|
ردود الفعل على انفجار الإسكندرية -- المقاربة الخاطئة لمعالجة الإرهاب
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 3239 - 2011 / 1 / 7 - 14:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما هو الانطباع الذي يخرج به المراقب لردود الفعل العربية على الانفجار أمام كنيسة للأقباط في الإسكندرية يوم السبت الأول من يناير؟ المتعطش للكلام -- ونحن امة تحب الكلام -- سوف يكتفي ويروي غليله ويقول أن الحكومات والمنظمات والشعوب قد قامت بواجبها، فهي قد شجبت الانفجار وأدانت الذين قاموا بهذا "الاعتداء على الإخوة المسيحيين" ودعت إلى التهدئة واستراحت بعد أن حملت المسؤولية "لجهات خارجية" لم تسمها. أن السواد الأعظم من الناس سيفهم أن المقصود "بجهات خارجية" هو إسرائيل والغرب بوجه عام، وقليل منهم سيفسر التعبير "جهات خارجية" على أنهم محترفو الإرهاب أو منظمه القاعدة أو الخاضعين لتعليماتها وإيديولوجيتها. فبعد ساعات قليلة نقلت أكبر قناة فضائيه عربيه عن "مصادر" لم تسمها انه يُشك أن "أصابع الموساد" تقف وراء التفجير "ولاسيما أن مصر اكتشفت حديثا شبكة تجسس إسرائيلية." ولكننا لم نقرأ أو نسمع أحدا يقول بأن العرب والمسلمين ككل يتحملون مسؤولية معينة وأن عليهم أن يبحثوا السبب الحقيقي الذي يدفع بشاب في مقتبل العمر ليضحي بحياته لكي يقتل الناس بهذه الطريقة. لا شك أن شابا كهذا يؤمن إيمانا راسخا بأنه ينفذ واجبا مقدسا وانه سيرضي الله وانه سيذهب إلى جنات الخلد التي وعد بها الشهداء. ومن الذي أقنعه بذلك؟ ومن الذي اقنع الذي أقنعه؟ أليسوا المتخلفين ومخلفات بعض علماء الفقه التي تمتد على مدى أربعة عشر قرنا؟
أنا لا اقصد أن الدين الإسلامي هو الذي يدفع بهذا الاتجاه، فنحن نعلم أن مثل هذه العمليات لم تحصل في التاريخ الإسلامي إلا زمن الحشاشين، الذين حاربهم المسلمون طويلا. وسُمي الحشاشون بهذا الاسم لأن قائدهم حسن الصباح، الذي عاش في القرن الحادي عشر،واتخذ من قلعة ألموت في بلاد فارس مقرا له، دربهم على فنون الاغتيال وكان يعطيهم الحشيش ويناموا مع نساء جميلات وفي اليوم التالي يقول لهم أنهم كانوا في الجنة وأنهم إذا نفذوا تعليماته وماتوا اثنا عمليات الاغتيال التي ستسند إليهم سيذهبون للجنة التي رأوا عيٌنة منها في الليلة السابقة. ولذلك أُُطلق عليهم اسم الحشاشين ودخلت الكلمة اللغة الإنجليزية ولغات أوروبية أخرى ولكنها حرفت إلي (Assassins). أن الحشاشين هم رجال القاعدة في هذا الزمان والقارئ يعرف من هم زعماؤهم الحاليون.
أن نلوم الشباب الذين ينفذون العمليات الانتحارية ليس عدلا وهو تهرب من المسؤولية يعادل بفظاعته هذه الجرائم. فهؤلاء الشباب هم في الحقيقة شهداء المبدأ المزروع في أدمغتهم وهم يؤمنون بما يفعلون. وأقول الشباب لأنه من النادر أن نفذ رجل، أو امرأة في سن الكهولة عملية انتحارية -- واقصد بالكهولة، كما يعرفها القاموس العربي، العمر الذي يبلغه من "وخط الشيب رأسه وجاوز الثلاثين. " المنظمات الإرهابية ترسل الشباب ليقتلوا أنفسهم بين أعدائهم. فأمثال الشيخ الظواهري والشيخ أسامه، وهم ليسوا بالقليلين، لا ينفذون عمليات انتحارية لأنهم بالغون وناضجون بما فيه الكفاية ولأنهم يتشبثون بالحياة كلما تقدم بهم العمر.
إن الشباب في العلم العربي والإسلامي الكثير الخصوبة لا يحصون وسيبقون يمدٌون الإرهابيين بما يحتاجون من الانتحاريين. وبما أن هؤلاء يؤمنون بما يفعلون فلن يستطيع احد في الدنيا أن يتغلب عليهم، فإذا آمن الشاب بأنه على حق وأنه مستعد للموت في سبيل ما يؤمن به فإن كل قوى العالم لا تستطيع أن تتغلب عليه. وكثيرون من الذين شجبوا وأدانوا هجوم الإسكندرية دعوا إلى مهاجمه المخططين للإرهاب، أو الكهول الذين يرسلون هؤلاء الشباب، ولكن هذا أيضا سوف لن يجدي لأنه حتى لو مات هؤلاء فستعوضهم مصانع الإرهاب الموجودة في العقول وفي الكتب. فلم تستطع الولايات المتحدة، بالتعاون مع أعتى القوى في العالم أن تدمر مصانع ألإرهاب هذه طوال العشر سنوات الماضية ولن تستطيع. وفي الحقيقة أن أحدا لا يستطيع أن يوقف هذه الإرهاب إذا لم يستطع أولا إيقاف الظلم الذي انزله الغرب على شعوب العالم الإسلامي وخاصة شعب فلسطين وإذا لم يستطع تعطيل هذه المصانع العقلية التي تخرج الإرهابيين. إن الطريقة التي تعامل بها الغرب مع الإرهاب والقاعدة كانت خاطئة وحققت عكس ما كان الغرب يسعى إليه. فالتقتيل الذي حصل ويحصل في أفغانستان وباكستان وأماكن كثيرة من العالم كان يمكن تجنبه لو كان التركيز مُنصبٌا على مصانع الإرهاب في العقول وعلى التفسيرات الدينية القديمة والتي تمتلئ بها كتب ألفقهاء الذين عاشوا في عصور الظلام.
بعد هجمات سبتمبر على نيويورك سنة 2001 تصرف العرب والمسلمون تصرفا عجيبا. بعضهم أيدها معتبرا أنها ثأر لموقف الغرب، وخاصة أمريكا، من القضية الفلسطينية وتأييدهم لإسرائيل، وقد اتخذ كثيرون موقفا شامتا تجاه ما حصل. وكان من الممكن أن يفسٌر هذا منطقيا لو أن القاعدة أعلنت بوضوح أن الهجوم كان ثأرا لما حدث للشعب الفلسطيني، ولكن هذا لم يحدث. في الحقيقة لم تنفذ القاعدة أي هجمات على إسرائيل، لا في الأرض الفلسطينية ولا في إسرائيل نفسها ولا في العالم، وكان الهدف المعلن للقاعدة هو "إخراج الصليبيين من جزيرة العرب. " ولو أن القاعدة ومؤيديها أعلنوا بوضوح أن هدفهم هو إسرائيل ومؤيدوها الغربيون لأصبح موقف إسرائيل محرجا ولابتعد عنها الغرب تدريجيا أو على الأقل اجبروها أن تنصاع لمطالب المجتمع الدولي. ولكن قادة القاعدة العرب لم يفعلوا ذلك أبدا بل أعلنوا الحرب صراحة على الشعوب الأوروبية والشعب الأمريكي وجعلوهم يضاعفون تأييدهم لإسرائيل ولقادتهم و بدأوا يتوجسون خيفة من المسلمين في بلادهم. إن آخر الإحصائيات تشير إلى أن حوالي نصف الشعوب الأوروبية والأمريكان يعتقدون أن المسلمين يشكلون خطرا عليهم. ولا يخطر ببالهم أن لإسرائيل أية علاقة بكل هذا.
كان التناقض في المواقف عجيبا. بعض المثقفين وقادة الرأي في العالمين العربي والإسلامي، بعد هجمات سبتمبر، أيد في البداية -- وبعضهم لا يزال يؤيد إلى الآن -- نظرية المؤامرة. كثيرون قالوا أن هذا من صنع اليهود، وكثيرون خرجوا بنظريات تقول أن الهجمات من تخطيط المخابرات الأمريكية. ومن الطرافة بمكان أن المثقفين العرب في كثير من البلدان الغربية، وبعضهم يصدر صحف عربيه هناك مستفيدين من الحرية والأمان في تلك البلدان، اظهروا احتراما للقاعدة ونكرانا لجميل البلدان التي يعيشون فيه ويحتمون بها، وبعضهم كان دائما يسمي قائد هذه المنظمة، بكل احترام، "الشيخ" أسامه بن لادن. وكانوا يظهرون على فضائيات عربية وفي برامج حوارية يدافعون عنه وعن الظواهري، ويحللون أفكارهم، يمدحونهم ويتحدثون عن "انتصاراتهم." وكان هذا عاملا مشجعا للشباب المسلم، حتى في تلك البلدان، للانضمام إلى القاعدة، وقد رأينا ما حصل في لندن وأماكن أوروبية أخرى وفي عدة أماكن في العالم العربي والإسلامي.
إذا اعترف العرب أن عليهم تدمير مصانع الإرهاب في عقول الذين يشجعون الإرهابيين وإعطاء تفسيرات أخرى لمحتوى الكتب الدينية فمعنى هذا أنهم يعترفون بأنهم هم المسئولون عن هذه الأعمال وأن الفكرة هي التي يجب أن تحارب وليس الأفراد. هل يستطيع العلماء المسلمون أن يفسروا التعاليم الدينية بطريقة تنسجم مع العصر الحالي؟ بعضهم استطاع، مثل الشيخ يوسف القرضاوي. ففي كتابه عن "فقه الجهاد" يقول القرضاوي:
"إننا نستطيع أن نعيش في ظل إسلامنا في عالم ينادي بالسلام لا الحرب وبالأمان لا الخوف، وبالتسامح لا التعصب وبالحب لا بالكراهية... نستطيع أن نعيش مع الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وجماعات حماية البيئة. والحق أن مشكلتنا الكبرى مع إخواننا المتشددين الذين أغلقوا على أنفسهم النوافذ وأصروا على وجهة نظر واحدة. آفتهم أنهم يحيون في الماضي لا في الحاضر، في الكتب لا في الواقع."
ويقول القرضاوي انه في ظل "الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن." ويقول إن غير المسلم يجب ان يسمى "غير مسلم" وليس "كافرا،" ويضيف: " أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل ممن يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله."
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضائية الحوار المتمدن
-
دفاعا عن الحكام العرب!
-
رأيٌ في الحجاب
-
كيف ستؤثر لبرالية الغرب الدينية على المسلمين في عصر الانترنت
...
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|