أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم أمين الهيتي - نعم للصراع الطبقي لا للعنف الطائفي - لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة في العراق وأعياد رأس السنة 2011















المزيد.....



نعم للصراع الطبقي لا للعنف الطائفي - لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة في العراق وأعياد رأس السنة 2011


قاسم أمين الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3234 - 2011 / 1 / 2 - 17:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


"الجزء الأول"
حتى بداية القرن الماضي قبل اكتشاف النفط كان المجتمع العراقي يعتمد على نشاط اقتصادي بدائي. ينحصر البناء الاجتماعي فيه على شبكة من العلاقات وظيفتها تحقيق الاستمرارية الاقتصادية الاجتماعية لا تكون التمايزات الاقتصادية عاملا واضحاً فيه. ويشكل الضبط الاجتماعي كالتقاليد والعادات هدفا لاستمرار الحياة. إذ أن الفلاحين والحرفيين والوسطاء المقايضين بالمنتج هي الطبقة الاقتصادية. وكان قوام السلطة معتمداً على التنظيم القبلي أو العشائري الذي تركز على نفوذ حددتها طبيعة الإنتاج الريفي أو البدوي وأحيانا علاقات القرابة وقوة الفرد. أما الطبقة الوسطى فقد تكونت من موظفين وتجار صغار "بعد اكتشاف النفط" وعلى أثرها نمت الطبقة العاملة في المعامل والمصانع في شركات النفط ومؤسسات السكك الحديد والموانئ ... الخ. وانعكس ذلك على السياسة العامة فتحول الشيخ إلى حاكم أو إقطاعي تدعمه السلطة الخارجية ذات المصالح الاقتصادية في إنتاج وتسويق النفط. والتي تتطلبه مرحلة التكون الطبقي لقوى الإنتاج. وتكونت الدولة في وضع استعجالي مفاجئ اثر تأثيراً ضاراً في بناء الهيكل الاجتماعي المترابط للشعب دون أن يساير التغير الزمني المرحلي الذي يتطلبه وعي الناس. وأصبح الحاكم إقطاعيا ثم "أميرا" والتاجر الصغير صاحب معمل "جلبي" والموظف البسيط "بيك" ... وهكذا غطت الألقاب على اللحمة رغم أن ذلك لم يكن نتيجةً لتمايزِ اقتصاديِ واضحِ.
إن ارتباط مفهوم السلطة بشيخ العشيرة أدى إلى عدم قبول شرعية الحاكم من وجهة نظر الشعب وغير مقبول مما احدث تخلخلا واضحا في الولاء أدى إلى تمرد أصحاب المصلحة الاقتصادية من الفلاحين. ظهر ذلك في كثير من الحالات منها؛ النزوح إلى مراكز المدن الكبيرة هربا من القسوة الإقطاعية "المشرعنة سلطوياً" أو عصيان أو اغتيال الشيوخ الجدد. وأدى مصطلح "شرعية- السلطة أو سلطنة- الشرعية" أدى إلى تمايز كبير بين مفهوم السلطة ومفهوم الشرعية. فلا تملك السلطة مشروعية بقائها، ولا تعني الشرعية القبول السلطوي.
لقد ولد كره البنية الإقطاعية التي كانت سائدة قبيل ثورة تموز المباركة عام 1958 طبقة اجتماعية متعبة من أبناء لفلاحين وأبناء العمال وأبناء الفقراء تناضل ضد الاستغلال وتطالب بالتحرر. وهذه الطبقة التي حصلت على تعليم متوسط من خلال الأدب والشعر والمسرح والاعتزاز الوطني أغنت الفلكلور الشعبي العراقي "وليس التراث العربي". وهذا الوعي عزز الوحدة الوطنية والشعور القومي مما خلق تمرد مزدوج ضد الاستغلال الداخلي الذي يدعمه الاستعمار الخارجي. ولذا فأن الشعور القومي والوطني في العراق لم يكن وليد الطبقة البرجوازية بقدر ما كان وليد الطبقة الكادحة وأصبح التحرر من الاستغلال مرافقا للتحرر من الاستعمار.
أما الطبقة البرجوازية من ملاك العقار والصناعيين التي تنحو نحو السيطرة على الاقتصاد من خلال السيطرة على السلطة. وكان هذا الهدف مبطناً إن لم يكن مزدوجاً فهي تريد إزاحة الاستعمار المباشر لأنه منافس لها اقتصادياً ولكنها كانت تطلب رضاه والارتباط فيه لتؤمن استمرار مصالحها خوفا من سيطرة الطبقة الكادحة. لذا فأنها استمرت بشكل أو بآخر بالاصطفاف مع الاستعمار. وهناك بالطرف الآخر جماعة من أبناء البرجوازيين أقامت تحالفات ظاهرية مع المتعبين "وتكدحت" ميلاً للوجاهة تارة أو تعاطفاً على مبدأ "الخطية" تارة أخرى وبطراً ثقافياً تارة ثالثة وحفاظاً على "الكبرياء" تارة رابعة وقد تبلور ذلك الاصطفاف إلى حد التسلل إلى قيادة الكادحين وهنا حدثت الطامة الكبرى. وساهمت عائدات النفط في البناء الجزئي "كالمدارس والمصانع" للبنى التحتية التي ترتبط بشكل مباشر بالعلاقات الاقتصادية وانعكست على العلاقات الاجتماعية كالتقاليد والأعراف. و أفرزت الحالة فئة اجتماعية معاكسة قلدت البرجوازية بالمظهر"متبرجزة" شملت بعض من أبناء العمال اشتروا أربطة العنق المشدودة .
كما أن تدفق عائدات النفط الخيالية أحدثت متغيرات كبيرة أضافت إلى الوضع الاجتماعي تغيرا ملحوظاً في التحول من القبلية إلى الدولة تمثلت في قدوم عائلات من الهند ومن إيران ترتبط بعلاقات طائفية وعودة عائلات تركية كانت قد استوطنت إبان الحكم التركي للعراق أدى إلى تخلخل في البنى التربوية والاجتماعية. أما الوضع السياسي والذي لا شك انه يرتبط بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي فادى إلى ارتباط جدلي في نوع الحكم ورجال الدولة. وبدأت "المعاهدات" و "الاتفاقيات" الدولية من اجل بسط النفوذ العسكري البريطاني على عموم العراق للحفاظ على منابع النفط واستمرار الهيمنة عليه. ومن المسلم فيه ديالكتيكياً هو أن المصالح الاقتصادية للشركات الرأسمالية الأجنبية الكبرى تتعارض مع مصالح الطبقة الوسطى والطبقة الكادحة عل حد سواء ما أدى إلى فرز اجتماعي اقتصادي بين الشعب ومستغليه.
وخلاصة القول أن هناك عاملين مرتبطين احدثا التخلخل في المجتمع العراقي: العامل الديموغرافي في استيطان غير العراقيين فيه و العامل الاقتصادي في ظهور النفط. هذان العاملان أديا إلى ظهور أحزاب عديدة في تاريخ العراق السياسي الحديث.
قبل الحرب العالمية الأولى ظهرت ثلاثة أحزاب سرية هي العهد وحزب الاستقلال وجمعية البصرة الإصلاحية وكانت أهم أهدافها رفض سياسة التتريك من اجل إبقاء الهوية القومية للعراق. أما بعد الاستقلال (عام 1922) فتكونت أحزاب علنية هي الحزب الوطني وحزب النهضة وحزب الحر وحزب الأمة وحزب الاستقلال. ومن ثم تأسس حزب التقدم وحزب الشعب وحزب العهد وحزب الإخاء وحزب الوحدة الوطنية.
في آذار عام 1930 شكل نوري السعيد وزارته الأولى وأعلن بأنه يعمل لتحقيق معاهدة إيرانية– عراقية وتم تصديق المعاهدة في حزيران من ذلك العام. وجرت في بغداد مظاهرات صاخبة حمل فيها أبناء الشعب شعارات "ليحيا العراق مستقلا" "لا معاهدة وليسقط الخونة" وهكذا..... واستقال من البرلمان بعض رجال المعارضة وألفوا حزب الإخاء الوطني بزعامة ياسين الهاشمي الذي أأتلف مع الحزب الوطني العراقي بزعامة أبو التمن إلى عام 1933.
في آذار 1934 تأسس الحزب الشيوعي العراقي وتشكلت أول خلية له واستلم السكرتارية الرفيق يوسف سلمان (فهد) واستقطب الحزب فيما بعد عناصر محترمة من المثقفين الماركسيين واليساريين المتكتلين داخل جمعية الإصلاح الشعبي التي تأسست عام 1936 حيث كان من ابرز أعضاء تلك الجمعية كامل الجاد رجي، عبد القادر إسماعيل ،يوسف إبراهيم ،عبد الفتاح إبراهيم ،ومحمد حديد. ومن جماعة الجمعية تكتلت عناصر في حلقات خاصة أطلقت على نفسها (جماعة الأهالي) التي تضم كامل الجادرجي ومحمد حديد.
مع ظهور نشاط الحزب الشيوعي بدأ الشباب والطلبة والمثقفون يشاركون في الأعمال الوطنية الكبرى كالمظاهرات والإضرابات والاعتصام الكلي والجزئي، و صدرت جريدة "كفاح الشعب" كجريدة سرية تمثل لسان حال الحزب ومعاناة الفلاحين والعمال ونضال الشعب من اجل حياة حرة وحكم ديمقراطي. وكان من أهم منشورات الحزب بداية الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في نيسان 1940 بيانا مهما أعلن الحزب فيه عن مبادئه والخطوط الرئيسة لمفاهيمه وقيمه وأهدافه إلى الشعب حمل تذييل الهيئة التنفيذية للحزب الشيوعي العراقي جاء في أهم فقراته ما يلي:
في الفقرة الأولى: "أن الحرب بين ألمانيا وايطاليا من جهة وانكلترا من جهة أخرى هي حرب لاقتسام العالم من جديد على حساب الأمم الضعيفة."... الخ.
الفقرة الثانية:" لما كان كل إقليم من بلادنا العربية أعجز من أن يصون حياده التام منفردا وبصورة عملية وجب على الدول العربية أن تبذل قصار جهودها لتأليف حلف دفاعي مشترك يصون حيادها ويقف حصنا منيعا لصد أي اعتداء يقع على أحداها. ويجب علينا كمواطنين أن نقف كتلة متراصة في وجوه أعدائنا وأن نهب للدفاع عن حدود بلادنا العربية المقدسة إذا ما حاول معتد ما انتهاك حرمتها. ودفعا للالتباس نعلن للشعب الكريم أن الحلف الذي نريده والدفاع الذي نتخذه يجب أن يتحققا تحت راية حرة وإلا فأن الدفاع بجانب الأجنبي المستعمر دفاع عن الاستعمار".
الفقرة الثالثة:" بما أن وجود الجيوش الأجنبية في بعض مدننا العربية يعرض أموالنا للتدمير وأبنائنا (رجالا ونساء) وشيوخنا وأطفالنا لخطر القصف من قبل القوى الجوية المعادية لتلك الجموع، فأننا نطالب بإلحاح جلاء هاتيك الجيوش إلى حيث لا يبقى أي مبرر للدول المعادية في قصف مدننا. وأننا نعلن بصراحة بأن قصف الإسكندرية قض مضاجعنا وضرب حيفا والقدس حرق قلوبنا فما على أبناء هذه الأمة ألا أن يرفعوا أصواتهم عالية مطالبين بوجوب جلاء هذه القوات حفاظاً على أرواح أبنائنا الغالية كما أننا نعارض قيام أية حركة هجومية على القوى الأهلية التي تكلمنا عنها، وعدا ذلك أننا نطالب إبعاد كل قوة أجنبية من منابع النفط في العراق وعن السكك ودرء عنها الأخطار، لأن النفط منابع خيراتنا وأن السكك الحديدية عامل مهم في حياتنا للصادرات وهذا الأمر ضروري للغاية.
ومن منشورات الحزب الشيوعي مذكرة عام 1945 حول الوضع الداخلي جاء فيها:
أن الشعب العراقي تحمل خلال سنين الحرب مصاعب وآلاما متعددة، قلة الخبز، وقلة الكساء، وقلة الدواء، ضيق المساكن ،وتأخير مشاريعه العمرانية والثقافية. تحمل جميع هذه بصبر معتقدا أنها أمور وقتية لابد من انتهائها وأمل شعبنا من وراء النصر أن ينتهي التدخل وتنتهي السيطرة الاستعمارية البريطانية التي فرضت على أوضاعنا سوى زيادة في خنق الحريات ونشر الإرهاب......
أن حزبنا لا يسعه السكوت على بقاء السيطرة الأجنبية – سيطرة بريطانيا العسكرية والسياسية والاقتصادية الأجنبية في بلادنا ولا يسعه السكوت على التدخل الأجنبي وتغلغل موظفيه في دواوين الدولة العراقية. هذا التدخل الذي مس ويمس يوميا بسيادتنا الوطنية وينفي استقلالنا المعترف به دوليا. أن بريطانيا عملت ولا تزال تعمل باسم المجهود الحربي، لمجهودها الاستعماري ولتثبيت نفوذها في هذا الجزء المهم من العالم ناسية الحقوق الدولية وتصريحات قادتها بعدم تدخل حكوماتهم في الشؤون الأخرى للدول الأخرى. أن بريطانيا استغلت ضعف الحكومة العراقية وخلو القطر من الأحزاب السياسية ومن رأي عام ففرضت سيطرتها على القطر خلال الحرب ولا تزال تحتفظ بهذه السيطرة دون أن تستجيب لمطالب شعبنا أي حساب .
ومن أدبيات الحزب حول الإضرابات بعد إضراب عمال السكك أصدرت في شباط 1946 البيان التالي:
أننا نقدر موقفكم حق التقدير، ونعلم علم اليقين، أن الحق بجانبكم ونعلم علم اليقين أنكم ستنتصرون وتنالون مطالبكم التي أضربتم من اجلها، فحزبنا يؤيد إضرابكم ويؤيد مطالب الأحزاب لأنكم نهضتم دفاعا عن حق مشترك بينكم وبينهم. وشعبكم سيعطف على إضرابكم ويؤيده لأنكم أضربتم ضد إدارة استعمارية عاتية فرضت سيطرتها المطلقة ..... نوصيكم أن لا تدعوا أنسأنا غير مسئول – سوى لجنة الإضراب العليا – يفاوضون الجهات المسئولة وأن لا ترجعوا إلى العمل إلا بأمر من لجنة الإضراب العليا.....
وفي آذار من عام 1946 عقد حزب الشعب (رئيسه عزيز شريف) المناضل غير المعلن عن الحزب الشيوعي اجتماعا وطنيا، أرسل على اثر الاجتماع مذكرة جاء فيها:
أولا: النضال المشترك في تحقيق الحريات.. وحل المجلس النيابي الحالي و تأليف مجلس يمثل الشعب.
ثانيا: النضال المشترك لأجل استكمال سيادتنا وفي مقدمة ذلك إجلاء الجيوش البريطانية عن العراق...
ثالثا: النضال المشترك لتحقيق التعاون مع جميع البلاد العربية ... وحمل الحكومة العراقية على تنفيذ مطالب شعبنا في الدفاع الصادق عن حقوق عرب فلسطين وتأبيد شعب واد النيل في سبيل الجلاء والاستقلال والوحدة تأيدا تاما مطلقا.
أما فرع الحزب الشيوعي في كردستان فقد جاء في جريدته (روز كاري) أن:
حزب روزكاري وفرع الحزب الشيوعي يدافعان عن القضايا الوطنية للشعب العراقي بعربه وأكراده وكشف الحقائق عن مطالب الشعب الكردي ضمن الوحدة العراقية وفضح مؤامرات الاستعمار.... وصرف أنظار الشعب عن أمانيه المقدسة ضمن سياسة (ضرب العرب والأكراد).
يلاحظ من أدبيات الحزب الشيوعي آنذاك ما يلي:
1- الشعور القومي الذي يدعو للتخلص من الاستعمار في كافة أرجاء الوطن العربي.
2- النضال لتحقيق التعاون بين العراق وبين كافة الدول العربية.
3- التأكيد على القضية الفلسطينية من خلال المطالبة في حقوق عرب فلسطين.
4- الشعور الديني من خلال العمل لتحرير بيت المقدس.
5- تحقيق مطالب الكرد ضمن وحدة العراق وفضح مؤامرات الاستعمار في ضرب العرب بالاكراد أو المطالبة بالتقسيم.
6- تشخيص ضعف الحكومة نتيجة خلو العراق من الأحزاب وتغلغل الأجنبي في مفاصل الدولة وفرض سلطته على الشعب وعدم تنفيذ مطالبه.
7- تأكيده على سلامة منشآت النفط كمورد الاقتصادي وحتى على سلامة طرق المواصلات وهي السكك الحديد.
8- تبنيه لقضايا الجماهير المصيرية والدفاع عن حقوقهم ورفع المظالم .
9- تبنيه لإضراب عمال السكك لدرجة تبين وكأن اللجنة المسئولة عن تنظيم الإضراب هي من كوادر الحزب.
هكذا كان موقف الشيوعيين في تلك الفترة وهكذا كان نضال الحزب من القضايا القومية والدينية وقضايا الشعب المصيرية و مقاومة الاستعمار ومحاربة التدخلات الخارجية بشؤون الحكومة.
"الجزء الثاني"
مع الفئات القومية في العراق للتخلص من الاستعمار في الوطن العربي، وتحقيق التعاون مع الدول العربية، والتأكيد على القضية الفلسطينية و حقوق عرب فلسطين، والشعور الديني في تحرير بيت المقدس، وفضح مؤامرات الاستعمار في ضرب العرب بالأكراد، وتأكيده على الحفاظ على الموارد الاقتصادية للعراق وتبنيه لقضايا الجماهير المصيرية والدفاع عن حقوقهم."
شهدت الفترة مابين 1948 و1958 أحداث هامة في الوطن العربي ألقت بضلالها على الوضع السياسي العراقي ومنها: اعلان دولة اسرائيل1948، تأسيس حزب البعث فرع العراق 1951، انبثاق ثورة يوليو في 1952مصر وظهور الرئيس عبد الناصر كقائد عربي،الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956، وقيام ثورة تموز المباركة 1958.
إعلان دولة إسرائيل وسفر أعداد هائلة من يهود العراق إلى فلسطين اثر بشكل ملحوظ على كفاح الشيوعيين حول القضية الفلسطينية. وسواء أكان ذلك بسبب علاقة الحزب بأفراد من اليهود العراقيين أو أكان بتأثير بعض من قادة الحزب اليهود الذين اعدموا بتهمة انتسابهم للحزب الشيوعي لا بتهمة يهوديتهم أو علاقاتهم مع الدولة العبرية إن كانت لهم علاقة؟
نشوء حزب البعث في العراق في فترة محاربة الشيوعية في العراق بأسلوب قمعي من قبل الدولة بشكل لم يشهد له مثيل. فكوادره في غياهب السجون والمعتقلات ويتهمون بشتى التهم أدى إلى انتماء أبناء الطبقة البرجوازية الصغيرة و أبناء الموظفين إلى حزب البعث لتقليل الضرر من جانب ودفع تهمة اللاوطنية من جانب آخر ( ودخول مركز شرطة المنطقة ابسط من "تجثم عناء السفر إلى" سجن نقرة السلمان في صحراء الناصرية وفي الجانب الاخرهو تغاضي الدولة من ملاحقتهم على مبدأ "مو زين" بعثي ولا شيوعي).
ظهور الرئيس عبد الناصر كقائد عربي استحوذ على الشارع الثوري الوطني العربي. وبدلاً من إيجاد صيغ رصينة للتعاون بين عبد الناصر والأحزاب الجماهيرية العربية آنذاك ، تكونت خنادق بين عبد الناصر وبين هذه الأحزاب ومن ضمنها الحزب الشيوعي المصري الذي لم يكن قادراً على استيعاب عبد الناصر كما عمل الحزب الشيوعي الكوبي.
إما الهيجان الذي عمّ الشارع العربي عام 1956 على أثر الاعتداء الثلاثي على بور سعيد فلم يكن تأييداً لعبد الناصر بقدر ما كان وقوفاً مع الشعب المصري ضد الغزاة.
انبثاق ثورة 14 تموز وعلى رأسها قائدان احدهما "ابن نجار" جرح إصبعه "رندج النجار" لكنه عاش في مدينة حضرية برتبة عسكرية عالية، وآخر "ابن تاجر" قرب الصحراء تغذى على حدو بدوي وخطب تحكي أناشيد الفخر. والاثنان لا يملكان برنامج سوى إزاحة نوري السعيد. فالحركة المسلحة الوطنية البرجوازية ما لم تتح لها الفرصة لتتحول إلى ثورة تلم الكادحين لا تعدو أن تكون انقلاباً بالمفاهيم الماركسية. وهذا ما نلاحظه في معظم الحركات المسلحة التي حدثت في العقود الثلاث المنصفة للقرن الماضي "الرابع والخامس والسادس" لم تكن بيد الطبقة الكادحة لأن الكادحين لا يملكون السلاح اللوجستي الفعال. بل أن الزعامات العليا للقوى العسكرية هي بيد البرجوازية فضلاً على أن اغلب تلك الحركات هي انقلابات لأن أهدفها لا تتجاوز ردود فعل من اجل السيطرة على السلطة والحصول على الوجاهة والحظوة.
مما تقدم نلاحظ أن الحزب الشيوعي واجه مشكلات لم تكن قيادته قادرة على التعامل إزائها بعد إعدام الرفيق فهد وهي:
1- أراد الحزب أن يفرز بين شعاراته وبين شعارات حزب البعث"الوحدة والحرية والاشتراكية" فرفع شعار القومية العربية المتحررة ولم يتفهم الشارع ما ذا تعني المتحررة. وهاجم الصين وتطبيقات الماركسية في بلد فلاحي ولم يكن هناك وضوح أو رضى عن كيفية تطبيق الماركسية في بلد زراعي كالصين . وإنما ظهر وكأن الماركسية هي بضاعة تستورد كما تستورد السيارة أو ربطة العنق. وأدينت أفكار ماو و تيتو دون محاكمة، مما وضع الشيوعي العراقي في قوقعة لا يحسد عليها ولا يدري أين المفر حيث الدين هنا والقومية هناك والاستعمار والعملاء في كل صوب وحدب.
2- في وطن تحده الكعبة من الجنوب وبيت المقدس من الغرب وقمّ من الشرق ومساجد العثمانيين من الشمال. لم يستطع الحزب الشيوعي العراقي في أدبياته توضيح دور الدين في حركة التحرر.ولم يلم الجميع حوله تحت شعار طرد الاستعمار الغازي الذي يجعل قيما جديدة، كما حدث في حركات تحرر بورما وكمبوديا واندونيسيا. وكيف أن الدين الإسلامي ومثله العليا في الرحمة والمساواة يتجلى في كونه أداة تقدم تنقيه من الشوائب وترد كيد الردة المختلفة، بل رفع شعار رجال الدين الأحرار الذي شق رجال الدين بدل أن يلمهم ضد الاستعمار.
3- في خضم هذا المد القومي توهم الحزب الشيوعي عندما تصور إن مجيء القوى القومية إلى السلطة سيؤخر حركة التاريخ ويتأخر انتصار الماركسية. وما علموا أن الماركسية علم وانتصارالاشتراكية هو ضرورة حتمية يقتضيها التاريخ ومرحلة لا بد من أن تمر بها البشرية إن شاء القوميون أو لم يشئوا. فالاشتراكية الماركسية ليست موظة اخترعها ماركس وانجلس ،هذا هو منطق التاريخ بدأ بالمشاعية وينتهي بالشيوعية. فهل من يدعي أن الأرض ليست كروية؟ وهل من يدعي أن الأرض لا تدور حول الشمس؟ هذه حقائق علمية ينبغي الإيمان بها والتثقيف لها ومعرفة كيفية إقناع الآخرين بها. فإما أن تؤمن بنظرية ماركس وحتميتها أو بنظرية عفلق و قدريتها.
4- بعد ثورة تموز التحررية توهم الحزب أن الثورة ليست ثورة الكادحين الجياع بقدر ما هس ثورة البرجوازية التي أحكمت قوتها العسكرية والاقتصادية على كافة مفاصل الدولة. وان الذين انتموا للحزب من القادة"أي كان ما تعني كلمة القادة بالنسبة للقارئ" لم يخوضوا من قبل صراع النضال الكافي ضد الاستعمار ولا ضد البرجوازية الوطنية وأصبح الهم هو هم البعثيين. وأن عفوية الجماهير كانت تتطلب من الحزب قدراً كبيراً من الوعي والحزم وكلما ازدادت العفوية كلما أصبحت الحاجة ملحة إلى قدر اكبر من الوعي في العمل النظري والسياسي والتنظيمي.
5- وانقلبت الموازين في الكفاح الماركسي وأصبحت "قد تكون بقدرة قادر" محافظة الموصل وصلاح الدين وبعقوبة والانبار والاعظمية والكرخ"وهي مناطق سنية" أصبحت مواقع قومية والكاظمية والنجف وكربلاء والناصرية "مناطق شيعية" أصبحت مواقع شيوعية. فهل أن الطائفية كانت مبطنة في قيادات الحزب الشيوعي وقيادات حزب البعث قبيل قيام ثورة تموز وان المواطن العراقي ألعوبة؟
6- في ذلك الوقت لو تثقفت الطبقة الكادحة على مبادئ علي وعدالة عمر وقيم أبي ذر الغفاري وفلسفة المعتزلة وآراء الصوفية لتمكنت من احتواء الجهلة من دعاة الإسلام الذين تفننوا في إلصاق التهم بالماركسية بأنها... وانها........ وانها أفيون الشعوب. أن أولى مهام الماركسية في تفسيرها لظواهر الحياة العامة هو منظورها التاريخي التراثي الماضي وأنها ليست ظواهر طبيعية جغرافية انهالت على البشرية أو بدع هبطت دون علاقة لها بمحاسن الماضي.
فلم يذكروا قادة الحزب أن نشوء الفكر الماركسي اعتمد على حركة الإصلاح الديني التي تزعمها الكاهن مارتن لوثر. وهي حركة دينية ذات طابع قومي تحرري هدفها تحرير الشعب من سيطرة الكنيسة وهيمنتها على الفرد وهدر كرامته وشل قدراته. مما دعى لوثر إلى أهمية استعادة ثقته بنفسه وأعلن معارضته لوصاية الكنيسة. وقال أن الله مع الإنسان العدل والضمير وترك له أن يتدبر بها شأنه بصورة حرة وأن إذلال الفرد أمر مخالف لمشيئة الله. وهكذا مهد مارتن لوثر الطريق إلى ماركس أن يقول أن الإنسان في واقع معين يحيا في مجتمع صنعه بنفسه ولنفسه عبر الماضي. ثم اخذ من فورباخ مفهوم المادية ومزج المثالية في إطار مادي إلى مفهوم المادية الديالكتيكية وصاغ نظريته في أن المجتمع هو عالم الإنسان ومن صنعه وهو طبيعيته التي يتحدد بها إدراكه وسيقيم بها وجوده. وبذا يستطيع أن يتفهم الإنسان عالمه ويتدبر شؤونه.
ولم يذكروا قادة الحزب أن رأى ماركس في الدين كما جاء في "المقدمة"( أنه النظرية العامة لهذا العالم. وأنه خلاصته الموسوعية الشاملة ومنطقه الذي يفهمه عامة الناس. والدين هو موطن الإنسان وشرفه الروحاني ومنبع الحماسة ومبعث الوازع الأخلاقي له. والدين خاتمته المقدسة المهيبة ومبدؤه الإنساني الشامل في المؤاساة وفي تبرئته من الآثام. وهو الدليل الواضح إلى علة اجتماعية خفية والشكوى من آلامها. فالمعاناة الروحية في الدين هي في الوقت نفسه تفريج عن كربة فعلية واحتجاج عملي عليها "أنه تنهيدة كائن لديه معاناة وهي الإحساس في عالم متحجر القلب انتزعت من روحه الرحمة وهو افيون الشعوب".) ولم يوضح الحزب الشيوعي بأن أعداء الماركسية لم يقرؤوا سوى الكلمتين الأخيرتين من قول ماركس وفسروها بطريقة ظالمة مغرضة بعكس ما أريد بها تماما. فإن ماركس قصد بها من سياق العبارة بأن التنهيدة أو المعضلة هي التنفيس للشعوب عن مظلمة واحتجاج قائم ولم يقصد بها بأن الدين هو تخدير للشعوب.
ولم نسمع في معرض خلاف ماركس حول الدين مع مجموعة الأحرار حين كتب إلى برونوبأور "على الأحرار أن لا يقحموا الاشتراكية والشيوعية عرضا وبطريقة استعراضية في كتاباتهم حول الدين فهي أفكار تعبر عن أمر غير لائق ولا أخلاقي وإذا كانت هناك ضرورة لنقد تعاليم الكنيسة فالأجدر أن يكون بصدد نقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي أفرزتها التعاليم لا بنقد الدين من اجل نقد تلك الأوضاع وعليهم تجنب الحديث في موضوع الإلحاد وإلا كنا كالأطفال عندما يتظاهرون بأنهم لا يخافون الغليان" .
وحول تحليل "باور" للدولة المسيحية الذي اقتصر حول نقد الدولة المسيحية ونبذ الدين، أكد ماركس على نقد التحليل أن الصحيح هو نقد الدولة ذاتها وفي إيضاح رأيه رجع إلى نصوص بيان حقوق الإنسان كما أقرت في أمريكا الشمالية وفرنسا سنة 1791 ، 1972 والدساتير في القرن الثامن عشر التي أقرت كلها فصل الدين عن الدولة والتي أكدت حرية العبادة وحرية الدين باعتبارها حقوقا أساسية وقال "أننا نرى الدين حتى في البلاد التي أتمت تحررها، ليس قائما فحسب بل نراه في أتم قوته وحيويته، مما يثبت أن الدين لا يتعارض مع وجود الدولة ويعيقها. وإذا ما ظهر في الدولة خلل مع وجود الدين فالأجدر أن نبحث سبب هذا الخلل في الدولة ذاتها لا في الدين".و "أن كنه التحرر السياسي يتضح في فصل الدولة عن الدين وبقاء الشعب فيها متدينا فالدولة قد تكون علمانية لكن الشعب يبقى على دينه".
أن من أولى واجبات القادة التقدميين على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم في المسائل النظرية وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن الاشتراكية علما تتطلب أن تتعامل معها كما تتعامل مع العلم. أي أن تدرس وتفهم والوعي الذي يكتسب ينبغي أن ينشر بين الجماهير ليزيد من تماسك صفوف الحزب. إذ أن ضعفه يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة القادة. فالكادحون قد لا يتمكنوا أن يحصلوا على هذا الوعي من بينهم وليس بالضرورة أن يتم استكمال ثقافتهم الخاصة دون توعيتهم من قادتهم. ولم يكن من الصعب على المفكرين الماركسيين من تقييم فترة البداوة واعتبارها مرحلة من ضمن مراحل التاريخ الديالكتيكي.
وهكذا في هذه الفترة الممتدة منذ أوائل الخمسينيات والى منتصف الستينات لم نسمع من الحزب قضايانا المصيرية قومية أو تثقيف ديني نظري فلم نسمع عن سعد زغلول وجول جمال وعمر المختار وعبد القادر الجزائري وجميلة بوحيرد ويوسف العظمة بقدر ما سمعنا عن خالد محي الدين وفرج الله الحلو وخالد بكداش. ولا عن جبال أوراس وجبل قاسيون ولواء الاسكندرونة بقدر ما سمعنا عن لينينغراد. ولقد سمعنا عن تاريخ وجغرافية الدول الاشتراكية أكثر مما سمعناه عن الدول العربية. كما لم يتغنى الفلاسفة الماركسيون العراقيون بحكم المتنبي ولا بالمعلقات السبع .لقد كان لزاماً أن يدرس المثقفون الماركسيون قيم البداوة وما تمثله من شجاعة وفروسية وماهيتها في أفكار لنين من اجل الدفاع والتضحية في سبيل الأرض وطرد الغزاة. أو ماهية الكرم في واقع اقتصادي مهزوز وما يتطلبه من تقاسم الموجود كحالة من حالات الاشتراكية بالفطرة......الخ
فحول الموقف من الماضي وقف البعض من التقدميين وحتى قادة الحركات التقدمية موقف اللامبالاة، ومنهم من حارب الماضي ككل. ولم يكن ليدور في خلدهم أن الفكر الديالكتيكي قام على العلاقة بين القديم والجديد، وعلى التوارث والاستمرارية في التاريخ. وفي مجرى التطور لا يأتي الجديد منفصلاُ عن القديم تميزا وتدميرا، وإنما يتمثل ويستخدم كل ما يصنعه القديم من عناصر ايجابية قابلة للحياة. وفي الماركسية الديالكتيكية لا يمكن أن يكون النفي هدما بقدر ما هو بناء لأن اليوم هو وليد البارحة وغدا وليد اليوم بحكم الضرورة. ومن غير الممكن أن تبني بدون أساس إذن فالمسألة جدلية الارتباط. والنفي هو حالة من حالات الارتباط فهو جانب من التطور ينعش القادم بالاحتفاظ بايجابياته والابتعاد عن سلبياته وكلاهما حالة متقدمة الاستذكار.وحتى أن الفكر الماركسي ما كان ليكون لولا وجود الثقافات التي سبقته فهو ليس فكرا أوحي به من أكوان أخرى، بل تتمة لفلسفات سبقته عندما أجاب على أسئلة عجزت تلك الفلسفات عن الإجابة عليها.
ما صنعته الأجيال السحيقة منذ القدم، والذي ورثناه لم يكن بالضرورة على هوى تلك الأجيال أو على رغباتها رغم أنها صنعته. فالناس يصنعون التاريخ بحكم الموجودية في حقبة زمنية معينة لكنها قد تكون فرضت عليهم بتقاليد حقبة سابقة. ولابد أن يكون هناك بعض التطور نتيجة الرفض الايجابي والنفي السلس وبالمقابل هناك بعض الرفض السلبي والنفي الحاد وهذا هو ما ندعوه بالتمرد أو العصيان الذي يحدث نتيجة التراكم الكمي لما هو غير مرغوب به. على الصعيد الماركسي لبناء اقتصاد متطور لابد من الاعتماد على مجمل أمور خلفتها لنا الأجيال الماضية منها تحسين أدوات العمل والآلات، تطوير خبرة العمال والفلاحين المتوارثة منذ سالف الزمن، وشحذ الهمم عبر اعتماد و تطوير النصوص الثقافية والفنية الفلوكلورية .... الخ.
لقد رفضت اللنينية الثقافة المختلقة. والتي لا تنطلق من التراث واعتبارها باطلة وضارة علميا. وقد ناضل لينين ضد ثقافة العدمية التراثية والفوضوية الثقافية واعدها صبيانية يسارية ونزق نشوة برجوازية واعدها أمراض ثقافية سميت "مرض الطفولة اليساري" وخاض صراعا عنيفا ضد مختلف ألوان الأمزجة العدمية وأكد بأن تعليم الشباب وتربيتهم وتثقيفهم يجب أن ينطلق من المادة التي تركها لنا المجتمع القديم . وأكد أن صعود البشرية على درجات سلم التقدم لم تبني ثقافتها من جديد على كل درجة وإنما كانت مستندة درجة على أخرى من الانجازات السالفة كمادة فكرية ورثتها لتنطلق منها.
أما الثقافة الحالية بالعراق فترفض كل رأي غير رأي المحتل وتعتبر ذلك مضيعة للوقت والجهد وكأن حضارة وادي الرافدين ودولة بني عباس لم تنشأ في العراق. وكأن الاستعمار مسك العصا السحرية في العلوم والتكنولوجيا وقوله هو ما أنزلته السماء. و تظن الدول الغازية وكأنها ملكت النتائج العلمية والعملية لأسرار الكون. وبدأت تبذل جهودها لتطبيق تجربتها التي صبغتها بصفات شتى وان احتلالها للعراق ليس إلا مساعدة له لإقامة الديمقراطية والتحرر من الدكتاتورية. والأسوأ من ذلك تعميم هذه الفلسفة على كافة مفاصل الدولة. ابتدأ من التعليم العالي وضياع الهدف والحاجة إلى الاختصاص مرورا بالبيئة وما تحتاجه الصحراء من خدمات . كذلك في الحلول الناجحة للاستقرار والأمن وتشريع عقوبات الردع و إلى تأمين الحالة الاقتصادية للمواطن، كل ذلك عوم كما عومت العملة.
أصبح شعار الديمقراطية الأكثر استعمالا في السباق السياسي حالياً بالعراق ولكن هل ارتفعت في بيئة السياسيين التقدميين أصوات عن النضال الطبقي أو حول إصلاح الدستور؟ أن الانعطاف من النضال الطبقي إلى الإصلاحية الاجتماعية وحتى السياسية يعني تحول من حزب للثورة الاجتماعية إلى حزب ديمقراطي للإصلاحات الاجتماعية. فحتى عندما استوزر كادر من الكوادر المتقدمة للحزب الشيوعي وعلى دفة وزارة الثقافة لم يجرؤ على رفع شعار "للصراع الطبقي لا للعنف الطائفي" وأن كان لابد من ليس له بد فينبغي أن يجد الجرأة على إعلان فشله على الملأ ودع ما لقيصر لقيصر. فذلك لا يليق للاشتراكي أن يشترك في وزارة متخلفة طائفية. و لو كانت الديمقراطية تعني إلغاء السيادة الطبقية فلماذا لا يعلن الوزير الاشتراكي بخطاباته عن تعاون الطبقات و يظهر علنا في تحية المحتل؟ و يتخلص من الانجرار في ذنب الانتهازية ليدخل في ذنب"الذيلية".
هكذا بدأت اللحمة الوطنية في العراق تتفتت بعد ثورة تموز المجيدة بسبب عوامل موضوعية وأخرى ذاتية لم تتمكن الأحزاب الوطنية من تجاوزها .
"الجزء الثالث"
قلنا في الجزء الثاني أنا اللحمة الوطنية في العراق بدأت تتفتت بعد ثورة تموز المجيدة بسبب عوامل موضوعية وأخرى ذاتية لم تتمكن الأحزاب الوطنية من تجاوزها .
أن الوضع السياسي الحالي بالعراق رباعي الشكل: ضلعه الأول لدعم استعباد العراق والاستمرار في استغلال موارده النفطية والضلع الثاني لتشديد اضطهاد الشعوب الأخرى برفع الهراوات والتهديد والوعيد والضلع الثالث لتوطيد العبودية المأجورة ومد اجلها والإثراء لأمد قد يدوم بضع عقود. والضلع الرابع لتوطيد الانقسام و إثارة النعرات القومية والطائفية والشد من أزر الرجعية.
لقد تربع على سدة الحكم قبضة من الأشخاص صنعهم الأحداث الماجنة وأنبتتهم مضاجع الفتن وأفكار الدسائس فكانوا شيئا لصنائع الاستعمار في يوم كانت أيضا إرادة الشعب مطوية في أكفان نسجتها أيدي الطغاة والطمع والإغراض جلبوا الويل والثبور على البلاد وأغرقوها في سيل من الدموع والدماء وكأن لم يكفنا ما كنا عليه في الفترة الماضية .
لقد تعاظمت نهضة الجماهير واتسع الغليان والتمرد والتظاهرات ولم تتوقف في البصرة والناصرية "التي كانتا موقد الشرارة الأولى" بل شمل مناطق جديدة وفئات مختلفة من طبقات الشعب. أما الحزبيون الماركسيون فقد تأخروا عن هذا النهوض ولم يفلحوا في تشكيل منظمة شبابية احتجاجية قادرة على قيادة العمل الجماهيري،كما لم يستطيعوا أن يقودوا مظاهرة واحدة سلمية ترفع فيها شعارات الشعب باسم حزبهم. ومن المسلم به أن الحزب الماركسي لا يكرر ما تعرفه أو تعاني منه الجماهير فحسب بل أن يرفع شعارات ما لم تتوصل إلى معرفته الجماهير من معرفة سياسية. أن مجمل الانكفاء أو الاكتفاء بالكتابة بالصحيفة بأن أهالي المشخاب يشكون.........وأن أهالي راوة يحتاجون......واهالي قره تبة يعانون ........ كما لو اكتشفنا أمريكا .. لا يكفي الجماهير. وأن من يطمس جوهر وعمق طموحات الشعب في الإعلام ويلقن العمال الانتهازية زاعما أن هذا من المركزية والديمقراطية أنما يهبط إلى مستوى الغدر بالشعب وهو الأكثر إيلاما للطبقة الكادحة. الأحزاب الموجودة على الساحة العراقية حاليا قد يكون بعضها رفيق درب للحزب الماركسي لكن حتى هذا البعض لن يكون شريكاً في القضايا الجوهرية الرئيسة الإستراتيجية وإلا عدّ الحزب أسير المترددين والماركسية ليست مذهب المترددين ولا مذهب المساومين على الطبقة الكادحة. أن هذا النشاط لا يسد رمق الجماهير فهم ليسوا بأطفال يمكن أن يكتفوا"بموطة" السياسة البيروقراطية .
أن الساسة العراقيون يفضلون كل شيء في الماركسية إذا تخلت عن وسائل النضال الثورية أو الترويج ليها .أن التخلي النظري للماركسية عن وسائلها لا يعدو أن يكون حزبها راديكاليا خاملاً. و إنكار وسائل تحفيزها أمرا لا يتلاءم مع الانتساب للحزب الشيوعي وهو خيانة للاشتراكية. إذ أن المحتوى السياسي للانتهازية هو تعاون الطبقات بدلا من الصراع الطبقي . لقد أصبح شعار الديمقراطية في الوقت الحاضر هو الأوسع انتشارا ، الشعار الأكثر استعمالا في السباق السياسي في العراق، ولكن هل ارتفعت من بيئة السياسيين "إن كانوا ديمقراطيون" أصوات لتعديل الدستور "المقحطل" وهل ارتفع في مكان ما شعارا للنضال الطبقي؟
لقد سار الناس إلى صناديق الانتخاب يحدوهم الأمل بوصول نواب لمقارعة الاستعمار وإخراج القوات الأمريكية والحصول على لقمة عيش براحة ونوم هادئ على تبريد لا الوقوع في المستنقع المجاور الذي ضحى بآلاف الشهداء من اجله . وكان يأمل الماركسيون الذين انتخبوا نوابهم في الدورة السابقة أن يعملوا لشعبهم شيئا . فمن المعلوم أن نشاط النواب الماركسيون يقودهم إلى السجن لكن البعض قادهم إلى المقاعد الوزارية. فمنبر النواب يعتليه الوطنيون ليبقى مع الجماهير إلى النهاية ملتزماً بواجبه النضالي مهما صعبت الظروف. لكن بعضهم استغل منبر النواب ليكسب ودّ الحكومة ويملأ جيبه ونفض يديه.
يعلم الجميع أن العراق احتل بالحديد والنار وأن الشعب يعامل معاملة وحشية وبظلم وأن أعوانه يخدعون الشعب حين يزعمون أنهم يعملون في سبيل الديمقراطية والحرية وأنهم"بحق الله" قسموا ثروات النفط بينهم وبين المحتل بالقسطاط. ومن غير اللائق للحزب أن يساعد لصا بصورة فنية لنهب لصاً آخر .أن على الحزب أن يستغل الحرب التي يخوضوها اللصوص" الأذناب والمحتلون" بعضهم ضد البعض من اجل إسقاطهم كلهم.
من مجمل ما ذكرنا أعلاه نجد أن هناك عنف وعنف وهناك نواب ونواب وهناك وزراء ووزراء . ومن الملائم إخضاع القلب للعقل. فهناك عنف طائفي لكن هناك عنف طبقي وحتى داخل العنف الطائفي هناك عنف طبقي لكنه غير واضح حتى للقائمين فيه. وكان يوما ما نواب في مجلس النواب تنتشي قمصانهم بالماركسية لكن ماركسيتهم لم توصلهم إلى باب المجلس. وكان هناك أيضا وزراء ادعوا الماركسية ولم توصلهم ماركسيتهم حتى باب وزاراتهم.
قد يكون تفتت الاتحاد السوفيتي خدمة للاشتراكية أما لكونها أصبحت هشة نتيجة لبيروقراطية المنفذين، وأما المستنقع الاجتماعي والاقتصادي لدول الاتحاد السوفيتي القديم. فقد أصبح ذلك واضحا من خلال ارتفاع مستوى معيشة الفرد ونزوحه إلى دول أوروبا الغربية ليعمل في أقبح و أرديء الإعمال. وفي الجانب الآخر لم يمر عقد من السنوات على ذلك التفتت إلا وعانى عالم الرأسمالية أزمة عارمة نتيجة للقوانين الموضوعية الملازمة له ولتطور التناقضات الخاصة به . ففي مطلع العقد الحالي اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية والتي كادت أن تصل بحدتها إلى مستوى أزمة مطلع الثلاثينيات. ونتيجة لهذه الأزمات وخاصة الاقتصادية راحت الرأسمالية تفتش عن مأوى للحل فوجدت "أدفئه" في العراق. بيد أن هذه الحلول ستتحول إلى تحرر وتقدم برفض الاحتلال وهكذا تستمر دورات التحرر. ومن المعلوم أن حركة التحرر الوطني ونضال الشعوب ضد الاستعمار وفي سبيل السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي والتقدم الاجتماعي تشترك في كل فقرة من هذه الفقرات كل الطبقات والفئات الاجتماعية وتستخدم كل منها وسائلها خاصة.
ليس من ينكر أن الاستقلال الاقتصادي حاليا هو الحرية في رسم واتخاذ القرارات الاقتصادية للبلد وليس الاستقلال الاقتصادي المطلق. إذ لم يعد بامكأن أية دولة مهما كانت أن تستقل اقتصاديا مطلقا وليس ذلك من صالحها ولا من مصلحتها. ولذا نرى أن السيطرة الخارجية للاستعمار أخذت تنحوا منحا آخر في استغلالها للشعوب ولم تعد الهيمنة المباشرة هي الشغل الشاغل أو السبيل الوحيد للمحتل. إذ أن ذلك يكلفه دماء وجهدا فأصبح الاستعمار الاقتصادي الجديد للبلدان الفقيرة من خلال هيمنة الشركات الأجنبية على الإنتاج، وتجارة البلد من حيث تفوقه التقني ، التحكم في طبيعة ووسائل الإنتاج، عملية الاستغناء عن اليد العاملة، تدني ميزان التبادل التجاري معه ، والخلل الحاصل نتيجة التنافس في نوعية المنتج ، إقحامه في القروض والديون غير النزيهة من خلال ما يسمى بالمساعدات من البنوك الدولية الاحتكارية وأخيرا التحويل للعملة الصعبة.
قلنا تواً أن نهضة الجماهير تعاظمت واتسع الغليان والتمرد والتظاهرات شملت مناطق واسعة في العراق وفئات مختلفة من طبقات الشعب. لقد وصل استياء أبناء الشعب بأنهم يتمنون رحيل الحكومة وهذا ما يستجيب لأعمق أفكار كل عامل واع وتحويل هذا الاستنكار إلى شعارات لطرد الطبقة السياسية الرجعية من على سدة الحكم فيما لوسد الحزبيون الماركسيون هذا الفراغ السياسي. لقد تأخروا عن هذا النهوض ولم يفلحوا في تشكيل منظمة شبابية احتجاجية قادرة على قيادة العمل الجماهيري. كان على الحزب الماركسي أنشاء منظمة جماهيرية قادرة أن تؤمن للنضال السياسي القوة والثبات والاستمرارية. منظمة كفاحية للتحريض لأننا لا نعرف متى ستنفجر حركة جماهيرية عفوية وطنية لا تبقي ولا تذر وعندئذ (لات ساعة مندم). ولو كانت هناك منظمة تأخذ على عاتقها قيادة الجماهير في الشارع ورفع شعاراتهم إلى أعلى لامتدت التظاهرات الوطنية إلى كافة مناطق العراق ولاستلم الحزب زمام الأمور من هيت إلى تكريت ومن زاخو لحد الكويت. ومن الواضح أن ميل الجماهير إلى السلام يبدأ عن بداية الاحتجاج . وعلى كل من يريد سلام دائم وديمقراطي في العراق أن يؤيد التظاهرات الجماهيرية التي تخوضها الغالبية المضطهدة وأن يناضلوا في سبيل وحدة المضطهدين وحقوقهم المشروعة. من يتحمل بعد غرو الفضاء وصنع القنبلة الذرية وفي هذه الاتصالات أن ينام شعب اكبر دولة نفطية صيفاً وشتاءاً دون نور الكهرباء. رغم إنا لا نسمي تطور المجتمع بالتكتيك والاكتشافات بل من خلال علاقات الإنتاج السائدة. وتبقى تسمية العصر منوطة بالعلاقات والقوى الطبقية التي تقف وراءها. إذ أن عصرنا عصر القدرات الوطنية وتثبيت الديمقراطية والصراع بين النظام الرأسمالي والاشتراكي أو عصر تصفية الاستعمار.



#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آفاق في تعقيدات الوضع العام في العراق
- ضوء على عتمة نفق الانتخابات
- حقوق الإنسان
- الصناعات النووية: هلع أم قلق مشروع؟
- الديمقراطية والانتخابات البرلمانية
- مسيرة حقوق المرأة ..الجزء الثاني
- مسيرة حقوق المرأة
- سجن الحوت .. معسكر التاجي
- التأثير البايولوجي والوقاية من الأشعة السينية.
- البيئة الإشعاعية
- حين يرحل الكبار
- هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟
- استنساخ لبنة بناء الأحياء
- تساؤلات حول لبنة بناء الكون
- النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية


المزيد.....




- لماذا يحذر فائزون بنوبل من تولي ترامب رئاسة أمريكا مجددا؟
- إسرائيل تعلن مقتل -عنصر في الجهاد-.. و-أطباء بلا حدود-: كان ...
- بالونات القمامة من كوريا الشمالية تؤخر الرحلات بمطار سيئول
- إبرام عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطة إماراتية
- نيجيريا تستخدم الذرة المعدلة وراثيا لسد أزمة الغذاء رغم مخاو ...
- تحذيرات دولية من مجاعة بلغت حدا -حرجا- في غزة
- مع إعلان الاحتلال قرب انتهاء الهجوم برفح.. احتدام المعارك جن ...
- لأول مرة منذ عام.. وزير الدفاع الأميركي يتحدث مع نظيره الروس ...
- توقيف 4 أشخاص في بريطانيا لاقتحامهم حديقة منزل رئيس الوزراء ...
- باتفاق لإطلاق سراحه.. أسانج يقرّ بالذنب أمام محكمة أميركية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم أمين الهيتي - نعم للصراع الطبقي لا للعنف الطائفي - لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة في العراق وأعياد رأس السنة 2011