|
التليفـزيون المصرى رسـب فى امتحان الحـزب الــوطنـى
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 969 - 2004 / 9 / 27 - 11:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى أعقاب انعقاد المؤتمر السابق للحزب الوطنى الديمقراطى كتبت مقالاً اوجه فيه التحية للدكتور ممدوح البلتاجى الذى كان يشغل فى ذلك الحين منصب وزير السياحة الى جانب توليه مسئولية الاعلام فى الحزب الحاكم . أما سبب هذه التحية الاستثنائية – وغير المألوفة بالنسبة لى على الأقل لان التودد الى الوزراء ليس من ضمن هواياتى – فهو ان الرجل اجتمع بالصحفيين الذين قاموا بتغطية مؤتمر الحزب وقدم لهم اعتذاراً عن المضايقات التى تعرضوا لها أثناء محاولتهم أداء واجبهم الصحفى ، وعدم تعاون مسئولى الحزب معهم بالصورة الواجبة . واليوم .. وفى أعقاب انعقاد المؤتمر السنوى الثانى لنفس الحزب .. اجدنى مضطراً لمخاطبة الدكتور ممدوح البلتاجى مرة ثانية ، لكن لتقديم العتاب وليس التحية . ومثلما كانت تحيتى له علنية يجب ان يكونى عتابى علنياً ايضاً ، خاصة وانه هذه المرة اصبح وزير الأعلام الى جانب صفته الحزبية ذاتها . أما العتاب .. فله ثلاثة محاور : المحور الأول هو تكرار نفس المعاملة الفظة وغير المفهومة وغير المبررة وغير المقبولة للصحفيين المكلفين بالتغطية الصحفية لهذا الحدث . وقد بدأت هذه المعاملة المرفوضة فى مرحلة تسجيل الأسماء ، حيث عانى زملاؤنا من سخافات شتى قبل الحصول على التصاريح اللازمة ، وكانها تصاريح لدخول الجنة ! مع ان الحزب السياسى – اى حزب سياسى سواء كان من اليمين أو اليسار أو الوسط ، من العالم الأول او العالم الثالث او من بلاد تركب الأفيال – هو الذى يحتاج إلى الصحافة اكثر من احتياج الصحافة إليه . لذلك كان عجيباً أمر هذه الغطرسة غير المفهومة وغير المبررة التى عانى منها الزملاء الصحفيين للحصول على تصاريح الدخول إلى مقر المؤتمر . ثم كان الأعجب أن تستمر هذه الغطرسة أثناء انعقاد المؤتمر ، وعدم تمكين الصحفيين من حضور الاجتماعات أو مقابلة كبار وصغار المسئولين بالحزب الحاكم . وهو الأمر الذى جعل الصحفيين يلوحون بالانسحاب من المؤتمر احتجاجاً على هذه المعاملة الفظة التى تسئ إلى الحزب وتظهره بمظهر الحزب " السلطوى " الذى لا يأبه بالرأى العام ولا يتعاون مع الصحافة والصحفيين . المحور الثانى لعتابنا مع الدكتور ممدوح البلتاجى – بصفته الوزارية – هو التغطية المسطحة لوقائع المؤتمر فى التليفزيون المصرى بقنواته المختلفة . فقد كانت هذه التغطية "تسجيلية" فى الأغلب الأعم ، تكتفى بنقل كلمات المتحدثين الرئيسيين ، دون اى جهد تحليلى ، ناهيك عن غياب أى نظرة نقدية . حيث كان دور المذيعين والمذيعات مقتصراً على وظيفة " الربط " بعبارات ملساء تصل الى حد السذاجة فى الكثير من الأحيان . ولم نجد مذيعاً يقوم مثلا بالإمساك بفكرة جديدة من الأفكار التى تم طرحها فى المؤتمر ويضع يده على " الجديد " فيها ، ومدلولات هذا الجديد ، وأبعاده ، وأسبابه ، ونتائجه المتوقعة .. الإيجابية منها او السلبية على حد سواء. لم نجد مذيعاً يستضيف مسئولاً كبيراً او صغيراً بالحزب ويطرح عليه أسئلة ذات مغزى ، ويطلب منه إجابات محددة على هذه الأسئلة التى تشغل بال الناس . ولم نجد مذيعاً واحداً ، أو برنامجاً واحداً ، يطرح على كبار أو صغار المسئولين بالحزب الوطنى أسئلة جدية ، كتلك التى طرحها كتاب كبار فى صحف "قومية" – وليست حزبية او معارضة – مثل سلامة أحمد سلامة الذى كان أول من تنبأ على صفحات "الأهرام" بأن يكون المؤتمر مؤتمراً للاءات الثلاثة الشهيرة. ومثل مكرم محمد أحمد الذى تمنى – على صفحات مجلة "المصور" – لو أن "الحزب تمكن من تنقية صفوفه من شخوص وأفراد عديدين لا يزالون يشكلون عبئا عليه ويسيئون إليه بأكثر مما يفيدونه ، ويتربحون من ورائه بأكثر مما يبذلون من أجله ، فى مستويات عديدة ، تبدأ بصفقات السماد إلى فضائح الأمر المباشر، مروراً بتسعيرة الخدمات المشهرة فى بعض المحافظات". ولم يكتف مكرم محمد احمد بالتحذير من استمرار بقاء هذه النوعية "الإجرامية" فى عضوية الحزب الحاكم، بل مضى أبعد من ذلك للمطالبة بـ "كبح شطط بعض عناصر الحزب التى تحاول جره نحو ليبرالية مطلقة لا وجود لها فى عالم الواقع ، لا ترعى حقا لفئات المجتمع الأقل قدرة، وتتبنى شعارات سخيفة من نوع "اللى ممعهوش ما يلزموش"، وتعميها مصالحها الذاتية عن رؤية مخاطر هذا التوجه على سلام مصر الاجتماعى، وتشتط على الطريق الآخر تردد اسطوانات مشروخة عن مباهج العولمة والأمريكية والسوق المتحررة من كل ضابط، ولا تتوقف عن دعوة مصر إلى أن تكف عن اعتبار نفسها الحارس على مصالح الأمة العربية والأمين العام على القضية الفلسطينية ، بحجة أن العروبة شرك خادع يستنزف الجهد الوطنى ، وأن أمريكا هى الحل والملجأ والملاذ، وأنه ليس من مصلحة مصر أن تكون وحدها الطرف المعادى لإسرائيل". مثل هذه التحذيرات الجادة والمهمة ظهرت فى منابر قومية ، وعلى لسان كتاب كبار بوزن مكرم محمد أحمد وسلامة أحمد سلامة وصلاح الدين حافظ، لم نجد لها صدى ، أو نظير، فى التغطية التليفزيونية المسطحة لهذا الحدث السياسى متعدد الأبعاد. وغير متصور بالنسبة لحزب مثل الوطنى الديموقراطى ألا تكون به تيارات وأجنحة مختلفة، ناهيك عن الانقسام التقليدى بين حرس قديم واتجاهات إصلاحية. فأين هى هذه التمايزات فى برامج التليفزيون والإذاعة ذات البعد الواحد والزى الواحد، والتى ليس لها – بالتالى – لون ولا طعم. المحور الثالث لعتابنا مع وزير الاعلام أن التليفزيون الرسمى التابع له تجاهل المؤتمر المقابل الذى نظمته عدة فصائل معارضة. وهذه عادة سلبية قديمة كنا نأمل ان تنتهى مع تولى وزير متفتح مثل البلتاجى حقيبة الاعلام فى الحكومة ، يعلم قبل غيره ان حجب الرأى الأخر لم يعد ممكناً فى ظل الثورة المعلوماتية ، ناهيك عن أنه يعرف قبل غيره ان التليفزيون المصرى ليس مملوكاً للحزب الوطنى الديموقراطى الحاكم وإنما مملوك للشعب المصرى بكل أحزابه وأطيافه السياسية، وأن من حق كل الأحزاب والفصائل أن تعبر عن نفسها من خلال وسائل الاعلام "القومية"، ثم أن يكون من حقها ان تكون لها صحفها وقنواتها التليفزيونية والإذاعية المستقلة. صحيح أن ممدوح البلتاجى لا يتحمل وحده مسئولية هذه السياسات ، وإنما تتحمل مسئوليتها الحكومة بأسرها ، لكنه هو الذى يحمل حقيبة الاعلام فى حكومة الحزب وحزب الحكومة ، والأهم أن العتاب على قدر المحبة.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!الحثالة السياسية
-
الوصاية الأمريكية على الدنيا .. والدين !
-
!سيادة الوطن .. واستعمار المواطن
-
- كولن باول - منافـق .. لكننا لسـنا ملائكـة
-
الطبقة السياسية اللبنانية تتنازل عن امتياز التغريد خارج السر
...
-
الحجـاب الفــرنســـى .. والنقـاب الامـريـكـى
-
-مقهى- ينافس وزارات الثقافة العربية فى فرانكفورت
-
دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية 3-3
-
(دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية (2-3
-
(دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية (1-3
-
الفلوس والثقافة العربية
-
يوسف بطرس غالي.. وفتوي الفتنة
-
ما هى الجريمة الكبرى التى تستدعى إطفاء أنوار العراق؟
-
حزمة يوليو .. مجرد -خريطة طريق- لمنظمة التجارة العالمية
-
!بلد المليون شهيد .. ومعتقل
-
ثقافة البازار.. أقوي من مدافع آيات الله
-
مـجمــوعـة الـ 15 تستـعـد لإحيــاء روح بانــدونــج
-
النـكــوص الـديمقــراطي
-
مؤتمر طهران يفتح النار على منظمة التجارة العالمية
-
حكاية الصحفيين مع وزارة نظيف.. وكل حكومة
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|