مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3236 - 2011 / 1 / 4 - 08:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم أكن لأرد على التعليقات لولا ما وجدته فيها من شيء يستحق الرد بالفعل , و الحقيقة أن القضية أسبق و أبعد من تلك التعليقات على مجزرة كنيسة القديسين و هي تمثل موقف جزء من النخبة التي تعامل الجماهير خاصة الإسلامية على أنها , أي تلك النخبة , فئة متفوقة أو "عرق"متفوق أو جزء من هذا العرق المتفوق , و ذلك فقط بقيامها بالتماهي مع المتفوق الأصلي : النظام الرأسمالي الغربي , هكذا تكتسب الحق في محاكمة الآخرين و الحكم عليهم , يفرض هذا الموقف رهابا لا عقلانيا و لا موضوعيا من كل شيء اسمه مسلم , تحوله فيما بعد إلى إرهاب فكري , حتى الآن , ضد كل من يتجرأ على كسر أو تجاوز هذا الموقف الرهابي من المسلمين هذا اللفظ الذي يعني بالتحديد الجماهير المسلمة إذا لم يحدد برجال الدين فقط , إننا أمام استنساخ صريح لمنطق قديم يقوم على تقسيم البشر بين جزء , عرق متفوق و , بين عامة , رعاع , جزء آخر متخلف , أو إرهابي أو أي شيء آخر ترغب به , لا أدري هل هذا موقف فكري فقط ينم عن هوس نخبوي أم له تفسير اجتماعي يقوم على أن تمايز هذه النخبة ليس إلا نتاجا لتقسيم العمل على فكري و يدوي و محاولة النخب بما في ذلك فئاتها الأدنى تأبيد هذا الانقسام أو اعتباره طبيعيا و ليس نتاج لظروف مصطنعة من فعل الأنظمة الطبقية المتتالية , من جهة أخرى طالما كان يثير استغرابي حقيقة أن الشيوعيين العرب الذين عاشوا في , أو ذهبوا إلى , دول المعسكر الشرقي سواء من قادتهم الذين كانوا ضيوفا دائمين على منتجعات تلك الدول أو مؤتمرات أحزابها الصورية , و حتى رفاقنا الذين عاشوا هناك قبل الانهيار عندما كانوا يتحدثون عن الاتحاد السوفيتي و بقية دول أوروبا الشرقية على أنها جنة الله على الأرض , كانوا مصابين بعمى واضح تجاه الزيف و الكذب و النفاق الذي كانت تقوم عليه سلطة البيروقراطية هناك و معاناة و قهر البروليتاريا في تلك الدول , المتدينون أيضا الذين يذهبون إلى السعودية يتملكهم شعور "رائع" بأنهم في دولة "أحلامهم" , الدولة المثالية على الأرض دون أن يلقوا بالا حتى لحقائق اضطهاد ملايين العمال الأجانب أو الطريقة الفظة الكريهة التي تفرض بها تلك الشعائر أو الطقوس الإسلامية على البشر , و لا شك أن الفقراء الشيعة يسيطر عليهم شعور مشابه و هم يزورون إيران أيضا فلا ترى أبصارهم القمع و النهب الذي يمارسه نظام الملالي هناك ضد الناس الذين يشبهونهم أكثر من أولئك الملالي أو البيروقراطية الجديدة في إيران , المتلبرون العرب ليسوا استثناءا هنا , فهم ببساطة لا يرون التمييز و الاضطهاد الذي يحيط بهم في الغرب الرأسمالي , و هم يريدون منا أيضا ألا نراه , طالما كانت الفاشية تعني ازدراء الآخر و الاعتقاد بالحق في محاكمته و حتى في إلغائه الفعلي , لقد اعتدت أخيرا عندما أسأل عن الفاشية أن أرد على أصدقائي السلطويين من اليمين أو اليسار أن يتذكروا فقط كيف ينظرون إلى ألد أعدائهم ( عدا الذين في النظام أو من البرجوازية ) و أن يتذكروا درجة احتقارهم لإنسانيتهم و نفيهم هذه الإنسانية أساسا عنهم , هذه هي الفاشية , لم يقتل المسلمون الفقراء , على عكس ما يريد أولئك الذين يمارسون إرهابا فكريا ضد الآخر , المسيحيين الفقراء , هذا غير صحيح , الذي يقتل هو كراهية الآخر التي تروج لها و تقوم عليها كل الأديان و الإيديولوجيات السلطوية و الفاشية ضمنا , القاتل هم رجال الدين المسلم و المسيحي و اليهودي , هم المنظرون اللليبراليون و الستالينيون و القوميون الذين طالما نظروا و برروا قمع الآخر و قتله , هي تلك الأفكار و الأديان التي تكره الإنسان باسم مقدس ما , البابا لا يكترث للمسيحيين , هو يكترث لربه فقط , لرب كنيسته بالتحديد , التي أرسلت من قبل مسيحيين أقحاح لتحرقوهم أحياء , لأنهم تجرؤوا و فكروا بحرية , رجال الدين المسلمون لا يكترثون للمسلمين , الفقراء منهم خاصة , هم يكترثون لربهم , و رجال الدين السنة لا يكترثون للفقراء من السنة , إنهم يكترثون فقط لشرف عائشة و سمعة صحابة رسولهم , و هم على استعداد في سبيل ذلك أن يمحو آلاف بل ملايين الفقراء من السنة و غيرهم من على وجه الأرض لو اقتضى الأمر , و كذلك الستالينيون لا يكترثون للبروليتاريا بل لستالين , و "المثقفون" لا يكترثون للثقافة بل لامتيازاتهم التي يحصلون عليها باسم هذا التثاقف , و كذلك فالحروب بين الأديان و الأفكار هي في الحقيقة حروب الأنبياء و رجال الدين و المنظرين لا علاقة للفقراء بها إلا كضحايا , هي حروب الحقائق المطلقة أو التي تدعي أنها مطلقة على أجسام الفقراء الذين لا يساوون شيئا أمام المقدس و يراد منهم أن يقتنعوا أنهم لا شيء أمام المقدس , نحن الملحدون فقط نستطيع أن نفهم معنى الحياة الإنسانية و كم هي أرقى و أجمل من أي مقدس كان على هذه الأرض , و كما شعرت أنا السوري المضطهد و المستعبد من النظام السوري بالقرف عندما لاك جورج بوش و زمرته حريتي أنا و شعبي و كأنها لعبة شطرنج بينه و بين بشار الأسد , فإنني أعتقد أنه لا يشرف أي قبطي اليوم أن يتحدث عنهم رئيس أحد أكبر المؤسسات القمعية في التاريخ التي أحرقت الآلاف من البشر لأنهم ببساطة فكروا بحرية , لأنهم اعتبروا أنهم ليسوا عبيدا و أن عقولهم هي أساس حريتهم , لا يشرفهم أن من كان يرأس محاكم التفتيش في روما و الذي أصبح بابا اليوم تحدث عنهم , تلك المحاكم التي ساقت جوردانو برونو و غيره إلى المقصلة , الحقيقة أنه على الأقباط أن يخشوا كثيرا من أصدقائهم الجدد هؤلاء , لو أن النظام المصري نفسه , أو السعودي أو حتى الإيراني أو السوري فعل بهم ما فعله المجرمون لكانوا مثل أكراد حلبجة , ماتوا بصمت حتى يختار جلاد ما أو إرهابي ما أن يلوك قضيتهم لسبب واحد فقط هو أن يقتل المزيد من البشر , لا أردي إن كنت على صواب لكن بعض التعليقات التي نشرت و كثير من الكلام الذي قال و يردد كحقائق مطلقة جديدة يكاد يشتم منها رائحة غرف الغاز و معسكرات الموت , إن من يمارس دور العرق الآري اليوم بتلذذ يمنح نفسه مرة أخرى حق فرض ثقافة الغيتو أولا و من ثم تقرير من يحق له العيش و من لا يحق له العيش من هؤلاء الهمج , لقد كفر الماركسيون المتلبرون بالعدالة و بالمساواة في الماركسية لكنهم لم يكفروا بمعسكرات الاعتقال الستالينية , هل هذا مؤشر إلى أنهم ما زالوا يعتقدون بأنها أداة جيدة لتحضير المتخلفين و تنويرهم ؟ أستطيع أن أفهم الغضب من رجال الدين , من أي دين , مسلمين و غيرهم , لكن ازدراء النخبة للجماهير المسلمة , أو أي جماهير بالضرورة , شيء لا أجد له عندي إلا اسما واحدا , الفاشية ....... أستعير ما قالته سوزان سونتاغ ذات يوم , من أن العرق الأبيض هو سرطان البشرية , لأقول أن النخبة هي سرطان الإنسانية , هي لم و لن تكف عن اختراع طرق جديدة و مشاريع جديدة لقتل المزيد من البشر بحجة أنها اكتشفت أخيرا الطريق الصحيح إلى الجنة , المصيبة أنها لا تدرك أنها تتصرف تماما مثل من تشتمهم و تتهمهم بالإرهاب و اللا إنسانية و حتى بالفاشية , إنهم يتصرفون كرجال الدين تماما الذين لا يرون إلا عالما طهريا يجب إقامته بقتل الآخر أو إلغائه في أقل الأحوال , سوزان سونتاغ تلك الأمريكية اليهودية السحاقية التي شتمها المسيري بحنق و بتلذذ طهريين مرارا قالت في الرابع و العشرين من أيلول سبتمبر 2001 عندما كانت جوقة المحافظين الجدد تدق طبول الحرب في النيويروكر : "أين هو الإدعاء بأن هذا هو هجوم "جبان" على "الحضارة" أو "الحرية" أو "الإنسانية" أو "العالم الحر" بل هو هجوم على القوة التي عينت نفسها قوة عظمى في العالم , جرى كنتيجة لتحالفات و أفعال أمريكية معينة ؟ كم من المواطنين يعرفون عن القصف الأمريكي على العراق ؟ و إذا كان يجب استخدام كلمة "جبان" فإنها تنطبق أكثر على أولئك الذين يقتلون خارج مدى الرد , عاليا في السماء , من أولئك الذين يرغبون أن يموتوا كي يقتلوا الآخرين . فيما يتعلق بالجرأة ( و هي فضيلة محايدة تماما ) : أيا كان ما يمكن أن يقال عن مرتكبي مذبحة الثلاثاء , فإنهم ليسوا جبناء" ......
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟