أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نور الدين بدران - لحسة الأمان














المزيد.....

لحسة الأمان


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 970 - 2004 / 9 / 28 - 09:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يحكى أن فأرا كان يعيش في دكان لحام ، وكان مكتفيا بلحس السكين في الليل بعد غياب صاحب المحل ، وكان بتقشفه هذا يعيش بأمان ، لكن أحد أصدقائه في زيارة غير متوقعة ، همس في أذنه : " لماذا هذا الشقاء وأنت بين أكوام اللحم ؟ جرب واخرج في كلّ نهار مرة واحدة واخطف فرمة لحم وعش سعيدا " ، لكن الفأر الحكيم والمجرّب أجابه بثقة : "لحسة أمان مدى الحياة ، أفضل عندي من لحم الدنيا كلها في حالة هلع ورعب " .
نحن السوريين مكتفين بحالة الأمان التي ننعم بها حتى اليوم ، ولايرى أحد هذا التاج على رؤوسنا كما يراه الخائفون والذين يتوقعون موتهم في أية لحظة ، بسيارة مفخخة ، أو ما شابه كما هو الحال عند أشقائنا العراقيين اليوم ، والذين تغرقهم العصابات الإرهابية أو تحاول في حرب أهلية عرفت شخصيا جحيمها في لبنان .
ولكن وللأسف يبدو أن هذه النعمة المتواضعة والتي نقبل بها مكافئا لكل ما تبقى من الشروط الإنسانية ، مهددة بالزوال ، وليس في هذا الكلام أية مبالغة ، فمن يقرأ الرسالة التي قتلت أحد كوادر حماس السيد عبد العزيز صبحي الشيخ خليل أمام منزله الكائن في مساكن الزاهرة على طريق مخيمي فلسطين واليرموك ، أي في الجهة الجنوبية من قلب عاصمتنا دمشق ، يدرك مشروعية الخوف من فقدان هذه النعمة ، لأن الضحية وسيلة ، حتى لو كان من الصف الأول من قيادة حماس ، وهو ليس كذلك ، أما الهدف فهو نحن .
في العام المنصرم وجهت إسرائيل إلى سوريا رسالة مباشرة ، حين قصف طيرانها منطقة عين الصاحب ، وهي منطقة مهجورة ، كانت في الماضي معسكرا لفصائل فلسطينية يسارية وادعت اسرائيل زورا وبهتانا أنها مركز للجهاد الإسلامي ، وكانت هذه الذريعة للتمويه على الغرض السياسي كتقنية إعلامية أمام الرأي العام ، لكنه مفهوم جيدا للقيادة السورية ، وهذا ما كانت تريده إسرائيل وقد وصل بدقة وفي حينه ، وللمصادفة كنت على بعد أقل من 2/كم من الموقع المقصوف وسمعت بأذنيّ الدويّ ورأيت بعينيّ النار والدخان الذي حجب حتى الساعة السادسة تقريبا جزءا من جبل قاسيون ، حيث يقع القصر الرئاسي .
تلك الرسالة المباشرة أقل أهمية من الرسالة غير المباشرة اليوم وذلك :
1- لأن هذه الأخيرة تنطوي على أن اسرائيل غير محتاجة إلى طيرانها وصواريخها أو تدخلها العسكري المباشر، لتهديد أمننا وتفجير ساحتنا ، ووضعنا في دوامة الرعب ومن الداخل ، معلنة بالقدر الذي تريده عن وجودها بيننا.
2- لأن الرسالة الجديدة ليست موجهة كسابقتها إلى القيادة السورية وحسب ، وإنما للسوريين عموما ، فالمجرمون الذين وصلوا إلى مساكن الزاهرة [ والتي هي منطقة مختلطة من السوريين والفلسطينيين بل يغلب عليها الطابع السوري ، وليس هذا بلا معنى ] يمكنهم الوصول إلى أي مكان في سوريا ، وهكذا فكل حرف في رسالة بهذه البلاغة ، يجب أن يقرأ بتأن وإمعان .
3- لأن توقيت الرسالة أكثر دقة وحساسية دوليا و إقليميا وداخليا لجهة الوضع السوري .
4- لأن العملية بحد ذاتها نوعية ، ليس لجهة التنفيذ والتكنيك والتذكير بأساليب الحرب الأهلية ، وكل هذا هام ومدروس ، وإنما نوعيتها في مضمونها السياسي ، حيث الانتهاك الفظ للسيادة ، ولأهم ما تعتز به سوريا وأعني محافظتها الشديدة لاسيما على أمنها واستقرارها .
5- إنها سابقة ، وبوقاحة اعترفت بها اسرائيل ، وهي تذكّر بما كانت تقوم به اسرائيل من استباحة للأرض اللبنانية ، في ضرب أهداف لها ضمنها ، من اغتيالات أو غير ذلك .
يمكننا الاسترسال طويلا في معاني هذه الجريمة ، وهي كثيرة ، ولكن المطلوب منّا جميعا أن نقف على اختلاف رؤانا ومواقفنا السياسية وقفة مميزة أمامها ، ليس لفهمها فقط ، وإنما وهذا هو الأهم لدرء ما يمكن أن تستجره وراءها و لمنع اسرائيل من تحقيق الأهداف التي تسعى إليها من ورائها ، ليس فيما يخص الكوادر الفلسطينية ومكاتبهم ، فوجودهم أساسا ، من وجهة نظري ، عبء علينا وعلى القضية الفلسطينية بالذات ، وإنما فيما يخص أمننا كسوريين وفلسطينيين مدنيين يعيشون في سوريا .
هذه الوقفة يجب أن تكون حكيمة ، بعيدة عن الغرور والمكابرة، وأن تعتمد الطريق الديبلوماسي والسلمي وبدون أدنى تردد ، فأعظم خسارة في هذا الطريق هي أقل بكثير من أقل خسارة في غيره ، لاسيما أني لا أشك بأن من أهداف تلك الجريمة/ الرسالة استجرارنا إلى طرق غير الطريق السلمي ، وتوريطنا أكثر مما نحن متورطون في أماكن أخرى ، ويجب أن نعي ذلك ونقطع هذه السلسلة الرديئة عند هذه الحلقة التي قد تكون الأخيرة بجميع المعاني .
إن ارئيل شارون وجناحه ومن لف لفهما في الجانب الإسرائيلي ، سيرقصون طربا لأية حماقة نرتكبها ، كما رقصوا لحماس والجهاد وغيرهما من أولئك الذين عسكروا الانتفاضة الفلسطينية ، بعد أن كانت تبني بالحجارة بيتها الفلسطيني جعلوها تأكل نفسها وتهدم ما بنته بالسيارات المفخخة وغيرها ، ولم يتوان شارون وحلفه عن مساعدتها على ذلك فقد كانت الورقة الانتخابية الرابحة لنجاحه في الانتخابات .
إن البحث عن الجناة وتفكيك الشبكات العميلة لاسرائيل والمعالجة الأمنية ، أمر بالغ الضرورة ، ولكن كل ذلك مكمّل فقط للمعالجة السياسية الشاملة ، سواء على صعيد الداخل أو الخارج ، وليس التأجيل في صالح أي سوري ، في السلطة كان أو خارجها .



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشفافية السورية
- دردشة في الفصام والليبرالية
- في الشعر والسياسة
- الرماد
- عد كما كنت
- تلك جنتي يا ملكة
- كما ترق الأعالي ويحن الذوبان
- متى ندق باب العصر
- صمت أبيض
- الغريب
- كرنفال يخضورك العالي
- الصفحة البيضاء
- جل ما أخشاه أن يكون العكس
- محطمة قلبي
- حفقات في جبلة
- الوراء الوحيد
- ماذا لو انتصرت؟
- تنين الأنواء
- الدكتور مقاومة والمستر.....!!
- الهاوية


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نور الدين بدران - لحسة الأمان