|
كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3238 - 2011 / 1 / 6 - 14:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل تَنْتَقِل في المكان؟ وهل تَنْتَقِل في الزمان؟
إجابتك عن هذا السؤال وذاك، ولكون "هَلْ" هي أداة الاستفهام، إمَّا أن تكون بـ "نَعَمْ"، وإمَّا أن تكون بـ "لا"؛ لكنَّ الإجابة تظلُّ سطحية إذا لم تُعلَّل؛ فَبَعْد أن تجيب بـ "نعم" أو "لا" ينبغي لك أن تَشْرَح وتوضِّح الأسباب التي حَمَلَتْكَ على أن تجيب هذه الإجابة.
السؤالان، مع إجابتيهما، ليسا من العِلْم في شيء؛ فكلاهما سؤال في أمْرٍ بديهي؛ لكنَّ السؤال عن أوجه العلاقة بين "الانتقال في المكان" و"الانتقال في الزمان" هو عَيْن العِلْم.
أنتَ تَنْتَقِل في المكان إذا ما انتَقَلْت (تحرَّكت، سِرْت) من نقطة إلى نقطة، أو من موضع إلى موضع، في الفضاء، أو على سطح الكرة الأرضية مثلاً. وهذا الانتقال يعني أنَّكَ تَبْتَعِد عن نقطة لِتَقْتَرِب، في اللحظة عينها، من نقطة أخرى.
ولا بدَّ لهذا الانتقال من أن يَسْتَغْرِق زمناً معيَّناً؛ ولا بدَّ له، من ثمَّ، من أن يكون بسرعة معيَّنة (نتوصَّل إليها من خلال قِسْمَة "المسافة (بين النقطتين)" على "الزمن (الذي استغرقه قَطْع المسافة)".
إذا كنتَ تسير على سطح الأرض فإنَّ من السهولة بمكان أنْ تقول بلهجة واثقة إنَّكَ تَنْتَقِل (تتحرَّك) في المكان؛ فأنتَ، مثلاً، تَبْتَعِد عن هذه الشجرة الثابتة في مكانها؛ وتستطيع أنْ تحسب سرعتك، أي سرعة ابتعادك عنها؛ لكن في الفضاء لن يكون الأمر بهذه السهولة، فليس من جسم يشبه تلك الشجرة لجهة ثباته في مكانه (على "سطح" الفضاء).
هذا الجسم قد يكون متحرِّكاً نحوك، أو بعيداً عنك؛ فإذا كنتَ تسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم، فإنَّك ستقول، عندئذٍ، إنَّك ساكن، وإنَّ هذا الجسم هو الذي يتحرَّك (مقترباً منك، أو مبتعداً عنك).
وإذا كنت في داخل حجرة مغلقة (لا نوافذ لها) تتحرَّك في الفضاء بسرعة ثابتة منتظمة، وفي خطٍّ مستقيم، ثمَّ دَفَعَتْكَ "قوَّة خارجية ما (لا تراها)"، فزادت سرعتك، أو جَعَلَت حجرتك تتسارع، فإنَّك، عندئذٍ، ستشعر بالجاذبية، فتقول، تخميناً، إنَّ حقلاً من حقول الجاذبية قد شرع يؤثِّر فيكَ وفي حجرتك.
و"المكان" الذي فيه تَنْتَقِل يتألَّف (دائماً) من ثلاثة أبعاد هي "الطول" و"العرض" و"الارتفاع"؛ وليس من "مكان" يخلو، أو يمكن أن يخلو، من أحد هذه الأبعاد. حتى سطح الطاولة المستوي، المنبسط، يتألَّف من أبعاد المكان الثلاثة جميعاً؛ فهو له "سُمْك (عُمْق، ارتفاع)"، ولا يتألَّف من "طول" و"عرض" فحسب.
هل من شيء (من جسم أو جسيم) في الكون لا يَنْتَقِل في المكان؟
هذا السؤال إنَّما هو نفسه السؤال الآتي: هل من شيء في الكون في حالة سكون (ميكانيكي) مُطْلَق؟
الإجابة هي: كلاَّ، ليس من شيء في الكون يوجد، أو يمكن أن يوجد، في حالة سكون ميكانيكي مُطْلَق إلاَّ شيء واحد (بحسب نظرية تمدُّد الكون، أو تمدُّد الفضاء) ألا وهو "زُمْرة (أو مجموعة) المجرَّات" Cluster of galaxies؛ فهي وحدها الشيء الذي لا يَنْتَقِل في (أو عَبْر) الفضاء، وإنَّما مع الفضاء (فالفضاء بين "زُمَر المجرَّات" يتمدَّد، فتبدو لنا تلك "الزُّمَر" تَبْتَعِد (أو ترتد) عن بعضها بعضاً). وحركة "زُمَر المجرَّات" مع الفضاء، وليس في الفضاء، هي التي تَجْعَلك ترى "زُمْرة مجرَّات ما" تبتعد وترتد عنك بسرعة قد تفوق سرعة الضوء.
لن أختلف معكَ إذا ما قُلْتَ إنَّ منزلكَ ساكن (لا يتحرَّك ولا يَنْتَقِل من مكانه). لكنَّ منزلكَ هذا هو في حالة سكون (ميكانيكي) نسبي؛ فهو ليس بساكنٍ، ولا يمكن أن يكون ساكناً، إلاَّ إذا كان جزءاً من جسمٍ متحرِّكٍ (دائماً) ألا وهو كوكب الأرض، الذي يدور في استمرار حول محوره، وحول الشمس؛ فهل لكَ أنْ تأتيني بجسمٍ ساكنٍ لا يكون، في الوقت نفسه، جزءاً من جسمٍ متحرِّكٍ؟!
هذا المنزل ثابت. إنَّه ثابت (ساكن) بالنسبة إلى سطح الكرة الأرضية.
والآن، تخيَّل الفضاء على هيئة "سطح منبسط"؛ فهل ثمَّة جسم معيَّن (مخصوص) موجود في حالة سكون بالنسبة إلى هذا السطح، أي بالنسبة إلى الفضاء؟
لا وجود في الفضاء لأيِّ جسم يشبه المنزل في سكونه هذا.
وعليه، لا وجود لجسم يصلح لأنْ يكون "إطاراً مرجعياً مطلقاً"، تبتعد عنه، أو تقترب منه، سائر الأجسام في الكون.
أيُّ جسم (كالشمس التي هي مركز النظام الشمسي) يَصْلُح لأن يكون إطاراً مرجعياً؛ وعليه يَصْلُح لأنْ تُعيَّن حركة جسم آخر نسبةً إلى هذا الإطار.
إنَّ كل سكون (ميكانيكي) يجب أن نفهمه فهماً نسبياً، وأن نتصوَّره دائماً على أنَّه كمثل جلوسك في مقعدكَ في قطار متحرِّك.
إذا انْتَقَلْتَ من نقطة إلى نقطة فإنَّ المراقبين الكونيين (وأنتَ منهم) يتَّفِقون على أنَّكَ تَنْتَقِل، أو انتقلت، في المكان؛ لكنَّهم سيختلفون في حساب المسافة التي قَطَعْت، وفي حساب الزمن الذي استغرقه قطعك هذه المسافة؛ وسيختلفون، من ثمَّ، في تحديد سرعتك.
كل انتقال في المكان هو انتقال في الزمان، فالجسم الذي ينتقل من نقطة إلى نقطة لا بدَّ له من أن يستغرق في انتقاله هذا زمناً معيَّناً، مهما عَظُمَت سرعته. إنَّك في زمن معيَّن تنتقل من غرفة إلى غرفة في منزلك، أو من منزلك إلى مكان عملك.
إنَّ أحداً لا يَعْتَرِض على هذا القول؛ لأنَّه في منزلة البديهية؛ لكن هل من اعتراضٍ على أنْ تقول مُسْتَدْرِكا "لكن ليس كل انتقال في الزمان يعني، أو يجب أن يعني، انتقالاً في المكان"؟
كلاَّ، ليس من مُعْتَرِض؛ فأنتَ الجالس على كرسيكَ تنتقل في الزمان من غير أن تنتقل في المكان. إنَّك قد تظل جالساً (أي ساكناً بالنسبة إلى سطح الأرض) عدَّة ساعات؛ ومرور هذا الزمن هو انتقالٌ لكَ في الزمان.
لقد أوضحنا كيف يكون الانتقال في المكان انتقالاً في الزمان؛ لكنَّ هذا "الإيضاح" يحتاج إلى مزيدٍ من الإيضاح؛ فنحن لا نعيش في "المكان" فحسب، ولا في "الزمان" فحسب؛ إنَّنا نعيش في "الزمكان (Spacetime)"، أي في المكان والزمان المتَّحِدين اتِّحاداً لا انفصام فيه.
تخيَّل أنَّكَ موجود الآن في "فضاء حُرٍّ"، أي بعيداً عن أيِّ كوكب أو نجم..، وعن أيِّ حقل من حقول الجاذبية (من ثمَّ). وتخيَّل أنَّ كوكباً قد ظهر إلى الوجود، فجأةً، على مقربة منك.
إنَّ تغيُّراً (أو اختلافاً) واحداً فحسب هو الذي يمكنك إدراكه؛ وهذا التغيُّر هو أنَّكَ شرعت تسير بسرعة متزايدة نحو هذا الكوكب (أي شرعت تسقط سقوطاً حُرَّاً في حفرته الفضائية التي يقع هو في قعرها). إنَّكَ تتسارع في سقوطكَ (أو سيرك) نحو هذا الكوكب وأنتَ متأكِّد تماماً أنْ لا وجود لـ "قوَّة خارجية" شدَّتكَ إلى هذا الكوكب، وجَعَلَتْكَ تتسارع في سَيْرِك نحوه.
أنتَ الآن تنتقل في المكان، أو الفضاء، أي تسير (سيراً متسارِعاً) نحو هذا الكوكب؛ وتُدْرِك، في الوقت نفسه، أنَّكَ بانتقالك في المكان تنتقل أيضاً في الزمان؛ فإنَّ رحلتك نحو هذا الكوكب قد استغرقت زمناً معيَّناً، مقداره (مثلاً) بحسب ساعتكَ 1000 ثانية.
المراقب البعيد عنك (المراقب الأرضي مثلاً) لن يرى ما رَأيْتَ؛ فهو سيرى أنَّكَ ما أنْ شرعت تتسارع في سيرك نحو هذا الكوكب حتى تضاءلت سرعة جريان وتدفق الزمن لديك، فإنَّ الثانية الواحدة عندك أصبحت تعدل ثانيتين ثمَّ أربع ثوانٍ ثمَّ عشر ثوانٍ.. عنده.
أنتَ بالنسبة إليه انتقلت (مع انتقالك في المكان، أو في هذا الفضاء الأشد انحناءً) من نظام زمني إلى آخر (أبطأ من الأوَّل). لقد تأكَّد لهذا المراقب أنَّ سفركَ في الفضاء سفرٌ في الزمان أيضاً؛ لأنَّك لم تنتقل من موضع إلى موضع فحسب، وإنَّما من نظام زمني إلى آخر (أو من منطقة زمنية إلى أخرى).
أنتَ وهذا المراقب ستتَّفِقان على أنَّك تسير في المكان (أو الفضاء) قاطعاً دائماً "المسافة الأقصر بين نقطتين"؛ لكنَّكما ستختلفان في الوصف الهندسي لهذه المسافة، فأنتَ ستقول في وصفكَ لها إنَّها مستقيمة استقامة المستقيم الورقي؛ أمَّا هو فسيقول إنَّها منحنية؛ وكلاكما مصيبٌ في قوله (أو وصفه). إنَّ السير في مسارٍ منحنٍ (بسبب انحناء الفضاء نفسه) لا يستقيم فهماً ومعنىً إلاَّ إذا كنتَ (أنتَ السائر فيه) مُعْتَقِداً ومتأكِّداً أنَّكَ تسير في مسارٍ مستقيم (استقامة مستقيم مرسوم على ورقة).
إنَّكَ لو سِرْتَ في الفضاء في مسارٍ مستقيم 100 في المئة، من وجهة نظركَ، فإنَّكَ، ومن وجهة نظر مراقب يراقبكَ من خارج "الزمكان" الخاص بك، تسير منتقلاً من فضاء إلى فضاء أكثر (أو أقل) انحناء؛ وهذا الانحناء في الفضاء، أو المسار، يجب أنْ يقترن بانحناء في الزمان لديك، أي بتباطؤ لسير الزمن عندك (مقارنةً بسيره عنده).
عندما تسير في مسارٍ مستقيم في الفضاء المجاوِر لكتلة الشمس (وهو مسار مستقيم من وجهة نظرك أنتَ) يراك مراقب خارجي (موجود في الفضاء الحُرِّ مثلاً) تسير في مسارٍ منحنٍ؛ وعندما تسير في مسارٍ زمني مستقيم في الفضاء المجاوِر لكتلة الشمس يراك المراقب نفسه تسير في مسارٍ زمني منحنٍ، فإذا كانت المسافة الزمنية المستقيمة التي تجتازها تساوي ثانية واحدة بحسب ساعتك فإنَّ المراقب نفسه يراها مسافة منحنية أطول، أي تساوي ثانيتين اثنتين بحسب ساعة هذا المراقب. إنَّه يرى مسافتك المكانية منحنية، ويرى مسافتك الزمنية منحنية.
انحناء الفضاء إنَّما يعني أنْ تسير في مسارٍ منحنٍ (من وجهة نظر مراقب خارجي) وأنتَ متأكِّد تماماً أنَّك تسير في مسارٍ مستقيم.
وانحناء الزمان هو أنْ تكون متأكِّداً تماماً أنَّ الزمن عندك يسير سيراً عادياً طبيعياً، وأنَّ الثانية الواحدة عندك لم تتعرَّض إلى تشويه، وظلَّت، لجهة طولها كالخطِّ المستقيم؛ أمَّا المراقب الخارجي فيراها كالخطِّ المنحني (الممتد من النقطتين نفسيهما). أي يراها أطول. إنَّ "المسافة الزمنية" بين بداية حادث ما وبين نهايته إمَّا أنْ "تطول" وإمَّا أنْ "تَقْصُر" من وجهة نظر مراقب خارجي (أي موجود في خارج "الزمكان" الذي فيه يَحْدُث هذا الحادث).
حيث يبطؤ الزمان ينحني الفضاء والمكان؛ وحيث ينحني الفضاء والمكان يبطؤ الزمان؛ فلا وجود للبطء من دون الانحناء، ولا وجود للانحناء من دون البطء.
لِنَضَعْ خمس ساعات في مواضع (أماكن) مختلفة؛ فإذا وَضَعْنا الأولى في "الفضاء الفارغ" فسوف تكون هي الأسرع، من وجهة نظر مراقب موجود على سطح الأرض؛ وإذا وَضَعْنا الثانية في الموضع الأعلى من الغلاف الجوي للأرض فسوف تكون أقل سرعة من الأولى؛ وإذا وَضَعْنا الثالثة فوق قمة أعلى جبل في العالم فسوف تكون أقل سرعة من الثانية؛ وإذا وَضَعْنا الرابعة على سطح البحر المتوسط فسوف تكون أقل سرعة من الثالثة؛ وإذا وَضَعْنا الخامسة على سطح البحر الميت فسوف تكون أقل سرعة من الرابعة.
إنَّ الفضاء (أو المكان) يكون أشد انحناءً حيث وَضَعْنا الساعة الخامسة، وأقل انحناءً حيث وَضَعْنا الساعة الأولى.
وللانتقال إلى الأمام في الزمن لا بدَّ لكَ من استعمال وسيلة من وسيلتين: "الجاذبية القوية" أو "السرعة الكبيرة (أو التزايد المستمر في مقدار السرعة توصُّلاً إلى سرعة أكبر)".
بهذه الوسيلة، أو تلك، يمكنك أنْ تجعل اليوم الواحد عندك يعدل 100 سنة أرضية مثلاً؛ لكنك لن تتمكن أبداً من العودة في الزمن إلى حيث عاش أصدقاؤك لتخبرهم بما حدث؛ إنَّه "سهم الزمن"؛ فنحن ننتقل نحو "مستقبل مجهول (غير مؤكَّد، غامض)"، مخلِّفين وراءنا "ماضٍ غير قابل للتغيير".
افْتَرِض أنَّ أحد توأمين ذهب ليعيش على قمة جبل بينما الآخر بقي عند مستوى سطح البحر. الأوَّل سوف يشيخ أسرع من الثاني (الأقرب إلى مركز الجاذبية الأرضية). إذا ما التقيا ثانيةً فإنَّ أحدهما سيكون أكبر من الآخر.
في هذه الحالة يكون الفرق في العمر بينهما صغيراً جداً؛ لكنه سيكون كبيراً جداً إذا ما ذهب أحدهما في رحلة فضائية طويلة بواسطة مركبة تسير بسرعة تقارب سرعة الضوء. عندما يعود يجد أنَّه أصغر في العمر كثيراً من توأمه الذي بقي على الأرض. وهذا ما يعرف بمفارقة التوأمين.
في أثناء رحلة الذهاب، يرى التوأم المسافر أنَّ توأمه الباقي على الأرض يشيخ أبطأ منه؛ وفي أثناء رحلة الإياب، يرى أيضاً الشيء نفسه. فقط عندما يلتقيا يدرك التوأم المسافر أنَّه هو الذي كان يشيخ أبطأ من توأمه الباقي على الأرض، الذي يرى، في أثناء رحلتي الذهاب والإياب، أنَّ توأمه المسافر هو الذي يشيخ أبطأ منه.
وإذا انطلق توأمان من كوكب الأرض، في اللحظة عينها، فسار كلاهما بالسرعة العالية نفسها (بحسب المراقب الأرضي) وقطع كلاهما المسافة نفسها، ذهاباً وإياباً، واستغرقت رحلاتهما الزمن نفسه، بحسب المراقب الأرضي، فإنهما عندما يعودان لن يريا اختلافاً بين عمريهما؛ لكنهما يريا أنَّهما أصبحا أصغر سناً من توأمهما الثالث الذي بقي على الأرض.
نظرياً، الزمن يبطؤ أكثر فأكثر حتى يتوقَّف أخيراً (لكن ليس بالمعنى المُطْلَق) إذا ما تزايدت سرعتك حتى بلغت سرعة الضوء تقريباً. هذا ما يراه مراقب أرضي مثلاً؛ أمَّا أنتَ فيبدو لك الزمن عادياً، ويبدو لك، في الوقت نفسه، أنَّ سائر العالم يشيخ فعلاً أسرع فأسرع. سائر العالم يشيخ أسرع؛ لأنَّ الزمن عنده يسير (يمضي) أسرع (من وجهة نظرك).
في غزو الفضاء، وتوصُّلاً إلى السفر بين النجوم والمجرَّات، ينبغي للبشرية أنْ تحل مشكلة كبرى هي مشكلة المسافات الكونية الشاسعة؛ وأحسبُ أنَّ "تباطؤ الزمن" يستطيع حل هذه المشكلة (بمعنى ما).
تخيَّل أنَّ كوكباً يبعد عن الأرض 50 مليون سنة ضوئية، أي أنَّ الضوء، أو جسيم الفوتون عديم الكتلة، والذي يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، وهي السرعة القصوى في الكون، يُمْكِنه، إذا ما انطلق الآن من كوكب الأرض، أنْ يصل إلى ذلك الكوكب بعد 50 مليون سنة (بحسب ساعة الأرض).
وتخيَّل أنَّكَ تريد السفر إلى ذلك الكوكب وأنتَ الذي لا يمكنكَ أبداً أنْ تسير بسرعة الضوء (لأنَّكَ جسم له كتلة).
قد (وهذا أمْرٌ بعيد المنال، وأقرب إلى المستحيل منه إلى الممكن) تسير، متَّجِهاً إلى ذلك الكوكب، بسرعة تقارب سرعة الضوء، فتصل إليه بعد نحو 60 مليون سنة من انطلاقكَ من كوكب الأرض نحوه؛ لكن هل من إنسان يمكن أن يعيش 60 مليون سنة؟!
"تباطؤ الزمن" يحلُّ هذه المشكلة؛ فأنتَ، وإذا ما سِرْتَ بسرعة تقارب سرعة الضوء، يتباطأ الزمن لديك، فتستطيع، من ثمَّ، أنْ تذهب إلى ذلك الكوكب، وأنْ تعود منه إلى الأرض، في خلال (مثلاً) دقيقة واحدة (بحسب ساعتك).
في رحلتك هذه لم يَزِد عُمْركَ (فعلاً) إلاَّ دقيقة واحدة؛ لكن في خلال هذه الدقيقة زاد عُمْر الأرض نحو 60 مليون سنة، فأنتَ (الذي لم يَزِدْ عُمْرك إلاَّ دقيقة واحدة) لم تسافِر إلى ذلك الكوكب فحسب، وإنَّما إلى المستقبل؛ لأنَّكَ عُدتَّ إلى كوكب الأرض الذي غادرته (بحسب ساعة الأرض) قبل نحو 60 مليون سنة.
أنتَ (وبفضل تباطؤ الزمن المتأتي من سيرك بسرعة تقارب سرعة الضوء) غَزَوْتَ الفضاء، وسافرت بين النجوم، وزُرْتَ ذلك الكوكب الذي يبعد عن الأرض 50 مليون سنة ضوئية، وعُدتَّ إلى موطنك الأرضي؛ لكنَّ البشرية نفسها لم تَفْعَل ما فَعَلْت!
أمَّا إذا أرادت البشرية أنْ تغزو الفضاء مثلك، وتسافر بين النجوم، فإنَّ عليها (أو على جزء كبير منها) أنْ تسافر معك!
السفر في الفضاء (أو الانتقال في المكان) إنَّما يعني أنْ تسير بسرعة هائلة ومتزايدة، وأنْ تنتقل بين حقول الجاذبية المتفاوتة القوَّة؛ لكنَّ العاقبة الحتمية المترتبة على ذلك هي أنْ يبطؤ أو يتباطأ (أو يتمدَّد، أو يستطيل) الزمن لديك (من وجهة نظر مراقب موجود في خارج "الزمكان" الخاص بك).
وهذه هو جوهر معنى القول "كل انتقال في المكان هو انتقال في الزمان".
هل الزمن نسبي أم مُطْلَق؟
إنَّ هذا السؤال، وعلى أهميته، وأهميته إجابته، ليس بالسؤال الذي ينبغي له أن يكون مدار التفكير والبحث عندنا؛ فالسؤال الذي يحظى، ويجب أنْ يحظى، بهذه الأهمية إنَّما هو الآتي: هل الزمن موضوعي أم ذاتي؟
ولقد حان لنا الاعتراف بحقيقة أنَّ الزمن هو شكلٌ لوجود المادة، وليس بالمفهوم الذاتي الخالص، الذي يوجد في العقل، ويتحدَّد بواسطة المراقب.
ولا شكَّ في أنَّ كثيراً من التشوُّش والاضطِّراب قد جاء من الفهم الفلسفي الخاطئ للزمن؛ وإنَّ آينشتاين نفسه يتحمَّل بعضاً من المسؤولية عن ذلك؛ لكونه أدخل عنصراً ذاتياً في مفهوم الزمن، خالطاً بين "قياس الزمن" و"الزمن نفسه".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
-
جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
-
فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
-
عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
-
-الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
-
هل يتوقَّف الزمن؟
-
هذا الخلل التفاوضي الكبير!
-
هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
-
تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!
-
خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!
-
إشكاليات في المعرفة الكونية
-
الخيارات الستَّة البديلة!
-
حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
-
العالم على شفير -حرب عملات-!
-
مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلما
...
-
أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!
-
شرط نتنياهو ولا -صفقة أوباما-!
-
مجلس نيابي يمثِّل 470 ألف مواطن!
-
كيف نفهم -سرعة الضوء-؟
-
لم أرَ انتخابات تشبه التعيين أكثر منها!
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|