|
أسلافنا يحاكمون القرن سعد هادي* والحنين إلى الأسلاف في مكان ما
أماني أبو رحمة
الحوار المتمدن-العدد: 3239 - 2011 / 1 / 7 - 13:52
المحور:
الادب والفن
أسلافنا يحاكمون القرن سعد هادي* والحنين إلى الأسلاف في مكان ما
أماني أبو رحمة
يمثل أي نص أدبي - بقطع النظر عن نوعه أو توجهاته - صورة جمالية متفردة عن العالم، يبتدعها المؤلف وفقاً لمقصده التواصلي ورغبته الذاتية في تشكيل الصورة وتنفيذها بالكيفية التي يريد. وهكذا فان الذاتية هي المحور المنظم للعمل الأدبي من ناحية، ومن ناحية أخرى فان العمل الأدبي ليس إلا نتاج مخيلة المؤلف، لذلك فانه يرتكز على حقيقة موضوعية، إذ لا مصدر يغذي مخيلاتنا سوى الحقائق الموضوعية . فالعمل الأدبي إذا هو صورة جزء من واقع دون- لغوي extra-linguistic مرتب وفقاً لرؤية المؤلف الذاتية للعالم. ولكن الصورة هي إبداع شخص ما، بمعنى أن الصورة الممثلة بالكلمات ليست ذاتها، ولكنها هي ومبدعها في الوقت نفسه، وهذا يتضمن أولا: أن المؤلف الذي أمسك بقلمه في محاولة لإعادة ابتكار جزء من الواقع إنما أعاد ابتكار تلك السمات التي اعتقد من وجهة نظره أنها بالغة الأهمية تبعاً لإرشادات الوعي، فضلا عن الترتيبات والعلاقات داخل اللغة عندما يكون التمثيل باللغة مقابل الرسم والفنون الأخرى: انه يختار ملامح وسمات متنوعة يدرجها ضمن صورته الجمالية الفردية عن العالم الذي ابتدعه بنفسه. وثانيا ً: أن الواقع المرجعي دون اللغوي والذي سنطلق عليه هنا (الكائن) محايد بالنسبة للمشاهد ولكن صورة الواقع التي ابتدعها المؤلف ليست كذلك، بسبب أن إحدى الطرق الكونية لإدراك العالم هي تحديد هوية الكائن (الشيء أو الحدث) من خلال كائن آخر بالنظر إلى القواسم المشتركة بين الكائنين. ويتطلب ذلك بطبيعة الحال اختراق جوهر الشيء أو الحدث أو الشخص حتى نصل إلى خلق صورة ذاتية جديدة تختلف عن الأصل. ولكن هذا الإدراك الذاتي للعالم الموضوعي مشروط بالوعي الثقافي، وقدرة المرء على التفكير المجازي والفردية والرؤية الذاتية التقييمية للأشياء، وهكذا فإن صورة الواقع في النص الأدبي تتضمن سمات ذاتية وموضوعية. ومع ذلك، فان قصدية المؤلف التواصلية وكيفياته الذاتية التي يتقرر بها شكل العمل ونوعه هي التي تمثل المحور التنظيمي للعمل الأدبي. إن(تعقيدية) العمل الأدبي الذي يتضمن علاقات متشابكة بين الذاتي والموضوعي، والحقيقي والمتخيل، والمباشر والضمني هي التي تحدد إدراكنا للجهد الإبداعي الذي قام به المؤلف. ونحن القراء الذين سنغوص في دقائق العمل نشارك المؤلف رؤيته الجمالية للعالم وسنصبح معه مبدعين مشاركين. وهذه الحقيقة هي التي تجعل من القراءة متعة جمالية. ولهذا يدعونا الروائي والناقد التشكيلي العراقي سعد هادي المقيم حاليا في فنلندا من خلال مجموعته القصصية (الأسلاف في مكان ما ) إلى متعة مشاركته بوصفنا قراء، والى ابتداع أو إعادة ابتداع أجزاء من الواقع دون اللغوي الذي انتقى بنفسه سمات وملامح وكائنات حددها وعيه الثقافي والإنساني والحضاري ليدرجها ضمن صورته الجمالية الفردية التي ابتدعها عن العالم . صدرت مجموعة (الأسلاف في مكان ما ) عن دار الشئون الثقافية ببغداد عام 2004 . وتضم سبع قصص قصيرة حملت العناوين التالية: أقنعة التراب ، عزلة من ورق، الأسلاف في مكان ما ، كوكتيل، يوتوبيا الموت، جنة الدموع ، وظلال أخيرة . وحتى ننصف جهود سعد هادي الإبداعية من جهة ونشاركه متعة الإبداع والابتكار سنتحاشى معا القراءة السطحية المبسطة للنصوص، تلك القراءة التي لا تغادر مستوى الحبكة الظاهرة للنص وشخوصه وصراعاته، التي لا ينظر إليها إلا من زاوية صراعات الأفراد في الحياة اليومية ، والتي تشكل الطبقة الظاهرية السطحية اللفظية للنص. قلنا أن القراءة التبسيطية للنصوص ليست هدفنا على الإطلاق، ولكننا سنغوص في أعماق النص متجاوزين الطبقة السطحية لنصل إلى طبقة أو طبقات داخلية تنبثق تدريجا خارج المتواليات اللفظية التي تشكل النص و تعد بدورها نصوصاً فرعية تضمينية تحمل الرسالة المشفرة للنص. ويمكن أن نقول أن الطبقة الفرعية الشعرية للنص الأدبي هي مستوى المعنى. ولا يمكن فصل الطبقتين عن بعضهما البعض، ذلك أن أي تغيير في بنية الطبقة السطحية يقود إلى تغيير في محتواه الشعري الجمالي أي في معناه ومضامينه. في القصة الأولى والتي تحمل عنوان (أقنعة التراب ) تقودنا الطبقة السطحية الظاهرة إلى حبكة بسيطة تتمثل في علاقة البطل بأمه والتي لا يكلفنا القاص عناء اكتشافها فهو يرشدنا صراحة إلى أنها تشبه علاقة هاملت بأمه، لقد خانته أمه حين تزوجت رجلاً غير أبيه وتركته مع أخيه ابن السابعة ، وربما كانت سبباً في عمله صانع أحذية حقير يعيش عالمه وسط الأحذية فلا تغادر مخيلته مستيقظا أو نائماً، يراها في كل مكان من حوله، تنبثق من الأرض وتتطاير في السماء وتنهمر كالمطر وتدوس على قلبه وجسده وجسد أخيه. عالمه إذا عالم الأحذية الخانق. يحشد القاص في النص سمات وملامح ينتقيها بوعيه وخلفيته الثقافية ليدرجها ضمن صورته الجمالية الفردية عن العالم الذي ابتكره بنفسه. ولا بد هنا أن نوضح أن مصطلح الصورة "image" في النظرية الأدبية لا يشير فقط إلى مجمل العمل الأدبي أو إلى شخوصه ولكن إلى أية وحدة ذات معنى مثل تفصيل ما أو عبارة. وكل هذه الصور تشكل في النهاية التداخلات الهرمية التي ترقد في قاعها صورة مصغرة تتشابك مع العناصر الأخرى لتبني صورة الشخصية أو صورة الحدث أو صورة المكان. لن يعجزنا أبداً أن نعدد السمات والعناصر التي حفلت بها القصة من شخصيات اجتماعية وأماكن وثيمات ثقافية وحضارية. ومن السهل أيضا أن نحدد الصورة المصغرة، أو الصورة الكلمة التي حددت بناء الشخصية وهي الحذاء أو الأحذية. تلك المفردة التي تتكرر لتمثل اللازمة السردية leit-motif في النص ولتعبر في النهاية عن رسالة المؤلف. لقد تحولت هذه الكلمة بفضل التكرار المنظم إلى تفصيل شعري ثم إلى رمز، ويمكن أن نعد هذه المفردة علامة ديناميكية معقدة تحمل مثل غيرها من العلامات مستوى تعبيرياً وآخر يتعلق بالمحتوى لتشير إلى تضمينات موجودة في الطبقة الأعمق أو في النص الفرعي . إن عملية تحويل مفردة إلى تفصيل شعري ثم إلى رمز يتواكب مع تغيرات على مستوى محتوى النص، بحيث يحتفظ كل عنصر وينقل - في الوقت ذاته - خصائص الوحدة السابقة، موجهاً انتباه القارئ إلى طبقات ضمنية اشد عمقاً للنص. لقد حددت قراءتنا للطبقة السطحية الحذاء بوصفه الصورة المصغرة في قاع الهرم السردي . وارتبطت هذه المفردة الدالة على مستوى المحتوى والتعبير بالشخصيات والأماكن والأحداث. وقلنا أن تكرراها قد حولها إلى تفصيل شعري ثم رمز يقودنا إلى الطبقات الأخر. فما هي الطبقة العمق التي تشكل مستوى المحتوى والتي حملتنا إليها أحذية البطل ؟ سأحاول أن اجتهد بوصفي قارئة غامرت بلبس حذاء البطل السحري لترتاد طبقة أخرى من النص: النص الفرعي. يرمز الحذاء إلى القمع من جهة والبحث من جهة أخرى . يبحث محتوى النص في الهوية الذاتية للبطل الذي تشابكت ذاته مع ذوات الآخرين في النص بصورة أوصلته إلى حالة الفصام الظاهر، وثيمة البحث عن الهوية الذاتية بصورتها المطروحة في النص، أو بعبارة أخرى فك اشتباك الهوية الذاتية مع هويات الآخرين ثيمة عالجتها القصة بطريقة مغايرة ، وهو ما سأحاول تفصيله هنا . قوضت مناخات ما بعد الحداثة الأفكار التقليدية عن الذات الإنسانية : الذات المستقلة وما قبل الاجتماعية وعبر التاريخية، والتي كانت مصدر الحقيقة والعقلانية والهوية . فالذات الإنسانية في خطاب ما بعد الحداثة لم تعد تلك النقطة التي ينطلق منها الكون ، فهي ليست سوى موقف أو شيء ينتج عن ممارسات اعتباطية ـ اجتماعية واقتصادية وسياسية ـ وهي لا تعني سوى مكان للنضال ضد السلطة والهيمنة ، وهوية هذه الذات لم تعد تلك الهوية الموجودة سلفا والتي تعد ميزة ممنوحة للفرد . إنها في ما بعد الحداثة مفهوم حواري مكتسب، وبناء اجتماعي تواصلي، وشيء يتشكل عند نقطة تقاطع هلامية ـ ذلك إنها تخضع لإعادة التحديد وللتغير باستمرار ـ لعدد لا محدود من القصص الذاتية والتاريخية والاجتماعية. لم تعد الهوية شيئاً يُكتشف بل يُبتدع ويُبتكر . وهذه بالتحديد معاناة الـــ"شخص الاساسي" القصة فهو بلا ذات مميزة أو مستقلة. وتبعا لذلك فهو بلا هوية: انه تراكيب اجتماعية واقتصادية وثقافية وحضارية وتاريخية. إنه لا شيء محدد أو مميز. إنه انعكاس لعلاقاته بأمه وأخيه وزوج أمه وجيرانه وأبناء حارته ورب عمله وزملائه، ثم المارة وعابري السبيل والأشخاص الذين يلتقيهم صدفة ولو حتى لمرة واحدة ، إنه موجود بتأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية التي تتجاذب ذاته كقطعة عجين ممطوط وهو يتلوى جسداً وروحاً ويكاد يختنق تحت وطأة الضغوط/ الأحذية ، مسلوب الإرادة ، آلي الحركة ، وعاء تتجمع فيه إفرازات البشر والمجتمع والتاريخ وهو بلا حول أو قوة ، يُواجَه بفيض من الأفكار والأدوار والاتصالات وأنماط الحياة، بحيث أن الجوهر التقليدي لهوية ثابتة للأنا يتحلل باطراد إلى " ذات علائقية " . يقول البروفسور كينيث غيرغن في كتاب بعنوان ( الذات المشبعة : معضلات الهوية في الحياة المعاصرة ، 1991) : " عندما نحدد حقيقة ما عن أنفسنا, تتداعى من دواخلنا أصوات متعددة مشككة وربما ساخرة أيضا ". إننا نلعب أدواراً مختلفة بحيث أن مفهوم الذات الأصيلة بسماتها المعروفة بدأ ينسحب من المشهد، والنتيجة التي رسمتها أقنعة التراب هي حياة مشوشة ، ضائعة، بائسة لإنسان فقد ذاته تحت ضربات الأحذية. كان من الممكن لسعد هادي لو لم يكن صاحب رؤية خاصة أن يكتفي برسم المشهد وأن تبقى شخصية قصته حائرة تتبني المواقف الدفاعية ، وتتعايش مع الواقع ، وترضخ للأحذية والبساطير التي تنهال عليها من كل حدب وصوب، ولكنه يصفع الرؤية ما بعد الحداثية ويظهر في طبقات النص الأعمق نوستالجيا عميقة لمفهوم آخر للذات، ربما للمفهوم الحداثي الرفيع الذي أطاحت به ما بعد الحداثة بعدوانية سافرة ، دون أن تمتلك رؤية بديلة فتركت الإنسان، وإنموذجه هنا هو شخصية القصة مريضاً مشوها عاجزاً مهشماً وضعيفاً . كتب سعد هادي قصته عام 2001 فجاءت بفضل رؤية فلسفية واستشرافية عميقة لكي تصور بالكلمات والأحداث والشخصيات حصاد ما بعد الحداثة الطاغية، وتعلن توق الإنسان إلى رؤى جديدة تعيد إليه ذاته المسلوبة. وفي الحقيقة فان الفترة الزمنية التي كتبت فيه القصة كانت سنوات احتضار ما بعد الحداثة وإنسانها التائه المشوش الضائع. وفي تلك الفترة بالذات تعالى الضجيج من كل ناحية من أرجاء المعمورة وتتالت البيانات التي تشيع بلا أسف ما بعد الحداثة إلى مثواها الأخير، وتعلن عن مفاهيم ومصطلحات ورؤى وأفكار محورها الأول والأخير الإنسان، وهدفها استعادة المسلوب وترميم ما تحطم من الأفكار واللغات والأديان والثقافات والحضارات . يحمل النص كما قلنا نوستالجيا قوية إلى الحرية والذات المتماسكة التي يتحرك الكون من خلالها، الذات الثابتة التي لا تتغير تبعا للزمان والمكان، الذات المحددة الملامح والمؤثرة . لذا فإن سعد هادي لا يبقي بطله خائر القوى، بل يمنحه فرصة الرفض والمعارضة والعمل الفاعل أو على الأقل استغلال حدث ما للوصول إلى هدفه. فطرده من العمل كان بداية محاولاته التحرر من الأحذية مادياً بوصفه يمتهن صناعتها، ومعنوياً بوصفها ضغوط المجتمع والحياة التي لا تقاوم. لقد تهيأ للبطل لأن يكون حراً مرة : )) يفكر ويحلم ويتخيل وتغريه فكرة الحرية فيترك لها قياده )) ، وامتلك قراره مرة أخرى حين قاوم أول العقبات التي اعترضته (( لكنه لن يصغي إليها بل سيبتعد ويبتعد حتى يغرق في لجة ما تبقى من نهاره متجردا من جبروت صوتها وآثار أصابعها. إنه متعب وجائع ولكنه يريد أن يبتعد بأقصى ما يستطيع. يريد فضاء آخر يتنفس فيه. لا تفاصيل مهمة كثيرة تالية حتى اللحظة التي يجد نفسه فيها أمام بوابة البيت القديم الذي يشبه قصر الجنيات في الحكاية الأثيرة التي كانت ترويها أمه، القصر المهجور المسكون بالبوم والغربان والأشباح والساحرات )). تهيأ وحاول وقاوم ، ولكنه مني بهزيمة ساحقة سنتحدث عنها لاحقاً . يعد التناص أحد أهم التقانات الشكلية التي وظفتها سرديات ما بعد الحداثة وأصبحت تلك التقانة تبعاً لذلك مركزية في النقد ما بعد الحداثي الذي يرى بأن كتاب ما بعد الحداثة يوظفون التناص على مستويين: مستوى الوعي ، وما دون الوعي. فعلى مستوى الوعي يوظف كتاب ما بعد الحداثة التناص بوصفه إستراتيجية لخلق المعنى. أما على مستوى ما دون الوعي فان كتاب ما بعد الحداثة يقعون فريسة للتناص، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مزاعم ما بعد الحداثة التي تقول بان لا يمكن لكلام ملفوظ أو مكتوب أن يتحرر من تأثير نصوص وأقوال أخرى. وبهذا المعنى فان التناص هو الطبيعة الثانية للخطاب الأدبي . وبالعودة إلى "أقنعة التراب" نجد أن سعد هادي بإدراكه الحاد بتداخل النصوص وباختياره الواعي لطريقة التوليف والتناص قد أرشدنا صراحة إلى النص الضمني الذي تفرع عنه نصه حين جعل الشخصية الرئيسية تتماهى مع "هاملت شكسبير" على طول خط القصة من البداية إلى النهاية . وهاملت هو التناص الأكثر إثارة في كتابات ما بعد الحداثة. وهو يقوم في قصة سعد هادي بوظيفة المفتاح لفهم القصة و فك مغاليق العلاقات المتشابكة فيها منذ البداية، كما انه يمنحنا متعة المقارنة بين الشخصيتين. إن هاملت هو القصة الأكثر واقعية وموثوقية، والأصدق بين القصتين ، وهو يمنح للقارئ فرصة إعادة قراءة القصتين ومحاولة البحث عن الانحرافات التي أصابت الشخصيتين. وهاملت بالتأكيد مصدر غني للتناص لأنه لا يمكن اختزاله في تأويل واحد. ولكن سعد هادي أكد صراحة على جانبين من العلاقة بين نصه الفوقي ونص هاملت التحتي: الجانب الأول علاقة الشخصية بأمه وغيرته من زوج أمه (غريمه !!) ، والثاني في نهاية رحلة البحث عن الذات التي قامت بها الشخصية (( نهض كل المهرجين وقالوا بصوت واحد : أي هاملت و أي مشهد ؟ رد عليهم بحنق : - هاملت الذي يريد أن يكون أو لا يكون . )) حتى وإن كانت رحلته قد منيت بالفشل الذريع لأن ((- لا وجود لهاملت كهذا ، هاملت مات منذ زمن بعيد )) . ألم نقل أن في النص نوستالجيا لذات أخرى تنويرية أو حداثية أو بعد ما بعد حداثية ، والمهم إنها ليست ما بعد حداثية بحال ، والمهم أيضا أننا امسكنا بدليل على أن مغامرتنا في حفر طبقات النص كانت مجدية إلى حد بعيد . النص بحث عن الذات إذا ، و هرب من قمع الأحذية ينتهي بالفشل لأن الأم قد خذلته ثانية !! واختفت . هل قلت انه ينتهي... لا ، لا بد أن أقول أن رحلة البحث عن الذات تبدأ من هنا، من الانفصال اللاكاني عن الأم حيث تبدأ اللغة وتتشكل الهوية، وما علاقة ذلك بالمرآة في النص، أهي مرآة لاكان ؟ إن ثراء النص يُشرع الأبواب على سيل من تأويلات متقاطعة ومتوازية ومتباينة . ولذلك دعونا نتوقف هنا كي لا نمص عظم النص حتى النخاع و نحن نزعم أن الغرض هو تأويله. في ( عزلة من ورق : حكاية بلا مغزى من ثلاث مقاطع ) نقرأ المقطع الأول الذي يحمل عنوان النهر، نلتقط من القراءة الأولى مفردة النهر بوصفها اللازمة السردية القاعية التي قلنا أنها تتكرر لتتحول إلى تفصيل شعري ثم إلى رمز. والنهر ببساطة رمز الحياة الباقية الخالدة . والقصة على بساطة ثيماتها وسهولة فك مغاليقها كتبت بحرفية عالية تعكس جماليات الدقة والبساطة في آن واحد . لا يعقد سعد هادي الأمور كثيرا على هذا المستوى ، فالنهر هو المكان الذي رمى فيه الغزاة، أعداء البشرية على مر العصور: (( الكتب والقراطيس من مساجد المدينة وقصورها وبيمارستاناتها وتكاياها ودكاكين الوراقين في أسواقها وأزقتها لتجمع في أكداس وأكوام وتحرق أو يلقى بها إلى النهر الذي حمل مجراه أيضاً رؤوساً مقطوعة وبقايا أجساد وأيدي وثياباً وأجنة لم تكتمل وأوعية وأنابيق ودوارق ودمى قطنية وثمارا ومرايا وتماثيل من الخشب وصناديق زينة صغيرة وصور غيد حسان مرسومة على رقائق من الجلد )). أما من يحاول انقاذ تلك الأشياء من ضياعها الأبدي وتتشتتها في مجرى النهر فهو العراقي الذي أخبره التاريخ ذات مرة أن المغول والبرابرة فعلوا ذلك في لحظة فاصلة من التاريخ، لحظة تراجع موجع للعقل والمنطق والإنسانية، ولكن بغداد / المدينة عادت وكل المدن تعود. لملمت جراحها ودفنت شهداءها ورممت بيوتها وعادت . في الطبقة الأدنى من النص يريد سعد هادي أن يحدثنا عن ذلك التاريخ والماضي بمجمله: بغثه وسمينه، بصدقة وكذبه ، بأساطيره وحقائقه، هذا الماضي الذي كان موجوداً يوماً ما، ولكن معرفتنا التاريخية عنه انتقلت إلينا لفظيا أو سيميائيا في صورة وثائق أصبحت دلائل على الأحداث، ثم حدث أن حولها المؤرخون إلى حقائق مسلطة على رقاب البلاد والعباد تضمن في النهاية سلطة الايدولوجيا وهيمنة الحكام الذين كتب التاريخ لأجلهم وبتوجيهاتهم . التاريخ - إذاً - ليس أكثر من رواية تحمل معايير توالدت عبر الزمن وأصبحت معيقات غير مرئية للحلول. ولا يطلب سعد هادي أكثر من غربلته ذلك التاريخ أو على الأقل إعادة النظر فيه ((كان يمسك بالفكرة أولاً ثم يرفعها باتجاه الشمس ويتفحصها جيداً وحين يتأكد من جدوى الإبقاء عليها يضعها في الإناء المخصص لها داخل الصندوق والذي قد يكون إناء قضايا الوجود الكبرى أو إناء العرض والجوهر أو إناء العقل المجرد أو إناء الأنا والهو أو إناء الحواس الخمس أو إناء الشهوات أو في أي إناء آخر بإمكانه أن يكون وعاءً مناسباً للفكرة المستخلصة. كانت أصابعه قد تعبت بعد جهد يوم طويل وتصلبت بسبب تمحيص الأفكار الرديئة ونبذها ومن فرز الأفكار المتكررة وإعادتها إلى مياه النهر ثانية، تلك الضلالات والأباطيل التي كان يتمنى أن تكون فرائس لوحوش البحر البعيد أو أن تأكلها الكواسج وثعابين الماء والسحالي والسراطين قبل وصولها إلى مياهه. وكان يأمل بعد أن يصطفي في صندوقه كل الأفكار الأصيلة التي يتمكن من إنقاذه أن يعيد الصندوق إلى مكانه في زاوية من صومعته التي تقع على مقربة من المخاضة التي هبط إليها مضطراً )) . هل يقول لنا سعد هادي أن للهمجية والاحتلال وجه آخر يمكن الإفادة منه لو أردنا ؟ وجه الانتفاضة على الأساطير والخرافات والخزعبلات، وجه الحرية أو السعي لطلب التحرر من الأوهام والأغلال وقيود العقل قبل الأعداء. ومن سيقوم بالغربلة والانتقاء والتمحيص والفرز ؟ يحكي لنا النص باقتضاب حذر عن (( رجل في نهاية عقده الرابع في يده مصفاة ورقية كبيرة أو أداة تشبهها من الممكن أن تكون مروحة لكائن عملاق أو خطافا بدائياً لصيد الطيور والأسماك أو قمعاً أو بوقًا )). فمن يكون ؟ وهل يضمن لنا القاص أننا سنصدقه (الرجل) ونثق به ونرضى بحكمته حتى ولو كان نبياً ؟ أظن أنه يشك مثلنا تماماً لذلك نبهنا في العنوان حين قال أن حكاياته هذه ليست ذات مغزى. في القطعة الثانية يأس وهزيمة يرشد إليها الظلام الدامس ، هزيمة لا يبدو أنها ستزول قريباً ((في باحة واسعة خلف السور كانت هناك جثث ترقد على الأرض لفرسان بملابس سود يحلم كل منهم بحبل وسلم ومفتاح وبطرق ملتوية وبأسوار بعيدة لا يمكن الوصول إليها و بعجائز عابرات يحملن ألغازاً وأحاجي وعلب ثقاب تالفة. كان غطيط الفرسان بطيئاً وخافتاً ومتكرراً ولكنه كان يتصاعد إلى السماء النائية كشكاوى كائنات معذبة من ظلام طويل ،غامض،لا نهاية له. )) وفي الطبقات الأعمق يطلب منا القاص أن نبحث عن أسباب الهزيمة أو الهزائم التي لا تنتهي . وفي القطعة الثالثة المعزولة على الورق أيضاً حكاية أخرى غير ذات جدوى ربما لإرتباطها بالفناء . وحين نلتقط القوس من القراءة السطحية نتذكر أقواس النصر، يبني المتنصرون أقوسا تخلد انتصاراتهم وتنقلهم من زمن إلى زمن ويسجل التاريخ ذلك. ولكن الانتقال الأكبر الذي يغفله الناس هو الانتقال من الحياة الدنيا إلى حياة لا نعرفها (( إلى برية شاسعة لا حدود لها ، برية الآمال والآلام والأفكار والأخيلة ، برية الأجساد الأثيرية التي تعادلها القراطيس وصحائف الكتب وألغازها وسيبصر خلفه مدناً شبحية تتوارى وخيطاً من دمٍ يسعى خلفه ملاحقاً خطاه ، يتبعه كظل لا يشبهه في حله وترحاله )) . وحياتنا كلها هي ما نترك خلفنا من قراطيس وصحائف والغاز كتبناها أو كتبت عنا، ولكن كل ما كتب ينكر حقيقتنا أو يحولنا في النهاية إلى أشباح. هنا، لا بد لنا أن نتوقف قليلا لنبحث في نقطتين هامتين تتعلق أحدهما بالمضمون والأخرى بالشكل أو بالشكل والمضمون معه. فمن ناحية المضمون نجد في القطع الثلاث بعداً وجودياً ينافس البعد المعرفي أو في أحسن الأحوال يضع البعدين على ذات الدرجة من التشكيك والاستجواب ( الموت والدمار ومحاولة إنقاذ المعرفة في القطعة الأولى، البحث المعرفي عن سبل الخلاص ثم الركون إلى موت وعزلة ذاتوية أبدية غارقة في الظلام في القطعة الثانية ، ثم البغال التي تحمل الأسفار المعرفية والحياة ذاتها في خرجين متقابلين.) وقد بات من المتفق عليه أن الروايات الحداثية حفلت بالاستجواب المعرفي بمعنى أن هناك معارف يمكن العثور عليها داخل النصوص، وان شخصاً ما في داخلها ايضاً يحمل ذلك المفتاح المستنير. هنا تبحث الشخصية عن المعلومات خلال النص، تتحرك وراء القرائن، وتستنتج حلولاً محددة. و لا يهتز إيمانها أبدا بأن مفتاح حل أي لغز موجود في مكان ما. والقارئ بدوره لن يترك النص دون أن يعرف الحل. إن هذه الممارسة التقليدية المعرفية في البحث عن الجواب هي من سمات القصة الحداثية. ولكن الانطولوجيا الما بعد حداثية تعارض المعرفية الحداثية . يوضح برايان ماكهيل في كتابه ( رواية ما بعد الحداثة ) ذلك حين يقول : عندما يذهب الاستجواب الابستمولوجي إلى ما بعد عالم التفسير الكبير Big Explanation وينقلب حرفيا إلى تشكيك وجودي، عندها تكتسب ما بعد الحداثة زخماً . يتألف الاستجواب الوجودي من إدراك عالم واحد من بين العديد. إن الفضاءات النصية التي يجد البطل نفسه فيها تكون في جيشان وثورة دائمة. لا تفترض الشخصية هنا وجود شرح أو تفسير، كل ما تفعله هو محاولة استجواب مكانها في عالمها المدرك. و تمتلك النصوص الانطولوجية نوستالجيا إلى المساءلة الابستمولوجية ، وتندب غياب شيء ما لا يمكن تذكره تماماً . بدوره يخلق هذا الحزن توتراً لا يمكن انحلاله في النصوص الما بعد حداثية التي توظف بوصفها عوامل تسيير تدفع المساءلة بثبات نحو الذاتوية Solipsism ، أو نشوء عالم داخل عالم آخر. الذاتوية - كما يعرفها ماكهيل - هي قبلة رمزية لكرات المسبح الكوني ، يقودنا ذلك إلى النقطة الأخرى التي تبحث في الشكل ولكنها ترتبط أيضا بالمضمون. لاحظ نقاد ما بعد حداثيين مثل (لاري ماك كافري ، 1988) أن الثمانينيات من القرن الماضي قد شهدت ظهور نوع جديد من الواقعية منفصل عن موجة التجريب الراديكالية التي سادت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي . وقد ارتبط التجريب الما بعد حداثي بتقانة ما وراء القص وما وراء القص التاريخي لدرجة أن نقاداً مثل (ماك كفري ) نفسه يرون إن تطبيق تقانة ما وراء القص في النص شرطاً أساسياً لتميزه نصاً ما بعد حداثياً، إلا إن انحسار تطبيق هذه التقانة في الثمانينيات ، والذي تزامن مع ظهور الموجة الجديدة من الكتابات الواقعية ، جعل نقاداً آخرين مثل (heinz ickstadt ،1991) و (مولي هايت ،1991) يقولون باحتمالية الواقعية ما بعد الحداثية ، وهم بالتالي يحددون السرد ما بعد الحداثي من خلال التطابق الإيديولوجي مع التفكير ما بعد البنيوي، وهذا ما قالت به (هتشيون ،1991 ) و (فيستر ،1989 ) أيضاً . وهكذا فحتى مع غياب تقانات ما وراء القص ( كما في نصوص الأسلاف.. ) فإن النصوص من الممكن أن تنتمي إلى سرديات ما بعد الحداثة استنادا إلى مضامينها غير التقليدية والمبتكرة والمرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والسياسة. ولا بد من التذكير مرة أخرى بسنة الإصدار التي كانت مع بدايات الألفية الثالثة والتي شهد فيه العالم بأسره والمنطقة بالذات تغيرات راديكالية اجتماعية وسياسية وثقافية ، وهي بالتحديد ما رسمه سعد هادي بقلمه وريشته ذلك أنه فنان وناقد تشكيلي أيضاً . ولكننا مع كل ذلك لا يمكن أن نهمل حقيقة أن عرض الواقعية ما بعد الحداثية يتطلب من الكاتب مراجعة أدواته الفنية والانحياز إلى حرفية عالية تمكنه من التعامل مع قيم العالم الجديدة أو ضلالته بمصطلحات واقعية متجددة تعبر عن نوع من الحياة بات يتميز باللا - موثوقية ـ وهي الفكرة التي كررها هادي كثيرا في اقتباساته أو عناونيه أو حتى ضمن نصوصه ـ وبفكرة أن الإنسان ليس إلا مفسراً إيديولوجيا لهذه الحياة . وقد اشرنا سابقا إلى أن قصص سعد هادي تحمل نوستالجيا عميقة إلى عقود سابقة شكلا ومضمونا، فالهوية الذاتية الحداثية ، وتفوق البعد المعرفي على الوجودي ، ثم الأشكال الأدبية الحداثية من واقعية ، وواقعية سحرية ، ورمزية كلها تشير إلى إرهاصات استشرافية فنية وثقافية عالية بان عهداً جديداً يوشك على البزوغ وأن تقانات ما بعد الحداثة المنحسرة لم تعد تتوافق مع الثورة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي اجتاحت الكون مع بدايات الألفية الثالثة. في قصة (الأسلاف في مكان ما ) والتي تهب عنوانها للمجموعة لن أكرر ما ذكرته سابقاً عن التجريب الشكلي النوستالجي لإعتقادي انه ينطبق على نصوص المجموعة كلها ، ولكنني سأحمل الرعاة ، أسلافنا الأوائل ، ومقهى السعادة العتيد لنغور معا في طبقات أعمق من النص. تتكرر في الأسلاف الثيمات التي ناقشناها سابقا: التشكيك الوجودي ووهم البحث عن السعادة، وتحقيق الذات، والهوية الذاتية ، وجدلية الفرد والجماعة ، ولكنها تحملـ بالإضافة إلى تلك الثيمات ـ تحدياً عميقاً واستجواباً ضمنياً حاداً للسلطات القائمة بل وللقرن العشرين برمته الذي شجع البشرية على التعلق بمعان لا وجود لها في العالم . فإذا الخاتمة في نهاية المطاف ليست سعيدة على الإطلاق. وباختصار يريد سعد هادي أن يقول لنا أن ملاحقة النهايات السعيدة ليست ذات صله بوضع الإنسان، ولكن النظم القائمة (سياسية أو اجتماعية أو دينية أو أخلاقية أو اقتصادية ) تروج لمفهوم النهايات السعيدة باعتبارها وسائل لصرف الناس عن استيائهم من تجارب الحياة اليومية. والكاتب هنا يوظف لتحقيق رؤيته تقانة التشكيك الما بعد حداثي حين تقوض خاتمة القصة التهكمية (ولكن هل هناك رعاة حقــاً ؟) مصداقية السرد بأكمله. ولا بد لي من الاعتراف هنا إن ما استوقفني في "الأسلاف..." هو هذه الجملة تحديداً ـ بعد أن قادني محرك البحث الاليكتروني إلى القصة صدفة: ((ووضعوا جرابهم على الأرض وجلسوا في صفين متقابلين على المقاعد الخشبية في الزاوية التي ألفوها منذ زمن بعيد والتي تعلوها صورة امرأة الجمال الأبدي التي يكاد كل منهم يعبدها في السر، تبعتهم الكلاب وهي ستة متمسحة بأذيالهم وظلالهم أما الشياه فظلت تثغو في الفسحة الصخرية أمام المقهى في المكان ذاته الذي تعودت عليه )). تؤسس العبارة لمفهوم انثروبولوجي يتجاوز مفهوم رينه جيرار الشهير في (العنف المقدس، 1972) الذي يرى أن العنف هو العنصر الأولي في المحاكاة الإنسانية . يعيد سعد هادي تركيب المشهد ويتركنا نتخيل الرعاة ( كما في مشهد جيرار) يستجيبون لإثارة كائن مشتهى (المرأة هنا ودائما) ويتحلقون حوله ولكن في اللحظة التي يكون فيها الجميع على وشك إطلاق إيماءة الاستيلاء ، يكون الخوف من الصراع كبيراً لدرجة إجهاض الإيماءات، وبالتالي إرجاء العنف. بدلا من اندلاعه عند جيرارـ في سبيل تكوين قطيع بشري تحول إلى جماعات ثم مجتمعات . تحمل الإيماءة المجهضة عناصر مسلكية ( أخلاقية )، فهي أولاً تجسد التخلي المتعمد عن الشهوة على المستوى الفردي، وثانياً تعلي خيار التصالح الجمعي على الصراع . وبذلك توصلنا إلى لب نظرية ايريك غانس وهو أن الثقافة ليست سوى تأجيل العنف من خلال التمثيل أو اللغة التي بدأت بالإيماءة المجهضة. يتفق سعد هادي في هذه اللمحة الذكية مع المنظر الثقافي والانثروبولوجي الأمريكي الشهير ايرك غانس صاحب العلم الجديد الموسوم بالانثروبوجيا التوليدية والذي بدأ الترويج له من ثمانينيات القرن الفائت. الم نقل أن الثمانينيات حملت قلقلة البشرية من ما بعد الحداثة، وان الحساسية العالية للفنانين والأدباء هي أول من يستشعر التغير ويعبر عنه . يتهيأ لنا أن قصة "كوكتيل" قصة تقليدية عن معظم النساء في الشرق: حب مجهض ، وزواج قسري لا خيار للمرأة فيه .. تعيش القهر الذي يرسمه مجتمع وينفذه رجل ما ... والضحية أطفال يبكون ولا مجيب. تسرد البطلة قصتها فهي الساردة والبطلة في عودة أخرى إلى تقانة الصوت الواحد الحداثية وفي تأكيد جديد للرؤية التي قدمناها سابقا . ولكن تقانة المفارقة التهكمية الما بعد حداثية تأبى إلا أن تطل برأسها في نهاية القصة حين يعثر على الشريط رجل مقموع من امرأة ومجتمع أيضا ... والنتيجة التي يريدها سعد هادي هو أن للقهر وجه إنسان لا جنس له ولا عزاء للمقهورين في مجتمعات لا تتقن إلا إعادة إنتاج القهر والظلم فيما تروج عقائدها وفلسفاتها وثقافتها للعدالة والمساواة والسلام الداخلي الذي يحط تلقائيا على قلب من اتبع هدى النظام وسار في ركابه . وعلى الرغم من اشتغال "يوتوبيا الموت"ـ القصة الخامسة في المجموعة على الهم الوجودي ـ إلا أنها تتفرد بتقانتها الشكلية عن قصص المجموعة السابقة. تبدو القصة واقعية بشخوصها الواقعيين من الناحية الفيزيقية ، فسعد هادي الروائي العراقي في الحقيقة ومؤلف المجموعة كلها وسارد أغلب قصصها هو أحد شخوص هذه القصة وهو شخص موجود في الواقع ويمكن مراسلته مثلا أو الاتصال به بأي طريقة فيزيقية معروفة، والأمر ينطبق على بقية الأسماء الموجودة في القصة ـ أو على الأقل على الإحياء منهم أو الذين كانوا احياء في زمن كتابة القصة: (غالب المطلبي وعباس جاور وحكمت الحاج وفؤاد التكرلي) إنهم شخوص حقيقيون في أماكن حقيقية وربما أن القصة نفسها قد حدثت. لن نشك في ذلك حتى نصل إلى الصفحات الأخيرة فيختلط الواقع بالخيال ((وكان الظلام يغمرنا ونحن نقف على الرصيف بلا حول ولا قوة ، عاجزون عن الفعل نراقب تحول المقهى إلى قبر والشارع إلى مزبلة وأشباح المارة إلى جثث ، وكان ثمة طير جنائزي ليس بومة ولا غراباً ولا لقلقاً ولا عنقاء يفرد جناحيه العملاقين فوق مئذنة جامع الحيدرخانة ويصدر صوتاً ملغزاً بالإيقاع نفسه الذي تردد فيه فاختة: كوكوكتي .. كوكوكتي .. كوكوكتي .. يتصاعد إلى الأعالي مع الضراعات والأدعية والالتماسات وصحوات الضمير والبكاءات المكتومة ، صوت مرتبك ، متحشرج ذو رنين سراني، خفي ، يتألف من كلمتين مـدغمتين تترددان في ظلمة الشارع الآن وغداً وربما لسنوات أخرى طويلة قادمة :يوتوبيا الموت ، يوتوبيا الموت ، يوتوبيا الموت )) . ما يريد سعد هادي أن يبحثه هنا هو العلاقة الجدلية بين التخييل والواقع ، وبين تركيب عمل ليصبح رواية أو قصة وتركيب الواقع . وارتباطا بهذا الانشغال الما بعد حداثي يلمح هادي إلى العلاقات بين تركيب وقراءة وتأويل النصوص ، وبالمثل العلاقات بين تركيب وقراءة وتأويل الواقع . تلفت القصة النظر إلى أساليب خلق الوهم وتحطيمه في القص, وتشير إلى العلاقة المعقدة بين الواقع والخيال، و هي بذلك تتفحص الروائية المحتملة للعالم. تقول باتريشيا واو (1990 :3) بهذا الصدد : أن إحدى السمات المتفردة لكتابات ما بعد الحداثة هي إظهارها الـــــ " إنتقال من سياق الواقع إلى سياق التخييل وتأويلها المعقد للسياقين " . وبذلك تمكنت هذه الكتابات من التأكيد على فكرة العلاقة بين الواقع والتخييل بعدة أساليب ، فمن خلال معالجتها الصريحة لمفاهيم التخيلية والواقعية للشخوص الروائية, وأيضا بوساطة مناقشة أهمية القصص واللغة في الروايات وفي العالم , فضلاً عن أن قراءة العالم والروايات بوصفها نصوصاً يكشف طبيعتها التركيبية . فقط نلفت النظر هنا إلى أن واو كانت تتحدث عن تقانات ما وراء القص والتي وضحنا سابقا أن هادي قد تجاوزها، إلا أن ذلك لم يخرج كتاباته من سياقات ما بعد الحداثة شكلا ومضمونا ولكنه جهزها نحو تجريب آخر، نكرر انه يحمل قلقلة الأدب من ما بعد الحداثة ونوستالجيا الأدباء إلى تقانات سالفة . تدعم القصة فكرة انه يمكننا النظر إلى العالم مكونا من روايات ( اومندسن 1993 :4 , اونجا 1995 : 95, ماك كافري 1982 :8 , كالينسكو 1997 : 245, هولمز 1945 :207) , وان نشير إلى العمليات التي يمكن من خلالها قراءة العالم بوصه نصا , حين نرى العالم بصورة مجازية كتابا ، وحيوات الناس بداخله كتباً . وأضاف ماك كافري (1992 : 8 ) بعدا آخر إلى علاقة التخييل بالعالم حين قال : نحن نقطن عالما من الروايات ونُجبر دائما على تطوير استعارات متنوعة ، وأنظمة موضوعية لتساعدنا على تنظيم خبرتنا ؛ لنتمكن من التعامل مع العالم . تحمل قصة المجموعة الأطول والأعقد فنياً ( جنة الدموع ) أبعاداً إنسانية وعواطف جياشة عن الحب والزواج والوحدة والرغبة والتوق والاشتهاء والعلاقات الإنسانية الجسدية والنفسية والأحلام والعذابات والفقد والانتظار والفراغ والأسى والندم. تذكرنا القصة في حبكتها المعقدة بثلاثية بول اوستر الشهيرة (ثلاثية نيويورك ، 1987 ) . تركز القصتان (مدينة الزجاج من ثلاثية أُوستر وجنة الدموع من أسلاف سعد هادي ) على التلاعب التناصي بالثنائيات والأسماء والهويات المختلطة وارتباط ذلك بقضية الهوية الفردية، الأمر الذي يعكس مشكلات إنسان القرن مثل الاغتراب والاقتلاع والوحدة . تقدم القصتان عالماً معقداً للشخصيات والهويات المزدوجة فبطل مدينة الزجاج دانيال كوين هو كاتب قصص بوليسية باسم مستعار (وليام ويلسون) يخلق شخصيته الروائية (ماكس ورك) ويتماهى معها حتى أنها تصبح حقيقة يوما بعد يوم، لدرجة أن كوين يبدأ بالتفكير والتصرف مثل ( ماكس ورك ) ، حتى أنه كف في النهاية عن التفكير بنفسه بوصفها حقيقة واقعة ، وبتعبير أُوستر ( وشيئاً فشيئاً أصبح ورك وجوداً في حياة كوين ، شقيقه القابع في أعماقه ، رفيقه في العزلة ) . يصل التلاعب التناصي بأسماء الشخصيات والثنائيات والهويات ذروته عندما يتلقى كوين مكالمة هاتفية موجهة بالأساس إلى محقق خاص اسمه بول أُوستر، ويقرر تقمص شخصيته ليقوم بالتحري في قضية بيتر ستلمان، المهدد من والده الذي خرج من السجن حديثا . وفي "جنة الدموع" نجد أن البطل ( مسعود ظريف الغراب) الذي يعاني الوحدة أيضاً، والذي لا نعرف عنه كثيراً ـ تماما مثل كوين أُوستر ـ يقرر أن يشتري صندوق بريد بعد أن عثر مصادفة على سلسلة مفاتيح و أخبرته إحداهن أن احد هذا المفاتيح هو لصندوق بريد . ظل مسعود يتفحص صندوق بريده باستمرار آملا أن تصله رسالة ما من مكان ما حتى لو من تلك الفتاة التي أوحت له باقتناء صندوق بريد، علماً بان مسعود هذا بلا معارف ولا أهل ولا أصدقاء ولم يعط عنوانه البريدي لأحد. حدثت المفاجأة حين وجد في صندوقه البريدي سبع رسائل موجهة إلى (سعيد طريف العراب) الذي ليس هو بالتأكيد ، ولكنه يقرر تقمص شخصية هذا السعيد والرد على الرسائل التي وصلته من المعذبين والمعذبات المجهولين والمجهولات القاطنين في أرجاء المعمورة . وتتعقد الأمور حين يستمع إلى رسالة في الراديو موجهة إليه. ويتكرر الأمر مرتين والرجل مسعود يعيش حياة سعيد التي ابتكرها لنفسه، حتى انه لم يعد يعرف هل هو سعيد أم مسعود أم شخص آخر لا علاقة له بالاثنين. يسهب هادي في حكي مضمون الرسائل التي تصل إلى سعيد ويركز على الأسماء التي بدت غريبة ومضحكة وغير واقعية ، ولكن سعداً لا يفعل ذلك عبثا فهو كما قلنا يطرح قضية إنسان القرن، قرن الاغتراب والاقتلاع والهجرات بلا منازع ـ قضية هويته وانتمائه وقلقه وتشظيه ووحدته واغترابه . وأود أن الفت النظر إلى جذر الكلمة المشترك في سعد وسعيد ومسعود بطريقة توحي بالتهكمية المفارقة الحارقة والتي نلمحها أيضا في أسماء : مسروع كندوف غباز الباصقي، علعول سمرود هايف المسطوري ، جرويلة مصطكي شباح الصفطاني، مرعاد عجول قليطان البربخي . تصل إلى مسعود بطاقة دعوة لحضور حفل زفاف اثنين من مراسليه فيقرر الذهاب إلى هناك بوصفه سعيداً بالطبع ، وهنا تتوغل القصة في الغرائبية التي يتقنها هادي، فيلتقي بزهرة الفواحة العمياء التي تتبادل هي الأخرى الشخصية مع أختها زهرة التي ليست فواحة ويحضر الاثنان حفل زفاف مرعب : مسرحية هزلية دموية يمتزج فيها الواقع بالخيال . وعلى الرغم من أن سعد هادي يُعّرض في هذا المقطع بالتقاليد البالية والعادات الاجتماعية البائسة (( افتض بكارتها وجاء بالخرقة الدامية ، افتض بكارتها وجاء بالخرقة الدامية . ولم أعد أشم سوى رائحة أجساد بشرية تحترق ولم يعد يتراءى أمام عيني سوى منظر متكرر لشلال من الدماء يجري متعرجا فوق تراب اسود ثم غاب كل شيء )) ، ويلمح إلى قضايا سياسية واقتصادية ولكنه يركز على الإنسان : الإنسان المحطم المشوه الممسوخ في غابة الحياة. دعونا فقط نتأمل إحدى اللوحات التي رسمها هادي الفنان ، أو المسرحي ربما، ونقارنها بواقعنا العبثي وإنساننا المحطم المعاصر: (( وبعد دقائق بدأت الرائحة تزكم الأنوف حين حملوا إلى الخيمة برميلا كبيرا طافحا بالعرق ووزعوا على الجالسين أقداحا معدنية وملاعق وصحونا وسكاكين وجاءوا بمكبر صوت وآلات موسيقية (كانت الفرقة النحاسية قد انصرفت قبل ذلك) وبدأ عزف سريع ثم بدأ أحدهم يغني. ورفعت الأنخاب وتصاعدت الآهات والحسرات وتصدعت الرؤوس وأعيدت الحكايات ذاتها عن الأفيال والأسماك والسراطين وبنات أوى وذيول الذكور وحوافر الإناث والعلاقة بين الأظافر والأخلاق وبين ضخامة الأذنين وعراقة المنبت وخلال التراشق بتلك الأحاديث وسواها لم ينتبه أحد من الحاضرين إلى المطرب الذي يغني سوى زهرة مطرود ، كانت تصغي إليه كأنه يغني لها وحدها وحتى بعد أن حمى الوطيس ثانية وبدأ التراشق بالصحون والملاعق والسكاكين ظلت زهرة تردد ما يتفوه به المطرب بصوت اخنف شبه مخمور وتتمايل طربا معه )) . يحاول سعد هادي أن يصور عالماً فاسداً مفككاً وبائساً. انه يقحم فوضى العالم التي تجاوزت حدود الفهم في قصته تماما كما قال صموئيل بكيت عن مسرحياته في مقابلة أجراها معه توم درايفر ونشرها منتدى جامعة كولومبيا عام 1961 . أو كما أطلق امبرتو ايكو في كتابه ( opera Aperta الأثر المفتوح ، 1962 ) على الأعمال الحداثية المفتوحة وصف المجاز الابستمولوجي epistemological metaphor ، ليس لأنها تعكس جوانب الفلسفة و العلوم المعاصرة فحسب ، ولكن لأنها تفتقد إلى الحس والنظام التقليدي، ولذلك فإنها تمثل الإحساس بالفوضى والانقطاع الذي أوجده العالم الحداثي فينا. أما نهاية سعيد فقد كانت التشظي ، تشظى بعد أن تشظت زهرة الفواحة أمامه ، وفقد بفقدانها آخر أمل له في العثور على هويته الذاتية ، ليؤكد لنا أن الإنسان في هذا العالم المخلخل الأركان الذي صوره لا يختبر وجوده الذاتي إلا من خلال آخر . يكتب سعد في جنة الدموع عن سعيدة (( وحين لم أستمع إلى جواب على ندائي تشظيت أنا الآخر ورأيتني أتحول إلى أسئلة وصرخات وعواءات وأنات وآهات تتردد في الفضاء الضيق حاملة معها غبار سنوات طويلة من الحزن والانكسار الذي تثيره الريح للحظات وجيزة ثم يعود ليتراكم ببطء فوق كل شئ دون أن يصغي إلى إيقاعه الرتيب أحد )) . والتشظي والتلاشي والانحلال هي نهايات أبطال أُوستر في عدد من رواياته عندما يفشلون في العثور على هوياتهم الذاتية المستقرة والمنفصلة عن الآخرين، ويوغلون في الاغتراب والايحاش، فكوين في مدينة الزجاج يتلاشى تماما ولا يترك أثرا إلا كراسته الحمراء التي انتهت صفحاتها. كما أن فوغ في (قصر القمر،1989) يعتقد أن جسده سيتهشم كبيضة وينزلق دماغه على الأرض ويتحول إلى قطع صغيرة إذا ما خلع بذلة عمه التي اقتنع أنها سبب تماسك جسده ووحدته العضوية والنفسية. وتموت إيزابيل في ( في بلاد الأشياء الأخيرة، 1987) بمرض وراثي تسبب في تحلل جسدها . لست بصدد المقارنة ، ولكن لا بد من القول أن جبرا إبراهيم جبرا في روايته ( يوميات سراب عفان) وأحلام مستغانمي في ثلاثيتها الشهيرة قد استندوا على حبكة ثلاثية نيويورك ، إلا أن الروايتين لم تركزا على البعد النفسي لماضي الشخصيات بمعنى حالة الاستيحاش أو اللابيتية (“Das Unheimliche” “The Uncanny”) الفرويدية المعقدة ، بل أنها أغفلته تماماً . فسراب عفان تلجأ إلى التلاعب بالشخصيات والأسماء للتسلية و نتيجة الملل من الفراغ والحياة الوادعة، ولا تصور الرواية المجتمع خارج حياة سراب وبعيدا عن علاقاتها الشخصية ، ولا يختلف الأمر كثيرا مع (حياة) في روايات مستغانمي اللهم إلا إشارات عابرة إلى تأثير فقد الأب المبكر على البطلة ، ولا ننكر أيضا جو الرواية العام عند مستغانمي الذي خلق خلفية مناسبة لتصوير حال الإنسان العربي في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات في الجزائر خصوصا (حين دخلت البلاد في حرب أهلية دامية) وفي العالم العربي بعد حرب الخليج الثانية بشكل عام. في حين أن "جنة الدموع" أشارت إلى عزلة البطل وانعزاله واغترابه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال تكرار صفات العزلة والغلق والصناديق والظلمة والوحدة وغرف الزجاج المغلقة وغيرها من مفردات ، وسهلت لنا استنتاج أن البطل يعاني حالة استيحاش مهدت لظهور الأشياء المجهولة كما لو أنها مألوفة بطريقة مفارقة. وبهذه الطريقة ظهر مسعود وظهرت زهرة وكان كلاهما مصدرا للرعب والقلق، معيقاً للشخصية ومعطلا لحياتها، ثم اختفيا ليصبح غيابهما أكثر حدة من حضورهما في حياة البطل، مما أدى إلى تلاشي البطل أو انحلاله أو تفككه كما في روايات بول أُوستر، "أو تشظيه كما في جنة الدموع" . وبذلك ظهرت جنة الدموع أكثر تماسكا من الناحية الفنية والثيمية وانجح في التعبير عن ما يقصده القاص وما يريده بالضبط حين اختار هذه الحبكة الما بعد حداثية الشهيرة نصاً تحتياً لنصه. كما أن عدم الإشارة إلى حدث بعينه في القصة ترك المجال مفتوحا للتعبير عن حالة الإنسان الكوني في كل مكان تقريبا وهذا بالضبط سبب إسهاب سعد في الحديث عن مضامين الرسائل التي يتلقاها بطله والبلاد التي أرسلت منها. لأن التشظي وفقدان الهوية وصراعات الذات حالة عامة نتيجة ضغوط كونية تأثر بها البشر في كل مكان حتى دون أن يكونوا هم أو بلدانهم سببا مباشرا في حدوثها . وأخيرا لا شك أن "سعد هادي" يعلم مقدار المتعة التي منحتنا إياها مجموعته ، ولكنه يدرك أيضا إجهادنا العقلي والنفسي في البحث والتقصي ومطاردة الكلمات وتحليل المفردات والغوص في عوالمه والحفر في طبقات نصوصه ، لذلك يهدينا في النهاية نصاً قصيرا في حجمه يحمل في ثناياه اعقد مشكلة واجهتها الأنوثة الشرقية تحت هيمنة الذكورة والموروث والشرف المزعوم . ولا شك أيضاً أن معالجة سعد هادي الفنية لا تختلف عما ذكرناه سابقا إلا أنها أكثر شاعرية وأشد تكثيفاً . وقد لفت انتباهي كثرة نساء سعد هادي في "الأسلاف..." وحضور المرأة المكثف والمميز لدرجة انه راودتني فكرة توظيف نظريات النقد النسوي في مقاربة قصص المجموعة ، وهو ما سأفعله لاحقاً مع "الأسلاف..." ، أو ربما مع عمل آخر من أعمال سعد هادي .
هوامش : * سعد هادي روائي وفنان وناقد تشكيلي عراقي يقيم حاليا في مدينة يوفاسكولا -فنلندا.ولد في بغداد عام 1956. يعمل في الصحافة منذ عام 1975. وقد صدر له : طبيعة صامتة، مجموعة قصص، دار الخريف ، بغداد 1990 ، و الأسلاف في مكان ما، مجموعة قصص، دار الشؤون الثقافية، بغداد 2004، و ليلى والقرد، رواية، دار نينوى، دمشق 2005، و تجريد شرقي، دار نينوى، دمشق 2006. يدير سعد هادي حالياً موقع الروائي الاليكتروني http://www.alrowaee.com/index.php ، الذي يعنى بشؤوون الرواية . ويمكن تحميل مجموعته القصصية الأسلاف في مكان ما على الرابط التالي : http://www.iraqiwriter.com/iraqiwriter/Iraqi_Electronic_Library/saad_hadi/saad_hadi_1.htm
#أماني_أبو_رحمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحت سماء الثلج...خلود المطلبي تجربة متفردة بين الشاعرات والش
...
-
تفاصيل اللذات الآسرة: قراءة في مجموعة نوافذ تحتشد بالمسافات
...
-
التحليل النفسي والادب والثقافة
-
جلعاد عتصمون* :تفكيك دافيد غروسمان.إذا كان غروسمان إسرائيليا
...
-
يومان بعد المحرقة
-
تذكر ما فعله بك -عماليك - !
-
شهادات حية لأطفال من غزة نجوا بأجسادهم من محرقة الرصاص المسك
...
-
أطفالُ للموت ... بيوتُ للخراب
-
وغضبت اسرائيل
-
حاييم بريشث*: دولتان: ضئيل جداً , متأخر جداً
-
نويل اغناتيف:نحو حل الدولة الواحدة,الصهيونية ومعاداة السامية
...
-
أليكس كالينيكوس - لماذا -دولتان- ليس هو الحل في فلسطين
-
جورج حبش
-
المفاوضات في جنوب إفريقيا ؛ الدروس لفلسطين
-
اللوبي الإسرائيلي و-المصلحة الوطنية-
-
إسرائيل / فلسطين : -هل هو معقد!-… أم انه ؟
-
تحدي حل الدولتين
-
الإجابات قد تغيرت
-
لم يوجد يسار حقيقي قط في إسرائيل. الفصل العنصري الإسرائيلي ه
...
-
دولة واحدة ليست زيت الأفعى : ردا على مايكل نيومان
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|