل معقول جداً, بل كان الهدف طرح إعادة تقييم "الرئيس صدام حسين!". ومن المفيد أن أتطرق إلى نقطتين, وهما:
أ. ما يزال الدكتور حسيب يطلق على صدام حسين ب "الرئيس صدام حسين", والغريب بالأمر أنه يعرف تماماً عمليات التزوير التي كانت تجري في مهازله الانتخابية سواء أكانت لرئاسة الجمهورية أم انتخابات ما سمي بالمجس الوطني. إذ لم تكن هناك أية انتخابات حرة في العراق, فلم يكن هناك أي مرشح غيره لرئاسة الدولة, ولم تكن هناك قائمة غير قائمة حزب البعث التي طرح للتصويت. ومع ذلك كان صدام حسين يريد الحصول على مئة بالمئة 100% من أصوات الناخبات والناخبين, حتى لو لم يشارك شعب كردستان في تلك الانتخابات. وكانت أجهزته القمعية المتوحشة هي التي تضمن له هذه 100%. ورغم معرفته بهذه الحقيقة يدعوه حتى الآن بالرئيس صدام حسين, إذ ما تزال "يد الثورة طويلة" كما كان يعبر لنا دوماً عند اللقاء به والحديث عن الوضع في العراق. وهي نفس الصفة التي أطلقها الدكتور وميض عمر نظمي على صدام حسين بعد سقوطه في أحدى الندوات التلفزيونية من إحدى الفضائيات العربية. والدكتور وميض عمر نظمي من نفس التيار القومي الذي يمثله الدكتور حسيب.
ب. يحاول الزميل حسيب إبراز جوانب معينة من شخصية وأعمال صدام حسين ليقول لنا أن هذا الرجل عمل الكثير للعراق والبلدان النامية, ومنها الدول العربية, إلى جانب تلك المسائل السلبية التي قام بها في العراق.
لا أدري إن كان أي إنسان سوَّي قادر على التفكير بالطريقة التي يفكر بها الدكتور خير الدين حسيب, إذ من حقي أن أتساءل بصوت مرتفع هل هذا الكلام حقاً صادر عن أستاذ جامعي له خبرته العلمية والعملية وله تجربته السياسية ومعاناة معينة, رجل خبر وشارك في حكم غير ديمقراطي ويتحدث عن صدام حسين بهذه الطريقة الفجة ويعقد ندوة فكرية عن الديمقراطية مع مؤسسة سويدية ديمقراطية؟ دعونا نحاور الدكتور حسيب في هذا الصدد.
النظام البعثي وقبل وصول صدام حسين إلى السلطة كاملة اتخذ جملة من الإجراءات والسياسات التي انطلقت من مواقع العزلة التي كان يعيش فيها, بما في ذلك التحالف الخاطئ الذي أقرته وساهمت به قيادة الحزب الشيوعي العراقي, وكنت أنا فيها وأتحمل مسؤوليتي في ذلك أيضاً. وكان التأميم وكانت عمليات التنمية الانفجارية التي قاومتها بقوة وتناقشت مطولاً مع رئيس مكتب الشئون الاقتصادية لدى مجلس قيادة الثورة, السيد الدكتور فخري قدوري على عدم صواب تلك السياسة وجرى تفريط هائل في الموارد المالية, وهي التي تحدث لي بها عضو القيادة القطرية ووزير التخطيط حينذاك, عدنان الحمداني, الذي قتل مع مجموعة من قياديي البعث. لقد جرت محاربة الأمية وكانت فيها نجاحات ملموسة, شاركت في إنجاحها بشكل خاص القوى الديمقراطية التي ساهمت بحمية في تلك الحملة. ولكن الأسئلة الأساسية التي يفترض أن نطرحها على أنفسنا هي: ما هي طبيعة النظام الذي قاده صدام حسين, وما هي السياسات الفعلية التي مارسها في العراق, وما هي المواقف التي اتخذها إزاء الشعب والقوميات في العراق, ومنها قضية الشعب الكردي؟ دعني أذكر الدكتور خير الدين حسيب أن النظام النازي في ألمانيا, وعلى رأسه الدكتاتور الشمولي هتلر, قد قام بإعمال كثيرة في ألمانيا قبل بدء الحرب العالمية الثانية, وحرك ونمّا لاقتصاد الألماني وعزز مواقع رأس المال الألماني وازدادت صادرات البلاد وشغل كثرة من الأيدي العاملة العاطلة وحقق نجاحات في مواجهة البطالة والأزمة الاقتصادية في ألمانيا. ولكن هتلر كان دكتاتوراً وعنصرياً وأداة لاستغلال الشعب وأشعل حرباً عالمية وتسبب في موت الملايين من البشر, سواء في الحرب أم في المعتقلات النازية. والشعب الألماني لا يتذكر من هتلر إلا هذه الأفعال الشنيعة, في ما عدا القوى النازية الجديدة تتذكر هتلر بالخير لأنه شغل العاطلين عن العمل وحرك الاقتصاد الوطني وفتح الطرق ...الخ.
لنرى ماذا فعل صدام حسين في العرق, لكي نتساءل هل يمكن أن يقيم أي إنسان عاقل سياسة صدام حسين بالطريقة التي قيم بها الدكتور خير الدين حسيب شخصية ونظام وسياسة صدام حسين؟ إليكم ما يلي:
• قام باعتقال وتعذيب القوميين العراقيين, ومنهم خير الدين حسيب نفسه, والبعثيين اليساريين ومجموعة في الحكم العارفي. وكان التعذيب شرساً ورهيباً ومهيناً. ويمكن أحالة الأخوات والأخوة من القراء إلى السيد هارون محمد ليتحدث لهم عن الأساليب التي مورست في معتقل قصر النهاية في بغداد ضد القوميين والبعث اليسار, إذ لديه ما يكفي من المعلومات عن عمليات التعذيب التي تعرض لها القوميون حينذاك ومنهم طاهر يحيى وخير الدين حسيب وغيرهما.
• قام باعتقال وتعذيب الشيوعيين من مجموعة القيادة المركزية التي كان يقودها السيد عزيز الحاجز وقد تعرض البعض منهم إلى أبشع أنواع التعذيب وهدر الكرامة.
• ثم بدأ بمطاردة كوادر وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي وعرض الكثير منهم إلى التعذيب المماثل للآخرين, كما قام بقتل العديد منهم, وحاول تصفية التنظيم الشيوعي.
• مارس الحرب ضد الشعب الكردي ثم أجبر على عقد اتفاقية الحكم الذاتي, ثم بدأ بالتآمر على القيادة الكردية وحاول اغتيال الملا مصطفى البارزاني, ثم تآمر مع الشاه لضرب الحركة الكردية المسلحة وفرط بحقوق العراق في شط العرب وفي غيرها من المناطق الحدودية في سبيل تحقيق هذه الغاية غير النبيلة.
• اغتال مجموعة كبيرة من قياديي البعث تحت أسباب مختلفة, ومنهم على سبيل المثال لا الحصر, فؤاد الركابي وهو في السجن, إذ قطعت أوصاله, والسيد عبد الخالق السامرائي, ثم المجزرة التي نظمها في عام 1979 ضد 22 شخصاً من أعضاء القيادة والحكم والكوادر البعثية وقتلهم جميعاً بأيدي رفاقهم البعثيين.
• مارس سياسة الإرهاب والقمع الدموي ضد الحزب الشيوعي العراقي ابتداءاً من عام 1977 وصفى العديد من القياديين والكوادر البارزة والكثير من الأعضاء, رغم التحالف الذي كان قائماً مع حزب البعث,وبالتالي, أنهى التحالف بالدم والسجون وزج بعشرات الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين في السجون والمعتقلات أو دفعهم إلى الهجرة خارج البلاد واعدم 34 شيوعياً وديمقراطياً بحجة وجودهم وعملهم في القوات المسلحة.
• مارس سياسة الإرهاب ضد قوى الإسلام السياسي المعتدلة وقتل الكثير من أئمة الشيعة المعروفين ابتداءً من السيد محمد باقر الصدر والسيدة بنت الهدى الصدر وانتهاءاً بالسيد محمد صادق الصدر والمئات من افراد عائلة السيد الحكيم والسيد بحر العلوم والصدر والعديد من الأسر الدينية المعروفة في العراق.
• طرد من العراق أكثر من 400000 إنسان من الكرد الفيلية والعرب من الوسط والجنوب لأنهم شيعة ويخشى من وجود طابور خامس لإيران في العراق! وقتل الشباب من الكرد الفيلية ومن عرب الوسط والجنوب الشيعة خشية مقاومة نظامه.
• مارس عمليات التعذيب كعقوبات ضد أفراد المجتمع, فقد أصدر ومارس قانوناً يقضي بقطع الأيدي والأرجل, وقطع اللسان وجدع الأنف وصلم الأذن والوشم على جبين الإنسان "المذنب", كما مارس عقوبة قطع رؤوس النساء بالسيف بحجة الزنا, في حين أن التهمة الفعلية كانت سياسية.
• خاض الحرب ضد إيران لمدة ثمانية أعوام نيابة عن الولايات المتحدة وركضاً وراء مطامعه التوسعية والقيادية في المنطقة, ومارس الكثير من الأعمال البشعة ضد سكان المناطق التي احتلها.
• نظم ونفذ مجزرة الأنفال الدموية ضد الشعب الكردي واستخدم السلاح الكيماوي ضد الكرد في مدينة حلب?ة في كردستان العراق. وقد قتل في هذه المجزرة المناهضة للجنس البشري ما يقرب من000 182 إنسان كردي. وخلال سنوات الحرب ضد الشعب الكردي دمر أكثر من 4000 قرية كردية وشر سكانها في مختلف المناطق.
• خاض الغزو العدواني ضد الشقيقة الكويت وأهلها ومارس أعمالاً بشعة فيها ضد الناس والممتلكات ومؤسسات الدولة, ثم احتجز وقتل أسرى الكويت البالغ عددهم أكثر من 650 شخصاً.
• رفض الخروج من الكويت وتسبب في حرب الخليج الثانية التي راح ضحيتها أكثر من000 300 إنسان, ثم فرط بالاستقلال والسيادة الوطنية وتسبب في فرض الحصار الدولي وتدمير الاقتصاد الوطني والبنية التحتية.
• جابه الحركة الشعبية العفوية ضد نظامه بالحديد والنار وقتل عشرات الآلاف من العراقيين لتصفية تلك الانتفاضة الشعبية.
• وجه أموال الدولة العراقية صوب العسكرة والحرب والعدوان وفرط بأكثر من 300 مليار دولار أمريكي لهذه الأغراض العدوانية.
• أمر ببناء أكثر من خمسين قصراً له ولأفراد عائلته في مختلف أنحاء العراق على حساب خزينة الدولة.
• صرف المليارات من الدولارات من أجل شراء ذمم الكثير من الحكومات العربية والأجنبية والسياسيين في مختلف أنحاء العالم. ويمكن إيراد أمثلة كثيرة. سأورد مثالاً واحداً في هذا الصدد. في عام 1978 قام النظام البعثي بقيادة صدام حسين بقتل 34 شيوعياً وديمقراطياً بهدف بدء حملة ظالمة ضد الحزب الشيوعي العراقي. وقبل أن ينفذ حملة الإعدامات أرسل وفوداً لتقديم هدية إلى كوبا مقدارها مئة مليون دولار أمريكي, في مقابل أن يقدم فيديل كاسترو أعلى وسام في كوبا إلى صدام حسين, وهو وسام خوزيه مارتيه. وافقت كوبا على ذلك, إذ كانت بحاجة إلى مذل هذا المبلغ. ونظمت عملية تقديم الهدية وتقديم الوسام مباشرة بعد إعدام الشيوعيين دون أن تكون كوبا تعرف بقرب عملية الإعدام. وقد أسقط في أيديهم, كما قال الكوبيون عندما التقيت بقيادة الحزب الكوبي وبفيدل كاسترو في عام 1985 في كوبا. وفي لقاء خاص مع مسئولي العلاقات الخارجية في الحزب الكوبي أثناء الزيارة عاتبت وانتقدت القيادة على تلك الفعلة النكراء التي مارسها البعث وسكتت عنها كوبا وزكتها عملياً, فحدثوني بهذه الواقعة التي يصعب عليَّ تصديقها, إذ كان الصديق الراحل عامر عبد الله قد تحدث مع السفير الكوبي من أجل إيقاف الصفقة فلم ينجح في ذلك. وكان صدام حسين يهدف من وراء ذلك كسر الحملة المناهضة لعملية الإعدامات والحملة ضد الحزب الشيوعي عبر تعزيز العلاقة بكوبا وبحصوله على وسام خوزيه مارتيه. هكذا كان النظام يقدم الأموال للحصول على التأييد وليس حباً في سواد عيون تلك الشعوب والبلدان. لم تكن كوبا الوحيدة التي تسلمت الأموال لمثل هذه الأغراض بل عشرات السياسيين الأوروبيين والعرب والصحفيين وغيرهم. ويمكن أن تنشر تلك القوائم بعد أن يستقر الوضع في العراق ليرى العالم كيف كانت ولماذا كانت تقدم تلك الأموال إلى العرب وغير العرب. أعرف نماذج أخرى كثيرة لو أراد الدكتور خير الدين حسيب يمكنه الحصول عليها من الحكومة العراقية في الوقت الحاضر أو من السيد فخري كريم رئيس تحرير جريدة المدى العراقية, رغم علمي بأنه يمتلك تلك المعلومات أيضاً.
• نظم صدام حسين الاغتيالات للعراقيين في الخارج وقتل الكثير منهم بسبب موقفهم من النظام والأسماء معروفة للسيد حسيب طبعاً.
• كم كنت أتمنى أن يقرأ الزميل حسيب كراس كتبه السيد أحمد الحبوبي عن تلك الليالي الزمهريرية التي قضاها في ضيافة أجهزة الأمن والتعذيب البعثية أو الكثير من المقالات التي تتحدث عن التعذيب والموت في المعتقلات العراقية, ومنها كتاب السيدة ساسون, إذ يتحدث الكاتبة عن حفيدة الراحل ساطع الحصري من الأم وجعفر العسكري من الأب, وهي نماذج بسيطة لما كان يجري في الأمن العامة وفي السجون. أصدر قبل فترة وجيزة الصحفي الألماني المعروف كريستوف ماريا فروهدر كتاباً بعنوان "أيامي في بغداد" وعن صورة الحرب, كما صور فيلماً وثائقياً حول نفس الموضوع, يتحدث فيهما عن امتلاك أجهزة النظام العراقي المخلوع ثلاث مكائن فرم عملاقة استخدمت لفرم أجسام البشر في أقبية ومعتقلات النظام العراقي. وكان الجلادون يدفعون إلى هذه المكائن بالعراقيين المعارضين للنظام لتقوم بفرم لحوم وعظام هؤلاء الناس وهم أحياء يرزقون وأحياناً ميت للخلاص من جثته. وقد تحدث السيد فروهدر مع أولئك الذين كانوا يعملون على تلك المكائن في أجهزة صدام القمعية, وقد رسموا تخطيطاً لها ووضعت في نص الفيلم الوثائقي. ويقول الكاتب في لقاء لي معه بأن الولايات المتحدة ففكت بعضها وأرسلت إحداها للولايات المتحدة للتعرف على الشركة التي أنتجت مثل هذه المكائن. أهدى لي الكاتب الكتاب والنص الخاص بالفلم الوثائقي للاستفادة منهما في إنجاز كتابي الموسوم "الاستبداد والقسوة في العراق: محاولة لدراسة العوامل الكامنة وراء ظاهرتي الاستبداد والقسوة في العراق" المعد للنشر حالياً.
• كان النظام السائد في العراق على مدى ثلاثة عقود نظاماً سياسياً فاشياً إرهابياً دموياً وعنصريا منفلتاً من عقاله. وحظي هذا النظام الشمولي بتأييد القوى القومية العربية حتى يوم سقوطه, وحظيت فلوله بتأييدها أيضاً بعد سقوطه, وهي التي تطلق على تلك الفلول قبل غيرها بالمقاومة الشعبية. فهل بعد كل هذا يحق للسيد حسيب أن يتحدث عن الديمقراطية وعن إعادة تقييم النظام الدموي وصدام حسين وتزكيتهما؟ لا أدري إن كان من حق السيد حسيب أن يتحدث عن الديمقراطية ويوعظنا بها, ولكني أدرك بأن من يحاول ذلك يبدو أمام المجتمع العراقي, على أقل تقدير, مثل وعاظ السلاطين الذين يوعظون بالصلاة ولا يؤدونها. يقول الزميل حسيب ما يلي: "وأنا إلى غاية مغادرتي العراق في عام 1974 كنت أعرف كل المصانع بحكم المواقع التي كنت فيها في العراق. وعندما دخل مفتشو أسلحة الدمار الشامل في أواخر عام 2002, وكانت جولاتهم تُبثُّ فضائياً وتبين المنشآت التي يفتشونها, فوجئت بقاعدة صناعية جديدة تماماً, هي مبعث فخر واعتزاز لأي بلد يقيمها ولأي مواطن فيه ولو كان معارضاً" (نفس المصدر ص 1/2).
لقد كانت أغلب تلك المصانع قد أقيمت بواسطة الكثير من الدول مثل يوغسلافيا وأسبانيا والاتحاد السوفييتي فرنسا والبرازيل وغيرها كما حظيت بدعم واسع من الدول الغربية والشرقية, كان أغلب المصانع الحديثة للأغراض العسكرية وإنتاج الأسلحة والعتاد. ومع ذلك فالنظام الذي أقام تلك المصانع قد ساهم بتدميرها عبر الحروب التي خاضها. ومجلة المستقبل العربي, التابعة لمركز دراسات الوحدة العربية, التي يشرف عليها الدكتور خير الدين حسيب, هي التي نشرت تقريراً صادراً عن بعثة استقصاء الحقائق أرسلت على بغداد بعد انتهاء حرب الخليج الثانية, حيث كتب خبير الأمم المتحدة مشيراً إلى أن الحرب أعادت العراق إلى فترة ما قبل التصنيع بسبب التدمير والخراب الواسعين اللذين أحدثتهما حرب الخليج الثانية في أعقاب غزو الكويت.
لم يفرط النظام الصدّامي بالثروة الوطنية, ولم يفرط بالكوادر والقدرات العراقية فحسب, بل فرط بما أقامه الشعب, وليس الدكتاتور من صناعة في العراق خلال تلك الفترات. ومع ذلك فهي صناعة هزيلة وتركيبية في الغالب الأعم وعسكرية, إضافة إلى أنها لم تغير من بنية الاقتصاد العراق ولا من اعتماد الدخل القومي على عائدات النفط الخام, بل بقي الاقتصاد العراقي متخلفاً ومشوهاً في بنيته الداخلية وفي تركيب الدخل القومي, إضافة إلى سوء توزيعه واستخامه. .
برلين في 28/09/2004 كاظم حبيب
يتبع: الحلقة الثانية
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟