|
دردشة في الفصام والليبرالية
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 969 - 2004 / 9 / 27 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حتى الآن كل ما تطرحه سوريا هو سوري . تحتاج سوريا وتحتمل أكثر من جمعية لحقوق الإنسان ، وأكثر من جمعية نسوية ، وأكثر من تجمع أو حزب ليبرالي ، لأن سوريا بحاجة ماسة لتأسيس حركة تحديثية على جميع الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية الخ . لكن التسميات باتت مبتذلة و لاتعطي مدلولاتها الحقيقية ، هذا إذا لم نقل أنها تعطي العكس في كثير من الأحيان أو في العديد من الجوانب . الخلاف إذن ليس على الحاجة ومن المفارقات الثرية لاسيما للباحثين في علم النفس الجمعي أن السلطة والمعارضة تتفقان على الجملة وتختلفان على التفاصيل ، وعلى الفكرة وتفترقان حتى التصادم على التجسيد . وإذا توخينا الدقة فثمة أطراف في السلطة ، متحمسة للتحديث الشامل للدولة والحزب الحاكم ، بل تكرس معظم وقتها للكتابة حول هذا الأمر ، وكمثال فقط السيد مهدي دخل الله ، بينما لانجد حوارا بينه أو بين السلطة عموما والحالات المتحمسة أيضا للتحديث في الضفة المقابلة ، ورفض الآخر من قبل الطرفين هو السبب الحقيقي ، فكلاهما نفض يده من الآخر ، ويريد الآخر أن يعترف به دون أن يعترف هو بالآخر ، لأن الأنا معرفة والآخر نكرة ، وهذا لسان حال الطرفين ، وهكذا نحن أمام كوميديا سوداء قائمة على اغتراب جنوني وتضخم ذات أسطوري ، فالسلطة وبالقوة تريد من المعارضة أن تلغي نفسها وفي الوقت نفسه أن تعترف بشرعية السلطة وحكمها ، وهكذا تريد اعترافا من عدم ، والمعارضة تريد من السلطة ماتريده الأخيرة منها ، وافهم إن كنت حاذقا : سلطة بلا معارضة ومعارضة بلا سلطة ، أليس هذا أكثر سريالية من السريالية ؟ وفي التفاصيل : كلما طلع علينا مشروع من المعارضة ، نجده موجها إلى أبنائها و على الأقل بشكل ضمني ومبطن ، وهو أي المشروع يتحدث عن سوريا ، وتاليا فسوريا هي المعارضة لأن الشعب مع الحقيقة والحقيقة مع المشروع السحري ، وما السلطة إلا شأفة بيروقراطية بل كتلة ورمية ينبغي استئصالها باعتبارها أصل الداء ، أما السلطة فلا ترى في المعارضة إلا مجموعة هامشية لاتشكل حيزا من المجتمع ولا بالمعنى الفيزيائي حتى ، أما إنسانيا فهي مسقطة تماما ، وقد كتب على بطاقات الهوية لبعض المرتكبين جناية المعارضة : / مجرّد / أي محروم من الحقوق المدنية والعسكرية ، ومعظم هؤلاء المرتكبين وبعد سجن استغرق مايقارب نصف سنوات عمرهم ، خرجوا إلى سجن العوز والبطالة والأعمال الشاقة ، مع أن بعضهم يحمل شهادات جامعية وكان موظفا في مؤسسات الدولة ، لكنه لم يضع نفسه في عداد 99,99بالمئة وهكذا حذفته السلطة وإلى الأبد . لن تضيف هذه السطور شيئا على وضعي كخارجيّ سلميّ على الطرفين ، ولايهمني الأمر ، أيضا مع المشاريع التي تظن نفسها أنها جديدة ، مع أني أتلهف لحالة جديدة فعليا ، سواء من المعارضة أو من السلطة ، فقد خرجت من هذه الثنائية أو بالأصح أحاول الخروج ، وأعتقد أن العقم كنتيجة يشمل الطرفين حيث لكل أسبابه ، وأن الفكرة الثابتة عن الأنا والآخر بجميع مفاعيلها السيكولوجية والمادية متحكمة بالجملة الشعورية واللا شعورية للطرفين ، وتبديل المواقع افتراضيا لن يغير الحال ، لأن الجذور والتركيبة البنيوية لبشر المعارضة وبشر السلطة تستمد نسغها من تربة واحدة ، والتغيير القادم ، وهو لاشك قادم سيكون من الأجيال القادمة من البنية التي تجمع الطرفين ، ومن هنا وللأسف وبعد تأمل في ما طرح على أنه مشروع لتجمع ليبرالي لايتجاوز الشعارات ، بل ينقصه أهم و أول شعارات الليبرالية وأعني الحرية الاقتصادية القائمة أساسا على المبادرة الفردية : " دعه يعمل دعه يمر " بينما غرق المشروع في المعزوفات المكرورة عن الحوار والحريات النظرية والفكرية ، وهكذا عاد إلى طرح الأفكار ودعوة الآخرين لخدمتها ، ورغم روعة الحرية وأفكارها ، ولا أظن أن هناك عاقلا ينكر نلك ، لكن هذا أصبح موضة حتى لسائق التاكسي وعامل التنظيفات مع احترامي لجميع المهن . لكنه مجرد تساؤل : هل يمكن لأي مشروع ليبرالي أن ينهض بدون قوة اقتصادية فعلية كحامل له ، وبالذات في بلد تلتف على عنق اقتصاده [ اقتصاده فقط ؟ ] قبضة الدولة / بل السلطة / كالأنشوطة على رقبة المشنوق؟ أعتقد أن الحق الفردي لن يكون باستطاعته أن يعلو على الحق الاقتصادي العام ، ولو شاء ذلك أناس طيبون أطلقوا على أنفسهم اسم " مثقفين ليبراليين " ، لكنهم في الواقع أبناء هذه البنية الاستبدادية التي رضعنا جميعا حليبها ولحم أكتافنا من خبزها ، ولا يجوز أن ننسى أننا أصبحنا كهولا ، بينما البلدان الليبرالية العريقة منذ قرون مازالت تعاني من فضائح مذهلة في أعرافها وتقاليدها ، ولاتذكرني هذه النزعة الإرادوية إلا بشطحاتنا أيام الشباب حين كنا سننعم بديكتاتورية البروليتاريا بعد الجامعة ، أما سوريا الشيوعية فسيراها أبناؤنا ولن تنتظر حتى الأحفاد ولم نكن نمزح ، ولكن : ياأخوتي المؤمنين لقد اجتهدتم فلكم أجر على الأقل ، و من أعماقي أتمنى أن يكون لكم أجران وأكثر .
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الشعر والسياسة
-
الرماد
-
عد كما كنت
-
تلك جنتي يا ملكة
-
كما ترق الأعالي ويحن الذوبان
-
متى ندق باب العصر
-
صمت أبيض
-
الغريب
-
كرنفال يخضورك العالي
-
الصفحة البيضاء
-
جل ما أخشاه أن يكون العكس
-
محطمة قلبي
-
حفقات في جبلة
-
الوراء الوحيد
-
ماذا لو انتصرت؟
-
تنين الأنواء
-
الدكتور مقاومة والمستر.....!!
-
الهاوية
-
جاهلة في الضوء
-
الماضوية الحاكمة
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|