|
في فكر وسياسة المعارضة 3- 4
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 3236 - 2011 / 1 / 4 - 14:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بكل موضوعية ، يمكن اعتبار حدث مدرسة المدفعية الدامي في 16 حزيران 1980 في مدينة حلب ، مفصلاً لافتاً في الصراع على السلطة بين البعث الحاكم والقوى الإسلامية السياسية ، كما يمكن اعتباره أيضاً مفصلاً بارزاً بين مرحلة السبعينات ، وبين مرحلة الثمانينات والتسعينات ، في الحياة السياسية السورية المضطربة تحت حكم البعث ، في العقود الأخيرة من القرن الماضي .
وقد بدأت المرحلة الثالثة ( 1980 - 2000 ) من واقعة حدث مدرسية المدفعية ، وظلت تداعياتها الدموية والسياسية والأمنية ، تكبر مثل كرة ثلج متدحرجة ، على امتداد سنوات عدة ، ناقلة أمن المواطن وحقوقه السياسية والإنسانية من الأسوأ لإلى الأكثر سوءاً .
وعود إلى ما انتهى إليه المقال السابق ( في فكر وسياسة المعارضة 2 - 4 ) فإن جريدة السفير اللبنانية أنجزت حواراتها مع القوى السياسية السورية داخل وخارج الحكم ، حول ملف الأزمة السورية . وكانت المحصلة هي عدم التوصل إلى صيغة مشتركة ، تنقذ البلاد مما تتعرض له من مخاطر . إذ كان المحاورون المعارضون والمحايدون يؤكدون على أن العلاج الوحيد لأزمة البلاد ، هو رفع حالة الطواريء والأحكام العرفية وإطلاق الحريات الديمقراطية وسيادة القانون ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية . وكان المحاورون من داخل الحكم ، يصرون على أن ما يطالب به الآخرون ، يعني إ سقاط النظام .. ولذا فهو مرفوض .
والمناقشات التي أجرتها لجنة القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية الحكومية ، مع قطاعات سياسية وإعلامية ونقابية " مهنية علمية " تضم أطباء ومهندسين ومحامين ، ومع اتحادات رجال أعمال في الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها ، كانت محصلتها مطابقة إلى حد كبير للحوارات التي جرت على صفحات جريدة السفير .
وخلال ذلك ، قامت " الطليعة الإسلامية المقاتلة " بفتح حوارات مع قوى إسلامية نافذة ، بما فيها فرقاً صوفية ، لجذبها إلى صفوفها ، أو للتحالف معها ضد النظام . وقد حققت " الطليعة المقاتلة " نجاحاً كبيراً في هذا الصدد ، وذلك نتيجة قمع النظام العشوائي والدموي ، الذي طاول مئات وآلاف المواطنين الأبرياء ، وتجلت بصمات هذا النجاح السياسية ومفاعيله العملية ، في أشهر قليلة لاحقة . وبالتوازي مع تلك الحوارات المميزة ولتسريع إنجاز أهدافها ، كانت " الطليعة المقاتلة " تفتح النار بغزارة لاغتيال رموز سلطوية وحزبية ، وشيوعية بعضها لاعلاقة له بالنظام ، خاصة في مدينة حلب ، التي غدت المسرح الرئيس للصراع بين هذه " الطليعة " والنظام .
وخلال فترة الحوارات القصيرة نسبياً ، كان البعض .. وأكثر قليلاً ، يتوقع أن يتلاقى النظام مع ما طرحته المعارضة والشخصيات السياسية المستقلة من حلول . لكن هؤلاء صدموا ، وانحازوا إلى الذين لم يراهنوا على هذا التفاؤل ، وذلك عندما وجدوا أن القرار المأمول لحل الأزمة ، لم يكن حلاً سياسياً وطنياً ديمقراطياً ، تشارك فيه جميع القوى السياسية ، التي عبرت بصدق عن قلقها وحرصها على الوطن وتعزيز وحدته وقوته ، وإنما كان حلاً سلطوياً قمعياً ، يختزل الوطن ومصالحه العليا بالنظام وبمقومات ا ستدامته ، ويختزل الدولة ببقاء القيادة الحاكمة ، بل ويطالب من هم خارج النظام الالتحاق به ، والالتزام بسياسته وتوجهاته ، تحت التهديد بتطبيق معادلة سياسية قمعية مؤلفة من خمس كلمات هي ( من ليس معنا فهو ضدنا ) . ما أدى إلى شرخ حاد في البلاد سياسياً وفكرياً وثقافياً ، انعكس في الاصطفافات السياسية والمذهبية اللاعقلانية ، التي ارتفعت سخونتها طرداً مع سير الأحداث والتفاعل الانفعالي معها .
وهذا ما أثار الخوف والقلق في الأوساط الشعبية ، وفي أوساط سياسية خارج النظام .. وخارج الاشتباك العنفي . وأثار لديها جميعها ، تساؤلات مشروعة تعبرعن الخوف من الحاضر والمستقبل ، إن على مستوى المواطن الفرد ، أو على مستوى الوطن بكامله .. يمكن اختزالها بالأسئلة التالية : ماهي حقيقة العلاقة بين" الطليعة المقاتلة " و " جماعة الأخوان المسلمين " ؟ ماذا تريد القوى الاسلامية السياسية بمعارضتها المسلحة ضد النظام ؟ هل هو حقاً صراع مذهبي على خلفية الحيثيات الطائفية التي بررت بها هذه القوى هذا الشكل من المعارضة وحسب ، التي وردت في بياناتها وتصريحات رموزها ؟ وهل لهذا العمل المعارض المسلح ، حقاً ، علاقة بالمخططات الدولية المطروحة لجر سوريا إلى تسوية مع إسرائيل على غرار معاهدة " كمب ديفيد " التي وقعها الرئيس المصري السابق أنورالسادات 1979 برعاية أميركية ، حسب بيانات وتصريحات المسؤولين في النظام ووجهات نظر قوى سياسية خارج النظام ؟ . وماذا يريد النظام من تطبيق خياره الأحادي القمعي ، بدلاً من الخيار السياسي الديمقراطي المطلوب ؟ وما هو تأثير كل ما يجري من عنف ودماء على العملية الاجتماعية السياسية في البلاد .. وعلى الوطن .. أرضاً .. وشعباً ؟ . وما هي الخيارات ، المطلوب من القوى الوطنية الديمقراطية ، أن تسلكها وسط هذا الفضاء العنفي السائد ؟ .
لم يطل الأمر كثيراً ، وانجلى الموقف ، ليقدم الإجابة على كل التساؤلات المطروحة . وكان في مقدمة ذلك ، معطى جديداً مفاده ، أن " جماعة الأخوان المسلمين " باتت تتموضع في مشهد المعارضة الإسلامية المسلحة وغير المسلحة ، في موقع الممثل والقائد لهذه المعارضة ، وتعبرعن حيثياتها وأهدافها المذهبية والسياسية . وسواء كان الربط بين المعارضة " الأخوانية " المسلحة بحيثياتها وباستهدافها مواقع عسكرية ، وبين المخططات الدولية الهادفة إلى جر سوريا للتوقيع على معاهدة تسووية لإنهاء الصراع الجاري منذ عقود لصالح اسرائيل كمعاهدة كمب ديفيد ، أكان هذا الربط صائباً أم لا ، فإن تزامن ، ما تقوم به هذه المعارضة المسلحة في الداخل ، مع أجواء فرض التسوية إياها ، يفرض السؤال المشروع ، ويذهب بالإجابة لدى كثيرين إلى مستوى من الشك ، يسمح بالاعتقاد بوجود هذا الربط .
لاسيما أن الحيثيات الطائفية المسوقة للعمل المسلح ، عدا عن أنها غير مقنعة ، فهي غير إنسانية وتتعارض مع القيم الوطنية والحضارية ، لأنها تكرس طائفية بزعم مواجهة طائفية أخرى ، يمكن أن تعالج بوسائل ديمقراطية . وهي إن لم تدمر البلاد ، فإنها تقوي سطوة ا ستبداد السلطة على المجتمع . وهي ، أي المعارضة المسلحة ، في كل حال ، حسب موازين القوى فاشلة . وهذا ما أكدته التجربة . ويمكننا ا ستناداً إلى الحيثيات الطائفية والاشتباكات المسلحة التي مارستها " الجماعة " ضد مواقع عسكرية ورموز مذهبية وسياسية سلطوية وغيرها ، وا ستناداً إلى طبيعة النظام القائم على الاستبداد والاستئثاربالحكم ، يمكننا أن نفهم لماذا كان خيار النظام هو القمع ، ولماذا ’حددت مآلاته بأن تكون وجودية بالنسبة لطرفي الصراع .
وعندما كانت تتساقط الضحايا بالعشرات والمئات والآلاف في الاشتباكات المسلحة ، أو في العقوبات الجماعية ، كانت السياسة المدنية المتمدنة تذبح . وكانت دواليب العملية الاجتماعية السياسية تتعثر ، إلى أن شوهت وجمدت ، وشوهت وجمدت معها العقلانية والأخلاقية في علاقة السلطة بالمجتمع . وتساقطت مع زخات الرصاص قيم ومفاهيم اجتماعية ووطنية وإنسانية نبيلة كثيرة . وعلى ا ستحقاقات هذه الخلفية ، تم تحديد الخيارات المطلوب من القوى الوطنية الديمقراطية أن تسلكها . فكان الخيار الأساس تحت عنوان " التغيير الوطني الديمقراطي "
حتى آذار 1980 ، كان المشهد السوري يتكون من ثلاثة تيارات سياسية . الأول ، كان النظام المهيمن على الدولة ومؤسساتها . والثاني ، كان القوى الإسلامية السياسية بقيادة " جماعة الأخوان المسلمين " ونسبة هامة من برجوازية السوق وخاصة في مدينة حلب . والتيار الثالث ، كان " التجمع الوطني الديمقراطي " ، وحزب العمل الشيوعي ، وشرائح واسعة من القوى الشعبية والثقافية ، والشخصيات السياسية المستقلة . التياران الأول والثاني ، كان خيار كل منهما واضحاً ، وهو تصفية الآخر وذلك باستخدام أشد آليات العنف فتكاً ، معرضين آلاف الأبرياء للقتل والإصابات المؤلمة ، والاعتقالات العشوائية ، والتعرض للتحقيق الشكي و للتعذيب الوحشي . أما التيار الثالث ، فكان خياره إنهاء الأزمة القائمة في البلاد ، بما يضمن وحدة الوطن وارتقائه ديمقراطياً واقتصادياً وإنسانياً .
وفي وقت كان فيه التياران الأول والثاني ، يتبادلان الحوار عبر التفنن بالاشتباكات الدموية والقتل والاغتيالات ، والاعتقالات ، طرح " التجمع الوطني الديمقراطي " بياناً رفض فيه ما يجري من صراع ، وما يجر هذا الصراع من مآس ومخاطر على البلاد . وطالب بمعالجة الأزمة سياسياً ، بما يحقق حماية الوطن ، وملاقاة " عثاره الكبير " . وتحركت النقابات المهنية العلمية في هذا الاتجاه . وكان من الأهمية بمكان ، هو إضراب نقابة المحامين في ( 31 ) آذار 1980 ، الذي طالب فيه المحامون ، برفع حالة الطواريء والأحكام العرفية وإطلاق الحريات الديمقراطية ، والذي انتهى بتدخل أجهزة الأمن واعتقال المحامين الذين قادوا ذلك الإضراب . وبعد بيان التجمع وإضراب نقابة المحامين ، أطلق النظام حملات الاعتقال لقوى التيار الثالث ، التي بدأت بعدد من نشطاء الحزب الشوعي - المكتب السياسي وحزب العمل الشيوعي .
وفي نفس العام 1980 ، ومع تصاعد الاشتباكات في حلب ومدن أخرى ، ومع تزايد مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية طائفية ، بادرت قوى " التجمع الوطني الديمقراطي .. باستثناء ( الحزب الشيوعي - المكتب السياسي ) ، وحزب العمل الشيوعي ، بادرت إلى إصدار بيانات تستنكر فيها التطرف الديني وتدين عنف القوى الاسلامية المسلح ، الذي يجري على خلفية طائفية . وقد اتخذ النظام من عدم إصدار ( الحزب الشيوعي - المكتب السياسي ) بيان إدانة لهذا العنف ، اتخذه ذريعة لاتهام الحزب بالتعاون مع " جماعة الأخوان المسلمين " ولمواصلة حملته الواسعة ضد الحزب ، التي طاولت أكثرية كوادر الحزب واللجنة المركزية والمكتب السياسي والأمين الأول للحزب .
* * *
في عام 1980 أيضاً ، أصدر النظام المرسوم ( 49 ) الذي يقضي بإعدام المنتمين إلى " جماعة الأخوان المسلمين " . وأطلق أيدي الأجهزة الأمنية بصلاحيات ا ستثنائية مغطاة بحالة الطواريء والأحكام العرفية ، ومرسوم يعفيها من المسؤولية القضائية جراء ا ستخدامها الإفراط في التعذيب وفي ممارساتها العنفية . وا ستنفرمحكمة أمن الدولة . وشكل محاكم عسكرية ميدانية . وخصص أجنحة للأمن السياسي وأمن الدولة والأمن العسكري في السجون المدنية , ووسع السجون العسكرية في تدمر ، وذلك لمحاكمة المعتقلين ، وتنفيذ الأحكام ، وأوامر الاعتقال العرفية . وأطلق حملات اعتقال شملت عشرات الآلاف من المواطنين ، الذين كان قسم منهم يعتقل على الشبهة أو كرهينة بديلاً لمطلوبين فارين من وجه حملات الاعتقال .
وتفشت ظاهرة الاشتباكات المسلحة بين " الجماعة " والنظام ، حيث تتواجد مواقع النظام الأمنية والعسكرية ، وحيث مخابيء أفراد الجماعة المسلحة ، التي راح ضحيتها مئات من الأبرياء . ولعل أبرزها ، مجزرة سوق الجابرية الشعبي وحي كرم ميسر 1980 ، ومجزرة حي الكتاب 1981 ، بحلب . على أن المجزرة الفظيعة الأكثر دموية ، تلك التي وقعت بمدينة حماة 1982 ، إبان الاشتباك الأكبر ، الذي ما زال سؤالاً كبيراً معلقاً ، بين " جماعة الأخوان المسلمين " والنظام .
وإذا لوحظ في سياق المقال ، أن هناك تجنباً للدخول في عدد وتفاصيل الاشتباكات والقتلى والضحايا البريئة ، فلأن هذا المقال مكرس فقط لعرض الملامح ألأساسية في زمن الاشتباكات والعنف ، لإضاءة المقدمات التي انبنى عليها التمويه على جوهر الصراع الطبقي الجاري في البلاد ، والتي شكلت المقومات الفعلية للسياسة ولسيرورة العملية الاجتماعية السياسية بشكلها طبيعي . هذا المسلسل العنفي الدموي من 1979 - 1982 ، وما تبعه من تصفيات جسدية ، من خلال أحكام الإعدام ، والتعذيب ، ووضع عشرات آلاف المواطنين خلف القضبان ، عمق وزاد الأزمة السورية سوءاً وتعقيداً ، ودفع سوريا نحو مستقبل مجهول ، وجمد المعارضة السياسية التقليدية ، وأخرج السياسة والحقوق المدنية من الحياة العامة ومن التداول اليومي إلى أجل غير معلوم . وشدد من قبضة الاستبداد على الحكم ، وسمح للنظام وأهل النظام بالتصرف بمقدرات البلاد ، وسرقة المال العام ، وتعميق التمايزات الطبقية التي تسيدهم على المجتمع ، حسب اهوائهم ، ومصالحهم ، على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية .. دون معارضات .. ودون معوقات .
* * *
ما بعد تغييب وغياب معظم قوى المعارضة الأساسية ، المسلحة ، وغير المسلحة ، في السنوات الأولى من الثمانينات ، في القبور ، والسجون ، والمنافي ، وتحت الأرض ، وانفلات العنف الأمني من عقاله على امتداد البلاد ، انفلت أيضاً ما يجوز تسميته بالعنف الاقتصادي الاجتماعي . ودخلت سوريا مرحلة اجتماعية سياسية نوعية جديدة ، تمثلت في الإمعان في توظيف هيمنة أهل الحكم على القطاع العام ومؤسسات الدولة الخدمية ، لإجراء تغيير نوعي في دور هذا القطاع وهذه المؤسسات ، من وظيفة اقتصادية اجتماعية ترفد الدولة والمجتمع بمصادر القوة والنمو ، إلى وظيفة برجزة أهل الحكم ، من أوساط مدراء ووزراء وضباط ومسؤولين حزبيين ، والإسهام في إعادة هيكلة الاقتصاد ، بحيث تتحول البرجوازية التقليدية فيه إلى شريك تابع لهيمنة برجوازية السلطة .
وقد لعب الدكتور " محمد العمادي " دوراً هاماً في إحداث هذا التغيير . فقد كانت الأوامر والتوجيهات الصادرة عن القيادة الاقتصادية " العمادية " المباركة من القيادة السياسية العليا ، تنفذ على كل المستويات دون " نق " أو احتجاج ، اللهم للتذكير بالشمول بالنعم الجديدة المتأتية عن تلك الأوامر والتوجيهات . ولاغنى هنا عن التذكير بتواطؤ التنظيم النقابي الحكومي ، الذي لم يتحرك حركة مجدية واحدة للدفاع عن القطاع العام إزاء الهجوم الإداري البيروقراطي اللصوصي ، وإزاء تجميد الأجور لزيادة فائض القيمة لإثراء المدراء الفاسدين والبرجوازية الجديدة القديمة ، وإزاء ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور ، والتذكير أيضاً بتواطؤ أحزاب " الجبهة الوطنية التقدمية " الحكومية ، التي انخرطت في حركة التغيير هذه وحركة السوق ، حتى باتت ثروات كادراتها في النسقين الأول والثاني تقدر بالملايين ومئات الملايين من الليرات السورية .
في السنوات الأخيرة من الثمانينات ، بلغ الثراء غير المشروع حداً مبهراً . وبلغ الفساد مستويات مذهلة . وصارت الأوضاع الاقتصدية عامة تهدد بالمزيد من الأزمات المعيشية والفقروالبطالة .
في التسعينات ، هدأت التوترات الأمنية نسبياً . لم يعد هناك حملات قمع جماعية . الاعتقالات اقتصرت على من هم قيد الملاحقة ، أو مرتبطة بوقائع مستجدة . وبدأت مرحلة الإفراجات عن معتقلي الرأي . المرضى وكبار السن أولاً ، ثم المعتقلين الآخرين ، با ستثناء عدد من كل تنظيم أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة . غير أنه قبل نهاية القرن العشرين تم الإفراج عن الجميع تقريباً . ولم يبق في السجون سوى نسبة غيركبيرة من معتقلي " جماعة الأخوان المسلمين . لكن التوترات والحملات الاقتصادية تواصلت . وحقق أهل الحكم وشركاؤهم مستويات هامة من النجاح ، سواء على مستوى النفوذ في السوق ، أو على مستوى الثراء . وأصبح كثيرون من أهل الحكم ، يملك الواحد منهم عدة مليارات من الليرات السورية أو من الدولارات . بالمقابل ازدادت الطبقات الشعبية بؤساً ، وتعمقت الأزمات الاجتماعية ، التي وضعت 60 % من المواطنين تحت خط الفقر .
وفي التسعينات أيضاً ، بدأت المعارضة أنشطة خارجية متميزة ، تدور معظمها حول الحقوق المدنية وحقوق الإنسان . وفي الداخل بدأ صوت المعارضة يسمع وسط النخب الثقافية ، لكنها ، أي المعارضة ، رغم التبدل الكبير في البنية الاقتصادية الاجتماعية داخل النظام وخارجه وعلى مستوى المجتمع ، ورغم التداعيات المؤلمة المتأتية عن ذلك ، لم تقم بإجراء قراءة جديدة لواقع البلاد السياسي الاجتماعي ، وظلت تراوح في محور مطالبها الثابتة السابقة ، لم تتطرق بعمق للمسألة الاجتماعية ، ولم تتموضع في الوسط الشعبي ، الذي يكابد من النظام أضعاف ماتكابده النخب التي تراهن عليها .
في نهاية عام 2000 قرر التجمع الوطني الديمقراطي ، الانتقال إلى العلنية في معارضة النظام ، وذلك على نفس البرنامج الذي أعلنه قبل عشرين عاماً ، بينما تتطلب هذه النقلة تغيراً جذرياً له صدى جماهيري في البرنامج المعارض ، ليواكب التغييرفي أسلوب المعارضة . ما يشي أن لاخلاف اقتصادي كبير بين هذه المعارضة والنظام .
وبالتزامن مع تراكم ثراء برجوازية أهل الحكم وشركائهم في البرجوازية التقليدية ، تراكمت طرداً الأزمات المعيشية للطبقات الشعبية ، وتراكم الفساد إلى حد أجبر بشار الأسد ، في خطاب القسم في أول فترة رئاسية له عام 2001 ، أن يعد بالاصلاح لتقويم الأوضاع المتردية .
والسؤال الوارد هنا ، لماذا قبلت المعارضة بوعد الإصلاح الرئاسي ، وما هو الإطار الذي طرحته لتحقيقه ؟ وما علاقة هذا الاصلاح بالعملية الاجتماعية السياسية ، التي تهم الطبقة العاملة والطبقات الشعبية عامة ؟ .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في فكر وسياسة المعارضة 2 - 4
-
في فكر وسياسة المعارضة 1 - 4
-
أهميةالحوار المتمدن فضائياً
-
فضائح ويكيليكس - الخلاقة -
-
نحن والغرب والحداثة
-
مجزرة نداء الشيطان
-
الانحدار من خط الفقر إلى خط الجوع
-
ليس غير اليسار الاشتراكي
-
وسام لامع على صدر - الحوار المتمدن -
-
ملوك اقصاد السوق يزحفون نحو السلطة
-
- صحافة قطاع خاص - في نظام أحادي ..
-
الطبقة العاملة والحزب والنقابات ( 2 - 2 )
-
الطبقة العاملة والحزب والنقابات ( 1 - 2 )
-
العمال واللقمة المغمسة بالفقر والقهر
-
حول اليسار وعودة اليسار
-
الانتقال من معارضة تقليدية إلى معارضة ثورية ديمقراطية
-
التجاوز والرهان الصعب
-
آمنة والأقفال السبعة
-
من أجل غزة ومابعد غزة
-
اختناق العصافير
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|