|
عمر بن الخطاب أقام الظلم ليشتهر بالعدل
إبراهيم الزينى
الحوار المتمدن-العدد: 3235 - 2011 / 1 / 3 - 03:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عمر بن الخطاب بالعدل وتلك الصفة تلازمه ملازمة الثوب للجسد حتى أنه سمى بالفاروق من شدة عدله لأنه يفرق بين الحق والباطل، ويحكى الفقهاء وكتاب التاريخ الإسلامى مئات الروايات عن عدل عمر حتى أصبح أسطورة فى عدله.
ومما ذكى هذه الصفة التى قل أن يشتهر بها حاكم من الحكام العرب على مر التاريخ، إنه بسبب عدله قتل ابنه عبد الرحمن وهو يجلده، بسبب شربه للخمر، رغم أن عمرو بن العاص قد جلده على نفس الحد فى مصر ولا يصح أن يعاقب المسلم على جرم واحد مرتين ورغم أن ابنه عبد الرحمن قال له متوسلاً قبل أن يجلد " إننى دنف ( مريض ) وإنك لقاتلى " فإنه لم يأبه لتوسلاته وظل يضربه حتى مات ولم يكتف بذلك بل ظل الجلد مستمرًا وهو جثة هامدة حتى تم العدد الصحيح ثم قال قولته المشهورة: " لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلى من أن ألقاه وهو فى عنقى " ( )، وهكذا حتى قال بعض الفقهاء عنه أنه: " أقام الظلم ليشتهر بالعدل " وهذا ما يسمونه فى علم النفس بعملية القلب أو الانقلاب العكسى وهو كالتضاد بين الظاهر والباطن من أجل التمسك بالظاهر، وعملية الانقلاب العكسى هذه يقوم بها الإنسان عندما لا يستطيع تحقيق مآربه وأهدافه بالطريقة المعتادة ويلجأ لما يعاكسها لتحقيق مآربه ومثل ذلك مثل الزوجة التى تكره زوجها ولكنها لا تستطيع أن تؤذيه بكراهيتها له لظروف خارجة عن إرادتها فتلجأ إلى حيلة دفاعية وهى الحب فتحبه ولكنها تستخدم هذا الحب لتخنق زوجها به فتضيق عليه وتعذبه بحبها بما لا تستطيع أن تفعله بكراهيتها له وهذا ما فعله أمير المؤمنين عندما أقام الظلم ليشتهر بالعدل ولعل عنف الحياة البدوية فى ذلك الوقت قد أدى إلى هذه الحادثة ذلك أن الموت لا يشكل أى مشكلة بالنسبة للبدوى فقد كانوا يدفنون البنات أحياء خوفًا من العار وخوفا من الفاقة والفقر أما آباءهم فكانوا يدفنونهم حيث يموتون وتنتهى ذكراهم بموتهم ثم تسير حياتهم دون تغيير فى البرنامج فإذا كان مقدرا ليوم وفاة الأب أن يكون الابن مدعوا إلى عشاء فإنه بعد أن يدفن والده يذهب لتلبية الدعوة وهكذا.
وسوف نرى ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما غزت جيوشه مصر بقيادة عمرو بن العاص سنرى كيف انقلب العدل (عدل عمر) إلى ظلم للمصريين وكيف أن عمرو بن العاص كان يقف معترضا على هذا الظلم الذى أراده أمير المؤمنين مما أدى فى النهاية إلى تقليص سلطانه وسبة وشتمه من قبل أمير المؤمنين وسوف نرى أن عمرو بن العاص رغم ظلمه للمصريين كان أكثر عدلا من عمر بن الخطاب فيما يتعلق بمصر.
ماذا فعل عمر بن الخطاب فى مصر؟
ذهب صاحب إخنا (وهى قرية مصرية ) إلى عمرو بن العاص فقال له: " أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها (يجتهد فى تدبيرها) فقال له عمرو بن العاص وهو يشير إلى ركن كنيسة: (لو أعطيتنى ملء الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا، أن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم) ( ) هذا ما قاله عمرو بن العاص لأحد عمد المصريين عند ما سأله عن مقدار الجزية وكان عمرو يردد ما قاله أمير المؤمنين حيث قال (إن استغنوا زد عليهم بقدر استغنائهم).
ثم أمر عمر بن الخطاب كما حدثنا ابنه عبد الله بن عمر (أن يختم على رقابهم بالرصاص ويظهروا مناطقهم ويجزوا ونواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضا، ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسى ولا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين فى لبوسهم) ( ) ولقد صنع لذلك عمرو بن العاص ختما من الرصاص يضعه فى النار ويختم به قفا المصريين كعلامة لدافع لجزية وذلك بعد أن يحلق شعره بالموسى بين جانبى الوجه لزيادة التمييز، مما سبب للمصريين عقدة نفسية حول ضرب القفا حتى الآن فالمصرى ما زال يستنكر بشدة أن يلمس أحد قفاه ويجد فى ذلك إهانة بالغة وربما يرتكب حماقة بسببها ضد من لمس قفاه وذلك بخلاف كل شعوب الأرض وذهب رجل اسلم إلى عمرو بن الخطاب فقال له (ضعوا الجزية عن أرضى) حيث كان من يسلم حسب أمر الرسول أن تسقط عنه الجزية، ولكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال له (لا إن أرضك فتحت عنوه) ( ).
وفى هذا يقول الإمام مالك بن أنس (أما أهل العنوه الذين أخذوا عنوه فمن أسلم منهم أحرز إسلامه لنفسه أما أرضه فإنها للمسلمين لأن أهل العنوه غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين) ( )، وظل الأمر كذلك حتى جاء عبد الملك بن مروان فأسقط الجزية على من أسلم.
بعد أن استتب الأمر لعمرو بن العاص فى مصر وبعد أن قبل المصريون كل شروط العرب فى دفع الجزية مع حمايتهم من أعداء آخرين، التزم المصريون بشروط العقد الذى وقعوه مع عمرو بن العاص بأوامر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكان المصريون يطبقون نصوص العقد بتسامح غريب ينسجم مع طبيعتهم حتى أنهم بعد ذلك ظنوا أن هذا من الإسلام وكانت شروط العقد بعيدة عن الإسلام وتخالف تعاليم القرآن الكريم فيما يتعلق بالآخر خاصة ما يتعلق منها بالمساواة والعدل وحرية ممارسة أهل الذمة لدينهم، كانت الشروط كما ذكرها الماوردى فى كتابه الأحكام السلطانية على النحو التالى ( ):
1- أن يلبسوا لباسا يميزهم ويعقدوا الزنانير على وسطهم. 2- إلا يعلو بنائهم على المسلمين. 3- أن تقام مآتمهم بغير احتفال وتدفن موتاهم كذلك. 4- ألا يؤذوا المسلمين بقرع نواقيسهم ولا بترتيلهم فى صلاتهم. 5- إن يركبوا البرازين والخيول المعتادة وأن يتجنبوا ركوب الأصائل من الخيل.
وتلك الشروط فى معاهدة الصلح تبدو مخالفتها واضحة لجوهر الدين الإسلامى الذى نص على أنه لا فرق بين عربى وعجمي، وعلى أن الكل سواسى كأسنان المشط ونحن إذا علمنا أن العجمة تطلق على البهيمة لأدركنا معنى أن يسمينا العرب بالعجم الذى لا يصلون فى المكانة للعربى الغازى المنتصر وبذلك لا يعقل أن يركب المصريون الخيول الأصيلة وإنما يكفيهم البغال والحمير كما ينبغى عليهم أن يربطوا إزارا حول وسطهم ليميزهم عن العرب ناهيك عن قيود العبادة فلا تسمع أجراسهم ولا تراتيلهم وهناك شرط آخر أكثر إجحافا اشترطه عمر بن الخطاب فى رسالة بعث بها إلى عمرو بن العاص بعد المعاهدة ومنها ينبغى على المصريين أن اختار أعرابى أحدا منهم لينزل عنده أن يستضيفه ثلاثة أيام كاملة فى المأكل والمسكن والمشرب وإذا منعته ظروف الجو أو أى ظروف أخرى تمنع ذهابه بعد الثلاث أيام فإن على العربى أن ينفق على نفسه من جيبه الخاص.. ولم نرى فى تاريخ الأمم هذا الشرط من الغزاة والمحتلين أن يستضيف صاحب بيت عنده زوجة وأولاد وبنات ضيفا بدون إرادة منه يقول بن الحكيم ( ) (ومن كان من أهل مصر فإردب كل شهر لكل إنسان ولا أدرى كم من الودك والعسل عليهم من البز والكسوة التى يكسوها أمير المؤمنين الناس ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث ليالي، وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان وكان يختم فى أعناق رجال أهل الجزية).
هذا ما أقر به أمير المؤمنين فى جزية المصريين وهى إردب قمحًا على كل فرد كل شهر هذا غير الودك والعسل والملابس ولا أدرى ماذا سيبقى لرب البيت إذا دفع 12 إردب قمحًا كل سنة بالإضافة على العسل والملابس والزيت واستضافة العرب هل هذا عدل عمر بن الخطاب!!
وقد نقل السيوطى عن عبد الله بن صالح أن عمر فى سنة 22 للهجرة جبى اثنى عشر ألف ألف دينار، وقد ذكر بن حوقل المقدار نفسه بعد عام الفتح وذلك نقلا عن أبى حازم القاضى صفحة 87 وهو يذكر صراحة أن المقدار المذكور هو الجزية وحدها من دون الخراج وأما البلاذرى فإنه عندما ذكر خراج مصر الذى جمعه عبد الله بن سعد كان أربعة عشر ألف ألف دينار فى السنة الأولى من ولايته وقد ذكر المقريزى فى الخطط صفحة 76 من الجزء الأول أن أهل مصر الذين فرضت عليهم الجزية بلغ عددهم ثمانية ألف ألف.
#إبراهيم_الزينى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور التيار الدينى فى انهيار الطبقة الوسطى
-
هل نحن متخلفون..؟
-
محاضرات العوا تشويه للتاريخ
المزيد.....
-
الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
-
البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع
...
-
نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود
...
-
آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق
...
-
بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا
...
-
مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب
...
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل
...
-
وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|