|
الجزائر تحترق ، والشعب يختنق ، وقادتها ساكتون .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 01:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
وأنا واقف قرب النافذة ، أترقب المارة من الطابق الخامس لعمارة تطل على كبريات أزقة حي باب الوادي بالعاصمة الجزائرية ، لاحظت حركة غير عادية لشباب ملثمين في حالة كر وفر مع قوات مكافحة الشغب المجهزة بالهراوات ، والقنابل المسيلة للدموع . وفي لمح البصر تحول المكان إلى حلبة صراع بين شباب ثائر ، وقوات قمع لا ترحم ، وارتفعت ألسنة النيران لتلتهم العجلات المطاطية وبقايا الكرطون المتناثر وارتفع لهيب النار ودوت صفارات الإنذار معلنة عن البدايات الأولى للصراع بين السلطة والشعب . **تمرد سبقه غليان شعبي وتذمر عام من سياسة الحكومية القائمة . إن هذا الغليان وهذا الإحتجاج الذي بدأت رقعته تتسع مرده إلى الجفاء القائم بين الشعب وحكومته في شتى المستويات ، عطالة عن العمل ، تفاقم الأزمات الإجتماعية ، تدني القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار ، وتدجين المعارضة السياسية بقهرها واسكاتها وتحجيم دورها في التعبئة ، مع وجود إرث طافح بالزلات أثناء تعامل النظام مع المحتجين والمعارضة في أزمات سابقة ، وما أكثرها أيام الشدة الإسلامية ، والحركة الأمازيغية ، ونضالات اليسار عبر النقابات العمالية الحرة من حين لآخر . في الوقت الذي يعاني فيه الشعب هزات الأزمة الغذائية العالمية ، وتدني سعر صرف الدينار ، والبطالة ، تكونت بورجوازية ناهبة من المشتغلين في دواليب الدولة تنهب أموال الدولة بالمليارات ، تكتب عنها الجرائد في صفحاتها الأولى بالبند العريض ، دون أي رد فعل ردعي عقابي يكون عبرة لأولي الألباب ، ناهيك عن اتساع رقعة المحسوبية والرشوة التي أصبحت سمة بارزة عند الجمركيين، وأعوان الأمن الذين يتذرعون بتطبيق القانون ، ولعب قانون المرور الردعي الجديد رأس الحربة في تفاقم الرشوة بين صفوف الشرطة والدرك الوطني . **بلد غني بشعب فقير .. الدول الغنية بمواردها تسعى إلى إحداث توازن في مدفوعاتها ، وتعجيل وتيرة تنميتها وتشغيل أبنائها وأبناء الجيران إن أمكن، غير أن نظامنا شذ عن القاعدة ، فهو غني نظريا ، لكنه فقير عمليا ، أو قُل أن غناه صُرف في مجالات تكوين ترسانة من العساكر والجندرمة ، والبوليس بأنواعه ، لخنق الأصوات الحرة ، وإسكات كل متنفس أو صوت جريء ، فما حاجتنا نحن لطغم نافذة ، و جيش عرمرم يستهلك أكبر ميزانية دون شغل ومشغلة ، مادامت الحروب الحالية ليست حروبا عددية كمية ، وإنما حروب الكترونية فعالة بأقل جهد وبتكاليف بخسة ، وأعجبني قول أحد المعلقين على قناة فرانس 24 قائلا ، [ما بال حكومتنا تبني 30 سجنا كبيرا عبر تراب الوطن ، فلماذا لم يصرفوا تلك الأموال في بناء 30 مصنعا تستقطب اليد العاملة العاطلة ؟ ] . **شباب غاضب احتجاج وتخريب للمتلكات العامة والخاصة . صدق من قال بأن الثورة يخوضها المجانين ، ويستفيد منها الأذكياء والإنتهازيون ، وذاك هو حالنا ، فلو بحثنا عن هؤلاء المحتجين لوجدنا غالبيتهم شباب عاطل عن العمل ، أو أنه لا يحب العمل ! ، وكثير منهم شغوف بمتابعة الكرة المستديرة ومن أنصار النوادي العاصمية خاصة ( نادي مولودية الجزائر ) فهم يشكلون الصفوة الشاذة المتمردة حتى في نصرة الفريق ضد خصومه ، وهم رواد الإحتجاج بلا رادع ، لأن حاميها حراميها ، أما بقية الشعب المغبون فهو رهين البيوت وأماكن الشغل يتحسر على واقع البلاد والعباد ، دون قدرة على الإفصاح عن المعاناة أو معالجتها . و لوحظ أن الإحتجاج لم يكن سلميا وإنما غايته هو ( التهراس والتكسار ) والسلب للأملاك ، وهو ظاهرة شبيهة بما جرى في أحداث 5 أكتوبر 1988، و ما جرى في بغداد أيام الإجتياح الأمريكي ، و في الغالب تتم التجاوزات في غياب قوات الأمن التي يبدوا أن أوامر صدرت لها بعدم مقارعة المحتجين ، فالخسائر المادية في تقديرها لها جبر وتعويض ، على عكس الخسائر البشرية . لهذا نشاهد جموعا من الشباب يخربون وكالات الهاتف ,مراكز البريد ، والمحاكم ، وتجرأوا حتى على الإستحواذ على خزائن البنوك دون مقاومة تذكر ، فالدولة العاجزة في تقديري عن حماية ممتلكاتها العمومية لا تقدر عن حماية مواطنيها ، فقوات الأمن منشغلة بتحصين مواقعها ورفع أسوار ثكناتها ، فأصبحوا خائفين من شعبهم ، ولتبديد خوفهم مُكّنوا من زيادات وهبات في رواتبهم وتحسين في وسائل نقلهم وتدخلهم . **نقمة من الأداء الحكومي وسياسته ،زيادة الأسعار فجرت الثورة . إن أحداث الجزائر حاليا ليست امتدادا لاحتجاجات سيدي بوزيد بتونس ولا تأثرا بها ، لأن الجزائريين لهم تجارب سابقة في التمرد والعصيان ، فالأسباب المباشرة لهما متباينة وإن كانت المعاناة واحدة ، ويبدوا أن التأثير السياسي له ضلع ، أو أن خوف النظام من الإسلاميين ظاهر بتوقيف علي بلحاج العضو الأساسي في الفيس المنحل . فالأحداث في غالبها عفوي لا أثر فيها لأياد أجنبية ، ولا لأحزاب نافذة ، وتقديري أن تضييق النظام على المعارضة وتدجينه لها ، هو ما أوصل الحال إلى المحال ، وها هوالنظام يقطف بواكير مساويء الخطأ ، بترك شعب معارض ناقم بلا قيادة تقوده وتوجهه ، فلو فسح المجال لنشاط المعارضة الفاعل لقادت تلك المسيرات العفوية الإحتجاجية عن دراية وتبصر بعيدا عن التخريب وسقوط الأرواح ، غير أن نظامنا يرى بأنه هو الوحيد المؤهل لتمثيل الشعب وقيادته ، فهو الحاكم وهو المعارض في نفس الوقت .( اللاعب احميدة والرشام حميدة ). ** الرئيس الذي يسكت عندما يحين وقت الكلام .... البلاد تحترق والرئيس قابع في قصره الجمهوري ينتظر الفناء النهائي لمقدرات البلاد عن طريق الحرق العمدي والنهب المركز للمتلكات ، فهو أشبه ( بنيرون ) الذي تلذذ بحرق روما ، أين مسؤولية الدولة وقوتها في الحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ، أم أن أجهزة الأمن أنشئت وسخرت لحماية الحكام وأذيالهم . ** الحالة مرشحة لأزمة أشد من أزمة 5 أكتوبر 1988. يتناهى إلى أسماعنا مؤخرا أن عدوى الإحتجاج انتقلت إلى مدن كثيرة في الوطن من وهران إلى عنابة ، ومن الجزائر الى مدن الجنوب ، ( مقرات تحرق ، وبنوك تنهب ، وإشرات المرور تقتلع ....) فتسونامي التخريب فرخ وطال ، بلا وازع ديني ولا أخلاقي تحت أنظار حكام همهم ملء الجيوب وتهريب العملة نحو الخارج . فهم مفسدون غير مصلحين ، ينتظرون حدوث الأزمة لعالجها ، ولا يتنبؤون مسبقا بما سيجري لأن في آذانهم وقر ، أين خلية الأزمة ؟؟، وأين مرصد التنبؤ بالهزات الإجتماعية ؟؟ لعلاجها قبل حدوثها ، فنحن معشر المسلمين لنا قابلية استنساخ الكوارث واجترارها مرات ومرات ، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . إن وسائل الإعلام المحلية والوطنية ساكتة على الأحداث ، كأن الأمر لا يعنيها ، بسبب توجيهات وصلتها بعدم البوح بما وقع، غير أن القوم تناسوا بأننا في زمن يختلف عن 1988 ، فالمجال السمعي البصري مفتوح على مصراعية ، فقد أصبح المواطن العادي يعرف ما لا تعرفه خلية الأزمة المشكلة ، وما لا يعرفه رئيس الجمهورية بالذات ، فالتعتيم الإعلامي الوطني ، والسكوت المقصود لا مبرر لهما ، وهو يظهر للمواطن مدى سفاهة الأنظمة وستر عيوبها بمختلف السبل والوسائل . فالمواطن العادي حائر في توجيه اللوم إلى الدولة التي فقدت مصداقيتها ونزاهتها ، أم إلى الشباب الغاضب الذي تجرد من كل السبل السلمية في التعبير اعتقادا منه (عبر التجربة) بأن النظام لا يفهم إلا لغة القوة ، وهي السبيل الأنجح لجلب الأنظار لتحقيق المطالب المشروعة للطبقة الشغيلة والمظلومة .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (2/2)
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (1/2)
-
ألفة يوسف .... وحيرة مسلمة .
-
السبي في الإسلام ...رذيلة منكرة ( ردود وحدود).
-
السبي في الإسلام ... رذيلة منكرة .
-
هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .
-
جودا ، أكبر (الإستهجان والإستحسان).
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ( أرقام ودلائل )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، ( الغزوة الثامنة، 85 للهجرة) .
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
-
الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا( الغزوة الثالثة، 50 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الثانية ،45 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الأولى ،27 للهجرة)
-
آية السيف ، بين التفعيل و التعطيل .
-
المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .
-
أي عروبة لابن باديس في الجزائر ؟؟؟
-
حرملك الحاج أحمد باي بقسنطينة .
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|