|
الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3241 - 2011 / 1 / 9 - 18:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حين كان سليم بركات في الإعدادية، في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين، اضطر تلميذان يهوديان في مدرسته إلى "دفع الجزية للإسلام"، بتلقي تعليم ديني إسلامي، لأنه لم يُتَح لهما تعلّم ديانتهما، ولم يشاءا تعلّم المسيحية. ومن ذلك وما يشبهه، كان أن "عادا"، حين سنحت الفرصة، إلى "بني جلدتهم". واليوم، بعد أربعة عقود ونصف، تُحاصر كنائس الأقباط في مصر من قبل مسلمين بذريعة حشدهم أسلحة فيها لتفتيت الدولة و"استجلاب الأجنبي الصليبي". وبينما أتحف "الغرب المسيحي" "المسلم المهاجر" إليه حريةً وحقوقا وكرامة وعدلاً من نوع ما يوفر لأهله، يعضُّ "المسلم" اليد المُتحِفة؛ هذا علما أنه لا يجري تمكين "المسيحي" في "بلد المهاجر المسلم" من "بيع الخنزير" أو "إدارة ماخور" أو "تشريع زِيٍّ مُنحسرٍ عن عورة" أو "بناء كنيسة". وفي العراق يُعتدى على المسيحيين. وفي الجزائر فُرِض على مسيحيين الصوم في رمضان، ومع ذلك يزعم حاكم "من بعيدِ الجنوب العربي" أن "الغلواء في الدين" وافدةٌ. هذا، والمسلمون "يذبح واحدهم الآخر" رغم وحدة ملتهم، فقد سقط في باكستان بضعة قتلى وبضعة جرحى بسبب تنازع على من يؤمُّ الصلاة في مسجد. ثم إنه معلوم أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش "مكّن عراقيا من قذفه بالحذاء"، فيما "لم يتجرّأ عربي (...) أن يقذف شرطيا بنظرة من غير أن يختفي القاذف". ومع ذلك فقد اكتشف "أمناء البطولة العربية" في الحذاء "أملا باستعادة الشرف المهدور"، ويدافع "أمناء النفاق العربي" عن الحذاء، "آخر رمية في قوس أممهم المكسورة". وفوق هذا كله يغدق "العربي" كَرَمه على "خادمات من آسيا" بغرز المسامير في أجسادهن. وبين "جزائر المليون شهيد" و"مصر الأهرامات" نشبت حرب "داحس وغبراء إعلامية"، وكادت تشتعل بينهما حربٌ حقيقة "بوقود من ركلات اللاعبين، وكرة مطاط أو جلد محشوة هواء". ورغم أنه "لا عربي، في موطن، يشبه الآخر إلا بنفاق التاريخ في التوحيد"، ورغم نسيانهم "لواء إسكندرونة والأهواز وطنب الكبرى والصغرى وخليج فارس"، يلعن العرب سايكس وبيكو، المستحقين بالأحرى للشكر. و"كعادة العرب تتغازى وتتسالب"، كان حاتم الطائي عائدا من إحدى غزواته، فصادفه شاعر لا يعرفه، علم منه حاتم أنه (الشاعر) يقصده ليمتدحه بقصيدة. ولقد تدبر حاتمٌ أمر أن يُسمِعه الشاعر القصيدة، فكان أن استحسن ما سمع، فوهب الناظم "سرية من النوق العصافير" كان انتهبها في غزوته. وزبدة هذه القصة أن العربي لا يجود إلا بما يسلبه من غيره. وعليه، ليس للمسيحي (ربما العراقي أو المصري أو السوداني...) إلا أن ينتظر غزوة عربية "تستفحل منها حال الأمصار كلها، كحال أهل دارفور في السودان، وجنوب السودان"، فربما يتكرمون عليه، حينها، بشيء مما غنموا! هذه أطراف من "أخبار" وأحكام متناثرة، حبكها الروائي والشاعر السوري سليم بركات، في نص بعنوان "إنها ليست الأندلس يا يسوع"، نُشِر قبل حين في هذا المنبر (5/12/2010). ولا يبدو أن هناك مناسبة محددة لهذا النص المكتوب بلغة لاهثة، منفعلة، كارهة، يرسلها بما أوتي من بلاغة كاتبٌ لم يعرف عنه اهتمام مخصوص بقضايا حقوق الإنسان والمساواة بين الناس والحريات العامة وحقوق الأقليات.
الشرير المنزلي ولا يوحِّد مواد هذه الكشكول المتنوع غير الشرير المسؤول عن سلسلة الأفاعيل القبيحة تلك، والمستحق لضغينة الكاتب وتشنيعه. وللشرير هذا تحديدان حاسمان، "الدين المختار"، الإسلام، و"العرق المختار"، العرب. ولا يمتنع الأديب المعروف، المقيم في السويد منذ عقد ونصف، عن محاولة شرح الأوضاع التي تحيل إليها هذه النثرات الملمومة من هنا وهناك، بلغة تاريخية أو اجتماعية، بل يُصرُّ على أنها تنبع من ماهية المعنيين، من صميم ثقافتهم ودينهم، ومن "أم مكانهم وأبيه". يتكلم مُترسِّلا على أشياء عمّت "من بحر عدن إلى مغارب الشمال الأفريقي"، ويتقافز من "القامشلو" في سورية إلى مصر والعراق والسودان والجزائر و"خليج فارس" و..باكستان. ومن أيام حاتم الطائي إلى قاذف الحذاء الذي يبدو أنه يَشْغل باله. ويتحرك نصه كله في فضاء دلالي يهيمن فيه الثابت واللامتغير. تتكرر كلمة "أرض"، مثلا، 12 مرة في سياقات تشير إلى سورية أو إلى مصر أو إلى عالم الإسلام... وتتكرر كلمة جغرافيا 6 مرات، في سياقات تحيل إلى العرب أو الإسلام أيضا. ويتواتر الكلام بالمفرد المُعرّف على المسلم والعربي (وليس على عرب ومسلمين)، وعلى الغربي والمسيحي (لا على غربيين ومسيحيين)، كما لو أنهم عينات تمثيلية من جنس عام مماثل لذاته دوما. ويجري الإلحاح بقوة على الدين والعرق، بينما تختفي تعابير مثل مجتمعات وطبقات ودول وعلاقات دولية وبنى اجتماعية، واقتصاد. الواقع أن المدرك الأخير يَرِد مرتين، لكن في سياق نفي أن يكون له ضِلعٌ في تفسير "كرم العربي مغدقا على خادمات من آسيا"، أو في شرح "كراهية الغربي (...) للمهاجر المسلم"، الكراهية التي يبلغ من عدالة الكاتب أن يفتح قوسين كبيرين لينفي عنها صفة الإطلاق (النفي محق طبعا). وهو لا ينفي كلاميا "صراع الحضارات" والثقافات لوهلة، إلا كي يجعله "صراع مختارين"، ثم يعيده إلى "تعارض الثقافات". وهذا مبلغ من العلم يستعصي مناله، والحق يقال، على مفسري الماء المجتهدين. وعدا انشغال الكاتب بتفنيد الحجة الاقتصادية، ينهمك أيضا بدحض حجة من يقول إنه كان على "الأميركي" (بالمفرد المعرّف أيضا) أن يعمل على حماية "المسيحي" العراقي، وأن تقصيره هو المسؤول عما حل بـهذا "المسيحي". الحجة أتفه من أن تستحق تعليقا. لكنها أيضا من النوع الذي لا يجده المرء إلا في أسوأ المنابر، وعند أسوأ الكتاب والمتكلمين. كاتبنا يلتقط حججا من مستوى القصص التي حشدها، ويجعلها عَلَما على ثقافة ودين و"عرق". وإذا اعتمدنا عليه وحده، لن نعلم أبداً أن هناك عربا أو مسلمين أدانوا، مثلا، مجزرة سيدة النجاة، ووقفوا إلى جانب ضحاياها. وهو، بالمناسبة، لا يعرض أي حادث أو واقعة باسمها، وفي إطار زماني أو مكاني واضح. تبدو نتف الحكايات المومأ إليها في النص واقعة في زمان أصلي، بل أخطاء أصلية هي ذاتها، وليس حوادث عينية جرت في سياقات عينية، يقتضي الفهم تفصيلها، ويوجِبه. ولعل العربية المتصلّبة التي يكتب بها الأديب الفصيح تقف حائلا بينه وبين تفاصيل الواقع ونثرياته. وسأعود إلى هذه النقطة. ويجادل الشاعر والروائي سليم بركات ضد حجة أخرى من المرتبة نفسها، قيمة ودلالة: زعْمُ متكلّمٍ في "فضائية ابن لادن" (قناة "الجزيرة" فيما يبدو) أن الأميركيين يدفعون، بالاغتيال، المسيحيين إلى هجرة بلدهم للبرهنة على "نهاية التسامح الإسلامي". تافهٌ هذا الكلام. لكن يمكن لمن يشاء أن يجمع ما لا ينتهي من أمثال هذه التفاهات من بحر الانترنت ومن الفضائايت المتكاثرة. وكان في وسع صاحبنا أن يلجأ إلى معهد ممري الأميركي، المختص بتسقُّط أسوأ تصريحات العرب والمسلمين ومواقفهم، ضد اليهود والأميركيين بخاصة، وتعمميها على حكومات وبرلمانات ومراكز أبحاث في الغرب تأليبا لها على أولئك الأشرار، أقول كان في وسعه أن يفعل ذلك بدل استهلاك أعصابه بالتفرج على "فضائية ابن لادن". وفي الغرب، هناك إعلام مسفٌ يوصف بالتابلويد، وآخر أشد إسفافا يوصف بإعلام المجاري. والتفرغ لهما يعطي صورة عن العالم مغايرة لتلك التي تتحصل من متابعة إعلام أقل انحيازا وتمركزا حول الإثارة. ويُحامي مدير تحرير مجلة "الكرمل" سابقا عن "ريبة الغربي من المسلم"، هذا الذي يُحتمَل أن "ينفجر جسده في طائرة أو قطار". ينافح أيضا عن هواجسه (الغربي) "أن يطالب ذات يوم بوجوب صومه – هو المسيحي- وأن "تحتشم" نساؤه". من غير المحتمل أن الكاتب اخترع هواجس "الغربي" هذه، فاليمين الغربي يوفر "ربرتوارا" واسعا غنيا بالتفاصيل عن مخاطر أسلمة أوربا الوشيكة، ويمكن أن يستظهره من يشاء. وفي نص بركات، كما في نصوص اليمين العنصري الأوربي، يبدو أن المسلم الذي يفجِّر نفسه ويتطلع إلى فرض الشريعة في الغرب هو المسلم الحقيقي، وأن العربي الأصيل هو من يغرز المسامير في أجساد الخادمات الآسيويات. وعليه، لن يكون غرزنا المسامير في أجساد خادماتنا المنكودات شيئا يحتاج إلى تفسير، فهو سجيتنا الطبيعية؛ ما يحتاج إلى تفسير بالأحرى هو ذلك الامتناع المستغرب من الباقين منا عن "إغداق" مثل تلك المكرمة عليهن. ولعلنا خارجون من "ملة الإسلام" إذا لم نفكر بتفجير أجسادنا في طائرات الغربيين أو قطاراتهم. فالتفجير منبثق من كياننا بالذات. "هو الرسالة"، على ما يقول الأديب المثقّف في مقطع آخر من ردحيّته العالية النبرة. لكن أليس هذا بالضبط هو ما يقوله، أيضا، أسامة بن لادن الذي تثير فضائيته سخط كاتبنا؟ وله، بعدُ، صحبة طيبة في أمثال دانيال بايبس الأميركي وغيرت فيلدرز الهولندي والمرحوم يورغ هايدر النمساوي وأضرابهم. ولا ريب أن الأصل في هذا اللقاء هو"منهج" تفكير الرجل، المنهج الماهوي المزدهر عالميا، وعربيا أيضا، منذ نحو عقدين من السنين. أعني تفسير التاريخ بالماهيات، والسياسات بالهويات، وأوضاع المجتمعات بطبائع متأصلة، ينساق من هم أشد تكرسا للكراهية إلى وضعها في جينات المعنيين، أي في عنصرهم. وهذا هو بالضبط الأساس الأبستمولوجي للعنصرية. وعن هذا الأساس، لا عن غيره، تصدر الأحكام العنصرية للشاعر والروائي سليم بركات على المسلم والعربي. لا يلزم للحكم بالعنصرية على ممارسة ثقافية أو سياسية أن يكون مكتوبا على جبينها أنها عنصرية. ما من عنصري ينقش على جبينه شعارا كهذه. والأديب سليم بركات ليس استثناء عن هذه القاعدة العامة. ووفقا لهذا "المنهج"، تنبثق الأفعال الشريرة من فاعليها انبثاقا طبيعيا، بلا تدبِّر منهم ولا تروٍّ ولا إعمال فكر. ليس هؤلاء فاعلين، بل هم مَحالّ للفاعلية. لا يمارسون الشر، فيوصفون بأنهم أشرار، فيكونون أشرارا. إنهم أشرار، يمارسون الشر لأنه لا يمكن أن يصدر عنهم غير الشر. قد يصح القول إن الشر يمارسهم. لكن إن كان الأمر كذلك، ويبدو أن شر المسلمين والعرب كذلك، فكيف يُدانون؟ وهل لإدانتهم معنى يفوق معنى إدانة زلزال أو إعصار أو سمكة قرش؟ غير أنه لا وجاهة لانتقادات كهذه حيال نص هو إعلان كراهية متشدِّد لا أكثر ولا أقل. الرجل مناضل محرِّض، وما يهمه هو نصرة قضيته في الحث على كراهية مكروهيه. والنضال انتهازي بدرجة تناسب حِطّة مبدئه، فلا يأبه بالتناقضات، ويجد كل ما يسعف لخدمة المبدأ طيب ومرغوب. ولهذا يستطيع أن يجمع بين إدانة أشراره كما لو كانوا أحرارا، وبين تقرير شرّانيّتهم الجوهرية، الطبيعية، التي لا يد لهم فيها.
أمُّ العلم وأبوه على أن الرجل لا يترك لنا أن نستنتج منهجه الماهوي أو "الطبائعي" استنتاجا. هو يصر بجلاء على أن شيطان العدوان على المسيحيين "من صناعة أم المكان وأبيه"، وأنها "كراهية تُلمس مكتملة الجوارح ببلاغة التربية قرونا ولم يأت بها الأميركي محمولة على دبابة". ويلح على أن هذه "الكراهية المُستحدثة من أرقها القديم صناعة منزلية". و"تدبير منزلي". وواضح أن الرجل يجهد نفسه لإشباع المدركات المستخدمة بدلالات ماهوية، أصيلة، وراثية، وراسخة، مثل "الأرض" ومثل "الجغرافيا". "أم المكان وأبيه" ليسا داخلا اجتماعيا تاريخيا، يمكن شرحه بلغة الاجتماعيات ومناهجها، السوسيولوجيا والاقتصاد والسياسة وعلم النفس والديموغرافيا والجغرافيا السياسية، بل هو عالم كائنات أرسطية ثابتة، لا تتغير. ومنزلنا الذي يتفسّح العنف في جنباته، ويندلق منها إلى منازل غيرنا، لا يبدو مسكونا بمجتمعات وبشر عيانيين، بل بأرواح شريرة وماهيات ساكنة لا تتغير بدورها. وأرفع ما نجده من شرح لأصول صناعة "الشيطان" المنزلية هو التالي: "كان الأمر في علنٍ، تحت الأبصار المتغاضية، مذ ذهبت ظنون السلطان إلى أن "التلهي بالله" عن الماجريات في أمور "القطيع" ينشئ حالا من "ركود" المساءلة في حقوق الإنسان". و"الأمر بتبسيط هو من صلب النظر فيه [بديع!]، "نزوع المختارين" إلى التسيِّد حكما وأحكاما". وإذ يحتكر "المختارون" هؤلاء "حصانة القدسي" لدينهم، ينزعونها عن دين غيرهم. أما الكلام على "التسامح" فهو "نفاق" يسترُ "هدنة" يُباح خلالها التصالح مع "الآخر" على "مصالح وفوائد اشتراك"، إلى حين يأخذ "أحد المختارين بقسط يقينه بالأوحدية على وجوب التغليب". باختصار، العنف متولد من منهاج التربية المغلّب للعنف. وهذا متولد عن دين "آخريّ النسخ" (ناسخ لغيره، لا لذاته، على ما يبدو أنه يفترض بالأديان أن تكون). والأصل في العدوان اعتقاد "القطيع" بأنه "مختار" بحكم نهائية دينه (كونه الدين الأخير)، وانفراده بالأفضلية عند الله. و"أمراء جماعات التكفير" (بعد قليل "أمراء الدم"، وبعد قليل آخر "أمراء القتل") الذين يطيحون "الهدنة" ويقوضون التصالح هم الممثلون الأصلح لهذه العقيدة، ولمجتمعاتنا ذاتها. والواقع أنه كان يمكن أخذ هذا الكلام بشيء قليل من الجد لو جاء في سياق محاولة شرح آليات التحريض والتعبئة السياسية الدينية. أو لو كان عنصرا تحليليا إضافيا في تناول واسع لأصول العنف الإسلامي المعاصر. أما أن يكون هو الشرح وهو التحليل، فهذا ما لا يُقبل من طالب جامعي في سنته الأولى في السويد. ووفقا لهذا "العلم" ستبدو مجتمعاتنا المعاصرة إسلامية بمعنى جوهري، تستشير كتبها الدينية من أجل كل حركة وسكنة تأتيها. ولفهم الشؤون السورية، مثلا، يلزم ويكفي أن نقرأ القرآن. كان إدوارد سعيد سخِر من تفكير كهذا، ازدهر بعد 11 أيلول في الغرب. لكن إدوارد سعيد من مفكري "الرعاعة"، "الأعراب"، كما سيتفضل بالقول سليم بركات، المثقف الشاعر الروائي. وإنما لذلك، أعني لأن سليم بركات إنما يردح ويُعيِّر، لا يجدي في الرد عليه القول إن عالم المسلمين، العرب منهم بخاصة، في أزمة حقيقة، عميقة ومركبة. وأن اضطراب هذا العالم وتفجره ضد نفسه وضد غيره أوجه لهذه الأزمة التي يمكنها أن تكون فرصة لتأسيس جديد. لا يجدي ذلك لأن الرجل عيّابة ردّاحة، وليس طالب شرح. لنقل شيئا مع ذلك. ترى، لماذا لم يظهر، إلا قبل 35 عاما، أن "الجهاد" هو "الفريضة الغائبة" في الإسلام؟ وهل من المحتمل أن حقيقة كبرى من حقائق الإسلام لم تعرف إلا في مصر في يوم ما من أواسط السبعينات؟ هل يحتمل، مثلا، أن لهزيمة حزيران التي كانت وقعت قبل سنوات دورا في ذلك؟ أن "الهدنة" هي عموم التاريخ في الواقع؟ لا أميل إلى رد بلبالنا المعاصر إلى تلك الهزيمة الكارثية. أذكرها من باب الخروج قليلا من عالم الطبائع والماهيات الخانق إلى شيء من العالم الواقعي، وكذلك لأن صاحبنا ذكرها. وقد فعل بطريقة يتفصَّد منها صديد الكراهية المعتق: يقول إنها الحرب التي "ربح فيها عبد الناصر، بالهزيمة، شعوبا تتضور ولها إلى الهزيمة في صورة زعيم معبود". كم محبٌّ هذا القلب! وانظر، بعدُ، تُحفة العشق الصوفي هذه في تفسير حال أهل دارفور وجنوب السودان: "خسروا [العرب] الأندلس هناك بعد غزوها، فأرادوا "تصويب" خسارتهم". أما الرد المفحم على إرادة تصويب الخسارة هذه، فهو: "لكن الأرض، هنا، ليست أندلسهم يستردونها من مسيحي لم يغزها مذ كانت له بيقينها طوع يقينه". ماذا تتوقع من الغزاة يا صاحبي! ها هم يفرضون نقاء دينهم المختار وعروبتهم المختارة، في "أرض لم "تتكلم العربية" قبل الغزو العربي، وهي لا تتكلم قط إلا لغة نفسها". قط!
منهجُ العامّي وتظهر الكراهية مجسمة ومضاعفة حين لا يَرِد ذِكر اليهود، مثلا، في نص صاحبنا إلا في سياقات إيجابية. بعدما "ربح" عبد الناصر حرب حزيران، خسر "أهل قامشلو" إبراهيم اليهودي، "أكثر الممرّضين شهرة"؛ ومثله اختفى "عمداء العطارين من سوق اليهود". ومثل اليهود، المسيحيون، المحليون منهم والغربيون. ولعل عنوان المقالة، "إنها ليست الأندلس يا يسوع"، يحيل إلى تفاعلات مرغوبة ضمن كيمياء الهويات، هذه التي نعرف أنها تشغل بالرموز والتلميحات والإحالات الخفية، والنفاق،، لا بالأفكار الواضحة ولا بالمفاهيم العقلانية. أما "المجتمع الأممي" فيخصه المثقف الأديب بعبارات تستدر دموع العين عِرفانا: لقد "قرر حماية الأقلية المسيحية، في هذه الجغرافيا العربية". وبإزاء هذه العواطف الدفّاقة، لن يظهر شيء إيجابي يخص "المسلم" و"العربي". الواقع أن الكاتب يحرص على تجريدهم تماما من الإنسانية. إنهم "طائرات متفجرة" و"أحذية متفجرة" و"أجساد متفجرة". هذه رسالتهم. قضي الأمر. بالمقابل، "لم نسمع بيهودي، أو مسيحي، أو بوذي، حمل "ِنكال" يقينه قنبلة في الجيب إلى سوق بلد مسلم". كم صحيح! يبلغ من لاعقلانية رِعاعةٍ فلسطينيين وعراقيين وأفغان أن يتركوا طائراتهم الإف 16 في مرابضها على حاملات الطارات، وأكداسا من قذائف اليورانيوم المنضب في مخازنها، وأمهات قنابل تزن أطنانا، ورؤوسا نووية بالمئات...، يتركون تلك الذخائر النفيسة ليفجروا أجسادهم و...أحذيتهم! وبدل أن يستخدموا طائرات دون طيار تقتل بأناقة وتجريد تامين، بملء التجرّد والنزاهة أيضا، دون أن تبلغ رائحة الدم أنوف القاتلين، دع عنك أنفا رهيفا في أسوج، يختارون القتل الفائق الملموسية، حيث تختلط دماءهم بدمائهم، أو بدماء بؤساء مثلهم، ولا تطال إلا في القليل النادر أجساد أعدائهم العزل، الأبرياء. مُتخلِّفون. مقيمون على نمطٍ لإنتاج الموت مُفَوتٍ. على وُرشٍ بدائية بالكاد تنتج القتل وتوزعه بالمفرق، بدل الإنتاج الجماهيري الواسع النطاق، الذي يطال عشرات الألوف ومئاتها، والملايين. "اليهودي" و"المسيحي" لا يفعلون ذلك. جورج بوش لم يُزنِّر نفسه بحزام ناسف، ويفجره في أفغانستان أو العراق. ولم يفعل شارون في غزة أو جنين. ظاهرٌ مرة أخرى أن تفكير أديبنا متمركز حول الهويات والأديان، يُعرِّف الناس بأديانهم الموروثة حصرا، لا بأوضاعهم الاجتماعية والتاريخية. ولقد سبق القول إن له شركاء يبدون متناقضين: الإسلاميون واليمين الغربي. أضيف هنا إن هذا هو المنهج العامي في التفكير. فقط من أتيح لهم نصيب شحيح من الثقافة يشرحون العالم على هذا النحو. يمكن تعريف الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالضبط بقطيعتها مع هذا الفكر العامي. والواقع أن من بين عاميي التفكير هؤلاء عرب، يثير ظهورهم على "فضائية ابن لادن" غيظ شريكهم في المنهج، المثقف الأديب الشاعر الروائي سليم بركات. يغيظه بخاصة أن يُسخى عليهم بألقاب المفكرين، ويبدو أن فضائية ذلك الإبليس المطارد تسخو دوما بألقاب كتلك في غير موضعها. أأعراب ومفكرون؟ كيف؟ ومن؟ "طه حسين، إدوارد سعيد، [عبد الكبير] الخطيبي، [عبد الله] العروي، [نصر حامد] أبو زيد"؟ "الرعاعة" هؤلاء "مفكرون"؟ ليسوا كذلك إلا "على تصريف الإنسان، بإطلاق، حيوانا مفكرا". إنساني لا يجارى المثقف سليم بركات! ولا تبدو رِعاعية هؤلاء شخصية. فالراجح أن صاحبنا لم يلتق يوما بأحد منهم ليتوثق من رعاعيته. إنهم رِعاعة أصل ونسب، بدلالة انتسابهم إلى "الرعاعة الأمة"، كما أمكن للأديب المكين أن يقول بالحرف. وعليه لا يُحتمل أن يكون بين هؤلاء "الأعراب" (من معجمه أيضا)، شعراء وروائيون أيضا. ليس لأن الشعر والرواية يقتضيان، بدورهما، شيئا غير كون الإنسان "حيوانا مفكرا"، لكن كذلك بحكم النسبة والانتساب إلى "الرعاعة الأمة". والواقع أنه يمكن التمييز بين تنويعتين لمنهج الفكر العامي. تنويعة أولى تستخلص أحكاما ماهوية (العرب كذا...) من مقدمات تاريخية (فعل عربٌ، هنا أوهناك، كذا، في تاريخ كذا...). النقلة غير شرعية معرفيا. لكنها مميزة للتفكير العامي. هناك تنويعة أخرى، أكثر عامية، تقرر منذ المبدأ ماهية منحطة لشعب أو ثقافة أو دين (السود، اليهود، الكاثوليك، "العرق الأصفر"، واليوم المسلمون، والعرب بخاصة)، فتجد أن كل ما يفعل المنسوبون إليه منحط. عنصرنا سيء، فليس إلا طبيعيا ألا نفعل غير أشياء سيئة. هذه التنويعة هي الجديرة بأن توصف بأنها عنصرية. وإليها ينتسب فكر المثقف الشاعر سليم بركات.
إيديولوجية الفصاحة ومكر العربية يبدو الرجل محتقنا، يتميّز غيظا، يغص بالكراهية، ويحتمل أنه كتب نصه ليتخفف منها. هو الروائي المعروف الذي يفترض المرء أنه يحول انفعالاته إلى فن. وهو المقيم في السويد منذ عقد ونصف. وهو الذي قلما يكتب مقالات تتصل بشؤون عامة. ما الذي يخنقه؟ وكيف حصل أن خرجت انفعالاته خاما، حجارة وترابا، لا شكل لهما ولا فن فيهما؟ هل يحتمل أنه مخنوق باللغة العربية؟ وهل يقول التفجر العنيف لسليم بركات في نصه هذا أن الأدب لم يعد علاجا لأزمات الروح؟ يبدو لي أن الكاتب ضحية لإيديولوجية عربية جدا: إيديولوجية الفصاحة. تقوم هذه على أن الفصاحة سمة للمفردات والتراكيب والمعجم، وليس للمتكلم وتفكيره ونقاشه ونتاجاته الثقافية. الفصاحة إيديولوجية متمركزة حول اللغة، وليس حول المتكلم، وحول الكتابة أصلا وليس حول الكلام. وهي الإيديولوجية التي يستسلم لها بركات من حيث يظن أنه يخوض حربا، وينتصرُ. فإذا حذفنا الزخرف اللغوي الفصيح الذي كلّل به بلاغه الحربي لا يبقى غير تفكير عامي، مغرق في الابتذال، لا يغنيه شيوعه اليوم إلا بمزيد من العامية والابتذال. لا يطيق التفكير العامي التحليل المركب، وحركية الظواهر الاجتماعية والتاريخية، وتعدد المناهج في تناول تلك الظواهر، وتناقض الإنساني ومأساويته وتهكمه. إنه تفكير سكوني، يرتاح إلى الثابت والمستقر، إلى الماهيات التي لا تتغير، إلى "العرق" و"الدين"، إلى "الأرض" و"الجغرافيا". وعدا التفكير العامي تبقى، إن أزلنا البهرج اللغوي، ثُفالة من سقط المتاع، يتوفر "أمثالها مثايل" في مجاري شبكة الانترنت، ولها أبطال مختصون بالردح والتسفيه ضد الوحش ذي الوجهين نفسه: العربي/ المسلم. عربية الكاتب في بيانه المشين عربية "ماهوية" إن صح التعبير، وليست "وجودية" أو "تاريخية"؛ وهي تحمل في طياتها صورة عالم بطليموسي، منبسط، فيه شرق وغرب لن يلتقيا على قول شاعر وروائي بريطاني زميل لشاعرنا وروائينا، مهنة وهوى؛ وفيه هويات مقيمة لا تتغير، والزمان فيه مجرد تعداد سلبي لحركة أشياء لا تكف عن مشابهة ذاتها. وبينما يحتمل أن العربية الحديثة، هذه التي نصارع لتنفتح على عالم التجربة الكثروي الفوضوي أكثر، ليست منزهة من ظلال العالم البطليموسي، فإن عربية تزايد على تاريخ العربية الحديث تحت راية الفصاحة لن تجد حولها وفي جوارها غير الماهيات والأجناس والأعراق. هل من المحتمل، تاليا، أن "فكر" كاتبنا لا يعدو أن يكون استظهارا لمنطق مبطن في العربية، يلقيه في وجه العرب دون غيرهم؟ أم لعله مَكْرُ العربية بمغرور خبيث الطوية، لا يتمكُّن منها إلا كي يتوسّلها عدة حرب على أهلها؟
أوان القتل؟ في ختام هذه المناقشة، أود أن أثبِّت نقطة منهجية إضافية. ثمة ارتباط راسخ بين منطق الماهيات وبين الكراهية والتحريض على العنف. أو إن الكراهية والتحريض يتأسسان من الناحية المعرفية على التفكير الماهوي حصرا، هذا الذي يفسر أحوال المجتمعات والشعوب بالعرق والدين والثقافة. الأمر بديهي: منطق الماهيات هو منطق العناصر، أي منطق العنصرية. وبصورة نسقية يقود هذا الضرب من التفكير إلى تغذية العداوات والضغائن، وإلى تشجيع التمييز العنصري والعدوان، ولا يقود إطلاقا إلى التفاهم والمودة والاحترام بين الناس أو الجماعات. بالمقابل، اقترنت الحداثة والثقافة الحديثة بالعلوم الإنسانية التي هي مباحث متنوعة لفهم الإنسان ككائن اجتماعي تاريخي. اقترنت أيضا، في المبدأ والأساس، برفض العنصرية وتقرير المساواة الجوهرية بين الناس، وأسست للاحترام المتبادل بينهم، أفرادا وجماعات وأمما وثقافات. ليس هذا انحيازا أخلاقيا أو تفضيلا إيديولوجيا من قبل المثقف الحديث، بل إن له أساسا أبستمولوجيا يتمثل في تفسير الإنسان بواقعه وأوضاعه وشروطه الاجتماعية والتاريخية. وإذ تنفي الإنسانيات أن عرقا ما أو شعبا ما أو دينا ما هو مختار أو متفوق على غيره، فإنها تنفي بالمثل أن شعبا ما أو عرقا أو دينا هو ملعون أو "رِعاعة"، على ما فعل الكاره المتمكِّن سليم بركات، مدرجا نفسه في علاقة وجه وقفا بمنقوديه. النقيض الحقيقي لـ"العرق المختار" و"الشعب المختار" و"الدين المختار" ليس "الرعاعة الأمة"، بل العلوم الاجتماعية المؤسسة على مفهوم وحدة الإنسان، وتساوي البشر في الجدارة الإنسانية والحضارية. ولا يقتصر أثر الفكر العامي الذي أظهر الشاعر الروائي سليم بركات تضلعا مرموقا فيه على تسفيه جماعات وإفرادها عن غيرها باللعنة، بل يتعدى إلى النضال من أجل رفع الحمايات الأخلاقية والرمزية عنهم. من يأسف للتخلص من أجساد متفجرة وأحذية متفجرة؟ من "رعاعة" تعض الأيدي التي أتحفتها بالعدالة والحرية؟ من كائنات عادتها التغازي والتسالب؟ الاغتيال المعنوي يمهد للاغتيال المادي لا لغيره. فهل ينبغي الانتظار إلى حين يُذبح الملايين من "القطيع" (معجم الشاعر أيضا) حتى يُهتك قناع هذا التفكير العامي العنصري؟ أو يُعترض على هذه الموجة الفكرية الأشد ضحالة والأحط أخلاقية والأكثر تطرفا في منزعها اليميني العدواني من كل ما عرفنا طول قرنين من الزمن؟ أم لعله لا يكفي حتى قتل الملايين، ما دام لا يلحظ أصلا بفضل دقة صناعة القتل، ورقيها وأناقتها، وبريقها الذي يخطف الأبصار؟
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خاووس
-
يتغير السودان، المهم ألا يتغير النظام
-
المرض بالإسلام...
-
عرض نقدي لكتاب جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية، حرب الم
...
-
ويكيليكس والدول
-
الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!
-
في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
-
هذا الفصام الكردي المستمر...
-
عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
-
من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
-
إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
-
حوار هادئ في قضايا راهنة
-
الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية
-
هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟
-
من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي
-
تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
-
في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
-
نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
-
هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
-
التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|